التقليد
في النهاية نحن عالَم من المحاكاة؛ وبعبارةٍ أخرى، تحاول جميع الفنون قدر إمكانها تقليد تلك الحقيقة الكبرى التي يشهدها الجميع. وهذه هي الغريزة الأبدية في هذا الوحش البشري، أن يُجرِّب ويُعيد ابتكار شيءٍ من تلك العظمة.
في سنة ٢٠٠٨، عملتُ كفنيِّ تُحف في دارٍ للمزادات، بمدينة برمنجهام. بعد التخرُّج من كلية علم قياس الوقت، شققتُ طريقي صعودًا من البداية لأُصبح خبيرة الساعات الرئيسية لدَيهم. امتازت هذه الوظيفة بالتنوُّع والإثارة. في بعض الأيام، كنتُ أجد نفسي أتعامَل مع قطعٍ ثمينة جدًّا، خاصة المِلْكية في أثناء خروجها النادر من بيتِها في الخزنة البنكية إلى الدار، وفي أيامٍ أخرى أُفتِّش صناديق الخردة الفوضوية بحثًا عن أي شيء ذي قيمة مُحتملة. ذات صباح، صادفتُ في صندوق من الورق المقوَّى به أدوات مائدة فِضية عتيقة ساعةً ذات علبتَين من الفِضة، مدموغة بتاريخ ١٧٨٣. ضمَّت العلبة الداخلية آلية التشغيل، كما كان بها ثُقب في الخلف لتعبئة الساعة. أما في الأمام، فبدا ميناء الساعة مرئيًّا من تحت الزجاج البلوري المُقبَّب الكروي الشبيه بحدقة عين الثور الكبيرة. واستقرَّت العلبة الداخلية بما فيها داخل العلبة الخارجية الأكثر متانةً التي توفِّر الحماية لآلية الساعة الحسَّاسة من العوامل الخارجية. رفعتُ الساعة قريبًا من مصباح مكتبي ونظرتُ إليها عَبر نظارتي. كان الميناء عبارة عن صفيحة فِضية ذات نقوشٍ زخرفية، ومُطعَّمة بالأرقام الشمعية السوداء. وفي مركز الميناء قَبَعت التفاصيل الحلزونية لأوراق نبات الأَقَنْثا الدقيقة على هيئة ثقوب لتعكس الوميض الساطع الأزرق لطبقة الفولاذ اللامع تحتها. وفوق مركز الميناء مباشرة، تجلَّى اسم صانع الساعة، جون ويلتر، في إطارٍ من الزخارف الحلزونية المُزركشة.
حتى الآن لم أرَ شيئًا مميزًا بشكلٍ كبير. أزلتُ العلبة الخارجية، وفتحتُ العلبة الداخلية للكشف عن آلية الساعة النحاسية المَطلية بالذهب والمنقوشة والمُزينة بمساحاتٍ من التفاصيل المثقوبة. كما حملت هي أيضًا توقيع «جون ويلتر، لندن». اشتعل فضولي آنذاك. كان التصميم غير مألوف أبدًا بالنسبة لساعةٍ إنجليزية من القرن الثامن عشر. فقد كان مسار عقرب الدقائق ليس على هيئة دائرة كاملة مستوية كما هو مألوف، بل يحتوي على ما يُشبه الأقواس حول كل رقم من أرقام الساعة وهي زخرفة مُتكررة شائعة في الساعات الهولندية في تلك الفترة، لكنها لا تكاد تُعرَف في إنجلترا. كانت محتويات الآلية بالمِثل على الطراز الأوروبي، وذات جودة مُتدنِّية، مقارنة بما هو مشهور عن ساعات لندن الأصلية. سحبتُ كتابي الموسوعي المُفضل «صانعو ساعات الجيب وساعات الحائط في العالم» للمؤلِّف لوميز، من فوق الرف وتصفحتُه حتى عثرت، في النهاية، على المدْخل المناسب: «ويلتر، جون — ربما هو اسم مُستعار».
زُيِّنت الأرضية الرخامية لساحة المتحف البريطاني الكبيرة باقتباسٍ من تينيسون باللون الأسود الفاحم: «دع قدمَيك، منذ هذه اللحظة، تنغرسان وسط المعرفة.» إن المتحف البريطاني، بالنسبة لمُفكرة مهووسة بالأشياء المحسوسة، مِثلي، هو مَعبد المعرفة حقًّا. ومهما بلغ عدد المرات التي فتحتُ فيها هذه الأبواب، كنتُ أشعر دائمًا أنني أفتح بوابات تقودُني إلى عالَمٍ سرِّي أو إلى كنزٍ مَخفي.
