موكب الجنازة
أصوات جمهور حاشد
المنادي
:
أنصتوا، لقد مات لوكولوس العظيم!
القائد الذي غزا الشرق،
وقوَّض عروش ملوك سبعة،
وملأ مدينتنا روما بالثروات.
أمام تابوته
يسير أعيان روما الجبارة،
بوجوه كسيفة.
وإلى جواره
يمشي فيلسوفه، ومحاميه، وجواده الأثير.
نشيد الجنود
الذين يحملون التابوت
:
احملوه بثبات،
ارفعوه عاليًا فوق أكتافكم؛
حتى لا يترنح أو يهتز.
على مشهد من آلاف الأعين.
ها هو سيد المشرقين،
يمضي إلى مملكة الظلال.
حاذروا ولا تتعثروا.
هذا الذي تحملونه من لحم ومن معدِن،
قد حكم العالم.
المنادي
:
من خلفه يجرون لَوْحًا عظيمًا
نقشت عليه أعماله؛
ليوضعَ شاهدًا على قبره.
مرةً أخرى يتاح للشعب كله
أن يُبديَ إعجابه بحياته العجيبة،
بفتوحاته وغزواته،
وأن يتذكر نصره القديم.
أصوات
:
اذكروا القائد الذي لم يقهره أحد.
اذكروا القائد الجبار.
تذكروا رهبة آسيا الصغرى والكبرى.
وتذكروا حبيب روما وحبيب الآلهة.
يوم أن سار موكبه في شوارع روما
يجلب لكم معه ملوكًا غرباءَ وحيوانات غريبة
من فِيَلة وجمال وفهود.
وتذكروا العربات المزدحمة بالسبايا،
وعربات البضائع المكدَّسة بالأدوات،
بالسفن والصور والأواني
مطعمة بالعاج،
كأنها مدينة كورنثة بأكملها
تغص بالتماثيل المعدِنية،
وتشق بحر الجماهير المتلاطم.
تذكروا ذلك المشهد.
وتذكروا النقود
التي كان ينثرها للأطفال،
والنبيذ والسجق!
عندما كان يقف في عربته الذهبية،
ويعبر موكبه شوارع المدينة.
القائد الذي لم يُقهر،
القائد الجبار،
حبيب روما وحبيب الآلهة،
من كانت آسيا الصغرى والكبرى
ترهب بأسه وتخشاه.
نشيد العبيد
الذين يحملون اللوح
:
حاذروا،
لا تتعثروا،
أنتم يا من تحملون اللوح،
نقشت عليه صور الانتصار.
لا ترفعوا أيديكم عن الحجر،
وإن تصبب منكم العرق وجرى في عيونكم.
فلو سقط منكم
لصار كومةً من التراب.
فتاة صغيرة
:
انظر الخوذة الحمراء! لا! الخوذة الكبيرة.
فتاة أخرى
:
في عينيك حول.
التاجر الأول
:
الشيوخ جميعًا.
التاجر الثاني
:
وكذلك كل الخياطين.
التاجر الأول
:
لا، لقد وصل الرجل إلى الهند.
التاجر الثاني
:
إلا أن دوره كان قد انتهى
مع الأسف،
وهذا هو رأيي.
التاجر الأول
:
هو أعظم من بومبيوس.
لولاه لضاعت روما.
انتصارات هائلة.
التاجر الثاني
:
مسألة حظ.
المرأة الأولى
:
كل هذه الصيحات
لن تعيد إليَّ ولدي ريوس
الذي قُتل في آسيا.
التاجر الأول
:
كثيرون ربوا ثروات
عن طريقه.
المرأة الثانية
:
بسببه أيضًا
لم يرجع أخي إلى بيته.
التاجر الأول
:
الكل يعرف
ما أحرزته روما
من أمجادٍ على يديه.
المرأة الأولى
:
لو أنهم لم يكذبوا
ما أصابهم شيء.
التاجر الأول
:
البطولة
مصيرها للأسف إلى الزوال.
رجل من عامة الشعب
:
متى يرحموننا
من غسيل روما؟
رجل آخر من عامة الشعب
:
حُوذي
:
هل أستطيع أن أعبر من هنا؟
المرأة الثانية
:
لا، فالطريق مسدود.
رجل آخر من عامة الشعب
:
عندما ندفن قوادنا،
يكون على الثيران التي تجر العربات
أن تتذرع بالصبر.
المرأة الثانية
:
ولدي بولكر قدموه للمحاكمة؛
ديون الضرائب.
التاجر الأول
:
يستطيع الإنسان أن يقول:
لولاه ما كانت آسيا الآن في حوزتنا.
المرأة الأولى
:
هل ارتفع سعر السمك المعلب من جديد؟
المرأة الثانية
:
كما ارتفع سعر الجبن.
(تتعالى صيحات الجماهير.)
المنادي
:
الآن يعبرون قوس النصر،
الذي أقامته المدينة لابنها العظيم.
الأمهات يرفعن أطفالهن.
الفرسان يدفعون صفوف المتفرجين إلى الوراء.
الشارع الذي عبر منه الموكب
يبدو كاليتيم.
لوكولوس العظيم سار فيه
للمرة الأخيرة.
(تضيع ضجة الجماهير، وتتلاشى أصوات الموكب.)
(انفض الموكب، وعادت الحياة اليومية إلى مجراها الطبيعي.)
المنادي
:
اختفى الموكب،
وازدحم الشارع من جديد.
من الحارات التي تغص بالسكان
يخرج السائقون وهم يدفعون
عرباتهم التي تجرها الثيران.
الجماهير تنصرف إلى شئونها
وهي تثرثر.
