تولستوي
كان ترجنييف — وهو من أعلام الأدب الروسي الحديث — يعجب بتولستوي أشد العجب، ويعده أعظم كاتب أنجبته الروسيا منذ أول التاريخ، وظل يتمدح باسمه في كلِّ مجلس وكل منتدى، إلى أن هجر تولستوي الأدب المحض، واتجه إلى البحوث الدينية الغامضة، حينئذٍ أشفق ترجنييف على هذه الموهبة العظيمة أن تنطفئ شعلتها، وساءه أن تخلو مكتبة هذا الأديب الفحل — الذي أصاب في تصوير الطبيعة والإنسان ما لم يصب أحد من قبل — من كلِّ كتابٍ سوى الإنجيل وبعض الرسائل الدينية، ولشد ما كان يخشى ترجنييف أن يبذل تولستوي خير سني إنتاجه في التأملات الدينية التي لا تؤدي إلى غاية ولا تهدي إلى سبيل.
وألمَّ المرض بترجنييف، وأقعده عن الحركة والعمل، ولكنه، رغم ما كان يعاني من ألم، ويُكابد من سقم، أمسك بقلمه، ويده ترتعش من الضعف والوهن، ودبج رسالة حارة إلى صديقه الأديب العظيم نابغة الروس، رسالة — كما وصفها ترجنييف نفسه — لا تنبعث إلا من قلب مخلص ليس بينه وبين القبر إلا قيد خطوات، وقد ألحَّ ترجنييف على صاحبه في هذه الرسالة البليغة أن يهجر الفلسفة والدين، وأن يرتد إلى الأدب الخالص، فهو ميدانه الذي يبز فيه كل قرين.
ولكن تولستوي لم يُعر هذه الصيحة المنبعثة من فراش المرض أذنًا مصغية، ولم يُجب على الرسالة في حينها، ومرت الأيام، وهمَّ تولستوي بالكتابة إلى صاحبه، ولم يكد يتم كتابه حتى فاضت روح ترجنييف وصعدت إلى بارئها، ومات الرجل دون أن يعلم أن صديقه قد ضرب برجائه عرض الحائط. وفي الحق أنه كان شديدًا على تولستوي أن يستجيب لدعوة صاحبه، وأن يعود إلى الأدب؛ لأنه لم يسلك طريق الدين ترفًا أو غرورًا، ولم يتأمل خلق الله عن تطلُّع وتشوف وحسبُ، بل لقد أحس كأنه ينساق إلى تلك الطريق انسياقًا، وينحدر إليها بغير إرادته وهو راغم.
كان تولستوي أول الأمر لا يفكر إلا في هذه الحياة الدنيا، ولا يمتد بصره إلى ما وراء الواقع المحسوس، بل لقد كان أرهف حسًّا من كل أديب سواه، ولم يجنح يومًا إلى البحث الديني الخالص، ولم يفكر قط لمجرد التفكير، إنما كان يُعنَى في فنه قبل كل شيءٍ بعناصر الحياة الملموسة القريبة، لا بمعانيها الغامضة البعيدة، ولا نشك أنه تحول إلى التأمل والنظر الديني راغبًا أو عامدًا، ولكنه أصيب بصدمة نفسية مفاجئة، صدمة ارتعدت منها فرائصه واهتز لها كيانه، وأخذ من هولها يلتمس له دعامة تسنده فلا يضطرب، ويطمئن إليها فلا يهوي.
حلَّت هذه الأزمة النفسية بتولستوي وهو في نحو الخمسين من عمره، وهي أزمة لا نستطيع أن نصفها، ولا نستطيع أن نردها إلى سبب بعينه، فقد كان الرجل يعيش عيشة لا تؤدي في ظاهرها إلى ضيق، ولا تؤدي إلى حرج، وواتته حينئذٍ كل عوامل الحياة السعيدة، وتوفرت له كل أسباب النعيم: كان رجلًا قوي البنية، صحيح البدن، ثاقب البصر، حاد الذكاء، يَعُده أترابه من المجددين في الأدب، وكان صاحب ضيعة واسعة، ومال وفير، فلا يحسب للمادة حسابًا، وكان نابه الذكر بعيد الصيت ينتمي إلى أسرة من أنبل الأسر، ويجيد الكتابة بلسان قومه إجادة تجعله إمام الكُتاب وشيخ الأدباء، وقد انتشرت رواياته وقصصه في أنحاء العالم طرًّا حتى عرفه كل قاصٍ ودان، وكانت حياته المنزلية سعيدة مشبعة بروح العطف والحنان، وكان له زوج وكان له بنون … ومن العسير بعد هذا أن نلتمس سببًا ظاهرًا يدفعه إلى التبرم والضجر.