إن المتاحف الكبيرة تُشبه الجبال الجليدية، لا يبدو للعامة سوى جزء ضئيل من مجموعتها الضخمة. عندما أغلقت الأبواب الهائلة الحجم وراء ظهري، بصوتٍ مكتوم مُطمئن، تركت قمة الجبل الجليدي خلفي. حينها تغيَّرت أصوات المكان على الفور. بعد ذلك سرتُ في الممرَّات الطويلة الهادئة المحاطة بصناديق مُمتدَّة من الأرض إلى السقف مليئة بالكتب القديمة المُتوارية خلف زجاجٍ قديم مُتموج. وفور نزولي إلى القبو انخفضَت درجة الحرارة مباشرة. كانت الجدران مكسوةً بالبلاط الأبيض الناصع، في جمالٍ يتوسط جمال محطة مترو أنفاق لندن ومستشفى على الطراز الفيكتوري. وهنا، بين خزائن فَخَّاريَّات العصر البرونزي، وجدتُ وجهتي: وهو باب غير لافت للنظر عليه جرس. التقيتُ بالقَيِّم على المتحف وصحِبني إلى غرفة امتدَّت على جانبَيها ساعات الجَد (أو الساعات ذات الصندوق الطويل، إذا أردْنا الدِّقَّة)، ووقع في طرفها الأقصى صفَّان طويلان من الخزائن المصنوعة من خشب الماهوجاني متراصَّان ظَهرًا لظَهر. تضمَّنت هذه الخزائن ساعات المتحف، البالِغة أربعة آلاف وخمسمائة ساعة، والمنظمة في مئات الأرفُف التي تحتوي على نماذج الساعات. تُغطي هذه المجموعة تاريخ الساعات كاملًا، بدايةً من وقت اختراعها في القرن السادس عشر إلى عصرنا الحاضر. كما تشمل أعمال كل صانعي الساعات المشهورين تقريبًا، بالإضافة إلى الساعات التي صنعها الحِرفيون الذين لم يُسجِّل التاريخ أسماءهم. كما كانت هناك عشرات الساعات المُقلَّدة الهولندية.
إن مجموعة الساعات هي المجموعة الوحيدة في المتحف التي يتولى فيها القيِّمون على الساعات أعمال الصيانة بأنفسهم، لأن عِلم تصميم الساعات أحد المواضيع النادرة، التي لا بدَّ فيها أن يكون الباحثون النظريون مزاولِين للمهنة من أجل الحفاظ على الساعات (أغراض الدراسة). ولقد قابلت أرواحًا تُشبهني في المُيول والأفكار بين القيِّمين على المتاحف. عندما بدأتُ التطوُّع في سنة ٢٠٠٨، أصبح رئيس القيِّمين على المتحف ديفيد تومبسون، الذي سيُشرف على رسالتي للدكتوراه فيما بعد، مُرشدي غير الرسمي. لقد درس ديفيد في مدرسة هاكني كوليدج القديمة لعِلم صناعة الساعات، التي أغلقت أبوابها في أواخر تسعينيَّات القرن العشرين، وقضى ثلاثة وثلاثين عامًا يعمل في مجموعة المتحف البريطاني. وأَدين لديفيد بمَحبَّتي للبحث في مجال الساعات. كان مكتبُه مختبئًا في نهاية دهليز مكتظٍّ بخزائن الكتب المليئة بمراجع في علم قياس الوقت تعود لقرونٍ سابقة. وكان لدى ديفيد ذاكرة أمين المكتبة. فلو عرض لي سؤال لا تحضُرُه إجابته في الحال (وهو ما كان يحدث نادرًا)، كان يُحدِّد موقع الكتاب المُحتوِي على المعلومات المطلوبة من الأرفُف المجاورة. والآن أتَّخذُ مكتبه مرجعًا في تصميم مكتبي.