روما
تعود إلى العمل.
٣
في كتب المطالعة
جَوقة الأطفال
:
في كتب المطالعة
دُوِّنت أسماء القواد العظام.
معاركهم يحفظها عن ظهر قلب،
حياتهم العجيبة يدرسها،
من يقتدون بهم.
نحن قد فُرض علينا
أن نحذوَ حذوهم،
ونرتفع فوق الجماهير.
مدينتنا في شوق،
إلى أن تُنقش أسماءَنا أيضًا
ذات يوم على لوحات الخالدين.
سكستوس غزا البحر الأسود،
وأنت يا فلاكوس
قد غزوت بلاد الغاليين الثلاثة.
أما أنت يا كونتليان
فقد عبرت جبال الألب.
٤
الدفن
المنادي
:
في خارج المدينة
على طريق أبي،
مبنًى صغير،
شُيِّد منذ عشر سنين؛
ليكون مثوًى
للرجل العظيم.
هنالك تتقدمه
جماعة العبيد
التي تجر لوح النصر،
وتميل إلى البناء.
وعندها تتلقاه كذلك
القبة الصغيرة
التي تقف إلى جوارها
الشجرة الزان المخضرة أبدًا.
الصوت الباهت
:
قفوا، أيها الجنود.
المنادي
:
صوت يأتي
من وراء الجدران،
هو الذي يأمر
من الآن فصاعدًا.
الصوت الباهت
:
أنزلوا النعش!
خلف هذا الجدار
لا يُحمل أحد.
خلف هذا الجدار
يسير الجميع على أقدامهم.
المنادي
:
والجنود يُنزلون النعش،
القائد يقف الآن منتصب القامة،
مضطربًا بعض الشيء.
فيلسوفه يريد أن يرافقه
وعلى شفتيه كلمة حكيمة.
ولكن …
الصوت الباهت
:
مكانك، أيها الفيلسوف!
خلف هذا الجدار
لن تخدع أحدًا بثرثرتك.
المنادي
:
هكذا يقول الصوت
الذي يأمر من هناك.
وعندها يتقدم المحامي
ليعلن اعتراضه.
الصوت الباهت
:
الاعتراض مرفوض.
المنادي
:
هكذا يقول الصوت
الذي يأمر من هناك.
وللقائد يقول:
الصوت الباهت
:
ادخل الآن من البوابة.
المنادي
:
والقائد يتقدم من البوابة الصغيرة،
ثم يعود فيقف،
ويتلفت حوله،
ويبصر الجنود،
بعينين تلوح فيهما النظرة الجادة.
ويبصر العبيد،
الذين يجرون اللوح المنقوش.
ويبصر شجرة الزان،
آخر ما تقع عليه عيناه من خضرة.
إنه يتردد.
وإذ كانت القاعة مفتوحة،
فالريح تنفذ إليها
من الطريق. (دفعة ريح.)
الصوت الباهت
:
انزع الخوذة؛ بابنا منخفض.
المنادي
:
والقائد ينزع الخوذة الجميلة،
ويدخل، منحنيَ الظهر.
ومن المقبرة
يتدافع الجنود خارجين،
وهم يتنفسون الصُّعَداء،
ويثرثرون مرحين.
٥
وداع الأحياء
جَوقة الجنود
:
سيرفوس، لاكالليس،
انتهينا من مهمتنا
أيها الجندي العجوز.
من المدفن
رفعنا واحدًا.
المجد ليس كل شيء،
لا بد أيضًا أن نعيش.
من يأتي معنا؟
هناك في الميناء
خمارة قديمة.
لم تستطع أن تلحق بنا،
سآتي معك.
أعتمد على هذا.
ومن يدفع؟
إنهم يقيدون على الحساب.
كم يضيء وجهه من الفرح!
سأسبقكم إلى سوق اللحوم.
إلى السوداء الصغيرة.
انتظر، سنذهب معك.
لا، لا يجب أن نكون ثلاثة؛
فقد غضبت في المرة السابقة.
ثم نذهب
إلى سباق الكلاب.
ولكن لا بد من دفع تذكرة؟
إذا كانوا يعرفونك
فلن تدفع.
سآتي معك.
إذن هيا بنا
بدون تذكرة.
إلى الأمام.
٦
الاستقبال
(الصوت الباهت هو صوت حارس باب مملكة الظلال. يستطرد قائلًا):
منذ أن حضر القادم الجديد
وهو يقف إلى جانب الباب
جامدًا، خوذته تحت إبطه
كأنه تمثاله المقام له.
غيره من الأموات الجدد
الذين جاءوا منذ قليل،
يجلسون على الأريكة
وينتظرون،
كما انتظروا من قبل
مرات عديدة،
نصيبهم من السعادة أو من الممات،
في الحانة؛
حتى يحصلوا على الكأس،
وعند النبع؛
حتى تأتيَ الحبيبة،
وفي الغابة
أو في المعركة؛
حتى تصدر الأوامر.
غير أن القادم الجديد
يبدو عليه
أنه لم يتعلم الانتظار.
لوكولوس
:
بحق جوبيتر!
ما معنى أن أقف هنا وأنتظر؟
لم تزل أعظم المدن على وجه الأرض
تردد أصداء الحزن عليَّ.
وما من أحدٍ هنا
أجده في استقبالي؟
أمام خيمتي الحربية
كان الملوك السبعة ينتظرونني،
ألا يعرفون هنا شيئًا عن النظام؟
أين ذهب على الأقل
طاهي لازوس؟
الرجل الذي كان في مقدوره دائمًا
أن يجهز لي من الهواء وجبةً صغيرة!