ولكن هذه الأزمة التي حلَّت بصاحبنا برزت إليه من ظلام النفس لا من نور الحياة، فأحس كأن شبحًا مخيفًا يطارده ويتهدده، واسودَّت الدنيا في عينيه، وكاد أن يقف في بيداء الحياة لا يبدي حراكًا، وكثيرًا ما كان يسائل نفسه: «ماذا دهاني؟ ما هذه الكآبة التي عرتني بغير سبب؟ ما هذا التبرم، وما هذا الانزعاج؟ إني لم أعد أجد في الحياة متعة، أو أشعر فيها بما يهزُّ منِّي الحس والعاطفة، لقد باتت زوجي غريبة عني، وتخلى عني أبنائي غير آبهين، وأمسى العمل إلى نفسي بغيضًا ممجوجًا!» وبلغ منه اليأس والضجر أن أخفى عن نفسه بندقية الصيد خشية أن يصوبها إلى صدره في ساعة من ساعات القنوط، فيقضي في لحظة لا يرقبه فيها أحد، ويقول عن نفسه على لسان شخص من أشخاص روايته «أنا كرنينا»: «لم يَعُد عندي شك أني ككلِّ كائن حيٍّ لن أصيب في هذه الدنيا غير الألم وغير الموت والفناء، إني لن أستطيع العيش على هذه الحال، فإما أن أجد للغز الحياة حلًّا أو أنتحر.»
ولن نحاول هنا أن نتعرَّف إلى طبيعة هذا النزاع الباطني الذي جعل من تولستوي مفكرًا ومبشرًا، ولربما كانت أزمة نفسية طارئة جزعًا من تقدم السن والشيخوخة أو خوفًا من الموت، وربما كان انقباضًا عصبيًّا ثم استحال جمودًا روحانيًّا، ومن طبيعة الرجل العبقري — والأديب خاصةً — أن يلاحظ هذه الأزمات النفسية، وأن يحاول أن يغلبها ويخرج منها ظافرًا، فلما اشتد بصاحبنا القلق تساءل جازعًا: «لعلي لم أعش كما كان ينبغي أن أعيش.» وشرع يختبر نفسه كل يوم، ويفكر في معنى الحياة، وكان ينشد الحقيقة ويغوص لجة الفلسفة لا عن لذة طبيعية في التأمل أو عن تشوف عقلي، ولكنه أراد أن يتقي اليأس، وأن يخلص من هذا القنوط، ومن ثم سار — كما سار باسكال — على هامش الفلسفة ولم يضرب في صميمها، وبمكتبة موسكو وثيقة بخط يده بقيت من ذلك العهد الحائر يقول فيها: «هناك مسائل مجهولة ينبغي لي أن أجيب عنها، وتلك هي: لماذا أعيش؟ وما السبب في وجودي؟ وما الغرض منه؟ وما معنى هذه التفرقة بين الخير والشر التي أحس بها في دخيلة نفسي؟ وكيف ينبغي أن أعيش؟ وما الموت؟ وأين سبيل الخلاص؟»
ولكن الإجابة عن هذه الأسئلة كانت فوق العمل الأدبي الذي ألَّف، فاضطر إلى ممارسة الفلسفة اضطرارًا، واشتغل بها ثلاثين عامًا بعد هذا.
ولم يكن تولستوي من قبل شاكًّا، بل كان يعيش ظاهرًا وباطنًا عيشة هادئة حرة أبيقورية، كلها نشاط وكلها عمل، ولما انقلب إلى الفلسفة مفاجأة — كما رأينا — أخذ يقرأ الثقات في الموضوع، ويتعرف إلى آرائهم في نشأة الإنسان وفي الغرض من حياته، وشرع يقلب صفحات الكتب الفلسفية ذات المنازع المختلفة، ويستطلع آراء أفلاطون وكانت وشوبنهور وباسكال، لعله واجدٌ فيها للحياة معنى، ولكن الفلسفة والعلم كليهما لم ينتهيا به إلى غاية، وقد أسف تولستوي أشد الأسف إذ تبيَّن أن آراء هؤلاء الحكماء — كما يقول: «واضحة جلية دقيقة حينما تبتعد عن مشاكل الحياة المباشرة، ولكنها لا تهدي الحائر إلى سبيل، ولا تبعث الطمأنينة إلى القلوب الضالة القلقة، وكلها يقصر دون سؤالي الذي طالما حِرت فيه، وذلك هو: لماذا نحيا؟»
وهنا ينتقل تولستوي إلى المرحلة الثالثة من حياته، فقد طَلَّق الأدب أولًا، وطلَّق الفلسفة ثانيًا، ثم توجَّه إلى الدين لعله يجد فيه هداه، تنكرت له المعرفة فأخذ يبحث عن عقيدة، وازورَّ عنه العقل فمال إلى القلب، ودعا الله قائلًا: «اللهم هبني إيمانًا قويًّا أملأ به قلبي، وأهدي إليه غيري.»
