هِيَ وَهُوَ
صفحات من حب
مِنْهَا
وحيدةٌ! ويْحِي! بلا راحةٍ
ما بين موجٍ طاغياتٍ قُواهْ
تجري بيَ الفُلْكَ كأرجوحةٍ
حيْرَى بأقيانوس هذِي الحياةْ
أبحثُ عنه، وسُدًى ما أرى
أَيْنَ حبيبي؟ أين سارت خُطاهْ؟
لم يَهْدِني نجمٌ إليهِ، ولم
يَبْسِمْ لِيَ الحظُّ فألقى سَنَاهْ
وليس لي من موجةٍ بَرَّةٍ
تحملني في إِثْرِهِ كيْ أراهْ
من شاطئ الراحة لم يَدْنُ بي
إليه أُفْقٌ لا يُرَى منتهاهْ!
هناك في الشاطئ وا فرحتا
أعزُّ إنسانٍ صفا لي هواهْ
منتظرًا لي، شاخصًا، باسمًا
تُشِيرُ بالآمالِ لي راحتاهْ
لكنَّمَا هيهات، كيف السُّرَى
وأين من عصفِ الرياحِ النجاةْ؟
أصار حتمًا أن يُرَى زورقِي
محطَّمًا قد مال بي جانبَاهْ؟
وهل فضاءُ البحر أو غَوْرُهُ
مهما تناءَى وارتمتْ لُجَّتَاهْ
يكفي مداه أن تُوارَى به
جميعُ آلامي؟ أيكفي مداهْ؟
•••
نَمَتْ زهرةٌ في غضون الخريف
كَحْلُمٍ من الماءِ والخضرةِ
كزنبَقةٍ في زُهَى حُلَّةٍ
ربيعيةِ الوَشْي محمرَّةِ
تبثُّ المراعيَ نورًا يشفُّ
ويجلو الطهارةَ في النظرةِ
كأني بها قدحًا مُترعًا
به مُزِجَ السمُّ بالخمرةِ
لها وَهَجُ الحبِّ في قُبلةٍ
على شَفَةٍ شِبْهِ مُفْتَرَّةِ
ألا إنها هي بُقْيَا الهوى
وآخرُ ما فيه من نَضْرَةِ
ألَا إنَّها هِيَ صَهْبَاؤُهُ
وآخرُ ما فيه من قَطْرَةِ
تُميتُ وتُحْيِي فيا لَلْحياةِ
وَلِلْمَوْتِ إِلْفَيْنِ في زهرةِ!
•••
إن أنا قاومتُ هياج العبابْ
مصطرعًا والأفقُ داجي السحابْ
ولم تَدَعْ كفِّي إلى زورقي
زمامَهْ حُرًّا وخضتُ الصعابْ
فسوف يُلقيه خفيُّ القضا
مُحَطَّمًا فوق الصخور الصلابْ
وإنَّ أقْوَى ساعدٍ عاجزٌ
أن يُمسكَ المجدافَ دون اضطرابْ
إن عاند الأموَاجَ فهو الذي
يحفرُ في اليمِّ حَفِيرَ التَّبَابْ
وهو الذي يَسعى إلى حتفِهِ
في هُوَّةٍ مَفْغُورَةٍ في العبابْ
فَلْيُلْقِ بالمجداف من كفِّهِ
وليتركِ الموجَ طليقَ الرِّغَابْ
وَلْيَمْضِ بالزورق ما يشتهي
إلى القضاءِ الحتْمِ دون ارتيابْ
وليبلعْهُ الموجُ في جوفِهِ
فلا مفرَّ اليوم مما أصابْ
طال كفاحي، ويحَ نفسي فما
طولُ كفاحي غيرُ طولِ العذابْ!
•••
أطلَّ الخريفُ بأعقابِ ليلٍ
دجيِّ الظلام بَكِيِّ السُّحُبْ
وآخرُ ما في الرُّبا زهرةٌ
عداها من الصيف وقْدُ اللهَبْ
غَدَتْ وحدها في أديمٍ عَفَا
من النَّوْر والوَرَقَاتِ القُشُبْ
كحارسةِ الميْتِ ليسَتْ تَرِيمُ
مكانًا به وَقَفَتْ تضطربْ
تُساقِطُ من حولها أدمُعًا
غصونٌ تطالِعُهَا عن كثَبْ
جرى الغيثُ، من ورَقَاتٍ بِهَا
إلى أُخَرٍ شاحباتِ، صبَبْ
تحدَّر مختنقًا فوقها
بلا نَبْأَةٍ قَطْرُهُ المنسكبْ
•••
فيا مَنْ لها زهرةُ «الجورجين»
مَنِ الزائرُ الحائرُ المقترِبْ؟!
جَناحٌ لآخر ما في الفراشِ
ومن رحمةٍ بَقِيَتْ أو حدبْ
مضى الصيفُ وانقطعتْ إِثْرَهُ
أغاريدُ كنَّ مَثارَ الطَّرَبْ
نأى طيرُها عانيًا واختفَى
غرامٌ أَتَى … وغرامٌ ذَهَبْ
إِلَيْهَا
لا تتركي زورقَنا المُجْهَدَا
يَجرِي به اليأْسُ ويمضي العذابْ
لا تُسلِمِي مجدافه للرَّدَى
فالشاطئُ الموعودُ وشْكَ اقْتِرَابْ
سيَّان أرغى الموجُ أم أزْبَدَا
لن نحنيَ الرأسَ أمام الصعابْ
هذي يدي! مُدِّي إليها يَدَا
نقتحم النَّوْءَ ونطوِ العُبابْ!