لو أنهم على سبيل المثال
أرسلوه ليكون في استقبالي
وهو الذي سبقني إلى هنا
لشعرت كأنني في بيتي.
آه يا لازوس!
أين لحم الضأن من يديك
وفوقه أوراق الخيار والغار؟
وأين لحم الغزال الوحشي من كابوديزيا؟
وأين سرطان البحر من البحر الأسود؟
وأين أنت يا فطائر فيرجيا الحلوة،
وعليها الفراولة المُرَّة؟
(سكون.)
أمرت بأن أرحل من هنا؟
(سكون.)
هل أبقى هنا مع هؤلاء الرعاع؟
(سكون.)
إنني متظلم.
مائتا سفينة مدرعة،
خمس فرق،
كانت تتحرك بإشارة من إصبعي الصغير.
إنني متظلم.
(سكون.)
الصوت الباهت
:
لا جواب. ولكن على الأريكة
التي يجلس عليها المنتظرون.
(تتكلم امرأة عجوز وتقول):
صوت امرأة عجوز تنتظر
:
اجلس أيها القادم الجديد!
المعدِن الكثير الذي تجره،
الخوذة الثقيلة،
والدرع الذي يطوِّق صدرك
لا بد أنها ترهقك.
(لوكولوس يسكت.)
لا تكن عنيدًا. لن تستطيع أن تقف على قدميك
طَوال الفترة التي ستقضيها في الانتظار.
إن الدور عليَّ قبلك،
لا أستطيع أن أقول لك
كم تستغرق المحاكمة.
من الواضح أيضًا
أنهم يحاسبون كل واحد
حسابًا دقيقًا،
سواء حُكِمَ عليه بأن يذهب إلى «هادس» المظلمة،
أو حُكِمَ عليه بأن يُرسَل إلى منازل الأبرار.
أحيانًا ما يكون الحساب قصيرًا جدًّا.
القضاة تكفيهم نظرة واحدة.
يقولون: هذا الرجل الجالس هناك
قد عاش حياةً بريئةً من الذنوب،
واستطاع أن ينفع مواطنيه.
فأهم ما يُعنَون به
مقدار ما ينفع الإنسان إخوانه.
«نرجوك، اذهب واسترح.»
كذلك يقولون له.
حقًّا إن المحاكمة قد تمتد في أغلب الأحيان أيامًا
عديدةً، وبالأخص بالنسبة لأولئك الذين أرسلوا أحد الناس إلى مملكة الظلال
قبل أن يحين أجله.
الرجل الذي يحاكمونه الآن
لن يحتاج منهم إلى وقتٍ طويل؛
مجرد خباز صغير،
لا عيب فيه.
أما بالنسبة لي
فأنا قلقة بعض الشيء،
ومع ذلك فأنا أُعَلِّل نفسي
بأن من بين المحلفين
— كما سمعت —
أناسًا بسطاء،
يعلمون تمام العلم
كم تقسو الحياة علينا
في أزمنة الحرب.
أنصحك أيها القادم الجديد …
الصوت ذو الأنغام الثلاثة
(يقاطعها)
:
ترتوليا.
العجوز
:
إنهم ينادون عليَّ.
عليك أن تنظر
كيف تنجو بنفسك
يا أيها القادم الجديد.
الصوت الباهت
:
القادم الجديد يقف مرتبكًا أمام الباب.
لكن عبء نياشينه
وصيحاته الغاضبة
والكلمات الودود من فم العجوز
قد غيرته.
إنه يتلفت حوله
ليرى إن كان وحده حقًّا.
الآن يتجه إلى الأريكة،
غير أنهم سينادون عليه
قبل أن يتمكن من الجلوس.
لم يكن القضاة في حاجة
إلى محاكمة العجوز؛
نظرة واحدة كانت كافيةً.
الصوت ذو الأنغام الثلاثة
:
لاكاللاس.
لوكولوس
:
اسمي لوكولوس.
ألا تعرفون هنا اسمي؟
إنني أنحدر من سلالة مشهورة
من الحكام والقواد.
في الضواحي وحدها،
في أحياء الميناء وحانات الجنود،
على الأفواه القذرة
للجهلة والغوغاء
يسمونني لاكاللاس.
الصوت ذو الأنغام الثلاثة
:
لاكاللاس.
الصوت الباهت
:
وهكذا،
بعد أن نوديَ على اسمه عدة مرات
في لغة الضواحي المحتقرة.
تَقدَّم لوكولوس،
القائد الذي فتح الشرق،
الذي قَوَّض عروش سبعة ملوك،
الذي ملأ مدينة روما
بالخيرات والثروات
إلى المحكمة العليا
في مملكة الظلال
ذات مساء
كانت روما فيه
من وراء القبور
تجلس إلى الطعام.
انتخاب شاهد في صف لوكولوس
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
القائد لاكاللاس
الذي يسمي نفسه لوكولوس
يَمثُل أمام المحكمة العليا
في مملكة الظلال.
خمسة محلفين
يجرون المحاكمة
تحت رئاسة قاضي الموتى.
كان أحدهم فلاحًا،
وكان الآخر عبدًا
اشتغل معلمًا،
والثالثة كانت بائعة سمك،
والرابع خبازًا،
والخامسة وصيفةً.
يجلسون على منصةٍ عالية
بلا أيد تأخذ
ولا أفواه تأكل.
الأعين التي انطفأت
من زمنٍ بعيد
لم تعد تتأثر بأضواء المجد.
نزيهون
سادة العالم الآخر.
قاضي الموتى يبدأ المحاكمة
قاضي الموتى
:
أيها الظل
عليك أن تحاكَم.
