نسق التمثيل
الفصل الأول
يمثل الفصل الأول في مطلعه جلسةً غراميةً لطيفةً ما بين (أمين بك) وخطيبته (إحسان) في قاعة الاستقبال بقصر عمه، حيث يتطارحان أحاديث الحب والوفاء، ويذكر أمين بك تخوفه من الفراق المحتمل، وكان الوقت زمن الحرب بين مصر والحبشة وكان مشاعًا قرب إرسال نجدات مصرية تلبية لطلب الجيش المحارب، وبينما (إحسان) تنشد على عزف البيانة أنشودةً غراميةً أطربت (أمين بك) إذا بهما يسمعان قرعًا على الباب فتظن (إحسان) أن الطارق والدها، ولكنه كان رسولًا من الضابط (حسن بك) صديق خطيبها حاملًا رسالةً مقلقةً إليه، فيتردد أمين بك في قراءتها ولكنها تلح عليه وتعاتبه على إخفاء ما بها عنها أو تردده في إطلاعها على ما فيها، وأخيرًا يتلوها عليها فإذا بها إفادة من صديقه بأنه مدعو إلى الانتظام في سلك المحاربين، وأنه قد صدر أمر مليك البلاد بذلك، ثم تشجيع منه له بل حث عظيم، فينال التأثر والجزع من (إحسان). ولكن (أمين بك) يحاول أن يخفف من شعورها هذا، فتسترجع ثباتها ووطنيتها مما يشجع (أمين بك) أيضًا. وفي هذه اللحظة يحضر والدها (عمر بك) ومعه (كمال) شقيق (أمين بك)، وكلاهما في لهفةٍ لما ذاع في القاهرة عن أخبار النجدات المطلوبة، فضلًا عن صدور النشرة الرسمية وفيها استدعاء أمين بك وطائفة كبيرة من الضباط والجند إلى ميدان القتال. ولكن (أمين بك) يتغلب على هذا الجزع بعواطفه الوطنية الشريفة، ويوصي أخاه (كمالًا) خيرًا بخطيبته، كما يوصيها خيرًا به، بل يشير في لطف إلى زواجهما من بعضهما في حالة موته. وتنزل الستار العامة في موقف التشجيع والتوديع.
الفصل الثاني
يمثل الفصل الثاني معسكر الجيش المصري في (قُرع) بالحبشة بعد أن ظفر الجيش بالنجدات المطلوبة، وقد اجتمعت طائفة من الضباط عند خيمة القائد سعادة (راتب باشا)، وبينما هم في نشيدهم الحماسي الوطني إذ يقبل القائد فيحييهم تحيةً طيبةً ويخطب فيهم خطبةً شريفةً ذاكرًا أنه ليس قصد (مصر) اغتيال حقوق الحبشة، وإنما الدفاع عن كرامتها وحقها فقط، فإنها لن تصبر على الإساءة والضيم، فيرد عليه (أمين بك) بصفته رئيس الضباط ردًّا جميلًا معززًا هذه الروح الأبيَّة الكريمة. ثم ينصرف الضباط مؤقتًا ويبقى (أمين بك) مع القائد حيث يستقبلان أحد حكام الأحباش الموالين، وهو حاكم الحماسين الأمير (ولد نيكاييل) الذي يكرر تعهُّداته بالولاء والإخاء، كما ذكرها قبلًا أمام (الأمير حسن) القائد الأعلى للجيش المصري المحارب. ويعرض على (راتب باشا) — هديةً منه — جاريتين شركسيتين، دليلًا على الصداقة والإخلاص، محتفظًا بهما وديعةً لديه حتى نهاية الحرب، فتُعْرَضَانِ على راتب باشا وترقصان، فيشكره ويتبادلان عبارات المودة، ويؤكد الأمير (ولد نيكاييل) أنه يؤمن بضرورة إخاء شعوب (النيل) المبارك؛ لأنهم مهما افترقوا أهلٌ وأبناء جنس صغيرهم والكبير، و(النيل) أبٌ لهم جدير بالتفافهم حوله، وهذه الوحدة خليقة بعنايتهم بل بتقديسهم كأنها دين قومي بل رمز حياتهم ورجائهم. ثم يستأذن الحاكم الحبشي في مقابلة الأمير (حسن) القائد الأعلى للجيش المصري، وبعد انصرافه يعود القائد إلى مخاطبة (أمين بك) بحضور بعض الضُّبَّاط الكشَّافين، فيلفت نظره بصفته رئيس الضباط الكشافين إلى مسئوليته الجسيمة في الاستكشاف؛ لأن الجيش المصري في حاجة إلى تعرُّف مواقع العدو وحركاته، فإذا نجح في هذه المهمة فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تدمير العدو، وإن فشل فستكون العقبى مصاب الجيش المصري. وهنا يرى الضابط (حسن بك) — وهو الصديق المخادع (لأمين بك) — الفرصة سانحةً للاجتهاد في جعل مهمة الاستكشاف المستعجل قاصرةً على (أمين بك) وعليه، ولكن (راتب باشا) يرفض هذه الفكرة ويعتبرها مجازفةً، بينما (حسن بك) يهنئ نفسه بأن الفرصة على كل حال سانحة للتخلص من (أمين بك)، ثم الهرب بعد ذلك إلى مصر إثر إعلان وفاة (أمين بك)، وهناك يبذل الجهد للتزوج من (إحسان) … ويكرر القائد العام التأميل في (أمين بك) وإخوانه الضباط وفي عاقبة مهمتهم، فيشكره (أمين بك) شكرًا جزيلًا ويردد صدى أمانيه بأسلوبه الحماسي المؤثر، وما يكاد يختم شكره حتى يفاجئوا بصوت إطلاق القنابل من الاستحكامات المصرية، ويدخل أحد الضباط مسرعًا معلنًا: «مولاي! قد هجم العدو!» فيهمون بالخروج وتسدل الستار العامة فورًا.