•••
نادَى بروحي منك روحٌ شرودْ:
لبيْكِ، يا رُبَّانتي الهاتِفَه
شرائعُ الناس بهذا الوجودْ
أعجزُ من أنْ تقهَرَ العاطِفَه
وَدِدْتُ لو حطَّمْتُ هذي القيودْ
وجئتُ ألقاكِ على العاصِفَه
يُضِيءُ وجهينا بريقُ الرعودْ
فننثني بالبسمةِ الخاطِفَه!
•••
وحدَكِ أنتِ الآن؟ إنَّا هنا
روحانِ شبَّا في ظلال الكفاحْ
شراعُنا الخفَّاقُ لن يَسْكُنَا
لليأسِ مهما مَزَّقَتْهُ الرياحُ
ونجمُنَا ما زال طَلْقَ السَّنَا
يُطالع الأُفْقَ ويَلْقَى البطاحْ
إذا الغواشي السُّودُ مرَّتْ بنا
ألقَى لنا الضوءَ ومَدَّ الجناحْ
•••
حُبُّكِ رُبَّانُ الهدى والسلامْ
ما لان للأخطار أو أذعَنَا
لا تَنْزِعِي من قبضتَيْهِ الزمامْ
ولا يَرُعْ قلبكِ هذا الضَّنَى
كم ثار نَوْءٌ وتدجَّى ظلامْ
وهذه أنتِ، وهذا أنَا
إنَّا بلونا الهولَ باسم الغرامْ
جنبًا لجنبٍ، ورجونا المُنَى
•••
ثِقِي بِمَلَّاحِكِ في المأزقِ
إنِّي أنا ابنُ الموج والعاصفاتْ
الشعَرَاتُ البيضُ في مفرقي
تُنْبِيكِ عن أيامِيَ الخالياتْ
آثارُ عُمرٍ مُرعِدٍ مُبْرِقِ
تعصف فيه أروعُ الحادثاتْ
ما كدَّرَتْ من روحيَ المشرقِ
تلك الليالي القُلَّبُ المظلماتْ
•••
حبيبتي من أيِّ قلبٍ حزينْ
وأيِّ روحٍ عبقريِّ الأَلَمْ
وأيِّ وادٍ للأسى أو معينْ
فجَّرتِ لحنًا من أرقِّ النغَمْ؟
وَصَفْتِ فيه زهرة «الْجُورِجينْ»
حارسةَ الميْتِ بوادي العَدَمْ
وَخِلْتِهَا كالكأس ذات الرنينْ
برَّاقةً فيها الردى يبتَسِمْ؟!
•••
بكيتِ بالدمع السخين الذريفْ
على غرامٍ خِلْتِهِ قد مَضَى
وَأَبْصَرَتْ عيناكِ ظلَّ الخرِيفْ
يُجَلِّلُ الأرضَ ويَغْشَى الْفَضَا
تخضبُ كفَّاهُ النضيرَ الوريفْ
وَرْسًا، وتُدْمِي الزنبقَ الأبْيَضَا
وتُخرِسُ الطيرَ بليلٍ شفيفْ
يروعُ فيه القلبَ أن يَنْبِضَا!
•••
هذا الخريف الجَهْمُ تمشي خُطاهُ
على الربيع الذَّابِلِ المحتضَرْ
كآبةٌ تحجبُ أُفْقَ الحياةْ
سحابةٌ تخنُقُ ضوءَ القمَرْ
أُختَاهُ! هذا الحبُّ غَضٌّ صِبَاهُ!
أيُّ عذابٍ صاغ هذي الصوَرْ؟
لم يَبْرَحِ الشاطئَ، إنِّي أراهْ
كعهدِهِ في الموعِدِ المُنْتَظَرْ!
•••
كان حديثُ القَدَرِ المبهَمِ
مثارَ هذا الخاطر المفزِعِ
برغم قلبي، صحتُ: لا تُقْدِمِي!
وكان ما كان، فلم تسمعي
أشفقتُ أن تَشْقَيْ وأن تألَمِي
معي، فناشَدْتُكِ أنْ ترجِعِي
لكنْ أبى الحبُّ فلم نأثَمِ
وكان أن أبْقَى، وتَبْقَيْ مَعِي!
•••
أكانَ حُلْمًا أم قضاءً دعا؟
ماذا يُفيد العاشقينَ الحذرْ؟
شئنا فلم نَقْدِرْ وعُدنا معًا
يا أختَ روحِي ذاك حكم القدرْ!
لم ندَّخِرْ جَهدًا ولا أدمُعًا
ولا دمًا، ما نحن إلَّا بَشَرْ!!
ما أمجَدَ الحبَّ وما أروعا
إذا تحدَّى العاشقانِ الخطرْ!
•••
الحبُّ ما زالَ، وهذا سناهْ
يُلْهِبُ حتى الجذوةَ الخامدَةْ
تذوِي الأزاهيرُ وتذوي الشفاهْ
وهو ربيعُ الأنفس الواجِدَةْ
قلوبُنا منه تُصيبُ الحياةْ
وتستمدُّ النَّضْرَةَ الخالدَةْ
إذا أضعناهُ فوا رحمتاهْ
لنا، وبُؤْسَى لليدِ الجاحدَةْ!