كيف تصلح ساعة
كل ساعة لها شخصيتها المستقلة الفريدة. ولا أستثني من ذلك الساعات التي أنتجتها المصانع المعاصرة بكميات ضخمة. فالساعة تحمل قبسًا من حياة صاحبها بمجرد أن يضعها حول معصمه: مثل المغامرات التي خاضاها معًا، والأيام العادية التي ارتداها صاحبها فيها، والمناسبات الخاصة التي ارتداها فيها، وحتى تلك الفترات التي أمضتها في صندوقها. لهذا السبب عندما تصل ساعة إلى ورشتي، أبدأ في فحصها بطريقةٍ منهجية، لأكتشف كل الأعطاب التي أصابتها على مدار السنوات الماضية.
في البداية، أرتدي عدستي المُكبرة، وهي عبارة عن عدسة مكبرة أُلصقها في عيني فتكبِّر الساعة أمامي ثلاثة أضعاف حجمها الأصلي. بعد ذلك، أفحص الشكل الخارجي للساعة فحصًا إجماليًّا دقيقًا، باحثةً عن أي علامات على علبة الساعة، أو دلائل على حدوث أضرار بسبب الماء على الميناء، أو تآكل في زر التعبئة (أو التاج) أو تَسطُّحه بما يوحي بسقوط الساعة على تاجها، وما يترتب على ذلك من احتمالية وجود المزيد من الأضرار بالداخل. قد تُشير الخدوش الضئيلة على ميناء الساعة أنها زارت صانع ساعات أقل حرصًا في الماضي، وأنها قد تحمل المزيد من الأضرار الناجمة عن التصليح مُختبئة بداخلها. كما أتأكد مما إذا كان يمكن تعبئة الساعة، ومن أن آليتها لا تزال تعمل، ومن أن زر التعبئة يسحب العقارب ويُديرها بحرية دون إفراط؛ فلا بد من وجود بعض الاحتكاك، ولكن ليس بدرجةٍ مُبالغٍ فيها. عندما يحين وقت فتح الجزء الخلفي من علبة الساعة، عادة ما تكون لديَّ فكرة جيدة عما سأجِده فيها من أعطال.
الجزء الخلفي الداخلي للساعة هو المكان الرئيسي للبحث عن العلامات التي تركها المُصلحون السابقون. في بعض الأحيان، تأخذ هذه العلامات شكل خدوشٍ في المعدِن أو نقوش بحبرٍ ثابت. وقد تقع عيناك على اسم أو تاريخ أو شَفرة، لا تحمل أي معنى، إلا لصاحبها الذي تركها هناك. في العموم، تُشير كثرة العلامات في الساعة إلى أن صاحبها كان يُرسِلها إلى الصيانة بشكلٍ منتظم على مدار السنوات، مثلما يُرسِل المرء سيارته للمعاينة، في دلالة على أنه كان يعتني بها عنايةً جيدة. لكن كثرة العلامات، في بعض الأحيان، تكون مثل الإنذار بوجود سلسلةٍ من المشكلات غير المحلولة وأنَّ وظيفتي هي حلُّها.
ما يحدث منذ هذه اللحظة فصاعدًا يختلف من صانع ساعات لآخر، ويتوقف على طراز آلية الساعة. تتنوع الأعطاب التي ألقاها داخل الساعة تنوعًا يكاد لا يُحصى، وهناك أعطاب فريدة قد لا أراها سوى مرة واحدة في مسيرتي المهنية. الخطوة التالية هي الطريقة التي أُعالِج بها ساعة معصم يدوية التعبئة نمطية من منتصف القرن العشرين. ليس بوسعي أن أدَّعي شمولية هذا الدليل، لكنه يُقدم لك مدخلًا بسيطًا إلى هذه العملية.
