الشَّوَاطِئُ الْمِصْرَيَّةُ
صيف عام ١٩٣٤ على صخور المكس.
حَيَّاكِ أرضًا، وازدهاكِ سماءَ
بحرٌ شدا صخرًا، وصفَّقَ ماءَ
يحبو شعابَكِ في الضحى قُبُلاتُه
ويرفُّ أنفاسًا بهنَّ مساءَ
متجدِّدَ الصبَواتِ أودعَ حبَّهُ
شتَّى الأشعَّةِ فيكِ والأنداءَ
وَلِعٌ بتخطيطِ الرمال كأَنَّهُ
عرَّافَةٌ، تستطلِعُ الأنباءَ
ومصوِّرٌ لبقُ الخيال، يصوغُ من
فنِّ الجمالِ السِّحرَ، والإغراءَ
نسقَ الشواطِئَ زينةً وأدقَّها
صُورًا بريَّا صفحتيهِ تراءَى
يَجلو بريشَتِهِ السماءَ، وإنَّمَا
زادَتْ بريشَتِهِ السماءُ جَلَاءَ
لا الصبحُ أوضَحُ من مطالعهِ بها
شمسًا، ولا أزهى سنًا وضياءَ
كلَّا، ولا الليل المكوكَبُ أفْقُهُ
بأغرَّ بدرًا، أو أرقَّ سماءَ
يا رُبَّ زاهيةِ الأصيلِ أحالها
أفُقًا أحمَّ ولجَّةً حمراءَ
وكأنما طوتِ السماءَ ونشَّرَتْ
لهبًا، وفجَّرت الصخورَ دماءَ
ولربَّ عاطرةِ النسيمِ، عليلةٍ
طالعتُ، فيها الليلةَ القمراءَ
رقصتْ بها الأمواجُ تَحت شُعاعِهَا
وسَرَتْ تجاذبُ للنسيم رداءَ
حتى إذا رانَ الكرى بجفونِهَا
ألقتْ إليكِ بسمعها إصغاءَ
تتسمَّعُ النوتيَّ تحت شراعِهِ
يشدو، فيبدعُ في النشيدِ غناءَ
هزَّت ليالي الصيفِ ساحرَ صوتِهِ
فشجى الشواطئَ واستخَفَّ الماءَ
وأثارَ أجنحةَ الطُّيورِ فحوَّمَتْ
في الأفْقِ حيرى تَتْبَعُ الأصداءَ
صُوَرٌ فواتنُ يا شواطئُ صاغها
لك ذلكَ البحرُ الصَّناعُ رواءَ
فتنظَّريهِ على شعابك مثلما
رجعَ الغريب إلى حِمَاهُ وفاءَ
كم ظلَّ يضربُ في صخورِكِ موجُهُ
مما أجَنَّ محبَّةً ووفَاءَ
عُذْرًا، إذا عَيَّتْ بمنطقة اللُّغى
فهوَ العَيِيُّ المفحِمُ الفُصَحَاءَ
فُخَذِي الحديثَ عليه واستمعي لَهُ
كم من جمادٍ حدَّثَ الأحياءَ
وسليهِ، كيفَ طوى الليَالي ساهدًا
وبَلا الأحبَّةَ فيكِ والأعداءَ
كم ليلةٍ لك يا شواطِئُ خاضَها
والهولُ يملأُ حولَكِ الأرجاءَ
والسفْنُ مرهفةُ القلاعِ كأنَّمَا
تطأُ السحابَ، وتهبِطُ الدأمَاءَ
حملتْ لمصرَ الفاتحينَ وطوَّحَتْ
بالنيْل منهمْ جَحْفَلًا، ولِوَاءَ
ولو استطاع لردَّ عنكِ بلاءَهُمْ
وأطارَ كلَّ سفينةٍ أشلَاءَ
أو كان يملِكُ قدرةً حَشَدَ الدُّجَى
ونضا الرجومَ، وجنَّدَ الأنواءَ
ودعا غوارِبَهُ الخفافَ فأقْبَلَتْ
فرمى بها قدرًا، وردَّ قضَاءَ
فاستعرضي سِيَرَ الحياةِ وردِّدِي
ما سرَّ من أنبائِهِنَّ، وساءَ
وخُذِي ليومِكِ من قديمكِ أُهْبَةً
ومن الجديد تَعِلَّةً ورجاءَ
إيهٍ شواطئَ مصرَ، والدنيا مُنًى
تهفو إليكِ بنا صباحَ مساءَ
ناجيتِ أحلامَ الربيعِ، فأقبلتْ
وأشرتِ للصيفِ الوسيمِ، فجاءَ
يَحبوكِ من صفوِ الزمانِ وأُنْسِهِ
ما شئتِ من مَرَحِ الحياةِ، وشاءَ
وغدًا تضيءُ على جَبينكِ لمحةٌ
طبعَ الخلودُ سماتِهَا الغَرَّاءَ
وترفُّ مِنْهُ على ثُغُورِكِ قبلةٌ
أصغَى النسيم لها، وغضَّ حياءَ
فاستقبلي الصيفَ الجميلَ، وهيِّئي
للشِّعْرِ فيكِ خميلَةٌ غنَّاءَ
وتسمَّعِي لحنَ الخيالِ، وأفرِدِي
لي فوق مائِكِ صَخْرَةً بيضاءَ
واستعرضي حورَ الجِنانِ، وأطلِقِي
لغَةَ السماءِ، وأَلْهِمِي الشعراءَ