عليك أن تقدم الحساب
عن حياتك بين الناس
إن كنت قد نفعتهم
أو أضررت بهم.
إن كان هناك
في منازل الأبرار
من يريد أن يرى وجهك.
أنت في حاجةٍ إلى شاهد،
هل هناك من يشهد لك
من بين الأبرار؟
لوكولوس
:
أطلب أن ينادى
على الإسكندر العظيم؛
لكي يتحدث إليكم
باعتباره خبيرًا
في مثل الأعمال التي قمت بها.
الصوت ذو الأنغام الثلاثة
(ينادي في منازل الأبرار)
:
الإسكندر المقدوني.
(صمت.)
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
المنادى لا يُجيب.
الصوت ذو الأنغام الثلاثة
:
في منازل الأبرار
لا يوجد أحد
باسم الإسكندر المقدوني.
قاضي الموتى
:
أيها الظل،
الخبير الذي تتحدث عنه
غير معروف
في منازل الخالدين.
لوكولوس
:
ماذا تقولون؟!
القائد الذي فتح آسيا
ووصل إلى الهند،
القائد الذي لم ينسه أحد،
الذي طبع حذاءه
على أديم الأرض
فلم تخطئه عين،
الإسكندر الجبار …
قاضي الموتى
:
غير معروف هنا.
(صمت.)
قاضي الموتى
:
أيها الشقي.
أسماء العظماء
لم تعد تثير الخوف
في هذا العالم السفلي،
لم تعد هنا
ترهب أحدًا.
الحِكَم التي فاهوا بها
تُعَدُّ هنا أكاذيب.
أعمالهم
لا يدوِّنها أحد.
ومجدهم كالدخان
الذي يدل
على أن نارًا قد اضطرمت.
أيها الظل،
موقفك يدل
على أن أعمالًا ذات شأن
قد اقترنت باسمك.
هذه الأعمال
غير معروفة هنا.
لوكولوس
:
إذن فأنا أطالب
بأن يؤتى باللوح
الذي أُعِدَّ ليكون شاهدًا على قبري،
والذي نقش عليه
موكب انتصاري.
ولكن كيف يؤتى به؟
إن العبيد يجرُّونه.
لا شك أن الأحياء
محظور عليهم
أن يدخلوا إلى هنا.
قاضي الموتى
:
الحظر لا يسري على العبيد؛
إن حاجزًا رقيقًا
يفصلهم عن الموتى،
وقد يمكن أن يقال عنهم
إنهم يعيشون بالكاد.
الخطوة التي تنقلهم
من عالم الأحياء
إلى مملكة الظلال،
خطوة صغيرة
بالنسبة إليهم.
فَلْيُؤت باللوح.
٨
إحضار اللوح
الصوت الباهت
:
لم يزل عبيده
واقفين إلى جانب الجدار،
لا يدرون
إلى أن يتجهون باللوح.
حتى ينبعث صوت
على حين فجأة
من وراء الجدار.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
تعالوا.
الصوت الباهت
:
ها هم يجرون حملهم
بعد أن حوَّلتهم هذه الكلمة إلى ظلال
عبر الجدار الذي تنمو
بجانبه شجرة الزان.
جَوقة العبيد
:
ها نحن نترك الحياة،
ندخل في أرض الظلال
نحمل عبئنا الذي
يرهقنا بلا اعتراض.
زماننا الذي مضى.
لا لم يكن زماننا.
طريقنا الذي قطعناه
جهلنا غايته.
نادى المنادي:
صوت سيد جديد
نتبعه مستسلمين
كما اتبعنا صوت سيد قديم.
لِمَ السؤال؟
وراءنا لا شيء نتركه،
أمامنا لا شيء نرتجيه.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وهكذا يَنفُذون من هذا الجدار؛
فالذين لا يقف في وجههم شيء،
لا يقف هذا الجدار كذلك في وجههم.
ويضعون حِملهم
أمام المحكمة العليا للظلال.
ذلك اللوح
الذي نقش عليه موكب الانتصار.
أنتم يا محلفي الموتى
تأملوه:
ملك أسير
نظرته حزينة.
ملكة لها عينان غريبتان
وفخذان فاتنان.
رجل يمسك بشجرة كرز،
يلتهم كرزةً.
إله من الذهب
يحمله اثنان من العبيد،
شديد السمنة.
عذراوان تحملان لوحًا
نُقِشَت عليه أسماء ثلاث وخمسين مدينة.
جندي يسلِّم أنفاسه الأخيرة
ويحيِّي قائده.
طاهٍ يحمل في يده سمكةً.
قاضي الموتى
:
يا أيها الظل،
هل هؤلاء شهودك؟
لوكولوس
:
هم شهودي.
ولكن كيف يستطيعون الكلام؟
إنهم أحجار!
إنهم خرس!
قاضي الموتى
:
ليس بالنسبة لنا.
سوف يتكلمون.
أيتها الظلال الحجرية
هل أنت مستعدة
لتدلي هنا بالشهادة؟
جَوقة الأشكال المنقوشة على اللوح
:
نحن الصور
التي قُدِّرَ عليها
أن تبقى في النور
ظلالًا متحجرةً
للضحايا التي هَوَتْ
لكي نتكلم،
ولكي نصمت.
نحن الصور
التي قُدِّرَ عليها
أن تمثل في النور
باسم الغازي المنتصر
أولئك المنسحقين
المسلوبي الأنفاس
المشوهين والمنسيين
نحن نرضى بالسكوت
نحن نرضى بالكلام.