وفي هذه المرحلة التي تشتت فيها ذهن تولستوي لا نراه ينتمي إلى عقيدة بعينها، أو يبتدع رأيًا جديدًا لم يسبقه إليه أحد، ولم يفكر في الثورة على الدين السائد، وإنما أراد أن يلتمس طريقًا وهدفًا لنفسه الحائرة كي يعيد إلى روحه دعتها وطمأنينتها، أراد أن ينقذ نفسه من حيرتها لعله يجد معنى لحياة ليس لها في ظاهر الأمر معنى، ولم يخطر له حتى آنئذٍ أن يُعلن على المسيحية القديمة التقليدية ثورته، بل إنه ليعاود الزُّلفى لدى الكنيسة — بعد أن كان قد تخلى عنها وعن الصلاة إبان الشباب — ويخضع لها ولقانونها، ويؤدي فريضة الصوم، ويحج إلى المعابد والأديرة، ويخشى الله ويجادل القسس ورجال الدين، ويتعمق دراسة الكتاب المقدس.
وفي هذا الدور وقع له ما يقع لكلِّ باحث وراء الحق حائر، فقد لمس ما أصاب أوامر الدين ونواهيه من إهمال، وأدرك أن ما تعلِّمه الكنيسة الروسية من تعاليم المسيح دخيل على المسيحية مضاف إليها، فرأى أن من أُولى واجباته أن يُفسر معنى الإنجيل الحق، وأن يعلِّم الناس هذه المسيحية الجديدة خالصة من كلِّ لبسٍ أو غموض، ثم أمسى بعد ذلك تولستوي الباحث قسًّا، وبات القس مبشرًا بدين جديد، وأخذ يأسه الشخصي يتخذ صورة عقيدة جديدة ثابتة، وإصلاح خلقي، وقاعدة يقوم عليها كيان الجماعة، واستحال سؤاله الأول الذي طالما أزعجه وهو: «لماذا نعيش؟ وكيف ينبغي أن نعيش؟» إلى جواب صريح وهو: «هكذا ينبغي أن نعيش.»
ولكن الكنيسة الأوروبية — وقد عاشت الآن زهاء ألف عام — كانت تحس إحساسًا دقيقًا بالخطر الكامن في كل محاولة فردية لتفسير الإنجيل، وكانت تعلم حق العلم أن كل فرد يحاول أن يصوغ حياته وفقًا لكلمة الله وحدها لا بُدَّ أن ينتهي إلى نزاع مع الكنيسة وخلاف مع الدولة؛ ولذا فقد صادر أولو الأمر «اعترافاتي» وهو أول كتاب لتولستوي عن المبادئ العامة، ولم يسمحوا له بالذيوع والانتشار، وصادر مجمع القساوسة المقدس كتابه الثاني «عقيدتي»، وترددت الكنيسة طويلًا قبل أن تتخذ الخطوة الحاسمة الفاصلة احترامًا للكاتب العظيم، ولكنها اجترأت آخر الأمر وقررت أن تحرم الرجل من رحمة الكنيسة؛ لأن تولستوي بدأ يهز أساس الكنيسة والدولة والنظام، وبات تولستوي — ككل من حاول من قبل أن يعود بالمسيحية إلى نشأتها الأولى، وأن يعيش على كلمة الإنجيل وحدها — عدو الدولة اللدود، وأصبح في نظر الحكومة فوضويًّا ثائرًا يهدد كيان الجماعة، ولكن الرجل بقوته وعزيمته ومقدرته على تحمل المشاق وشجاعته التي لا تعرف الخور، بزَّ كل مصلح ديني سبقه من أمثال لوثر وكلفن، ولم يعرف القرن التاسع عشر عدوًّا للنظام خطرًا عليه مستميتًا في دفاعه كهذا الأديب الفنان العظيم.