عندما تقاعد ديفيد، خلَفَه بول باك في منصبه. بول، بالنسبة إليَّ، واحدٌ من أروع الشخصيات على وجه الأرض. في كل مرةٍ أتحدث إليه يُخبرني شيئًا يُصيبني بالدهشة العارمة. وهذا ليس إنجازًا سهلًا في مجالٍ يصف فيه زوجي الأشخاص بأنهم «يعتمرون قبعاتٍ صوفية ويأكلون مخروط الكريمة، ويرتدون صندلًا وجوارب معًا، ويعبثون بالأدوات داخل أكشاك الحديقة». لا نتَّسِم نحن، صانعي الساعات، بالمرح عادةً. نحن مهندسون من حقبةٍ زمنية بائدة، نقضي معظم وقتنا في الداخل، نعمل على أغراضٍ صغيرة جدًّا تُسبب إجهادًا للعين، دون أي تواصُل بشري يُذكر. لكن بول (المعروف أيضًا باسم بابلو لابريتان عازف الدرامز في فرقة البانك روك ٩٩٩) كان استثناءً. تخصَّص بول في ساعات الوقواق القديمة (ساعات الغابة السوداء على سبيل الدقة)، لكنه لسنوات كثيرة كان يقضي استراحة الغداء يتمرَّن على عزف الدرامز في «غرفة الراديوم» بالمتحف، وهي غرفة تحتوي على كل الأغراض المُشعَّة موضوعة في خزائن حفظ كيميائية فولاذية ومزودة بشفَّاط. فهل هناك شيء أكثر «ثورية» من عزف الدرامز في غرفة مُشعَّة؟
أذن لي بول وديفيد بتفكيك الساعات المُقلَّدة الهولندية. واستخدمتُ، مثل الطبيب الشرعي، كلًّا من المِجهر والأشعة السينية والأشعة السينية الفلورية لتشكيل صورةٍ عن حيواتها. كانت جميعها، مثل ساعات ويلتر، مزودة بعجلات الانفلات ذات المحور الدوَّار.
كانت مسألة الصناعة اليدوية هي سبب ارتفاع تكلفة صناعة الساعات في البداية. فقد اتَّسمت ساعات الجيب بالتعقيد واستهلاك الوقت في عملية التصنيع؛ وقد يُشارك في عملية تصنيع ساعة واحدة ثلاثون شخصًا أو أكثر، كل واحدٍ منهم لديه مهارات مختلفة ومترابطة في الوقت نفسه. وآل ذلك إلى أنَّ أكبر ورش العمل البريطانية من القرن الثامن عشر كانت لا تَقدِر إلا على تصنيع بضعة آلاف من الساعات فحسب في السنة الواحدة. ومع ذلك بمرور السنوات في ذلك القرن، بدأ يظهر نوع جديد من الساعات أقل تكلفة، في نوافذ عرض محلَّات الرهن، وفي الأكشاك بالأسواق. في البداية، ظهرت هذه الساعات الجديدة فرادى أو مَثنى، ولكن بحلول نهاية القرن الثامن عشر تجاوزت العدد الذي كانت صناعة الساعات المعروفة في بريطانيا تقدر على إنتاجه. شخصٌ ما، في مكانٍ ما، كان يصنع هذه الساعات بوتيرةٍ أسرع وبتكلفة أقل.
كان عالم صناعة الساعات في لندن، كما رأينا سابقًا، يُشبه نادي النخبة. أدَّى التدريب المِهني الطويل المرتفع السعر، الذي تشترطه النقابة المُبجلة لصانعي الساعات، إلى أنه أصبح مقصورًا على النخبة المميزة في العاصمة، مما وضع بدورِه قيودًا خانقة على صناعة الساعات في لندن. وشجع ذلك الأمر صانعي الساعات على اللجوء إلى التجارة في المناطق البعيدة لتعزيز إنتاجهم. فمن أجل مُواكبة الطلب المُتزايد على الساعات، أصبح الصنَّاع يعتمدون بشكلٍ أكبر على شراء كَميات كبيرة مما نُسمِّيه الآن «آليات الحركة غير المُكتملة» (آليات جاهزة غير مُكتملة يشتريها صانع الساعات ويُهيئها كما يشاء ويضع عليها علامته التجارية) التي صنعها حِرفيون لم يخضعوا لتدريب مِهني رسمي على الإطلاق، في ورش عمل محلية في مقاطعة لانكشر، وفي كوفنتري في وقتٍ لاحق. قال عامل من الشمال: «وحدهم مَن عقدوا العزم على أن يُصبحوا صناع ساعاتٍ مُحترفين رسمِيِّين يخضعون للتدريب المِهني المنهجي، بينما لم تخضع القوة العاملة العادية للتلمذة المنهجية أبدًا.»
