عَامٌ جَدِيدٌ
غنِّ بالهجرة: عامًا بعد عامِ
وادْعُ للحقِّ، وبشِّرْ بالسَّلامِ
وترسَّلْ، يا قَصيدي، نَغَمًا
وتنقَّلْ بين مَوْجٍ وغمامِ
صوتُكَ الحقُّ، فلا يأْخُذْكَ ما
في نواحي الأرض من بغيٍ وذامِ
كُنْ بَشِيرَ الحبِّ والنور إلى
مُهَجٍ كَلْمَى، وأكبادٍ دَوَامِي
هجرتْ أوطانَهَا واغتربَتْ
في مثاليٍّ من المبدأ سامِ
أنِفَتْ عيشَ الرقيق المجتَبى
وأبَتْ ذُلَّ الضَّمير المُسْتضَامِ
يا دُعاةَ الحقِّ: هذي محنةٌ
تُشْعِلُ الرُّوحَ بمشبوب الضِّرامِ
هذه حربُ حياةٍ، أو حِمامٍ
وصراعُ الخيرِ، والشَّرِّ العُقامِ
خاضها الإسلامُ فردًا، وهَدَى
بيراعٍ، وتحدَّى بحُسامِ
هجرةٌ كانتْ إلى الله، وفي
خطْوها، مولِدُ أحْداثٍ جِسامِ
أخطأَ الشيطانُ مَسْرَاها، فيا
ضَلَّةَ الشيطانِ في تلك المَوَامي!
آبَ بالخيبةِ من غايَتِهِ
وهو فوقَ الأرض ملعونُ المقامِ
صفحاتٌ من صراعٍ خالدٍ
ضُمِّنَتْ كُلَّ فخارٍ ووسامِ
لم تُتَحْ يومًا لجبَّارٍ طَغَى
أو لباغٍ فاتكِ السيف عُرامِ
بل لدَاعٍ أعزلٍ في قومِهِ
مستباحِ الدَّمِ مهدورِ الذِّمامِ
زلزلَ العالَم من أقطارِهِ
بِقُوَى الرُّوح على القوم الطَّغامِ
وبَنَى أوَّلَ دنيا حُرَّةٍ
بَرِئَتْ من كل ظلمٍ وأثامِ
تَسَعُ الناسَ على ألوانهم
لم تفرِّقْ بين آريٍّ وسامِي
•••
حاطِمَ الأصنامِ: هل منكَ يَدٌ
تذَرُ الظلمَ صديعًا من حُطامِ؟
لم تُطِقْهَا حجَرًا أو خَشَبًا
ويُطاق اليوم أصنامُ الأنامِ!!
وعجيبٌ صُنْعُهُم في زمنٍ
أبْصَرَ الأعمى به والمتَعَامِي!
آدميُّون قَزَامَى انتحلوا
منطقَ الآلهةِ الشُّمِّ العظامِ
وتراهم مثلَما تسمعهم
صُوَرَ الوهم، وأحلامَ النيامِ
بشَّروا الناس بدنيا، ويحهم!
أيُّ دنيا من دَمارٍ وحِمامِ؟
تسلُب الناسَ حِجَاهم، وتَرى
أُممَ الأرض قطيعًا من سوامِ
قِيلَ: للحق، وَمَا أعجَبَهُ
في ادِّعَاءِ لفَّقُوهُ واتِّهامِ!
قِيلَ: للخُبز، فَهَلْ أطعمهُمْ
حاتمُ الحرب سوَى الموتِ الزؤامِ؟
أنتِ، يا أيَّتُها الشَّمْسُ، اطلَعي
من وراء الليل والغيم الرُّكامِ
سدِّدِي بالنار قوسًا، واصرَعِي
مارِدَ الشَّرِّ بمشبوب السِّهامِ
ضَلَّتِ الأرضُ بليلٍ داهِمٍ
يحذر النَّجْمُ دُجَاهُ المترَامِي
دَمِيَتْ أعْيُنُنَا في جُنحِهِ
واشْتَكَتْ حتى خفافيشُ الظلامِ
•••
يا قُلُوبًا ضَمَّها الشرقُ على
مَوْرد للحقِّ والحبِّ التُّؤَامِ
وشعوبًا جَمَعَتْهَا أمَّةٌ
بيْنَ مصرٍ، وعراقٍ، وشآمِ
وبطونًا من بَقَايا طارقٍ
في البِقَاعِ الجُرْدِ، والخُضْرِ النَّوَامِي
ما شدا شعري بها إلَّا هَفَتْ
بالقِبابِ البِيضِ، أو حُمْرِ الخِيَامِ
كلُّ روحٍ بهُدًى من حُبِّهَا
كلُّ قلبٍ بشعاعٍ من غرامِ
تذكُرُ القُرْبَى وتَسْتَدْنِي بها
مَشرقَ الآمال في مطلع عامِ
وتُرَجِّي عودةَ المجد الذي
أعجَزَ البَاني، وأعيَا المتسامي
من بيوتٍ هاشميَّاتِ البِنَى
وعُروشٍ أُمويَّاتِ الدعامِ
ونتاجٍ من نُهًى جبَّارةٍ
وتراثٍ من حَضَارَاتٍ ضِخَامِ
قُلْ لها يا عامُ: لا هُنْتِ، ولا
كنتِ إلَّا مهدَ أحرارٍ كرامِ
ذاكَ مجدٌ لم يَنَلْهُ أهلُهُ
بالتمنِّي، والتغنِّي، والكلامِ
بل بآلامِ، وصبْرٍ، وضنًى
ودموعٍ، ودمٍ حُرٍّ سجامِ
قُلْ لَهَا: إنَّ الرَّحى دائرةٌ
واللَّيالِي بَيْنَ كرٍّ وصدامِ
•••
فاسْتَعِدِّي لغدٍ إنَّ غدًا
نُهْزَةُ السبَّاق في هذا الزحامِ!
واجمعي أمرك لليَوْمِ الذي
يَحْمِل البشرى لعُشَّاق السلامِ!