واشتدت العداوة بين الرجل وبين أصحاب النفوذ؛ لأن الكنيسة والدولة تعرفان أن أخلص المصلحين وأشدهم نبوغًا هم بعينهم أولئك الذين يثيرون الأرض وما عليها ويحرضون عليهما قلوب البشر، والكنيسة والدولة تعرفان أن المسيحية الأولى ترمي إلى مملكة في السماء لا في الأرض، وأن قوانين المسيحية الأولى ثائرة تنكر الحكومة؛ لأن المؤمنين يرفعون المسيح فوق قيصر، ودولة الله فوق دولة الإنسان، وهذا لا يتفق وواجبات الرعية المخلصة، ولا يتفق وقوانين الدولة وكيانها، ولكن تولستوي لم يدرك بادئ الأمر كل هذه المشاكل المعقدة التي تقوده إليها بحوثه، ولم يرتدع عن نقد الحكومة ونقد الكنيسة، وتفقد أبناء الروسيا آنئذٍ فهداه الرأي إلى أن عدم المساواة في الشئون الاجتماعية، والتباين بين الفقراء والأغنياء، وبين الترف والبؤس، هو العلة الكبرى والداء الوبيل، وتبين له من نقده لنفسه ذلك الظلم الشديد الذي كان يصدر عن زملائه أبناء الطبقة الرفيعة، وأخذ على نفسه أن يرد هذا الظلم بكلِّ ما وسع من قوة، وأن يحرر الشعب من كل عسفٍ وحيف، وقد مرَّ بموسكو ذات يوم فشهد عن كثب ذلك الحاجز العظيم بين حياة الغني وحياة الفقير، فأصدر كتابه «ماذا نفعل؟» يُصور فيه هذه الزيارة الأولى لعاصمة الروسيا، وما شهد من بؤس الجماهير في هذه المدينة العظيمة، ولا شك أنه رأى بعينه النافذة من قبل بؤس العامة وشقاءها، ولكنه كان شقاء القرى والريف، لا شقاء المدن الصناعية حيث تتجمع الألوف من عامة الناس — ذلك الشقاء الذي كان يعتبره وليد العصر الحديث ونتيجة للمدنية «الآلية»، وأخذ تولستوي الآن يطبق آي الإنجيل بطريقة عملية، فحاول أن يحدَّ من البؤس بالهدايا والمنح، وبعطفه على الفقير وحبه له، ولكنه سرعان ما أدرك عبث هذه الجهود الفردية، كما أدرك أن المال وحده لا يصلح لقلب حياة هؤلاء البائسين، إن أردنا أن نرفع مستوى العامة وجب علينا أن نعيد بناء المجتمع، ويقول تولستوي في هذا: «إن بين الغني والفقير حائلًا من التعليم الزائف، وقبل أن نمدَّ أيدينا لمعونة الفقير ينبغي أن نرفع المعاول ونهوي بها على هذا الحائل القائم، إني لم أعد أشك في أن الثروة هي السبب الحق في بؤس العامة وشقائها.»
فكان الكاتب إذًا يعتقد أن بالبناء الاجتماعي الراهن خللًا وصدوعًا، وأن من واجبه أن ينبه مواطنيه إلى مواطن الخلل والضعف، وأن يعلم الناس ويحذرهم ويُبيِّن لهم سعة الهوة بين طبقة وأخرى، وكان في الواقع يرمي إلى ثورة خلقية نفسية لا إلى ثورة دموية هدامة، كان يرمي إلى ثورة في العقائد تؤدي إلى المساواة بين الطبقات، وكان يريدها ثورة تقوم على الضمير، وتتم بتنازل الأغنياء طوعًا عن ثرواتهم، وتخلي الكسالى الذين لا يعملون عن بطالتهم، وتنتهي بتقسيم العمل تقسيمًا جديدًا، فلا يُغير أحد على أحد، ويتساوى الجميع في الحاجات، ومن ذلك الحين بات أديبنا يرى الترف سمًّا زعافًا في جسم الجماعة، سمًّا يجب اقتلاعه للتسوية بين الناس أجمعين.
ومن هذه العقيدة بدأ تولستوي يهاجم الملكية أشد مما هاجمها (كارل ماركس) ومن أقواله فيها: «إن الملكية اليوم أساس لكلِّ شر، فهي تسبب الألم لمن يملكون ومن لا يملكون على السواء، وهي — بالضرورة — تؤدي إلى النزاع بين الأغنياء والفقراء.»
وما دامت الدولة تعترف بمبدأ الملكية، فهي في رأي تولستوي دولة آثمة لا تقوم على أساس صحيح من الدين أو الاجتماع، و«إنما تتآمر الدول وتتقاتل لأن كلًّا منها ينشد الملك، فتراها تحارب تارة على ضفاف الرين، وطورًا في أفريقيا، وطورًا في الصين أو في البلقان، إن أصحاب المصارف والمتاجر، وأصحاب المصانع وملَّاك الأراضي، إنما يعملون ويدبرون للملكية وحدها، والموظفون يتقاتلون ويغشون ويظلمون ويألمون من أجل الملكية وحدها، إن العقوبة والسجون إنما تقوم لحماية الملكية دون سواها.»
يرى تولستوي أن هناك هيئة واحدة كبيرة تسرق وتخدع وتحمي كل ظلم، وتلك هي الدولة التي قامت لحماية الملكية وحسب، والتي أقامت قواها المختلفة وزودتها بالقوانين والقضاة والسجون ورجال الشرطة والجيوش لهذا الغرض وحده، وأكبر إثم ترتكبه الدولة هو فرض الجندية على الجميع، ويرى الكاتب — تبعًا لهذا أن المسيحي الذي يخضع لقانون الدولة يخرج على تعاليم المسيح وأحكام الإنجيل؛ لأنه يحمل أداة قاتلة يهدر بها دم الغريب من أجل كلمة عارضة: هي الوطن أو الحرية أو الدولة، وهي كلمات جوفاء لا ترمي إلا إلى حماية الملكية وتقديسها، وقد كتب تولستوي مئات الصفحات يشرح كيف أن الدولة بدفعها الناس إلى القتال إنما تحملهم على نقض ما يأمر به الله، وما يُنادي به الضمير.
