القنبلة

قال «رد روك» بسرعة: ليس عندي وقت أُضيِّعه … فإذا كنت صريحًا معي فسوف نتفق بسرعة.

لم يرُدَّ «أحمد» فقال «رد روك»: هل لكما علاقة باختفاء الحارسَين المسلَّحَين؟

أحمد: نعم!

هزَّ «رد روك» رأسه وقال: وهذا الرجل الأسمر في قاعة الرولييت أمس؟

أحمد: نعم!

رد روك: أشكرك لأنك واضح. والآن ما هي القيادة التي تتبعونها؟

أحمد: هذا السؤال لن تحصل على إجابة عليه أبدًا!

رد روك: لا بأس. هل يمكن إجراء مفاوضات بيني وبين هذه القيادة؟

أحمد: بشروط مُعيَّنة.

رد روك: ما هي الشروط؟

أحمد: الإفراج عن زميلتي فورًا!

رد روك: أوافق. سنفرج عنها. ولكن لي أنا الآخر شروط …

ولمَّا لم يرُدَّ «أحمد» مضى «روك» يقول: لا أريد أي محاولة لاقتحام هذا المكان … ليس فقط لأنك ستبقى عندي … ولكن … وصمت «رد روك» ثم قال وهو يقف: تعالَ وانظر. واتَّجه «رد روك» إلى جانب الحجرة، ثم ضغط على زر في الحائط، فانفتحت نافذة صغيرة يُغطِّيها زجاج سميك. وأشار «رد روك» خارج النافذة … ونظر «أحمد»، وشاهد أغرب منظرٍ رآه في حياته.

على ضوء القمر الشاحب الذي بدأ يُغطِّي الأفق … وتحت أشجار كثيفة وعمليات بالأخشاب والقماش والبلاستيك … كانت هناك قاعدة صغيرة لإطلاق الصواريخ — قاعدة حقيقية — من الأسمنت البرَّاق والفولاذ، وعليها صاروخ متوسِّط الحجم طوله نحو خمسة أمتار.

لم يُصدِّق «أحمد» عينَيه … وقال «رد روك»: إن الصاروخ مُعدٌّ للانطلاق في أية لحظة أشاء … كل ما أحتاجه هو الضغط على زر صغير فينطلق إلى حيث أريد … إن مداه بعيد جدًّا، وأؤكد لك أنه يُمكن أن يُصيب عاصمةً عربية … وما دمتم تعرفون من أنا … ولماذا جئت إلى هذا المكان … فأنتم تعرفون ماذا يحمل هذا الصاروخ على قمته!

لم يستطِع «أحمد» أن يمنع رعدةً قويةً سرت في بدنه … هكذا ببساطة يكشف هذا الرجل عن أوراقه … وببساطة أيضًا يتحدَّث عن القنبلة … وكأنه يتحدَّث عن لعبة بسيطة …

وأغلق «رد روك» النافذة … ثم قال: أكثر من هذا … وبواسطة الأجهزة الإلكترونية التي اشتريتها من زميلتك … أصبح في إمكاني إطلاق هذا الصاروخ وأنا بعيد عنه بعشرات، بل بمئات الكيلومترات.

وجلس الرجل وأشار إلى «أحمد» بالجلوس وقال: والآن سأقول لك ما هي شروطي لتحملها صديقتك إلى قيادتكم!

قال «أحمد»: أريد أن أسألك أولًا: كيف وصلت كل هذه المعدات هنا؟

ردَّ الرجل متبسمًا: عن طريق البحر يا صديقي الصغير … وتحت دعوى إنشاء مصنع للمواسير الصلب!

أحمد: وهل هنا الطالب الأمريكي الذي صنع القنبلة؟

ابتسم «رد روك» بفخر وقال: نعم … إنه هنا منذ اختفى من أمريكا من بداية العام الماضي … وقد أجبرناه على صنع القنبلة … وانتهى منذ أسبوعين فقط من كل شيء!

أحمد: والآن ما هي شروطك؟

رد روك: بسيطة جدًّا … مائة مليون من الجنيهات توضع في حساب خاص بأحد بنوك سويسرا … ولا أعتقد أن المبلغ كبير … فالدول العربية غنية وفي إمكان دولة واحدة من دول البترول أن تدفعه ببساطة.