الفصل الثالث
يدافع الجيش المصري عن كيانه وكرامته دفاع الأبطال ويذيق الأحباش أنواع البلاء، ويعلق أهميةً كبرى على بعثة (أمين بك) الاستكشافية قاصدًا من ورائها إلى معركةٍ حاسمةٍ، ولكن ممالأة (حسن بك) للعدو — وهي التي أدت إلى فناء البعثة وأسر (أمين بك) وكاد يقتل أيضًا — سببت هزيمة الجيش المصري؛ لأن (حسن بك) عاد إلى المعسكر المصري بأخبار ملفَّقة كاذبة، وأشاع فيما أذاع وفاة (أمين بك) كما أنَّه انتهز أول فرصة فهرب إلى مصر عن طريق السودان. وهذا الجزء من الحوادث الأليمة التاريخية لا يمثَّل على المسرح لسببين: أولهما نفساني، والثاني الرغبة في حصر مشاهد هذه الأوپرا في دائرة معينة غير متسعة. وعلى ذلك يبدأ الفصل الثالث بمنظره الأول في غرفة حقيرة هي مسكن (الحاج رضوان) خادم (أمين بك) القديم بعد أن انتهت الحرب، وعاد الأخير من أسره غائبًا عن وطنه خمس سنوات، وقد علم بأن صاحبه المخادع (حسن بك) لم يكتف بإشاعة موته، مما أدى إلى بقائه في الأسر والهوان هذا الزمن الطويل، بل أيضًا حقد على أخيه (كمال) الذي تزوج من (إحسان) عملًا بوصيته، فسممه تدريجيًّا وأصيب (كمال) بالسل أيضًا، فنقل العدوى إلى (إحسان) ومات تاركها على فراش المرض الأليم.
نرى في أول هذا الفصل (أمين بك) جالسًا حزينًا مفكرًا يندب حظه بينما (الحاج رضوان) يؤاسيه ويعزيه ويدعوه إلى الاهتمام (بإحسان)؛ لأنها كل ما بقي له من ذكرى شبابه ومن ذكرى أخيه أيضًا، وإن للحي حقًّا عليه قبل الميت، ويخبره مؤاسيًا أن الجاني قد افتضح أمره وأصبح رهن العقاب، وأخيرًا يثوب إلى (أمين بك) رشده ويذهب إلى قصر عمه حيث المشهد الأخير من الرواية، وهو مشبع بصنوف من العواطف الإنسانية من يأسٍ إلى صبرٍ إلى مواساة إلى تحايل الطبيب إلى عذاب الفراق وآلام المرض، فيجد (أمين بك) أن (إحسان) في حالة الاحتضار ومعها والدها والطبيب وبجانبها مربيتها، وهي في حالة إغماء ووالدها في أشد حالات الجزع، فيحال بينه وبين رؤيتها خشية أن تعود إلى اليقظة، وهي تعلم أنه مات منذ خمس سنوات، ولكنه يهيب بهم طالبًا توديعها، وتسمع هي صوته فتتملكها الدهشة ثم الفرح برؤيته، فتموت لافظةً اسمه المحبوب، ويجاوبها باسمها ويبللها بدموع الحزن، والوفاء راكعًا مقبلًا باكيًا …