ومع ذلك، وردت إلينا بعض التقارير من بريسكوت في لانكشر، حيث كانت تُصنع أدوات صناعة الساعات الفائقة الجودة مع أجزاء الساعة وآليات حركة الساعة غير المُكتملة، تصفُ مستوًى فائقًا من الإتقان بلَغَه الصنَّاع غير المتدرِّبين رسميًّا. وذكر أحد المُعلقين كيف أن هؤلاء الحرفيين كانوا يصنعون أسنان التروس الضئيلة على شكلِ ورقِ الغار المُدبَّب بالعين المجردة، رغم أنهم «قد يُحدقون بكَ بسذاجة وهم يستمعون إليك تشرحُ المُنحنى الدُويري.» هذا الشكل من صناعة الساعات كان عملًا ثانويًّا في الكثير من الأحيان. فالمُزارعون الذين يمتلكون من الأراضي ما يكفيهم لإطعام أنفسهم وعوائلهم، ولكن ليس ما يكفي للتجارة والتربُّح، كانوا يشاركون في مشاريع أخرى مثل الغزل والنسيج، وأيضًا صناعة الساعات لزيادة دخلهم. وأنشأ بعض الصنَّاع المحليِّين ورش عمل في المزارع الصغيرة، وتولَّوا إدارتها إلى جانب أعمالهم الرئيسية. هذه الورش، في كثيرٍ من الأحيان، كانت تصنع قطع غيار الساعات، ثم يتم تعبئتها وإرسالها إلى صانعي الساعات في لندن وفي كل أرجاء بريطانيا، حيث تتمُّ تهيئتها وتتحول إلى ساعات جيبٍ.
تأثرت القدرة الإنتاجية لصناعة الساعات البريطانية وكذلك تأثرت قُدرتها على المنافسة من حيث السعر بإقصاء النساء من القوة العاملة. كانت الثقافة الحِرفية محصورة تقريبًا في الذكور. وهناك بعض النساء مُدرجة أسماؤهن كصانعات ساعاتٍ رسميات وكمتدرِّبات في النقابة المبجلة لصانعي الساعات، ولكن في الحقيقة كانت الأغلبية العُظمى منهن يصنعن القبعات النسائية (لم يمتلك صناع القبعات النسائية في تلك الفترة نقابة خاصة بهم لذا كانوا يُدرَجون ضمن النقابات الأخرى). كان عدد النساء الخاضعات للتدريب المِهني المنهجي قليلًا جدًّا، في الحِرف المختلفة، يتراوح من واحدٍ إلى اثنَين بالمائة. ولقد وَجَدَتْ دراسةٌ، لا تزال مستمرةً في الوقت الحالي، أن ١٣٩٦ امرأة فحسب ساهمت في صناعة الساعات في المملكة المُتحدة فيما بين القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين. وقد يبدو العدد كبيرًا، لكن إذا علمتَ أنه في سنة ١٨١٧ وحدَها كان هناك ما يزيد عن ٢٠ ألف صانع ساعات في لندن فقط فستُدرك أن العدد قليلٌ جدًّا.
خارج لندن، رُحِّب بالنساء في ورش العمل بحفاوة، كما في سويسرا وأيضًا الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد. وددتُ القول إن هذا الإجراء كان نابعًا من تحقيق المساواة في مكان العمل، لكن في الحقيقة كانت النساء تتقاضى أجورًا أقل، مما يعني أن ساعات الجيب التي يُباشِرن صناعتها يمكن بيعها بسعرٍ أقلَّ أيضًا.