وسكت «رد روك» قليلًا ثم قال: إنني أُمثِّل مجموعةً من العصابات القوية المنتشرة في مختلِف أنحاء العالم … وهذا أضخم مشروع قمنا به سويًّا … وقد اتفقنا على ألَّا نتراجع مطلقًا … وتأكَّد أن أي محاولة للعبث أو إشارة تدل على محاولة اقتحام المكان ستجعلني أطلق الصاروخ … وستنفجر القنبلة … وسيكون الدمار الذي تُحدثه وعدد الضحايا أكثر بكثير ممَّا تتصوَّر … بالطبع يساوي المبلغ المطلوب وأكثر بكثير …

كان «أحمد» يستمع وكأنه في حلم … صاروخ يحمل رأسًا نوويًّا في قلب جبل لبنان … من الذي كان يتصوَّر أن هذا يُمكن أن يحدث؟! إنه أكثر من المستحيل!

وفي نفس الوقت كان يُفكِّر كيف يُمكن أن يتم هذا الاتفاق … وكيف سيتصرَّف رقم «صفر» … لقد دبَّر «رد روك» وأعوانه العملية بمهارة فائقة … وهما في هذا المكان لا يمكن اكتشافهما … وهو «رد روك» في مركز قوة فعلًا … إن خطوةً واحدة … وضغطةً صغيرةً تُطلق الصاروخ الرهيب … ولا يستطيع أحد التكهُّن بما يُمكن أن يُحدثه حيث يسقط … في بيروت … أو دمشق … أو بغداد … أو القاهرة … أو عاصمة عربية.

تنبَّه «أحمد» من أفكاره، عندما سمع «رد روك» يقول له: وهناك مسألة هامة جدًّا … إن أمنيتي الشخصية هي أحد بنود الاتفاق … بمعنى أنني يجب أن أغادر لبنان سليمًا معافًى … وسوف يكون معي جهاز التفجير اللاسلكي …

قال «أحمد»: وما هي الضمانات بأنك لن تُفجِّر القنبلة رغم ذلك؟

ردَّ «رد روك»: ستكون أنت معي … أو أي شخص آخر … وسأسلِّمه جهاز التفجير بمجرَّد مغادرة الطائرة لبنان، وبالطبع فإنني رجل يتمسَّك بكلمته. وما دمتم ستنفِّذون شروطي فسوف أحترم وعدي لكم.

أحمد: على كل حال لست أملك حق المفاوضة مع الحكومات العربية في هذا الموضوع الخطير، وكل ما يُمكنني أن أعدك به أن تصل شروطك كاملةً إلى الجهات المسئولة بمجرَّد الإفراج عن «إلهام».

ابتسم «رد روك» ابتسامةً ظافرةً وقال: بالمناسبة … هذه الفتاة مدهشة … لقد تعرَّضت لشتَّى أنواع التجارب الكيميائية والبدنية للاعتراف، ولكنها ظلت على رفضها.

كتم «أحمد» غيظه وقال: هل ستُفرج عنها الآن؟

رد روك: طبعًا. وسأكتب لك الشروط، فعُد إليها لتستعد لحمل الرسالة …

وضغط «رد روك» على زر بجواره ففتح له باب المصعد، وبعد دقائق كان «أحمد» مع «إلهام» في سجنها الحجري … وروى لها بسرعة كل ما سمعه، وكانت عينا «إلهام» تعكس مدى دهشتها لهذه المعلومات التي تفوق الخيال، ثم مال «أحمد» على أذن «إلهام» وقال: اطلبي من رقم «صفر» أن يطلب مهلةً طويلةً حتى نتمكَّن من التصرُّف.

إلهام: ولكن أنت هنا وقد …

ولم يتركها «أحمد» تُكمل جملتها وقال: ليس هذا مهمًّا … إن عملنا هو المخاطرة والموت ضمن عملنا أيضًا.

سكت «أحمد» لحظات ثم قال: اطلبي عودة عدد من الشياطين فورًا، وفي نفس الوقت حاولي تحديد المكان … إنه كما أتصوَّر على بعد نصف ساعة شمالًا من اتجاه كازينو لبنان، في دائرةٍ نصف قطرها حوالَي ٥ كيلومترات … وعندنا في قسم الإلكترونيات أجهزة يُمكن أن تُعطي إشارات عن مكان وجود إشعاعات ذرية، وإذا لم يكن موجودًا فاطلبي من رقم «صفر».