قاضي الموتى
:
أيها الظل،
إن شهود أمجادك
على استعداد
لأن يدلوا لنا بشهادتهم.
٩
المحاكمة
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والقائد يتقدم،
ويشير إلى الملك.
لوكولوس
:
ها أنتم ترون أمامكم
ملكًا هزمتُه.
في خلال الأيام القليلة
التي تفصل بين ظهور الهلال
وبين اكتمال القمر
سحقت جيشه،
بكل عرباته الحربية
وفرسانه المدرَّعين.
في هذه الأيام القليلة
انهارت مملكته
كما ينهار كوخ
أحرقته الصاعقة.
لمَّا وصلت إلى حدود بلاده
لاذ بالفرار.
والأيام القليلة التي استغرقتها الحرب
لم تكد تكفي أحدًا منا
لكي يصل إلى حدود مملكته.
كانت الحملة من القصر
بحيث إن قطعة من اللحم المقدد
كان طاهٍ يسويها في الدخان
لم تكن قد استوت تمامًا
عندما عدت من الميدان.
ومن بين ملوك سبعة
قوَّضْت عروشهم
لم يكن هذا سوى واحد فحسب.
قاضي الموتى
:
هل هذا القول صحيح أيها الملك؟
الملك
:
أجل، صحيح.
قاضي الموتى
:
أسئلتكم أيها المحلفون.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وظل العبد
الذي كان في يومٍ من الأيام معلمًا
ينحني إلى الأمام
متجهم الوجه
ويسأل.
المعلم
:
وكيف حدث هذا؟
الملك
:
تمامًا كما قال
أخذنا على غِرَّة.
الفلاح الذي كان يحمل قشه
كان لا يزال واقفًا، ومِذراته في يده
حين سُرِقَت منه عربته.
الخباز لم يكن قد سوَّى عجينته
حين امتدت أيدٍ غريبة فأمسكت به.
كل ما يقوله لكم عن الصاعقة
التي أحرقت الكوخ حقٌّ.
الكوخ اندثر.
الصاعقة تقف الآن أمامكم.
المعلم
:
ومن بين ملوك سبعة كنت أنت.
الملك
:
واحدًا منهم فحسب.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
محلفو الموتى يتفكرون
في شهادة الملك.
(صمت.)
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والظل
الذي كان في يومٍ من الأيام وصيفةً
يسأل فيقول:
الوصيفة
:
أنت أيتها الملكة،
كيف جئت إلى هنا؟
الملكة
:
ذات صباح
وأنا في طريقي إلى التاوريون٢
لأستحم؛
نزل من على تل الزيتون
خمسون غريبًا.
انقضوا عليَّ،
هزموني.
ما كان عندي من سلاح
سوى الإسفنج،
ولا من مخبأ
إلا الماء الصافي.
دروعهم وحدها
حمتني،
ولكن لم يدم ذلك طويلًا،
فسُرعان ما انهزمت.
تملَّكني الرعب،
صرخت أنادي فتياتي.
والفتيات في رعب
صرخن خلف الأغصان
وانهزمن جميعًا.
الوصيفة
:
ولماذا تسيرين الآن في الموكب؟
الملكة
:
لأبين الانتصار.
الوصيفة
:
أي انتصار؟! انتصارهم عليك؟
الملكة
:
وعلى تاوريون الجميلة.
الوصيفة
:
وهل سُمَّيَ ذلك انتصارًا؟
الملكة
:
إن الملك، زوجي
لم يستطع بجيشه كله
أن يحميَ ملكه
من عدوان روما الجبارة.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
محلفو الموتى يتفكرون
في شهادة الملكة.
(صمت.)
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وقاضي الأموات
يتجه إلى القائد.
قاضي الموتى
:
أيها الظل،
هل تحب أن نستمر؟
لوكولوس
:
نعم ألاحظ أن المهزومين
يتكلمون بصوتٍ عذب.
ومع ذلك فقديمًا
كان صوتهم أجشَّ.
هذا الملك
الذي يثير شفقتكم
ما كان أغلظه وأقساه
حين كان لا يزال
في العالم الأرضي!
الفوائد والضرائب
التي كان يجمعها
لم تكن تقل
عما كنت أجمعه.
المدن التي انتزعتها منه
لم تفقد فيه شيئًا،
أما روما
فكسبت بفضلي ثلاثًا وخمسين مدينةً.
فتاتان عذراوان تحملان لوحًا
:
كنا نقف في المزارع
من حولنا الشوارع والناس والبيوت
والمعابد والأنهار،
واليوم لم يبقَ منا
سوى أسمائنا
منقوشة على هذا اللوح.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وظل المحلف
الذي كان ذات يوم خبازًا
ينحني إلى الأمام
بوجه معتم
ويسأل:
الخباز
:
لمَ هذا؟
العذراوان
:
ظُهرَ يوم من الأيام
انفجر هناك ضجيج،
تدفق في الشارع نهر
أمواجه من البشر
جرف معه
كل ما نملك.
وفي المساء
لم يكن قد بَقِيَ
سوى عمود من الدخان
يحكي لمن يراه:
كانت هنا مدينة.
الخباز
:
ما الذي أخذه إذن معه
هذا الذي أرسل النهر
وجلب للرومانيين
— كما يقول —
ثلاثًا وخمسين مدينةً؟
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والعبيد
الذين يجرون الإله
المصنوع من الذهب
أخذوا يرتعشون
ويصيحون:
العبيد
:
نحن
كنا سعداء.
نجرجر الفريسة.
اليوم قد أصبحنا
أرخص من سعر الثيران.
نحن أصبحنا الفريسة.
