ثَلْجٌ وَنَارٌ
أَأَيَّتُهَا النارُ هذا المساءُ
قسا بُرْدُهُ فانْهَضِي واستفيقي
أيا نارُ كفَّاي أثلجُ منهُ
فهلَّا بعثتِ بدفءِ الحريقِ!
•••
أما فيكِ بَعْدُ حياةٌ تُشَبُّ؟
أما فيكِ من جَذوةٍ تُلْهَبُ؟
أمقرورةٌ؟ أم غفا وانطوى
على نفسه اللَّهَبُ المُتْعَبُ؟
•••
أأجلسُ، يا نارُ، وحدي هُنَا
أراعيكِ وَهْنًا وأستطلِعُ؟
خُذِي ملء شدقيكِ هَذِي الرسَائِلَ
إن كان فيهنَّ ما يُشبِعُ!
•••
خُذِيها! كُلِيها! ولا تُمهلي
فمنها الوقودُ ومنكِ الأجيجْ
ويا من لها كلماتٌ حَوَتْ
من الحبِّ كلَّ جميل بهيجْ!
•••
أتُبقينَ حقًّا على ما بها؟
متى أنتِ أبْقَيْتِ شيئًا؟ مَتَى!
وَمَاذَا أُرَجِّي بهذَا الدُّعَاءِ
وكيف تُلَبِّينَ! وا حسرتا!
•••
أجائعةٌ أنتِ؟ يا للشراهَةِ
ما عِفْتِ غير بلًى أو رَمَادْ
تشهَّيتِ كلَّ طعامٍ، وما
تذَوَّقْتِ شيئًا كَطَعْمِ المِدَادْ؟
•••
وَمَنْ لي بِزَادِكِ؟ لَمْ يَبْقَ مَا
يَلُوكُ لِسَانُكِ أو يَعْلُكُ
أَأَيَّتُهَا النارُ، وَيْكِ اصبِرِي
أَجِئْكِ بكل الذي أملِكُ
•••
بقربانيَ القُدْسِيِّ الأخيرِ
أزاهيرَ كُنَّ رِقَاقًا لِطَافَا
أزاهيرَ تُزْهَى بها باقَةٌ
ذَوَتْ نضرةً وأصابَتْ جِفَافَا
•••
أَلَا كَمْ تَأَلَّقْنَ فوق الغصونِ
زواهرَ في روعةٍ واتِّقَادْ
بكفيَّ هاتَيْنِ جمَّعْتُهُنَّ
من كلِّ روضٍ ومن كلِّ وادْ
•••
فوا رحمتا أيُّ عمرٍ قصيرٍ
لهنَّ، وأيُّ شبابٍ ذَوَى
وأيُّ حياةٍ كحُلْمٍ سَرَى
سُرَى البرق لَأْلَأَ ثُمَّ انْطَوَى!
•••
أحقًّا فرغتِ؟ إذن ما سُعارُكِ
لم يَبْقَ، يا نارُ، ما يُنْهَشُ
أهذي القُصاصَةُ؟ لا! إِنَّنِي
أضمُّ عليها يدًا تُرْعَشُ!
•••
أكانت سوى قطعةٍ غُضِّنَتْ
من الورَقِ اليَابِسِ الأصفَرِ
مهلهلةً غيْرَ مقروءَةٍ
حَوَتْ قِصَّةَ الحُبِّ في أسطُرِ!
•••
ضنِنْتُ بها ضَنَّ معتَزَّةٍ
وتَحْتَ الوسادَةِ أودعتُهَا
أُقبِّلها مِئَتَيْ مَرَّةٍ
إذا جُنَّ شوقي فأطلعتُها
•••
فَيَا للشَّرَاهَةِ؟ ماذَا أَرَى؟
لِسانَكِ في ثورةٍ واهتيَاجْ
يكاد إليَّ من المصْطَلَى
بجمركِ أن يتخطَّى السيَاجْ!
•••
خَسِئْتِ فردِّيهِ! ماذا يرومُ؟
ألم يَبْقَ، يا نارُ، ما يُطعمُ؟
أهذي القُصاصَةُ؟ يا لَلْحريق
ويا لَلْبلَى! شَدَّ ما يُؤْلِمُ!