إذا كانت الساعة لا تزال تعمل، أعرضها على ماكينة التوقيت، لتقييم أدائها بصورة مبدئية. بعد ذلك أزيل الإطار، وهو الحلقة التي تُثبت البلور الواقي لميناء الساعة، حتى أستطيع الوصول إلى الميناء. ثم أسحب زر التعبئة للخارج، كي أتمكَّن من ضبط الوقت على الساعة الثانية عشرة، أو أي وقتٍ تتلاقي فيه عقارب الساعة أحدها فوق الآخر. هذا هو الموقع المثالي الذي يسمح لي برفع العقارب من مكانها وإخراجها دون إتلافها. ومن أجل حماية الميناء، أستخدم رقاقةً من البلاستيك عند إزالة العقارب، وأُزيلها بحرصٍ بالغ. وأكرر هذه العملية مع عقرب الثواني الصغير القابع عند الساعة السادسة. بعد إزالة العقارب، أُعيد وضع الإطار لحماية الميناء من جديد، وأَقلِب الساعة على وجهها.
الخطوة التالية هي أن أُرخي قليلًا المسمار الصغير، بجانب ساق زرِّ التعبئة، وأسحب الزرَّ والساق المُتصلة به إلى خارج العُلبة. حينها، أجد مسمارَين ذوَي رأسَين كبيرَين مصقولَين، ومقبَّبَين نوعًا ما مثل ظهر الدُّعْسُوقة، يثبتان آلية الساعة في العُلبة. أزيل هذين المسمارين، وأخلع الإطار مرةً أخرى لتحرير الآلية من حلقة العلبة بدايةً من الميناء. أضع العلبة جانبًا على استعدادٍ للتنظيف، وأخرج الميناء بعدما أفكُّ مسمارَين لولبِيَّين متوازِيَين صغيرَين، يُثبِّتان الآلية من الجانبَين، ويتعَشَّقان مع قاعدتي الميناء المُختبئتَين داخل العُلبة. فور فكِّ المسمارَين يخرج الميناء من مكانه، فأضعه بحرص في صندوق صغير مُحكم الغلق ومعه العقارب، للحفاظ عليه وعلى العقارب أثناء التعامل مع آلية الساعة.
الآن، بعدما أصبحت الآلية مكشوفةً تمامًا، أضعها داخل حامل قابل للتعديل، له جوانب يمكن لفُّها للداخل بحيث تُمسك بحواف الآلية بإحكام. بعد ذلك أخلع أجزاء الساعة الميكانيكية، مثل العجلات التي تتحكم في دوران العقارب، المحشورة بين آلية الساعة والميناء. وأضعها جانبًا في علبةٍ مُخصصة لحماية أجزاء الساعة من الغبار. تُشبه هذه العلبة صندوق الطعام المقسَّم، لكنه صندوق مُخصص للساعات، به فواصل منخفضة تُقسِّم العلبة إلى أقسام، لكي توضع في كل قسمٍ مجموعة من المجموعات المختلفة من أجزاء الساعة، التي تُشكل معًا آلية الساعة. وتُغطَّى العلبة بغطاءٍ مُقبب بلاستيكي شفَّاف في قمته مقبض صغير، فتبدو مثل طبق التقديم، وهي تحمي أجزاء الساعة من الغبار أو السقوط من فوق طاولة العمل.
الآن أعيد ساق التعبئة التي لا يزال الزر ملتصقًا بها إلى الساعة، وأربط المسمار الصغير كي أُثبتها في مكانها مرة أخرى. وهذا يسهل معالجة آلية الساعة، ويُتيح لي فحص عملية التعبئة مرة أخرى وكذلك فحص نظام التحكُّم بلا مفتاح وهو يعمل أمامي.
بعد ذلك، أبدأ في فحص الأجزاء الميكانيكية. فأتأكد أن النابض الشَّعري الحلزوني الرفيع فوق عجلة التوازن بالضبط، وأن أسلاكه متساوية ولا تتكتَّل من أي جانب. ثم أتفقد المؤشر الذي يتحكم في إيقاع الساعة عن طريق زيادة الطول الفعَّال للنابض الشَّعري أو تقصيره ويحتوي على إعدادَين: «بطيء» و«سريع». لا بد أن يكون المؤشر في المنتصف. لو كان مضبوطًا على «بطيء» (يُشار إليها كثيرًا بحرف آر، وهو أول حرفٍ من الكلمة الفرنسية «ريتار» التي تعني بالعربية «تأخير»)، فذلك يعني أن النابض الحساس استُبدِل أو كُسِر، وأُعيد تثبيتُه في السابق، لذا أصبح قصيرًا جدًّا، مما جعل الساعة تدور بسرعة.
