راَقِصَةُ الْحَانَةِ
سَرَتْ بين أعينهم كالخيالْ
تعانقُ آلهةً في الخيالْ
مُجَرَّدَةً حَسِبَتْ أَنها
من الفنِّ في حَرَمٍ لا يُنالْ
فليستْ تُحسُّ اشتهاءَ النفوسِ
وليستْ تُحسُّ عيونَ الرجالْ
وليستْ تَرَى غير معبُودها
على عرشِهِ العبقريِّ الجلالْ
دَعَاها الهوى عِنْدَهُ للمُثُول
وما الفنُّ إلَّا هوًى وامتثالْ
فَخَفَّتْ له شِبْهَ مسحورةٍ
عَلَتْ وجهَها مَسْحَةٌ من خبَالْ
وفي روحها نشوةٌ حلوةٌ
كمهجورةٍ مُنِّيَتْ بالوصالْ
تَراها وقد طوَّفَتْ حولَهُ
جلالها الصِّبَا، وزهاها الدلالْ
•••
تَضُمُّ الوشاحَ وتُلْقِي بهِ
وفي خطوها عِزَّةٌ واختيالْ
كفارسةٍ حَضَنَتْ سيفَها
وألقتْ به بَعْدَ طول النِّضالْ
تَمُدُّ يديْهَا وتَثْنيهِما
وترتدُّ في عِوَجٍ واعْتدالْ
كحوريَّة النَّبعِ تطوي الرِّشَاءَ
وتجذبُ ممتلئاتِ السِّجالْ
مُحَيَّرَةَ الطيفِ في مائجٍ
من النُّور يَغْمُرُهَا حَيْثُ جالْ
تُخَيَّلُ للعينِ فيما تَرَى
فراشةَ روضٍ جَفَتْها الظلالْ
وزَنْبَقَةً وَسْطَ بِلُّورةٍ
على رفرفِ الشمسِ عند الزوَّالْ
تَنَقَّلُ كالْحُلْمِ بَيْنَ الجفونِ
وكالبرقِ بَيْنَ رُءوسِ الِجبالْ
على إصْبعَيْ قَدَمٍ أُلْهِمَتْ
هبوبَ الصَّبَا ووثوبَ الغَزَالْ
وتُجْرِي ذِراعينِ منسابتينِ
كفرعينِ من جدولٍ في انثيالْ
كأنَّهما حولها تَرْسُمانِ
تقاطيعَ جسمٍ فريدِ المثالْ
أَبَتْ أن تَمَسَّاهُ بالراحتينِ
ويرضَى الهوى، ويريدُ الجمالْ!
ومن عَجَبٍ، وهي مفتونةٌ
تُريكَ الهدَى، وتُرِيكَ الضلالْ
تَلَوَّى وتسهو كَلُهَّابةٍ
تَراقصُ، قبل فناءِ الذُّبالْ
•••
وتعلو وتهبطُ مثل الشراع
تَرامَى الجنوبُ بهِ والشمالْ
وتعدو كأنَّ يدًا خلفها
تُعَذِّبُها بسياطٍ طوالْ
وتزحفُ رافعةً وجهَها
ضراعةَ مستغفرٍ في ابتهالْ
وتسقط عانيةً للجبينِ
كقُمْرِيَّةٍ وَقَعَتْ في الحبالْ
تَبِضُّ ترائبُها لوعةً
وتخفقُ لا عن ضنًى أو كلالْ
ولكنَّهُ بعضُ أشواقها
وبعضُ الذي استودَعَتْهَا الليالْ!!