العذراوان
:
نحن قد شيدنا
ثلاثًا وخمسين مدينةً
لم يبقَ منها
سوى الاسم والدخان.
لوكولوس
:
أجل، لقد سقتهم أمامي.
كانوا مائتين وخمسين ألفًا،
كانوا أعدائي.
أما اليوم فلم تعد بيننا عداوة.
العبيد
:
كنا بشرًا،
أما اليوم
فلم نعد من البشر.
لوكولوس
:
وسقت إلههم معهم؛
حتى ترى الأرض آلهتنا
أعظم من كل الآلهة.
العبيد
:
والإله كان عزيزًا عليهم؛
لأنه كان من ذهب،
وكان يزن طنين.
ونحن أيضًا
كل واحد منا
يساوي قطعةً من الذهب
في حجم عَظْمة الإصبع.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وظل المحلف
الذي كان في يومٍ من الأيام خبازًا
في مرسيليا
المدينة المطلة على البحر
يميل في وداعة إلى الأمام
ويقول:
الخباز
:
إذن فلندوِّن في صالحك
يا أيها الظل
بكل بساطة:
جلب لروما ذهبًا.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
محلفو الأموات يتداولون
في شهادة المدن.
(صمت.)
قاضي الموتى
:
المتهم يبدو عليه التعب.
أنا أعلن رفع الجلسة
للاستراحة.
١٠
روما، مرةً أخرى
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
القضاة يبتعدون.
المتهم يجلس
مائلًا برأسه إلى الوراء
منكمشًا على عامود الباب.
إنه مجهد،
ولكنه يتنصت لحديث
يدور خلف الباب
حيث ظهرت ظلال جديدة.
ظل
:
ضيعتني عربة يجرها ثور.
لوكولوس
:
عربة يجرها ثور.
الظل
:
كانت تشيل حمولة رمل
إلى بناية.
لوكولوس
(هامسًا)
:
بناية رمل.
ظل آخر
:
أليس هذا هو وقت الطعام؟
لوكولوس
(هامسًا)
:
وقت الطعام؟
الظل الأول
:
رغيفي وبصلتي
كنت أحملهما معي.
لم تعد لديَّ غرفة أسكنها.
العبيد الذين لا حصر لهم،
والذين يأتون بهم
من كل جهات الأرض
خرَّبوا صنعة الحذَّائين.
الظل الثاني
:
أنا أيضًا كنت عبدًا.
لنقل: إن السعداء
يصيبهم الشقاء
بسبب الأشقياء.
لوكولوس
(يرفع صوته)
:
أنتم هناك،
أما زالت الريح تسري عندكم؟
الظل الثاني
:
أنصت! هناك من يسأل عن شيء.
الظل الأول
(بصوتٍ مرتفع)
:
هل تسري الريح عندنا؟
ربما،
قد تسري في الحدائق،
أما في الحارات الخانقة
فلا يشعر بها أحد.
١١
استئناف المحاكمة
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
المحلفون يعودون
المحاكمة تستأنف من جديد،
والظل الذي كان في يومٍ من الأيام
بائعة سمك
تقول:
بائعة السمك
:
سمعتكم تتحدثون عن الذهب.
أنا أيضًا عشت في روما،
غير أنني لم أرَ ذهبًا
حيث عشت.
وددت لو أعرف
أين راح.
لوكولوس
:
يا له من سؤال!
هل كان عليَّ أن أزحف بجيوشي
لكي أقتنص كرسيًّا جديدًا
لبائعة سمك؟
بائعة السمك
:
إن كنت لم تجلب لنا شيئًا إلى سوق السمك
فقد أخذت من سوق السمك شيئًا:
أبناءنا.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والمحلفة
تتحدث إلى المحاربين
المنقوشة صورهم
على اللوح.
بائعة السمك
:
قولوا لنا
ماذا فعل بكم
في آسيا الصغرى
وفي آسيا الكبرى؟
الجندي الأول
:
أنا هربت بجلدي.
الجندي الثاني
:
وأنا جرحت.
الجندي الأول
:
وحملته فوق ظهري.
الجندي الثاني
:
وكذلك سقط أيضًا.
بائعة السمك
:
لماذا تركت روما؟
الجندي الأول
:
جُعت فيها.
بائعة السمك
:
وماذا أحضرت لنفسك؟
الجندي الثاني
:
لم أحضر شيئًا لنفسي.
بائعة السمك
:
أراك تمد يدك،
هل كنت تحيي القائد؟
الجندي الثاني
:
كنت أريد أن أبين له
أنها لم تزل خاويةً.
لوكولوس
:
أنا أعترض على هذا الكلام.
لقد كان من عادتي
أن أوزِّع الهدايا على الجنود
بعد كل معركة.
بائعة السمك
:
ولكنك لم تكن توزع شيئًا
على الأموات.
لوكولوس
:
أنا أعترض على هذا الكلام.
كيف يحكم على الحرب
من لا يعرف شيئًا عنها؟
بائعة السمك
:
أنا أعرفها.
ولدي سقط في الحرب صريعًا.
كنت بائعة سمك في السوق عند «الفوروم».٣
وذات يوم
قيل لنا إن السفن التي تحمل العائدين
من الحرب في آسيا
قد دخلت الميناء.
أسرعت أجري من السوق
ووقفت على شاطئ التيبر ساعات عديدة
حيث كانوا يفرغونها،
وفي المساء
كانت السفن كلها خاويةً،
ولم يظهر ولدي على سطحها.