•••
انقلب تولستوي إذن من باحث ديني إلى فوضوي ثائر، أخذ الآن ينادي بملء فِيه أن من واجب كل فرد ذكي عاقل على شيءٍ من مكارم الأخلاق أن يقاوم الدولة إذا طلبت إليه ما ينافي «العقيدة المسيحية»، كالخدمة العسكرية أو القتال، ولا يرى تولستوي أن تكون هذه المقاومة بالقوة والسلاح، وإنما تكون بالعداء السلبي وعدم التعاون، ومن رأيه أن لا يستغل أقوياء الأمة ضعفاءها فيسخروهم لأعمال لا تعود عليهم بطائل، والرجل الشريف عنده من يفكر ويعمل، لا فيما يقتضيه الوطن، وإنما فيما تقتضيه الإنسانية بأسرها، ولا يني تولستوي عن الإشارة إلى حق الفرد المقدس في أن يعمل ما يوحيه إليه ضميره، لا ما تمليه عليه الدولة، وأن لا ينفذ للدولة أمرها إن شذت عن قواعد الأخلاق، ونصيحته لكلِّ مسيحي مؤمن ألا يؤيد الدولة الظالمة، فلا يحتكم إلى قاض، ولا يقبل وظيفة في الدولة حتى لا يفسد قلبه، ويبقى نقيًّا طاهر الذيل.
ويرى تولستوي أن جرائم الأفراد لا تفسد الجماعة كما تفسدها الدولة بنظمها ومؤسساتها، ويقول في ذلك: «إن اللصوص والقتلة والمزوِّرين مثال حي لما ينبغي أن نعمله، نفزع من جرمهم، ونزدري ما يرتكبون من إثم؛ فهم لذلك أقل خطرًا من أولئك الذين يقترفون القتل والسرقة والعدوان، ويتوارون وراء ستار من الدين والعلم والتقاليد، أولئك هم ملَّاك الأراضي، وأغنياء التجار، وأصحاب المصانع، فهؤلاء بما لهم من مكانة بين الناس يوحون إلى غيرهم، أن يحذو حذوهم وينهج منهاجهم، إن خطرهم لا يقتصر على من يقع تحت طائلتهم وحسب، إنما يمتد إلى ألوف البشر فيفسدون ضمائرهم حتى يضطرب في أذهانهم ميزان الخير والشر … إن حكمًا واحدًا بالموت يقضي به ظلمًا رجل من رجال القضاء نابه مثقف — ويؤيده رجال الدين — يفسد الإنسانية أكثر مما تفسدها ألوف جرائم القتل، يرتكبها عمال جهال مدفوعين بعاطفة أو شعور، إن الحروب — رغم ما قد تزعمه الدولة من تبرير لها، ورغم ما تدَّعيه من ضرورتها وعدالتها، ورغم ما يحوطها من ثناء وإجلال للمقاتلين، وما يكتنفها من تقديس الحرية والوطن، وإنقاذ الجرحى ومعونة البائسين — إن الحروب التي تشنها الدولة — رغم هذا كله — تفسد الناس في عام واحد أكثر مما تفسدهم ملايين جرائم النهب والقتل يرتكبها الأفراد بتأثير العاطفة في مئات السنين»، أو بعبارة أخرى: إن الدولة والنظام الاجتماعي الحاضر، هي أكبر آثم وأكبر مُقوِّض للجماعة، هي الشر المُجسد، ويُحملها تولستوي كل تبعة وكل عار.