أفحص الآلية كاملةً لأتأكد أنه لم يتسلل إليها الصدأ أو يتراكم عليها الزيت. وأستطيع أن أُدرك وجود هذين العطبين من قبل إزالة الميناء. فالصدأ يصبغ الميناء بلونٍ بُني مُحْمَرٍّ، وعادة ما يُصاحبه بقَع مائية، كما أن تراكم الزيت المتخلِّف من مُصلح ساعات سابق يمكن أن يتسرب من الثقب الموجود في منتصف الميناء، مُخلِّفًا بقايا تميل إلى اللون الأخضر، ومُتسببًا في انفصال لون الميناء في بعض الأحيان. ثم أتأكد من عدم وجود أجزاء ناقصة في الساعة، قد تكون انحلَّت من مكانها وانتهى بها المطاف محشورةً في مكانٍ آخر في الآلية أو ضاعت تمامًا، وهو ما كان يحدُث في بعض الأحيان. بعد ذلك أستخدم عدسةً مكبرة أكثر دقةً تُمكنني من رؤية المكونات الدقيقة بحجمٍ يبلغ عشرين ضعف حجمها الحقيقي، وأبحث عن أي محامل ياقوتية متصدِّعة، والتي قد تتسبَّب في تآكُل محاور الارتكاز التي تدور فيها. في بعض الأحيان، إذا سقطت الساعة، تنكسر المحاور تمامًا، ويميل الترس الأفقي إلى أحد الجانبين. أبدأ في إزالة الغبار أو زَغَب كَنْزَة قديمة قد شقَّ طريقه إلى آلية التعبئة بالمَلاقط. وأستخدِم مِلقاطًا مقياسه رقم ٣ في الأغراض العامة، ويكون رأسه دقيقًا وحادًّا كرأس القلم الرصاص.
الخطوة التالية أن أبحث عن مواطن الخلل الدقيقة جدًّا، التي يسهل على المرء الشعور بها لا رؤيتها، ومع ذلك فهي خطيرة جدًّا وقد تتسبب في إيقاف الساعة تمامًا. على سبيل المثال، كل ترس داخل الساعة، من عجلات التوازن إلى مجموعة التروس وأسطوانة النابض الرئيسي، يحتاج إلى مقدارٍ مُعين مما نُسميه «مساحة الاهتزاز». نقصد بذلك المساحةَ التي يحتاجها كل جزءٍ من أجزاء الساعة ليتحرك ويعمل بكفاءة. ومساحة الاهتزاز الكبيرة جدًّا وكذلك المسافة الكبيرة جدًّا بين الأجزاء ليست شيئًا جيدًا، فهي تُسبب تآكل أجزاء الساعة، وحدوث تفاوت في قياس الوقت، وعدم التقاء أسنان التروس أحيانًا. أما إذا كانت مساحة الاهتزاز صغيرةً جدًّا، فسوف تُشَل حركة الآلية وتتوقَّف تمامًا عن العمل. وتُقاس مساحة الاهتزاز المناسبة بالجزء من المائة من الملليمتر، وأحيانًا بالجزء من الألف من الملليمتر. ويتم فحص مساحة الاهتزاز بأن نُمسك جزءَ الساعة بملقاطَين رفيعَين حادَّين من ملاقط صانع الساعات، ونهزَّه بلُطف. يحتاج الأمر إلى تمرُّس وخبرة كبيرة، لكنك في نهاية المطاف ستحسُّ إذا كانت مساحة الاهتزاز مناسبةً أم لا.
