صاروخ الليل

جذب «أحمد» الشاب الأمريكي وأغلق الباب، ثم وضع يده على فمه وقال له: هل أنت على استعداد للفرار؟

كان الموقف مذهلًا بالنسبة ﻟ «مارلون» … ففتح عينَيه في دهشة، وكان «أحمد» قد وضع يده على فمه فقال: ماذا أتى بكما إلى هنا؟

أحمد: لقد استطعنا الفرار … ونريد أن نُطلق الصاروخ …

مارلون: ذلك مستحيل؛ فهناك حُرَّاس حول الصاروخ ليل نهار، وأي محاولة للاقتراب منه ستنطلق النيران إليك أوتوماتيكيًّا.

أحمد: هل هناك وسيلة للخروج من هذه الغرفة إلى الخارج؟

مارلون: من السطح … هناك فتحة تهوية تصل إلى قمة الجبل.

أحمد: هل لو ضَمِنَّا لك حياتك تتعاون معنا؟

تردَّد «مارلون» لحظات فقال «أحمد»: لا تنسَ أن ربع مليون شخص يُمكن أن يُقتلوا بهذه القنبلة التي صنعتها … إن مسئوليتك على هذا لا تقل عن مسئولية «رد روك» …

قال «مارلون»: ما هو المطلوب مني؟

أحمد: إذا تحرَّجت الأمور ولم أستطِع الوصول مع بقية الأصدقاء لإنقاذك، فإنني أرجوك أن تُحوِّل مسار الصاروخ إلى البحر حيث يسقط في وسط البحر المتوسط.

مارلون: أعد بذلك.

إلهام: وسأبقى معك.

التفت إليها «أحمد» فقالت: لو تركناه قد يضعف.

وافق «أحمد»، ثم نظر إلى فتحة التهوية … كانت أنبوبةً من الأسمنت تصل إلى قمة الجبل … وفي نهايتها شبكة من الحديد وعليها بعض الأعشاب للتمويه … وطلب «أحمد» من «مارلون» أن يقف تحت الأنبوبة مباشرة … ثم صعِد على كتفَيه وأمسك بطرف الماسورة من الداخل وبدأ يتسلَّق … كانت مهمةً صعبة؛ فلم تكن هناك نتوءات كافية … وأخذ يتشبَّث بكل بروز في الماسورة، ثم مدَّ يده وخلع حذاءه … وجوربه … وأخذ يستخدم أصابعه … وكانت الآلام التي يحس بها لا تُطاق … فقد كان ينزلق أحيانًا ويكاد يسقط، ولكنه كان يستعيد توازنه في كل مرة … وشيئًا فشيئًا بدأ يقترب من قمة الجبل، وأخيرًا وصل إلى الفُوَّهة وهو يلهث … ولم يكد يصل إلى القمة ويجلس عليها حتى أخذ نفسًا عميقًا وأخذ يفرك أصابع قدمَيه الداميتَين … أجال «أحمد» البصر حوله، كان فوق الجبل تمامًا … والظلام كثيف … ولا يضيء الأرض إلا أنوار النجوم البعيدة.

ملأ «أحمد» رئتَيه بالهواء، ثم أطلق صيحة الوطواط … الصيحة التي يعرفها الشياطين جميعًا … وأنصت «أحمد» وقلبه يخفق، ومن بعيد جاءت صيحة الوطواط، وأحس «أحمد» بالفرحة تغمره … إن الشياطين قريبون … وعاود إطلاق الصيحة ليُحدد مكانه … وأخذت الصيحات تقترب منه. ولم تمضِ سوى دقائق حتى كان «عثمان» و«بو عمير» و«فهد» و«زبيدة» يُحيطون به …

قال «أحمد» بسرعة: ليس هناك وقت للشرح … إن «إلهام» مُعرَّضة لخطر شديد … ويجب أن نتدخَّل فورًا!

وسكت لحظةً واستجمع أنفاسه ثم قال: هل معكم حبال؟

ردَّ «عثمان»: طبعًا … فلم تصلح الحركة في الجبل بدونها.

أحمد: عظيم … اربطوا حبلًا ندليه من فُوَّهة أنبوبة التهوية … ثم ننزل عليه واحدًا بعد الآخر.

وأسرع «عثمان» يربط طرف الحبل بصخرة قوية، ثم ألقى «أحمد» بالحبل من الفُوَّهة وبدأ «فهد» بالنزول … ثم تبعه «أحمد» … و«عثمان» … و«زبيدة» … وبعد دقائق قليلة كانت غرفة «الجيروسكوب» قد ازدحمت بالشياطين … وكان «مارلون» ينظر في دهشة إلى هؤلاء الشبان الذين يُلقون بأنفسهم في عرين الأسد.

أحمد: والآن يا «مارلون» … هل ستحاول «الجيروسكوب»؟

لم يتردَّد «مارلون» هذه المرة وقال: لا بأس مهما كانت النتائج.