إلهام: هل نحاول اقتحام المكان؟

أحمد: لا مطلقًا! … حدِّدوا المكان فقط وابقوا قريبًا، وقد أستطيع الاتصال بكم.

ودقَّ الباب وخرج «أحمد» و«إلهام» إلى مقابلة «رد روك» الذي أوضح لها كيفيَّة الرد عليه بإعلانٍ في إحدى الصحف … وسلَّم «إلهام» رسالةً بها شروطه، ثم وضع على عينَيها شريطًا لاصقًا، وانطلق بها أحد الرجال. وكان الفجر قد وضح وأحس «أحمد» بهذا اليوم الطويل الذي بدأ في مصر وانتهى في هذا المكان … إنه متعب جدًّا … فأغمض عينَيه وهو جالس على كرسيه فقال «رد روك»: سنُجهِّز لك مكانًا للراحة.

واقتيد «أحمد» إلى غرفة فاخرة، فدخل دورة المياه فاغتسل وأزال آثار الصراع بينه وبين الكلب، ثم استلقى على فراشه، وسريعًا ما ذهب في ثبات عميق.

•••

عندما وصلت «إلهام» إلى المقر السري أسرعت رغم تعبها الشديد إلى غرفة اللاسلكي، وأرسلت إلى رقم «صفر» تقريرًا مُطوَّلًا عن كل الأحداث التي مرَّت بها حتى وصول «أحمد»، وشروط «رد روك»، وقصة القنبلة الذرية المركبة على الصاروخ. وأنهت تقريرها بقولها: وقد طلب مني «أحمد» أن أرجوك أن تطلب مهلةً طويلةً نوعًا حتى نتمكَّن من عمل شيء … وسوف أرسل إلى عدد من الشياطين بالحضور فورًا إلى بيروت. وأرجو إرسال جهاز للكشف عن الإشعاعات الذرية لعلنا نستطيع بواسطته تحديد مكان الصاروخ … ولم يكن «رد روك» قد اتخذ احتياطاته لمنع تسرُّب الإشعاع.

وبعد أن انتهت «إلهام» من تقريرها التفتتْ إلى «باسم» الذي كان يقف بجوارها وقالت: سأنام يا «باسم». أرجو أن ترسل برقيات إلى «بو عمير» و«عثمان» و«فهد» و«خالد» بالحضور فورًا … وكُن قريبًا من جهاز اللاسلكي لتلقِّي رد رقم «صفر».

وقامت «إلهام» إلى دورة المياه فأخذتْ حمَّامًا ساخنًا وتناولتْ إفطارها تحت رعاية السيدة «بديعة» … وعم «سرور»، ثم أسرعت إلى فراشها واستلقتْ عليه ونامتْ نومًا عميقًا.

•••

وعندما استيقظ «أحمد» نظر في ساعته … كانت قد بلغت الواحدة بعد الظهر، ومعنى ذلك أنه نام نحو سبع ساعات متصلة … وأحسَّ بنشاطه يتجدَّد، وبأعصابه أكثر هدوءًا، وجوعٍ يعصف بمعدته … ووقف في الغرفة التي وضعوه بها؛ كانت مفروشةً فرشًا حديثًا أنيقًا … وبجوار الفراش كان هناك تليفون داخلي. رفع «أحمد» سمَّاعته، وعندما رد عليه الطرف الآخر قال: أريد إفطارًا من فضلك.

ردَّ الرجل: سنسأل «رد روك» أولًا!

ولم تمضِ نصف ساعة حتى كان أمام «أحمد» إفطار شهي … وإبريق من الشاي الساخن. كان في أشد الحاجة إليه … ونسي «أحمد» كل شيء وأقبل على الطعام بشراهة … وعندما امتلأتْ معدته … ووضع كوب الشاي على فمه … حدثت مفاجأة أخرى مثيرة ضمن سلسلة المفاجآت المتلاحقة التي حفلت بها هذه المغامرة.

فُتح الباب وأطل وجه شاب لطيف لم يكد «أحمد» يراه حتى كاد كوب الشاي يسقط من يده … فلم يكن الشاب إلَّا العالم الصغير الذي صنع القنبلة الذرية على شاشات التليفزيون الأمريكي … الشاب الذي قرأ الشياطين أوصافه كما جاءت في النشرة التي وزَّعها عليهم رقم «صفر» في المقر السرِّي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