أنفذ هذا الجزء من عملية إصلاح الساعة على عدة مراحل. في البداية أفحص مساحة اهتزاز عجلة التوازن. فإذا شعرتُ بالرضا، أُزيل مسمار قضيب التوازن وأُخرجه من الآلية، حيث تكون عجلة التوازن متصلةً بالنابض الشَّعري أسفلها. بعد ذلك، أفحص عجلة التوازن، وأتأكد من أن محاور الارتكاز سليمة غير متآكِلة. كما أفحص الجانب السُّفلي من العجلة بحثًا عن أي خدوشٍ تشير إلى استبدال عمود التوازن أو حدوث برْدٍ للحجم الزائد في أثناء تركيبه. أزيل أحجار الترصيع، وأتأكَّد أنها ليست بحاجةٍ إلى الاستبدال، بسبب تآكُلها. بحسب تقديراتي، تهتزُّ مجموعة تروس الساعة النمطية، التي تعمل منذ ٨٠ سنة، ١٢٦١٤٤٠٠٠٠٠ مرَّة. وحتى الياقوت الصناعي المَتين سيبدأ في التآكُل بسبب الاحتكاك بالعمود الفولاذي كل هذا العدد من المرات.
بعد ذلك أتفحَّص عُمق السقاطات في أسنان عجلة الإفلات، دافعًا الذراع برفقٍ باستخدام طرف المزيتة الخاصة بي للتأكد من أنها مُعشَّقة بإحكام. مِزيتة صانع الساعات تُشبه ملعقة صغيرة جدًّا مصنوعة من الفولاذ، ويبلغ سُمكها سمك شعرة فرشاة الطلاء الصُّلبة. ولديها طرف صغير على شكل زيتونة في النهاية تُغطسه في الزيت، حيث يُبقيه شكل الزيتونة في مكانه مع التوتر السطحي حتى يلمس هدفك. حتى بدون الزيت، فهي أداة مفيدة ودقيقة جدًّا وأحيانًا أفضلها عن استخدام المِلقط. هناك صيغة رياضية لحساب الزوايا المثالية للعُمق بين السقاطات وأسنان عجلة الإفلات (المسافة بينهما)، ولكن مرة أخرى، الجداول والرسوم البيانية لا تعني شيئًا يُذكَر عندما يكون ما تعمل عليه صغيرًا جدًّا. ومن الأسهل أن تعتمِد على عينك وشعورك. وتُعتبر المسافة بين الأجزاء أكبر من مساحة اهتزازها، لذلك يمكنك عادة رؤيتها وكذلك الشعور بها.
أحرص على تفريغ أي قوة من النابض قبل إزالة السقاطات، لأنه بمجرد أن تُصبح آلية الساعة بدون سقاطات، فلا يوجد شيء يمنع القوة المُتبقية في النابض من تدوير مجموعة التروس، الأمر الذي يتسبَّب في المزيد من التآكل والتلف إذا كانت آلية الساعة متسخة. أسحب القفل الذي يتَّصل بعجلة السقاطة ويمنع النابض الرئيسي من الدوران. وأمسك زرَّ التعبئة بعناية، وأتركه يدور بالعكس ببطءٍ بين أصابعي تحت قوة تحرير النابض، مما يسمح للنابض الرئيسي بالانحلال ويسمح بتسريب القوة. أتحقَّق من مساحات اهتزاز محاور السقاطات وأزيل الجسر الذي يُثبتها. وأتفحص وجوه السقاطات الياقوتية لأتأكد من أنها لم تتآكل أو تتشقَّق. وأضع الجسر، ومسامير الجسر، والسقاطات في العلبة المُخصَّصة لحماية أجزاء الساعة من الغبار مع بقية الأجزاء التي وضعتها هناك حتى الآن.