ولا يزال عدد النساء في مجال صناعة الساعات غيرَ كثيرٍ. كنتُ — ولا أزال — من القلَّة القليلة في المجال. ولقد كان الأمر سلاحًا ذا حدَّين بالنسبة لشخص يُعاني من القلق ومُصاب بمتلازمة الاحتيال المُزمنة. فالاختلاف يعني أن يكون من السهل ملاحظتك. وملاحظة الناس، فيها من الإيجابيات والسلبيات ما فيها. ولقد كنتُ محظوظة بتلقِّي الدعم من الأصدقاء والمرشدين الرائعين الذين لولاهم، في اعتقادي، ما انتهيت من فترة التدريب. لكني تلقيتُ الكثير من النقد أيضًا. في ورشة العمل الأولى أعرب البعض عن اعتقادهم أن قبول انضمامي للدورة التدريبية هو مجرد إجراء شكلي. وذات مرة، توسَّل أحد المرشدين في الجامعة إلى صاحب عملٍ قدَّم لي فرصةَ عمل صيفي، أن يسحب عرضه ويُعطيه لأحد طلابه من الذكور. ولقد سمعت آخرين يقولون إنه لا جدوى من تدريب النساء على صناعة الساعات إذ سيكون لدينا أطفال وسنتخلَّى عن المهنة. كما أُخبرْت في مناسبات عديدة: «لستِ مميزة.» وأجِدني أسأل نفسي دائمًا: كيف يخطر ببال أحدٍ أنني أرى نفسي مميزة؟ أشكُّ أنني سأتوقف أبدًا عن الشعور بالتطفُّل على أهل المهنة.
ذات صباح، وأنا في السيارة في طريقي إلى ورشة العمل، استمعتُ إلى مقابلةٍ على برنامج «وومنز أور». كانت مورجان سيج الباحثة في جامعة كامبريدج تُناقش سبب منع هيئة «المسح البريطاني للقُطب الجنوبي» النساء من زيارة القطب الجنوبي حتى سنة ١٩٨٣. وكان هناك الكثير من الأعذار المتوقعة: أنها حقبة جديدة؛ أنهم شعروا أن النساء لن ترغب في ذلك بسبب غياب دورات المياه والمتاجر ومُصفِّفي الشعر؛ أنهم كانوا قلِقِين بشأن عواقب إطلاق النساء في مُستعمرة ذكورية. لكن ما أصابني بالدهشة العارمة حقًّا هو وصفها للجليد كمرحلةٍ من مراحل الذكورية التي خشي الرجال من أن تقوِّضها النساء. وخلق المُستكشفون الروَّاد من أمثال روبرت سكوت وإرنست شاكلتون وهمَ البَطَل أو الرجال الشجعان الذين يُواجهون التشقُّقات الجليدية الغدَّارة والأحوال الجوية القاسية والجوع ليَخوضوا غمار المجهول بجرأة. قالت البروفيسور ليز موريس، وهي أول امرأةٍ تعمل داخل القارة في الفترة ما بين ١٩٨٧-١٩٨٨، إنه كان هناك رجال مُعارضون لمشاركتها، واقتبست قول قائد القيادة الأمريكية في القطب الجنوبي جورج جيه دوفيك أنه إذا «استطاعت امرأة متوسطة العمر، لا تمتلِك أي مهارات جسمانية خاصة، اقتحامها فكيف يُمكنهم (الرجال) أن يكونوا أبطالًا؟»
أدركتُ فجأة أن نفس الشيء كان يحدُث في مجالي. نشأ صانعو الساعات الشباب أيضًا على قصص الأبطال، مثل هيخنز وتومبيون وجراهام ومادج وهاريسون، عباقرة العصر الذهبي الذين ابتكروا أعمالًا هندسية استثنائية لحلِّ بعض المشكلات العلمية الكبرى في عصرهم. ابتكر الرجال، وكانوا جميعًا رجالًا، الذين تواصلوا اجتماعيًّا مع الطبقة الأرستقراطية، منتجاتٍ من أجزاءٍ صغيرة جدًّا من المعدِن تتحرك وحدَها كأنها مسحورة. ورأى المجتمع آلية الساعة شيئًا في غاية الكمال والتعقيد، لذا كانت تُستخدَم في المحاجَّة على عدم وجود الرب (كان يُفترَض أنه رجل آخر عادةً). وعند تأسيس النقابة المُبجلة لصانعي الساعات في سنة ١٦٣١، أعلن ميثاقها أنها ستُشرف على «رفقة الفن وسِر صناعة الساعات». وإلى يومِنا هذا لا تزال صناعة الساعات تُعتبَر فنًّا أسودَ لا يستطيع أن يفهمه سوى خاصة الخاصة فحسب. ومع ذلك، فها أنا: امرأة خجولة اجتماعيًّا، ذات وُشومٍ، نشأتُ في أسرةٍ من أبناء الطبقة العاملة، ولا أملك شيئًا «مميزًا» على الإطلاق، ومع ذلك فأنا صانعة ساعات. لو استطاع شخصٌ مِثلي أن يكونَ صانع ساعات، فلا استحالة إذن.