وإذا كانت الدولة هي الشر، وهي ستار الفوضى على الأرض، فإن تولستوي يرى إن واجب المؤمن أن يجتنب كل ما يتطلبه هذا الشبح الشيطاني، وكل ما يغريه به، إنما المسيحي الحق هو من لا يأبه لروسيا — أو لفرنسا أو إنجلترا — لأنها دولة لها قدس ولها كرامة، المسيحي الحق لا يجعل الدولة أساسًا لتفكيره، وإنما يضع العالم بأسره نصب عينيه كلَّما خطا خطوة أو قام بعمل، وهكذا ثار تولستوي على الدولة كما ثار على الكنيسة من قبل، وأعلن «أنه لا يستطيع أن يعترف بالدول والأمم، ولا أن يشترك فيما ينشب بينها من شجار، لا بالكتابة ولا بالعمل، وأنه لا يستطيع أن يساهم في عمل يقوم على العداوة بين دولة وأخرى، كالعوائد والضرائب، وصناعة المفرقعات والأسلحة، وكل تأهب للحرب أو استعداد لها.» الرجل المؤمن عند تولستوي لا يحاول أن يفيد من نظم الدولة، ولا أن يثرى تحت حمايتها، ولا أن يبني لنفسه مستقبلًا في ظلها، ولا أن يتوجه إلى قاضٍ من قضاتها، الرجل المؤمن لا يستغل ما تنتجه الدولة من صناعة، ولا يستخدم في حياته شيئًا من عمل الآخرين، ولا يرضى أن يكون من المالكين، الرجل المؤمن لا يداول النقد، ولا ينتقل بقطار أو سيارة، ولا يشترك في انتخاب برلماني، ولا يشغل وظيفة عامة، ولا يُقسم يمين الإخلاص لقيصر أو لأي سلطة أخرى؛ لأنه لا يدين بالطاعة إلا لله وحده دون سواه، ولكلماته التي أنزلها على لسان أنبيائه المرسلين، المؤمن عند تولستوي — أو قل عند هذا الرجل الفوضوي الثائر — لا يحكم غير ضميره، ومن أولى واجباته أن يُنكر الدولة، وأن يعيش خارجها على قواعد أخرى من الأخلاق، وهو بهذا يختلف عن الثائر السياسي الذي يمقت الدولة ولا ينكرها.
ويثور تولستوي هي نظم الجماعة السائدة، ولكنه لا يُشير بمقاومتها بالعنف والشدة — كما قدمنا — لأن الثورة تحارب الشر بالشر ولا تنتهي إلى خير، ومن أقوال تولستوي في هذا الصدد: «إن المقاومة السلبية الفردية هي وحدها السبيل المشروعة للعراك، وعلى المسيحي أن يُكابد مظالم الدولة وأن يتحملها دون أن يقرها أو يعترف بها، وألا يُعارض القوة بالقوة؛ لأن العنف معناه اعتراف بالقوة ومبدأ الشر»؛ ولذا فالثائر الذي يستمع إلى تولستوي يُضرب ولا يَضرب، ويُظلم ولا يَظلم، لا يطمح إلى القوة، ولكن القوة لا تزحزحه عن رأيه، وهو لا يكافح «الدولة»، وإنما ينبذها غير آبه بها ولا مكترث لها لأنه لا ينتمي إليها.
والفرق واضح عند تولستوي بين المقاومة السلبية الدينية، وبين الكفاح الإيجابي، فهو يقول: «إننا حين نقابل الثائرين نظن خطأ أنا نلتقي وإياهم في الرأي، فكلانا يُنادي أن لا دولة ولا ملكية، ولا ظلم ولا عسف، ولكن هناك فارقًا بين المسيحي المؤمن والثائر السياسي، فالدولة عند الأول لا وجود لها، أما الثاني فيفرض قيامها ويعمل على تحطيمها، والملكية عند المؤمن لا وجود لها، أما الثائر فيفرض وجودها ويعمل على محوها، والناس جميعًا عند المؤمن سواء، أما الثائر فيلمس الفوارق بين الطبقات، ويعمل على إزالتها، والثائر يتظاهر بالكفاح، والمؤمن يبطنه ولا يرفع به صوتًا»! ويرى الكاتب أن الثورة الدينية إذا التزمت حدود المقاومة السلبية، كانت أخطر على الدولة من الثورات العنيفة والجمعيات السرية الهدامة، فإنك إن أردت أن تغير نظام العالم، كان عليك أولًا أن تغير ضمائر الناس ونفوسهم إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وإنما يرمي تولستوي إلى ثورة باطنية، ثورة لا تقوم على السلاح، وإنما على الضمير الذين لا يلين، والفرد الذي لا يشكو ألمًا ولا ظلمًا — هي ثورة القلوب لا ثورة السواعد.
وهذه النزعة المعادية تذكرنا برسالة لوثر «حرية الرجل المسيحي»، وهي قوية ولا شك، فعَّالة ولا ريب، ولا يتبين ضعفها إلا حينما ينتقل تولستوي من هذا النداء إلى تقرير الذات، إلى نظرية إيجابية في تأسيس الدولة، وقد أدرك الكاتب أن الإنسان لا يعيش في فراغ لا مكان له، ولا يحيا في جيل بغير زمان، ولا بُدَّ لألوف البشر أن تتجمع، ولمختلف الآراء أن تتقابل، ولا مناص من وضع الحدود والقواعد لحياة مستقرة، سواء انتهينا بذلك إلى إقامة الدولة أو لم ننته، إنما ينبغي على أي الحالين أن نفصل بين الخير والشر، وبين الخطأ والصواب، وهنا عند وضع الحدود والقواعد تتوعر السبيل على تولستوي كما توعرت على مئات المفكرين من قبل؛ لأن بناء الجماعة أشق من هدمها.