أنتقل إلى مجموعة التروس، فأتأكد من دورانها بحرية ومن أن مساحة اهتزازها مناسبة. بعد ذلك، أزيل الجسر الذي يُثبِّت الأجزاء العلوية من المحاور، مما يُمكنني من فحص المحاور عن كثَب بحثًا عن أي تآكل. أخيرًا، أخلع آخر الجسور وأكبرها في الحجم لأكشف عن الأسطوانة، ثم أزيل عجلة السقَّاطة وذراع التحكم في السقَّاطة لأتفقد مساحة الاهتزاز. فور أن أفكَّ الأسطوانة وأتناولها بيديَّ، أفحص مساحة اهتزاز العمود الداخلي، قبل أن أرفع الغطاء. في الخطوة التالية، أُخرِج العمود والنابض وأتأكَّد من سلامتهما وكفاءتهما. في الساعات القديمة، يكون النابض الرئيسي شِبه بالٍ بسبب القِدَم وكثرة الاستخدام ويستلزم استبداله. وتنطوي عملية استبداله على ما يُشبه الموازنة. لا بد أن يكون النابض الرئيسي الجديد بالطول والسُّمك المناسبَين ليُولِّد الطاقة بالمعدل المطلوب، وهو ما يختلف من ساعةٍ إلى أخرى. وفي كثيرٍ من الأحيان، إذا لجأت إلى الرسومات البيانية القديمة الرسمية واستخدمت نفس القياسات، فسوف ينتج عن ذلك توليد طاقة أكبر بكثيرٍ من المطلوبة، لأن النوابض الحديثة مصنوعة من فولاذ أكثر كفاءة. وفي نفس الوقت قد تحتاج الجرارات البالية، كما يُحب كريج أن يُطلق على ساعات ريبيرج القديمة، إلى أكبر قدرٍ مُمكن من الطاقة، ومن ثم تحتاج إلى نابضٍ رئيسي أقوى مما كانت تحتاجه عندما كانت جديدة. لهذا ربما ينطوي إصلاحها على التجرِبة والخطأ، بمعنى أن تُجرب عددًا من النوابض للتأكد من اختيار نابضٍ مُناسب للساعة عمليًّا لا نظريًّا. ولا يُمكننا التحقُّق من كفاءة النابض إلا بعد تنظيف الساعة وإعادة تجميعها، لذا سأضعه جانبًا في الوقت الحالي. أزيل ساق التعبئة مرةً أخيرة قبل التنظيف، فتسقط معها العجلة والمِقبض الذي يتحكَّم في التفاعل بين العقارب وعجلة التعبئة. هذان الجزءان يحتضنهما جيب قابع أسفل جسر الأسطوانة، لذا بمجرد الكشف عنهما، تكون ساق التعبئة هي الشيء الوحيد الذي يُثبتهما في الآلية.
لم يتبقَ سوى إزالة نظام التحكُّم بلا مفتاح، ونقصد به تلك الأجزاء التي تُتيح تعبئة الساعة بلا مفتاح وتتحكم في التفاعل بين التعبئة وضبط العقارب. أقلب آلية الساعة المكشوفة في حاملها للوصول إلى الناحية التي تكون مُختبئة غالبًا تحت الميناء. أجد في هذه الناحية القطعة التي كانت تُثبِّت ساق التعبئة بالإضافة إلى ترسٍ صغير، وذراع (يطلق عليه عمود الإرجاع)، ونابض، كل هذا مُختبئ تحت ما نُسمِّيه «غطاء نظام التحكُّم بلا مفتاح» وهي تسمية حرفية. أفك المسمار وأرفع هذا الغطاء بحرصٍ حتى لا يقفز النابض في أنحاء الورشة. وتكون نوابض عمود الإرجاع، الذي يُشبه عصا الراعي، أكثر سُمكًا بقليلٍ من النابض الشَّعري، لكنها لا تزال صغيرة جدًّا وعملية البحث عنها تُشبه البحث عن إبرة في كومة قش! أزيل الأجزاء المُتبقية بالملاقط وأضعها في العلبة التي تحمي أجزاء الساعة من الغبار، ثم أشرع في تنظيف أحجار الترصيع والمحامل يدويًّا باستخدام قطعةٍ خشبية حادة لأضمن تنظيفها من أي آثار زيتٍ جافة ناجمة عن محاولات التشحيم السابقة. وأخيرًا أضع كل الأجزاء التي كنت أحفظها جيدًا في العلبة التي تحمي أجزاء الساعة من الغبار في جهاز التنظيف المُخصَّص للساعات.
تشبه أجهزة تنظيف الساعات غسَّالات الأطباق نوعًا ما؛ أي أن الوصول إلى أفضل نتيجةٍ يستلزم إزالة الوسخ أولًا. لذا أشرع في تنظيف أجزاء الساعة بالمذيب يدويًّا، لإزالة أي شحم وزيت زائد، قبل أن أضعها في سلال معدِنية صغيرة تُركَّب في طوق جهاز التنظيف. في العادة، أجمع الأجزاء النحاسية في سلَّة صغيرة، والفولاذية في أخرى، (لأمنع الفولاذ من خدش النحاس في أثناء دورانه في جهاز التنظيف)، وأي أجزاء حساسة أخرى في سلال مفردة أخرى. ويُشبه الطوق ذراعًا ميكانيكية تنزل بالسلال في مجموعة من محاليل التنظيف أو الشطف ثم ترفعها منها. ويحتوي الإناء الأخير على سخَّان، يُبخِّر ما قد يعلق بآلية الساعة من محلول الشطف، ويترك السلال ساخنة لا يُمكن لمسها.
