سلسلة من المفاجآت
كان «أحمد» راضيًا عمَّا تم حتى هذه اللحظة … لقد تخلَّصوا من الحارسَين المسلَّحَين … وأصبح أحدهم أسيرًا في يد رقم «صفر»، وسيحصل منه على كافة المعلومات اللازمة … وها هو «أحمد» نفسه خلف «رد روك» … أو الصخرة الحمراء … ولكن ما كان يشغل باله هو … «إلهام» … هل كل ما فعله سيؤدي إلى إنقاذها … أم يكون وراء أثر خاطئ … وهل ﻟ «رد روك» علاقة بالقنبلة أم ليس له؟ كانت هذه الأسئلة تُلِح على ذهن «أحمد» … عندما فوجئ بعد نصف ساعة تقريبًا من مغادرة الكازينو ومتابعة السيارة الأجرة … أن هذه السيارة تدور دورةً واسعة، ثم تعود إلى اتجاهه مباشرةً وبسرعة غير عادية؛ توقَّع أحمد صدامًا وشيكًا … وانحرف بسيارته يمينًا مبتعدًا عن طريق السيارة … ونظر داخلها … وكانت المفاجأة أن «رد روك» لم يكن فيها.
أدرك «أحمد» أنه كان ضحية خدعة … وأن شرود ذهنه في التفكير ﺑ «إلهام» قد أعطى «رد روك» فرصةً ممتازةً للهرب منه … ودار «أحمد» بسيارته دورةً واسعة، وانطلق خلف السيارة الأجرة. كانت سيارته سريعةً جدًا فلم تمضِ دقائق حتى كان يلحق بالسيارة … ثم يتجاوزها، ويسير أمامها، ويُخرج يده للسائق ويُعطيه إشارات ضوئيةً يطلب منه الوقوف … وتوقَّفت السيارة الأجرة، ونزل سائقها ثائرًا يُطوِّح بذراعيه … واتَّجه إليه «أحمد» قائلًا: آسف جدًّا، ولكنني كنت أريد أن ألحق بك لأتحدَّث إلى الرجل الذي كان معك.
السائق: وماذا تريد الآن؟
أحمد: أين الرجل؟
السائق: لقد نزل منذ قليل.
أحمد: أين نزل؟
السائق: لا أدري … لقد اختار مكانًا مهجورًا وطلب النزول عنده.
أحمد: ألم تكن هناك أضواء أو منازل قريبة؟
السائق: مطلقًا!
أحمد: أرجو أن تأتي لتريني المكان.
السائق: مستحيل!
أحمد: لماذا؟!
السائق: إنني عائد إلى منزلي … فأنا أعمل طول النهار.
أحمد: سأدفع لك ما تشاء.
السائق: ولو دفعت مليون ليرة … لن آتِ …
فكَّر «أحمد» لحظات في هذا السائق المشاكس … هل يُجبره على العودة معه … لم يكن مُستعدًّا لهذا؛ فقد تُؤدي المشاجرة إلى مضاعفات ليس في حاجة إليها … فقال «أحمد»: هل تشير لي على مكان نزوله؟
أشار السائق إلى قمة جبل قريب وقال: حول دائرة هذا الجبل … ولم ينتظر السائق كلمةً أخرى، بل قفز إلى سيارته وانطلق مسرعًا.
