بَعْدَ مِئَةِ عَامٍ
ذكرى مرور مئة عام على وفاة محمد علي الكبير
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ
يُضيءُ في مصرَ منارُ السنينْ
أشِعَّةٌ من بَسماتِ المُنى
ومن رجاءٍ كالصَّباح المبينْ
ومن قُوًى مشبوبةٍ كاللظى
عارمةٍ، لا تنثني، لا تلينْ
خَطَّتْ بناءَ الملك ثم ارتقتْ
تبنى له المجدَ الرفيعَ المكينْ
أوَّلُ بانٍ أنتَ بعد الذي
شَيَّدَهُ فرعونُ في الأوَّلينْ
قَدَّ من الصخر تماثيلَهُ
حِجارةً خرساءَ ليستْ تُبِينْ
وأنتَ أطلعت منارَ الحجا
وشُعْلَةَ العلم وفَجْرَ الفنونْ
بناءُ دنيا وحياةٍ معًا
عزَّ به الشعبُ الغبين المهينْ
بعثْتَه خلقًا جديدًا إلى
منزلة عَزَّت على الطامحينْ
قالوا: الحضاراتُ، فقلت: انظروا
أين كهذا الشعب في المحسنينْ
من قُطنه يلبس هذا الورى
ومن يديه مِغزلُ الناسجينْ
والمدفعُ الصخَّابُ من صنعِهِ
والحُمَمُ الحمْرُ كُرَاتُ المَنونْ
قد ماجَتِ الأرضُ براياته
وخوَّضتْ ملءَ البحار السفينْ
وجيشُه مُنقذُ إفريقيا
وحارسُ الشرق القويُّ الأمين
بهؤلاء السُّمْرِ جُبْتَ الثرى
ودُنْتَ في سلطانك العالمين
ومن بَنِيكَ الصِّيد أبطالُه
ومَن كإبراهيمَ في الفاتحينْ؟
تاجُ البطولاتِ على رأسِهِ
مؤتلقٌ والغارُ فوق الجبينْ
•••
مَنْ زَخْرَفَ الوادي وأجرَى به
جداولَ التبر كماءٍ مَعينْ؟
وأخضعَ النهرَ لسلطانه
وهو إلهٌ ساد في الأقدمينْ
ومَنْ بَنَى تلك السدودَ التي
تختزنُ السُّحبَ ولا يمتلينْ؟
غوائثُ الأرضِ إذا أقلعتْ
حواملُ الغيث الدفوقِ الهتونْ
وَمَنْ أتى الصحراءَ في دَوِّها
بهذه الأسوارِ شُمِّ الحصونْ؟
يا عبقريَّ الدهرِ إنَّ الذي
صَنَعْتَهُ معجزةُ الصانعينْ
مهندسٌ أنتَ سَمَا فَنُّهُ
وعالِمٌ أُوتِيَ عِلْمَ السِّنِينْ
أدركتَ ما للفنِّ من قُوَّةٍ
فدِنْتَ بالقوَّةِ فيما تدِينْ
أبياتُ شعرٍ أنا بنَّاؤُها
آجُرُّهَا اللفظ السَّريُّ الثمينْ
رسمتُها بعضَ خطوطٍ كما
يُرْسَمُ أُفْقُ الكونِ للناظرينْ
يبدأُ فيها الفكرُ لا ينتهي
وتسبح الأعينُ لا يلتقينْ
لسيِّدِ النيل وفاروقِهِ
رفعتُها في موكبِ الخالدينْ
مولايَ، من جَدِّكَ أنشودةٌ
مِزْهَرُهَا التاريخُ عَذْبُ الرنينْ
ألهمَها والدَك المجتَبى
وأنتَ من أبنائه الملْهَمِينْ
وأنتَ منْ روحيهما آيةٌ
كآيةِ الله إلى المرسلينْ
وصورة مشرقةٌ سَمْحَةٌ
إطارُها الحبُّ ونورُ اليقينْ