أحمد: حوِّل مسار الصاروخ إلى وسط البحر المتوسط، ثم عُد إلى غرفتك فورًا وكأنك لا تعلم شيئًا.

وتقدَّم «مارلون» من جهاز «الجيروسكوب» وأخذ يُدير مؤشِّراته يمينًا ويسارًا ثم قال: هل تعرف ماذا طلب مني «رد روك» بعد عودة صديقتك؟ لقد طلب مني ضبط «الجيروسكوب» على مدينة القاهرة!

قال «أحمد»: إنه مجنون وسيدفع ثمن جنونه.

انتهى «مارلون» من عمله وتمنَّى للشياطين التوفيق، ثم انسحب مُسرعًا إلى غرفته … وبعد دقائق من انصرافه كان «أحمد» قد انتهى من مناقشة خطة السيطرة على القلعة …

وفتح «أحمد» الباب ونظر خارجه، ثم أشار لبقية الشياطين الذين تسرَّبوا مسرعين … كانت وجهتهم الأساسية الصالة الرئيسية، حيث توجد أبواب غرفة القيادة وغرفة «رد روك» … ووصلوا إلى الصالة دون أن يُقابلوا أحدًا … ولكن فجأةً سمعوا صوت أقدام تجري في الدهليز الذي به غرفة السجن حيث كان «أحمد» و«إلهام» … وظهر رجل عليه علامات الانزعاج وهو يصيح: لقد هربا!

ولم ينطق سوى بهاتَين الكلمتَين … فقد انطلق «عثمان» كالفهد … وقفز عليه وسحبه أرضًا، وبقبضته الحديدية نزل على أنفه، ولكن الضوضاء التي حدثت كانت كافيةً لإطلاق صوت إنذار قوي داخل الدهليز … وبدأت عشرات من الأقدام تجري هنا وهناك.

ونظر «أحمد» إلى باب غرفة «رد روك»، فوجد طاقةً زجاجيةً تُفتح … وتُطل منها عينا «رد روك» وقد امتلأتا بالغضب … وانطلقت رصاصة من مسدس «بو عمير» في اتجاه «رد روك» الذي اختفى بسرعة، ومرقت الرصاصة من الفتحة دون أن تصيبه.

وظهر بعض الرجال في بداية الدهليز … وبدأت حركة رهيبة … نصب خلالها الشياطين الستة الشرَك لرجال العصابة … وكانت اللكمات تتطاير والأقدام تذهب في الفضاء … والآهات ترتفع … وفجأةً جاء صوت «رد روك» من مُكبِّرٍ للصوت يقول: قفوا جميعًا مكانكم وإلَّا أطلقت الصاروخ!

جمد رجال «رد روك» في أماكنهم لحظات … كانت كافيةً لأن يُوجَّه إليهم ضربات سريعة ساحقة، انتهت بسقوط الرجال في أماكنهم.

وأسرع «أحمد» إلى باب غرفة «رد روك» يُحاول فتحه … ولكنه قفز عائدًا وقد شُلَّت ذراعه تقريبًا … فقد أطلق «رد روك» تيارًا كهربائيًّا صاعقًا في الباب الفولاذي.

صاح «أحمد»: انطلقوا في الدهاليز، وافتحوا الأبواب، وابحثوا عن مكان أجهزة الإطلاق … أو أي شيء يُمكن أن يمنع إطلاق الصاروخ …

ولم يكد «أحمد» ينتهي من جملته حتى دوَّى صوت قوي يصم الآذان … واهتزَّت الجدران وترنَّح الشياطين في أماكنهم … وكان واضحًا أن «رد روك» قد أطلق الصاروخ.

أسرع الشياطين يفتحون أبواب الكهف ويُطلقون الأضواء في كل مكان لهداية فريق العمل الذي أرسله رقم «صفر».

•••

في صباح اليوم التالي تحدَّثت لبنان عن صاروخ ضخم انطلق في سماء لبنان من ناحية الجبل واتخذ مسارًا إلى البحر المتوسط واختفى في الأُفق … وأوضحت بعض السفن والطائرات وأجهزة الرصد أنه قد شوهد صاروخ ضخم يشق سماء البحر المتوسط ويسقط في منتصفه تقريبًا …

وحارت الصحف وألوف الناس … بل والعالم كله في تفسير هذه الظاهرة الغريبة … وظل ذلك الحديث بضعة أيام.

وفي المقر السري كان الشياطين يتلقَّون من رقم «صفر» هذا التقرير:

لقد أتممتم عملًا بطوليًّا لا مثيل له … وأنقذتم بلادكم من دمار رهيب … إنني أشكركم … وبالمناسبة لقد رحل الطالب الأمريكي إلى بلاده … واستطاع أن يكشف الكثير من أسرار العصابات التي كانت تُريد السيطرة على القنبلة الذرية … وسوف تتخذ حكومة الولايات المتحدة الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذا الحادث الخطير …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