أسرع «أحمد» إلى سيارته هو الآخر، وأضاء الأنوار وانطلق دائرًا حول الجبل … محاوِلًا قدر الإمكان استنتاج مكان نزول «رد روك» حسب إشارة السائق، محاوِلًا البحث عن آثار وقوف السيارة … وكانت أضواء سيارته القوية تكشف الجبل وما حوله … وما تحته … وكلما دار «أحمد» بالسيارة … سقطت أضواؤها على مغارات الجبل فكشفت كل شيء … وفجأةً سقط الضوء في إحدى الدورات على هاوية بعيدة … خُيِّل ﻟ «أحمد» فجأةً أنه شاهد انعكاس جسم معدِني … ودار دورةً أخرى وعاد إلى نفس المكان … وأوقف السيارة وأخذ يرفع الضوء ويُخفضه حتى ثبَّته تمامًا على الجسم المعدِني … فنزل «أحمد» وأخذ معه بطارية … وأطلق ضوءها على المكان، ثم أخذ ينزل سفح الجبل خطوةً خطوة … والأحجار والصخور تحت قدميه …
وفجأةً سقط ضوء البطارية على شيء جعل الدم يكاد يجمد في عروقه … كان الضوء قد سقط على جزء من الحاجز المعدِني لسيارة محطمة … وعندما دار الضوء حول الحاجز … تأكَّد «أحمد» أن السيارة المحطمة هي إحدى سيارات الشياطين … وترك لقدمَيه العنان جاريًا إلى أسفل الجبل … ووقف أمام السيارة مصعوقًا … كانت سيارةً من سيارات الشياطين فعلًا … وكانت حقيبة نسائية واقعةً بجوارها … ولم يكن «أحمد» في حاجة إلى الْتقاطها ليعرف أنها حقيبة «إلهام» … وانحنى «أحمد» على السيارة وقلبه يكاد يتوقَّف عن الخفقان … فقد توقَّع أن يجد «إلهام» بين الحطام جثةً هامدة.
ولكن السيارة كانت خالية … ودُهش «أحمد» لأنها لم تحترق … وأخذ الحقيبة وجرَّد السيارة من كل ما يُمكن أن يدل على صاحبها، ثم صعد مسرعًا إلى قمة الجبل وقد أحس أنه قريب من مكان «إلهام».
أمسك بالبطارية وأخذ يفحص آثار انزلاق عجلات السيارة … ووجد الآثار تقوده إلى مجموعة من الأشجار الملتفة … استطاع أن يرى بينها ما يُشبه الباب السرِّي … فدفعه بيده فانفتح … ومضى يسير على طريق مُترَّب … كانت أعصابه متوترةً للغاية … ورأسه تفور بمختلِف الأفكار … هل سيجد «إلهام»؟ وفجأةً وجد جسدًا ضخمًا يحط عليه كالصاعقة … وأحسَّ أنفاسًا لاهثةً ساخنةً تلفح وجهه … وبمخالب قويةً تُطبق على كتفَيه … وأسنان شرسة تحاول قضم وجهه … كان كلبًا من نوع الهاوند الضخم … كانت المفاجأة كاملة … وأخذ صوت الوحش المفترس يرن في أذنَي «أحمد» كأنه في غابة … وكأن هاجمه نمر رهيب.
سقط «أحمد» والكلب يتدحرجان على الأرض … وقبل أن يتمكَّن «أحمد» من إخراج مسدسه سمع صوت رجل يقول: كفى يا تيجر!
وانزاح الكلب وهو يُزمجر من على صدر «أحمد» … وسقط ضوء البطارية القوية فأغشى عينَيه … وسمع الرجل يقول: قِف بسرعة!
وقف «أحمد» وهو ما زال تحت تأثير الهجوم المفاجئ، وقال الرجل: اتجه إلى الأمام مباشرة!
ومشى «أحمد» دون أن يدري إلى أين … كان يهبط تدريجيًّا داخل الجبل وسط أعشاب كثيفة، وصخور متناثرة … وفجأةً انزاح جانب من الجبل فكشف عن باب لا يُمكن رؤيته، وظهرت أضواء بعيدة داخل كهف من الصخور، ولم يُصدِّق «أحمد» نفسه … لقد كان المكان يُشبه الكهف السرِّي حيث مقر الشياطين اﻟ «١٣». ولولا ما حدث، وهجوم الكلب المتوحش عليه؛ لظن أنه يدخل الكهف.
ولم يكن «أحمد» يصل إلى دائرة الضوء حتى سمع صوتًا آخر يقول له: قِف مكانك!
وتوقَّف «أحمد» … وظهر رجل رفيع يُمسك بندقيةً سريعة الطلقات … وجرت يده بسرعة على جسم «أحمد» وجرَّده من كل ما يحمل … إلَّا شيئًا واحدًا لم تصل إليه يد الرجل؛ سلاح صغير جدًّا مشدود إلى فخذ «أحمد» من الداخل.
ودفعه الرجل بخشونة إلى داخل غرفة حجرية … وضمن مفاجآت الليلة العجيبة … كانت قمة المفاجآت … كانت «إلهام»!