أثناء تنظيف آلية الساعة أحوِّل انتباهي إلى عُلبتها فأنظفها من كل وسَخ، وفي بعض الأحيان أضيف إليها القليل من المُلمِّع. إذا كان عُمر الساعة سبعين عامًا أو أكثر، فلا بد أنها سيبدو عليها القدم. ولا أُحاول أن أجعلها تبدو «كالجديدة» إلا إذا طلب صاحبها ذلك. فأنا أُدرك حقيقة أن هذه العلامات قد تحمِل حكايات لأصحابها، ومن ثم ربما يريدون تركها على حالها.
بمجرد تنظيف أجزاء آلية الساعة، أشرع في تجميعها مرة أخرى. وأبدأ بمجموعة التروس والأسطوانة، وأعيد لفَّ النابض الرئيسي باستخدام أداةٍ خاصة، ثم أُركبه في مكانه بعد تشحيمه. بعد ذلك، أضغط على الأسطوانة لكي تدور مجموعة التروس، بحيث أتأكد مما إذا كانت كل التروس تدور بحُرية. فإذا كان هناك ما يعوق مجموعة التروس، فليس هناك جدوى من مواصلة التركيب قبل حلِّ المشكلة.
والآن أعيد تجميع نظام التحكُّم بلا مفتاح، واضعًا النابض الضئيل في مكانه، وأُغطيه بالغطاء كي لا يندفع من مكانه ويضيع. يبدو الأمر وكأنك تُحاول حبس جُندب في قبضة يدِك حتى لا يطير في الحديقة. بعد ذلك، أدهن كل أسطح المحامل المُرصعة وكل نقاط الاحتكاك ببعض الشحم أو الزيت، وأُنفِّذ ذلك بعناية بالِغة حتى تكون كمية الشحم أو الزيت كافية لإتمام المهمة ولا تكون كبيرة فتتسرَّب إلى ميناء الساعة أو إلى أي مكانٍ آخر. أتأكد أن نظام التحكُّم بدون مفاتيح يعمل جيدًا، ويُنظِّم التفاعل بين العقارب وآلية التعبئة. عند هذه النقطة، عندما أحاول تعبئة الساعة، فلا بد أن تتحرك مجموعة التروس بِحُرية.
أُسيطر على سرعة مجموعة التروس باستخدام السقَّاطتَين، فأُعيدهما إلى مكانهما حيث يشتبكان مع أسنان عجلة الانفلات. أعبِّئ الساعة، من خلال إدارة زرِّ التعبئة مرة أو مرتَين، وأشاهد الذراع وهي تقفز إلى مكانها فجأة. وأتأكد من أن الذراع تتحرك بنشاطٍ قبل أن أنتقل إلى المرحلة الأخيرة.
أجرِّب تعبئة النابض الرئيسي إلى آخره، وأعيد عجلة التوازُن وأحجار الترصيع المُزيَّتة حديثًا إلى آلية الساعة. في تلك اللحظة تحديدًا تبدأ الساعة في الدقِّ مرةً أخرى. يشعر المُصلح بكثيرٍ من المشاعر في هذه اللحظة لا سيما بعد تصليح ساعةٍ ظلت صامتة لسنوات طويلة. فقد عادت الساعة إلى الحياة، وبدأت عجلة الانفلات في الدقِّ وشرع النابض الرئيسي في التنفُّس على نحوٍ منتظم.