وفي اللحظة التي ينتقل فيها تولستوي من التشخيص إلى العلاج، في اللحظة التي لا يكتفي فيها باتهام النظام الاجتماعي الحاضر وإنكاره، بل يتعدى إلى اقتراح يُقدمه لإصلاح الجماعة البشرية — في هذه اللحظة ترى كيف تغمض آراؤه وكيف تضطرب أفكاره، فهو يستبدل «الحب» بهذه «الدولة» المستقرة الموحدة، بما فيها من سلطان وقانون، وما فيها من قدرة على التنفيذ: الحب عنده هو السبيل الوحيدة لتقريب المصالح المتعارضة، وهي وسيلة غامضة، وعجيب أن تصدر عن رجل بحث في أعماق النفس البشرية بحثًا لم يسبقه إليه أحد! ويرى تولستوي أن الهوة العميقة التي تفصل اليوم بين المالكين وغير المالكين، تزول إذا تنازل الملاك طوعًا من أملاكهم وقلت مطالبهم في الحياة، ليتنازل الغني عن ثروته، والمتعلم عن غروره، وليخلق الفنان أعماله ليفهمها عامة الناس، وليعش كل فرد بعمله، ولا يتقاضى عليه أكثر مما يحتاج لحياة ساذجة بسيطة.
ومجمل الرأي عند تولستوي أن التسوية الاجتماعية ينبغي ألَّا تبدأ من أسفل كما يريد الثائرون حينما ينادون بانتزاع الملك من مالكه بالعنف والقوة، وإنما يجب أن تبدأ من أعلى بتنازل تلقائي من جانب الأثرياء والأغنياء.
وكان تولستوي يعلم حق العلم أن الهبوط إلى مستوى وضيع في الحياة يهدم كثيرًا من مظاهر الثقافة العالية، وكان يخشى ألَّا نأخذ برأيه إشفاقًا منَّا على صرح هذه الثقافة أن يتقوض؛ ولذا فقد كتب رسالة في الفن يحط من شأن كبار الفنانين، حتى من أمثال شكسبير وبيتهوفن، لأن منتجاتهم فوق مستوى العامة، ولا يفيد منها أكثر الناس، ووجه تولستوي كل همه إلى تحطيم ذلك الحائل القائم بين الغني والفقير، والذي لا ينجم عنه إلَّا كل شر، فإذا سوينا بين الناس في المطالب والحاجات ارتبطت قلوبهم برباط المودة والائتلاف؛ لأن غرائز الشر من حسد وبغض ومنافسة، لا تجد لها بعد هذا هدفًا تهاجمه وتتجه وجهته، وفي هذه الجماعة الجديدة لا تنشأ الحاجة إلى السلطة الحاكمة أو إلى حمايتها بالعنف والقوة، وإنما يسود العدل إذا لم يَعُد على وجه الأرض سيد ومسود، وإذا لم يكن بين الإنسان وأخيه الإنسان غير رابطة الحب والإخاء.
وكانت هذه الرسالة فاتنة جذابة في كل بلد كالروسيا بلغ التناقض فيه بين طبقة وطبقة حدًّا بليغًا، وكان نفوذ تولستوي قويًّا شديدًا، فرغب كثير من أهل روسيا في الأخذ بنظريته الاجتماعية، وحاول بعضهم بالفعل أن ينقل هذا الرأي الجديد من عالم القول إلى عالم العمل بتأسيس مستعمرات لا يكون للملكية أو العنف فيها أثر، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل، ولم يفلح تولستوي في إقامة مبدئه الجديد حتى في بيته وبين أهله وذويه، وحاول أن يُوفِّق بين حياته الخاصة وبين نظرياته، فتنازل عن حبه للصيد، ولم يأكل اللحم إشفاقًا على الحيوان، ولم ينتقل بقطار أو سيارة، ودفع كل ما درَّه عليه قلمه من ربح إلى جمعيات الإحسان، وأخذ يَفلح أرضه بنفسه، وارتدى ثيابًا خشنة، وعمل حذاءه بيديه.
ولكنه — رغم هذا — لم يستطع أن يصد تيار المعارضة الشديد، حتى بين أفراد أسرته وأقربائه وأعزَّائه، فقد أنكرته زوجه، ولم يرضَ أبناؤه أن ينشئوا كما ينشأ الفقراء، والمال لديهم وفير، وظنوا بأبيهم مسًّا أو ضربًا من الجنون، وأخذ الكُتَّاب والأدباء يعارضون رأيه في الملكية ولم يعترف له أحد من معارفه أنه يعيش عيش المسيحي المؤمن، وقد أدرك تولستوي نفسه في نهاية الأمر — كما يتبين من مذكراته اليومية — أنه فشل في بث أفكاره بين الناس، وأن آراءه لا تصلح للانتشار، ولم يثابر هو نفسه على العيش وفقًا لمبدئه، وقد جاءت في مذكراته هذه العبارة: «أي تولستوي! هل أنت تعيش وفقًا لعقيدتك؟ كلا، إني لأموت خجلًا من نفسي، وإني لآثم أستحق الازدراء.»