نظر كلٌّ منهما إلى الآخر … كان «أحمد» ممزَّق الثياب … وقد بدت آثار مخالب الكلب على ذراعيه وكتفيه … ووجهه قد غطَّاه التراب … وكانت «إلهام» شاحبةً وهزيلة، لكن ما كان هامًّا في هذه اللحظة أنهما الْتقيا … وأن «إلهام» ما زالت على قيد الحياة.
ووقفت «إلهام» ثواني قليلةً تُحدِّق في «أحمد» … ثم اندفعت إليه، فتلقَّاها بين ذراعَيه وضمَّها إليه. وقال «أحمد»: لماذا أنتِ شاحبة؟
ردَّت «إلهام» بثبات: لا شيء.
أحمد: إن منظرك كمريض قضى في الفراش شهورًا!
إلهام: لقد تعرَّضت لألوان من التعذيب لأعترف.
ضغط «أحمد» على أسنانه وهو يقول: ماذا يريدون؟
إلهام: كالعادة … لماذا نتتبَّعهم … ما هي قيادتنا؟
أحمد: وماذا يعرفون عنا؟
إلهام: لا شيء طبعًا … لم أقُل كلمةً واحدة!
أحمد: وماذا نعرف عنهم؟
إلهام: ليس كثيرًا، ولكن من الواضح أنهم يُخطِّطون لعملية ضخمة جدًّا، ولا مانع عندهم من ارتكاب أي جريمة للوصول إلى هدفهم!
أحمد: هل هي القنبلة؟
إلهام: لا أستطيع أن أؤكِّد ذلك … ولكني رأيت صندوقًا فارغًا من صناديق الأجهزة الإلكترونية التي اشتُريت من عندنا … معنى ذلك أن الأجهزة تُستخدم في هذا المكان.
قام «أحمد» يدور في الغرفة … باحثًا عن نقطة ضعف، ولكن «إلهام» قالت له: لا تحاول … لقد فحصت كل شبر فيها … إنها تحت الأرض … أو بالدقة تحت الجبل، والتهوية صناعية.
جلس «أحمد» بجوار «إلهام» على الأرض … وأمسك بيدها، وأخذا ينظران أحدهما إلى الآخر، وطالت النظرات لحظات … ثم قالت «إلهام»: ماذا حدث؟ … كيف وصلت إلى هنا؟
أحد: كيف وصلت أنت أولًا؟
وروت «إلهام» ﻟ «أحمد» ما حدث لها، والصدفة التي أسقطت سيارتها في الهاوية، وكيف تم أسرها. وقال «أحمد»: نفس الصدفة تقريبًا. إنهم في غاية المهارة ولكن …
وصمت «أحمد» لحظات، ثم مال على أذن «إلهام» وهمس: عندنا أسير منهم. إنه الآن عند رقم «صفر»، وأعتقد أنه سيحصل منه على المعلومات اللازمة، وقد تصل إلينا نجدة بين لحظة وأخرى.
إلهام: قد يكون الأسير عنيدًا.
أحمد: في هذه الحالة سنعتمد على حظنا ونحاول …
ثم مال عليها مرةً أخرى وقال: معي سلاح دقيق … ابتسمت «إلهام» وقالت: أعرفه.
وفُتح الباب في هذه اللحظة وظهر الرجل النحيل، ودون كلمة واحدة أشار إلى «أحمد» أن يتبعه، وخرج «أحمد» من الغرفة الحجرية، ومشى في دهليز طويل مُضاء، وتذكَّر كم من الدهاليز المماثلة قد مشى من قبل، ووصل إلى باب من الفولاذ السميك لم يكد الحارس يفتحه حتى ارتفع هدير مُحرِّك قوي، وازدادت قوة الضوء. ومضى الرجل وأمامه «أحمد» يمشيان عبر دهاليز صغيرة متقاطعة، ثم وقفا أمام مصعد صغير. وفتح الرجل الباب ودخل «أحمد» … وأغلق باب المصعد دون أن يدخل الرجل، وتحرَّك المصعد إلى فوق. ومضت نحو دقيقة، ثم توقَّف المصعد وانفتح الباب أوتوماتيكيًّا، وخطا «أحمد» إلى غرفة واسعة بلا أبواب، ووجد نفسه مع «رد روك» وجهًا لوجه.