فَارُوس الثَّانِي
نَبَأٌ، في لحظةٍ أو لحظتينْ،
طافَ بالدنيا وهزَّ المشرقينْ
نبأٌ، لو كانَ همسَ الشفتينْ
منذ عامٍ، قِيلَ: إرجافٌ ومَيْنْ!
وتراه أمةٌ بالضفتينْ
أنَّهُ كانَ جنينَ «العلمينْ»
موسُليني! أين أنتَ اليوم؟ أينْ؟
حلمٌ؟ أم قصةٌ؟ أم بينَ بينْ؟
•••
قَصْرُ «فينيسيا» إليك اليوم يُهدي
لعنةَ «الشُّرفَةِ» في قربٍ وبُعدِ
عجبًا! يا أيُّهذا المتحدِّي
كيفَ ساموكَ سقوطَ المتردِّي؟
إمبراطورُكَ في هَمٍّ وسُهدِ
صائحًا في ليلهِ لو كانَ يُجدِي:
أين، يا «فاروسُ»، ولَّيْتَ بَجندي؟
أين ولَّيْت بسلطاني ومجدي؟
•••
اعتَزلتَ الحكمَ؟ أم كانَ فرارا
بعدَ أن ألفيتَ حوليْكَ الدَّمارَا
سُقتَ للمجزرةِ الزُّغبَ الصِّغارا
بعد أن أفْنَيْتَ في الحربِ الكِبارا
يا لَهم في حَومةِ الموتِ حَيَارَى
ذَهَبُوا قَتْلَى، وجَرْحَى، وأُسَارَى
يملئونَ الجَوَّ في الرَّكْضِ غبَارا
وقُبُورًا ملئوا وَجْهَ الصحارَى
•••
أعلى «الصُّومالِ» أم «آديسَ بابا»
ترفعُ الروايةَ، أم تَبني القِبَابا
أم عَلَى «النيلِ» ضِفَافًا وعُبَابَا
لَمَحَتْ عَيْنَاكَ للمَجْدِ سَرَابَا
فَدَفَعْتَ الجيشَ أعلامًا عجابَا
ما لِهذا الجيشِ، في الصحراءِ، ذَابَا؟
بَخَّرَتْهُ الشَّمْسُ فارْتَدَّ سَحَابَا
حينَ ظَنَّ النصرَ من عينيهِ قابَا
•••
يا أبا «القُمصانِ» جمعًا وفُرادى
أحَمَتْ قمصانَك السُّودُ البِلادَا؟
لِمَ آثَرتَ من اللَّونِ السَّوادَا؟
لَونُهَا كانَ على الشَّعبِ حِدَادَا
جِئتَ بالأزيَاءِ تَمثِيلًا مُعَادَا
أيُّ شَعبٍ عَزَّ بالزِّيِّ وَسَادَا
إِنَّهُ الرُّوحُ شُبوبًا واتِّقَادَا
لا اصطِنَاعًا بل يقينًا واعتِقَادَا
•••
موسُليني! قِفْ عَلَى أبوَابِ روما
وتأمَّلْهَا طلولًا وَرسوما
قِفْ تَذَكَّرْهَا على الأمسِ نجوما
وتَنَظَّرْهَا عَلَى اليَومِ رجومَا
أضرَمْتَ حَوْلَكَ في الأرضِ التُّخُوما
تَقْتَفِي شَيطَانَكَ الفَظَّ الغَشُومَا
أوَكانت تلك «روما» أم «سدُوما»
يَومَ ذَاقَتِ بخَطَاياكَ الجَحِيمَا؟
•••
هِيَ ذَاقَتْ مِنْ يَدِ اللهِ انتقامًا
لِأثامِ «خالدٍ» عامًا فَعَامَا
يَومَ صَبَّتْ فَوْقَ بيروتَ الحِمَامَا
لَمْ تَذَرْ شيخًا ولم تَرحَمْ غلامَا
مِنْ سَفِينٍ يَملأُ البَحْرَ ضِرَامَا!
ذلِكَ الأسطولُ كَمْ ثارَ احتِدَامَا
أينَ راحَ اليومَ؟ هَل رامَ السلاما؟
أم على الشَّاطئِ أغْفَى ثمَّ نامَا؟
•••
أيُّ عدوانٍ زَرِيِّ المَظهَرِ
بِدَمٍ قانٍ ودَمْعٍ مُهدَرِ
حينَ طَافَتْ بِحِمَى (الإِسْكَنْدَرِ)
أَجْنحٌ من طَيرِكَ المستنسرِ
تَنْشُرُ المَوتَ بلَيلٍ مقمِرِ!
يا لِمِصْرَ!ٍ أترَى لَمْ تَثْأَرِ
بِيَدِ المنتَقِمِ المُسْتَكْبِرِ؟
أَتَرى تَذكُرُ؟ أَمْ لَمْ تَذْكُرِ؟!
•••
موسُلِيني! لَسْتَ مِنْ أمسٍ بعيدَا
فاذكرِ «المُختارَ» والشَّعبَ الشَّهيدَا
هوَ روحٌ يَملأ الشَّرقَ نشِيدَا
وَيُنادِيكَ، ولا يألو وَعِيدَا:
موسُليني! خُذ بكفَّيْكَ الحَدِيدَا
وَصُغْ القَيْدَ لِسَاقَيْكَ عَتِيدَا
أو فَضَعْ منكَ على النَّصْلِ وَرِيدَا
فَدَمِي يَخْنُقُكَ اليَوْمَ طَرِيدَا!!