وإذ كانت الرياح تهب في الميناء
أصابتني الحمى بالليل،
وفي رعشة الحمى
رحت أبحث عن ولدي،
وكلما أوغلت في البحث
تجمدت أعضائي،
وعندما مت
جئت إلى هنا في مملكة الظلال
ورحت أواصل البحث عنه.
ناديت عليه: يا فابر.
فكذلك كان اسمه.
فابر، يا ولدي فابر،
يا من حملته وربيته.
يا ولدي فابر!
ورحت أجري وأجري بين الظلال،
وأنا أنادي على فابر
حتى أمسكني من كمي
بوابٌ هناك
على معسكر ضحايا الحرب
وقال لي:
أيتها العجوز.
هنا كثيرون اسمهم فابر،
أبناء أمهات كثيرة.
ما أشد ما يفتقدنهم!
غير أنهم نسوا أسماءهم،
فلم يكن لها من فائدة
إلا أن يرصوا في صفوف الجيش
ولم تعد لها ضرورة هنا.
وهم لا يريدون أن يلتقوا بأمهاتهم
منذ أن تركتهم للحرب الدامية.
فابر، يا ولدي فابر،
يا من حملته وربيته،
يا ولدي فابر.
وقفت في مكاني،
البواب يمسكني من كُمِّ ردائي،
وندائي محتبس في حلقي،
واستدرت راجعةً في صمت
فما بقيت لديَّ رغبة
في أن ألقى ولدي
وجهًا لوجه.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وقاضي الموتى
يبحث عن عيني المحلفة
ويعلن:
قاضي الموتى
:
المحكمة ترى
أن أم الشهيد
تعرف الحرب.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
محلفو الموتى يتفكرون
في شهادة المحاربين
(صمت.)
قاضي الموتى
:
لكن المحلفة ترتجف من التأثر
وربما اهتز
في يدها المرتعشة
ميزان العدالة.
إنها في حاجةٍ إلى استراحة.
١٢
روما، مرةً أخيرةً
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
ومرةً أخرى
يعود المتهم إلى الجلوس
وينصت إلى الحديث
الذي يدور خلف الباب.
مرةً أخرى
تنفذ من أعلى،
من ذلك العالم،
نسمة خفيفة.
الظل الثاني
:
ولماذا أسرعتَ تجري هكذا؟
الظل الأول
:
لكي أستطلع الأخبار،
فقد سمعت أنهم يبحثون
في الحانات المطلة على نهر التيبر
عن متطوعين للحرب في الغرب
الذين كانوا يستعدون لغزوه.
كانوا يسمونه
بلاد الغال.
الظل الثاني
:
لم أسمع عنه أبدًا.
الظل الأول
:
مثل هذه البلاد
لا يعرفها إلا العظماء.
١٣
استئناف المحاكمة
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والقاضي يبتسم للمحلفة.
ينادي المتهم
ويتأمله
بنظرةٍ محزونة.
قاضي الموتى
:
وقتنا يمر سريعًا،
أنت لا تستفيد منه.
خير لك ألا تضايقنا بعد الآن
بأنباء انتصاراتك.
أليس لديك أية شهود
على جانبٍ واحدٍ
من جوانب ضعفك؟
قضيتك تسير
في غير صالحك.
فضائلك تبدو
قليلة النفع.
ربما فتحت نواحي ضعفك
ثغرةً في سلسلة فظائعك؟
أيها الظل،
تذكر ضعفك.
هذه نصيحتي لك.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والمحلف
الذي كان في يومٍ من الأيام خبازًا
يسأل فيقول:
الخباز
:
هناك أرى طاهيًا وفي يده سمكة،
إن منظره يبعث على الضحك.
أيها الطاهي،
احكِ لنا كيف أتيت إلى موكب النصر.
الطاهي
:
لكي أبيِّن
أنه حتى في أثناء الحرب
كان يجد الوقت الكافي
ليكتشف وصفةً لذيذةً
لطبقٍ من السمك.
كنت أنا طاهيه،
وما زلت أذكر في أغلب الأحيان
لحوم الطيور البديعة
والغزلان الوحشية السوداء
التي كان يأمرني
بشيِّها له.
وحين يجلس إلى المائدة
لم يكن ينسى أن يمتدحني،
بل كان كثيرًا ما يقف معي
والمقلاة في يدي
ويسوي الأكل لنفسه.
لحم الضأن على طريقة لوكولوس
أكسب مطبخنا الشهرة في كل مكان،
ومن سوريا إلى ضفاف البحر الأسود
كان الناس يُشِيدون
بطباخ لوكولوس.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وتكلم المحلف
الذي كان في يومٍ من الأيام معلمًا.
المعلم
:
وماذا يهمنا
من أنه كان يأكل بشهية؟
الطاهي
:
ولكنه كان يجعلني أطبخ له.
على حسب مزاجي.
إنني أشكر له ذلك.
الخباز
:
أنا أفهمه،
أنا الذي كنت خبازًا.
كم كنت أجد نفسي مضطرًّا
إلى أن أُقَلِّب البقول الناشفة مع النخالة
من أجل الزبائن الفقراء!
هذا الذي ترونه
لا شك أنه فنان.
لا شك أنه فنان.
الطاهي
:
بفضله وحده!
في موكب النصر
كان يجعلني أسير خلف الملوك،
ويكرم فني أي تكريم.
من أجل هذا
أقول عنه إنه إنساني.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
محلفو الموتى يتداولون
في شهادة الطاهي.
(صمت.)
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
والمحلف
الذي كان في يومٍ من الأيام فلاحًا
يسأل ويقول:
الفلاح
:
ها هو أيضًا رجل
يحمل شجرة فاكهة.
الرجل الذي يحمل شجرة الكرز
:
هذه شجرة كرز،
أحضرناها معنا من آسيا.