ولما بلغ الرجل الثالثة والثمانين أحس بالموت يدنو منه، ففر من بيته ليلًا، وطفق يهيم على وجهه حتى مات في العراء وحيدًا مخيَّب الرجاء في نظراته وآماله.
ولعله من التعسف على الرجل ومن عدم الإنصاف له بعد موته أن نقول إن رأيه في الاجتماع والدين والسياسة قد انتهى إلى ما انتهت إليه مدينة أفلاطون الفاضلة أو نظام جان جاك روسو الاجتماعي، ولئن كان تولستوي قد ضلَّ السبيل في بعض رأيه، وفشل بعض الشيء في بث عقيدته، فلقد أصاب كل النجاح كأديب في قصصه ورواياته وتصوير عصره وأبناء جيله، ونحن — فضلًا عن هذا — ندين له بالكثير من النظر الاجتماعي، فقد كان له علينا أثر لا ينكر، وليس من المبالغة أن نقول إن أحدًا من المفكرين من معاصريه — حتى كارل ماركس أو نيتشه — لم يؤثر في ملايين البشر كما أثر فيها هذا الرجل، وتستطيع أن تلمس رأيه في كل فكرة ثائرة تنبت في رأي أبناء هذا الجيل، ويخطئ بعض قارئيه فهمه فيحسبونه بلشفيًّا، والرجل من البلشفية براء، فالبلشفية ترمي إلى سحق من يُعاديها، ويرمي هو إلى التوفيق بين الأفراد عن طريق العطف والحب، والبلشفية تُعطِي الدولة — وهي شيطان تولستوي — نفوذًا واسعًا على الفرد، وتركز السلطة، وتنكر الله، وتعمل على إثارة الجماهير، وهو ما لم يقل به تولستوي أو يعتقد فيه، ورغم هذا كله تستطيع أن تقول إن أحدًا من الثائرين في الروسيا في القرن التاسع عشر لم يمهد السبيل ﻟ «لينين» و«تروتسكي» كما فعل هذا الرجل عدو الثورات، الذي طالما نادى بأن التوفيق بين الجماعات شرط ضروري لإنشاء عالم خير من عالمنا هذا، وقد حرمت السلطة نشر مؤلفاته، فنسخت بخط اليد وبلغت آلاف القُرَّاء، ودفعت مواطنيه إلى الجرأة فكان — رغم إرادته — أكبر باعث على الثورة الروسية، كما كان روسو أكبر باعث على الثورة الفرنسية.
ومن العجيب أن تعاليم تولستوي كان لها أثر عكسي على ألوف أخرى من الناس، فبينا ترى الروسيا تأخذ بمبدأ الثورة على الجماعة، ترى غاندي وأتباعه في الهند يأخذون عن هذا الرجل مبدأ المقاومة السلبية، ويلجأ غاندي إلى سلاح تولستوي الذي لا يتلطخ بالدماء، فيهجر الصناعة الآلية، ويأخذ الصناعة البيتية، ويطلب الاستقلال الاقتصادي عن طريق الحد من الحاجة المادية.
•••
إن الفكرة الرفيعة لا تتجه وجهة بعينها، وإنما يسيرها الزمن كما تُسير الريح السفينة، وإنما الآراء قوى محركة تنتج الحركة دون أن تعلم إلى أين المسير، وليس عجيبًا إذًا أن تكون الروسيا الثائرة والهند المسالمة من صنع هذا الرجل، فإنك إن أردت نشر السلام ألقيت بين سطور هذا الكاتب ما يدعم رأيك ويقوي حجتك، وإن أردت ثورة نفسية على قدس الدولة وجدت لنفسك غذاءً فيما كتب!
إن كل رجل سياسي أو اجتماعي يستطيع أن يستمد من نقد تولستوي لعصره ثاقب الرأي ونافذ البصيرة، كما يستطيع كل أديب أن يستوحي هذا الشاعر العظيم، الذي أنزل بنفسه العذاب كي يفكر للجميع، وكي يحارب الظلم بقوة القلم!
كان تولستوي مثالًا يُحتذى في قوله وفعله، ونال من الشهرة أقصاها، ولم يحاول أن يستغل نفوذه في الوصول إلى مناصب الحكم، وإنما خصصه للخدمة الإنسانية جميعًا، ولم يخضع كفاحه لخلق عالم جديد إلا لسلطة واحدة على الأرض: هي سلطة الضمير الذي يهتدي إلى الحق ويسلك إليه سواء السبيل.