أستطيع الحُكم على صحة عجلة توازن الساعة من خلال ملاحظة درجة تذبذُبها بالعَين المجردة. في ساعةٍ بمثل هذا العمر والطراز، أفضل أن تتراوح درجة تذبذبها من ٢٨٠ درجة إلى ٣٠٠ درجة. لو زادت عن ذلك، فربما تدور عجلة التوازن متأرجِحةً وترتطم بالجانب الخطأ من الذراع، فتُصدر دقات تُشبه قعقعة حوافر الخيل. يمكن أن يحدث ذلك إذا كان النابض الرئيسي الجديد قويًّا بشكلٍ مُفرط. وإذا كانت الزاوية صغيرة جدًّا، تُصبح الساعة معرضةً لأخطاء في قياس الوقت بالتغيرات المكانية، وتتقدَّم الساعة أو تتأخَّر وَفقًا لحركة الشخص الذي يرتديها. أنتظر حتى أرى أن درجة الاهتزاز صحيحة، ثم أضع الساعة في أي مكانٍ بالقُرب من ماكينة التوقيت، التي تقرأ دقَّات الساعة لتَصِف لنا أداءها وصفًا دقيقًا.
تُمكننا ماكينة التوقيت من فحص توازن الساعة؛ أي التأكُّد من توزيع الأوزان بشكلٍ متساوٍ في عجلة التوازن. فلو كان الوزن في نقطةٍ معينة أثقل، فستُظهر الماكينة تأخُّر الوقت عند ميلان عجلة التوازُن إلى أحد الجانبَين (عندما تفرد ذراعك إلى جانبك والساعة حول معصمك)، وستُظهر أن الوقت متقدِّم عند دوران الآلية في الاتجاه المعاكس. وهذا يؤثر على قياس الوقت تأثيرًا كبيرًا. فإذا كانت عجلة التوازن غير متوازنة، أقوم بإزالتها وأضعها بين فكَّين حادَّين من الياقوت، فتتأرجح بحُرية حتى ينجذب الموضع الثقيل للأسفل. فور أن أضع يدي على موضع الخلل، أكشط ذلك الموضع بشَفرة القطع (هذه هي العلامات التي تجِدها على العجلة إذا كانت قد خضعت لهذا الإجراء من قبل) لتقليل الوزن ثم أُجرب تدوير العجلة مرة أخرى. وأُكرِّر هذا الإجراء مرةً تلوَ الأخرى. حتى تدور بحُرية وتبطئ وتيرتَها إلى أن تتوقَّف كليةً دون أن تتأرجح. أحيانًا أستطيع ضبط العجلة من المرة الأولى، وأحيانًا أخرى يتطلَّب تحقيق ذلك الصبر لعدة ساعات.
عند توقف مصدر الطاقة، لا بد أن يكون المسمار الياقوتي (المعروف بحجر الترصيع النابض)، الموجود تحت عجلة التوازن المُحرِّكة لذراع السقاطتين إلى الأمام والخلف عند منتصف الشوكة تمامًا؛ نُسمي هذه الوضعية بالتوازن المثالي. بعد الانتهاء من الفحوصات الأخرى، تُصبح الآلية جاهزة لوضعها في علبة الساعة. أُعيد نظام التحكُّم في العقارب والميناء، وأربط المِسمارين اللولبِيَّين ليُثبِّتا الميناء في مكانه. بعد ذلك، أُركِّب العقارب وأتأكد من محاذاتهما للساعة على النحو الصحيح. الخطوة التالية هي أن أعيد آلية الحركة إلى طوق العلبة، بعدما أزيل ساق التعبئة مرة أخيرة، ثم أعيدها إلى مكانها عَبر تمريرها في الثقب الموجود في العلبة وتثبيتها بإحكام. أَضعُ من جديد آخر مِسمارَين يُثبتان الآلية في الطوق وأُغلِقُ غطاء العلبة.
آخر اختبار أُجريه هو اختبار عملي بقدر ما تسمح به الورشة. يتم ذلك بوضع الساعة حول «معصم» ماكينة، تُديرها في كل الاتجاهات وهي تعمل، للتأكُّد من أنها تستمر في العمل بكفاءة وهي تتحرك أثناء ارتداء المُستخدِم لها. نختبرها وهي تتحرك في النهار، ونضعها في وضعٍ واحد في الليل على مدار سبعة أيام، حيث تدقُّ عقاربها بلا توقُّف. ولا أعيدها إلى صاحبها إلا بعدما أتأكَّد من كفاءتها.