في موكب النصر
حملناها معنا،
وغرسناها
على سفوح جبل الأبنين.
الفلاح
:
آخ! أأنت إذن يا لاكالاس
الذي جلبتها معك؟
أنا أيضًا قد غرستها
غير أنني لم أكن أعرف
أنك أنت الذي أحضرتها.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وبابتسامة ودودة
يتحدَّث المحلف
الذي كان في يومٍ من الأيام فلاحًا
مع الظل
الذي كان في يومٍ من الأيام قائدًا
عن الشجرة.
الفلاح
:
إنها توفر في الأرض.
لوكولوس
:
ولكنها لا تتحمل الريح.
الفلاح
:
الثمار الحمراء أسمن.
لوكولوس
:
والسوداء أحلى.
الفلاح
:
أيها الأصدقاء،
شجرة الكرز هذه
هي خير ما نذكره
من كل ما غزوناه
بالحروب الدامية
التي نستبشع ذكراها.
ذلك أن هذا الفرع الصغير يحيا،
شجرةً جديدة، لطيفة،
تؤاخي الكرم
وأغصان التوت النشيطة،
وتشب مع الأجيال الشابة،
وتحمل لها الثمار.
إنني أهنئك
يا من جلبتها لنا.
وإذا كانت كل الأسلاب
التي غنمتها من الحرب الآسيوية
قد اندثرت من عهدٍ بعيد،
ففي كل عام
ستتفتح أجمل أوسمتك هذه
في وجوه الأحياء
بفروعها المزهرة البيضاء،
وتَرُف مع الرياح
من على التلال.
١٤
الحكم
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
وتهب المحلفة واقفة،
التي كانت في يومٍ من الأيام
بائعةً في سوق السمك.
بائعة السمك
:
هل عثرتم إذن
في اليدين الملطختين بالدماء
على عملة صغيرة؟
هل رشا اللص
بالغنيمة المحكمة؟
المعلم
:
شجرة كرز!
كان في إمكانه إذن
أن يحقق هذا الفتح
برجلٍ واحد!
ولكنه أرسل ثمانين ألفًا
إلى هذا العالم السفلي!
الخباز
:
كم عليهم أن يدفعوا
في العالم الأرضي
ثمنًا لكأسٍ من النبيذ
ورغيف من القمح؟
الوصيفة
:
هل كتب عليهم أبدًا
لكي يرقدوا مع امرأة
أن يعرضوا جلودهم
للبيع في السوق؟
فلترسلوه للعدم.
بائعة السمك
:
أجل، آه!
فلترسلوه للعدم.
المعلم
:
أجل، آه!
فلترسلوه للعدم.
الخباز
:
أجل، آه!
فلترسلوه للجحيم.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
ويتطلعون إلى الفلاح
الذي امتدح شجرة الكرز.
أيها الفلاح،
ماذا تقول؟
(صمت.)
الفلاح
:
أجل، آه!
فلترسلوه للجحيم.
قاضي الموتى
:
أجل، آه!
فلترسلوه للعدم.
فبالجبروت والغزوات
لا تنمو أبدًا
غير مملكةٍ واحدة
هي مملكة الظلال.
المحلفون
:
وهكذا يمتلئ
عالمنا السفلي المفزع
بالحياة التي لم يحيها أصحابها.
نحن هنا
لا نملك المحاريث للأذرع النافرة الأعصاب،
ولا الأفواه الجائعة
التي يمتلئ بها
عالمكم الأرضي!
ما أكثر التراب
الذي كان علينا
أن نهيله على ثمانين ألف ضحية،
بينما تحتاجون إلى البيوت!
وكم علينا أن نلاقيهم،
على طرقنا التي لا تؤدي إلى شيء
وأن نسمع أسئلتهم الملحة المخيفة
عن الصيف، وكيف يبدو،
وعن الخريف والشتاء!
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
ويتحرك الجنود
المنقوشة صورهم على اللوح
ويصيحون قائلين:
الجنود
:
أجل، آه!
فلترسلوه للعدم.
فلتقذفوه في الجحيم.
أي مقاطعة
تساوي السنين العديدة
التي لم يقدَّر لنا أن نحياها؟
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
ويتحرك العبيد
الذين يجرون اللوح
ويصيحون قائلين:
العبيد
:
أجل، آه!
فلترسلوه للعدم.
فلتقذفوه في الجحيم.
إلى متى يجلس هو وأعوانه
من أعداء الإنسانية
فوق رءوس الناس،
ويرفعون أيديهم العفنة
ويُلقون بالشعوب
في حروبٍ دموية
مع بعضها البعض؟
إلى متى نحتملهم
ويحتملهم أهلونا؟
الجميع
:
أجل، آه!
فليذهب إلى العدم،
وَلْيُلقَ في الجحيم،
كل من يشبهه.
المتحدث باسم محكمة الموتى
:
ومن المنصة العالية
ينهض المدافعون عن العالم الآخر،
الذي يمتلئ بالأيدي التي تأخذ،
وبالأفواه التي تأكل.
العالم الذي يجمع ويجمع،
كل من يحبون الحياة.
١
في الفارسية كتياتوكا، شرقي آسيا الصغرى. يحدها البحر الأسود من الشمال
وأرمينيا من الشرق وسوريا من الجنوب. وقعت تحت حكم الميديين ثم الفرس إلى
أن أُعلِنت مقاطعةً رومانيَّةً في عام ١٧ بعد الميلاد. (المترجم)
٢
جبال في جنوب آسيا الصغرى.
٣
ساحة المدينة الرومانية.