ولا عجبَ في انجذابي إلى جون ويلتر المُحتال المُهمَّش؛ فالطيور على أشكالها تقع.
في المتحف البريطاني، وجدت نفس أختام صانعي آليات الساعات غير المُكتملة (المعروفة بأختام صانعي الصفائح وتُوجَد تحت ميناء الساعة) على آليات ساعاتٍ موقَّعة بالعديد من الأسماء المُستعارة. بدا أن عددًا قليلًا نسبيًّا من ورش العمل تصنع كَميات ضخمة من الساعات على نطاقٍ غير مشهود في إنجلترا في ذلك الوقت. كانت وتيرة الإنتاج سريعةً جدًّا حتى إن ورش العمل الأكثر نشاطًا في شمال بريطانيا ما كانت تقدِر على مواكبته. للوهلة الأولى، بدَت هذه الساعات هولندية الصنع؛ فقد كان مسار الدقائق المُتعرجُ وشكل جسر عجلة التوازُن الذي يُثبِّت المحور العلوي لعجلة التوازن هولنديين لا إنجليزيين من حيث الطراز. ورغم وجود بضعة صانعي ساعاتٍ نابِغِين في الجمهورية الهولندية في ذلك الوقت، فإن الصناعة الهولندية كانت محدودة جدًّا بالمُقارنة بصناعة الساعات في لندن، ولم تكن ضخمة بما يكفي لتُنتج هذا العدد الهائل من «الساعات المُقلدة الهولندية» الموجود في الأسواق.
عند دراسة الأختام المَخفية في هذه الساعات، ومقارنتها بالسجلَّات الأرشيفية، اكتشفتُ ما كان يحدُث في تلك الفترة الزمنية. كان التجَّار الهولنديون يَطلبون صناعة ساعاتٍ على الطراز الهولندي حقًّا، لكن لمعرفتهم تفضيل المُستهلكين للساعات المصنوعة في لندن مِثلما نُفضِّل السيارات الألمانية أو آلات التصوير اليابانية أو الشكولاتة البلجيكية، كانوا يُوقِّعونها بأسماء إنجليزية، آمِلين في بيعها بأسعارٍ أعلى. لكن الغريب أن هذه الساعات المُقلَّدة لم تكن تُصنَع في الجمهورية الهولندية ولا في إنجلترا. فلقد أثبتت الأختام والتوقيعات المَخفية وشهادة الشهود المُعاصرين، وتقارير الجرائد، وحتى السجلات الواردة من الأماكن التي خرجت منها تلك الساعات، أن هذه الساعات كانت تَرِدُ من سويسرا قطعًا، حيث كان هناك اتجاه جديد في صناعة الساعات في مُستهل القرن الثامن عشر. وهذا الاتجاه كان يُعرف «بتجميع الساعات».
بينما اعتمدت صناعة الساعات التقليدية على مجموعاتٍ صغيرة من الحرفيين المهرة الذين يُمرِّرون أجزاء الساعة بين ورش العمل المُختلفة، واعتمدت تجارة الساعات غير الرسمية في بريطانيا على عمَّال الورش الصغيرة غير الرسمية، جلب اتجاه «تجميع الساعات» عددًا كبيرًا من العمَّال تحت سقفٍ واحد يُعرَف بالمصنع. نُظِّم العمل في المصنع كخطِّ إنتاجٍ بحيث يعمل صانعو السلاسل وصانعو النوابض وصانعو العجلات والتروس الصغيرة جنبًا إلى جنب. وعلى الرغم من تشابُه التقنيات والمعدات المُستخدَمة مع تلك المُستخدَمة في طرائق الصناعة التقليدية، فإن «تجميع الساعات» بسَّط عملية الإنتاج بشكلٍ كبير تحت إدارة شركة واحدة. كان النظام عاليَ الكفاءة، ونتيجة لذلك، أنتجت المصانع أعدادًا ضخمة من الساعات. وبينما كانت أكبر ورشة في بريطانيا تُنتج بضعة آلاف من الساعات في السنة الواحدة، كان المصنع السويسري يُنتج أربعين ألف ساعة. أحدثَ هذا ثورةً في الصناعة. ونجَم عن تجميع الساعات أن ارتفع إنتاج أوروبا من الساعات بشكلٍ كبير على مدار القرن الثامن عشر، حتى بلغ في رُبعه الأخير ما يُقدَّر بأربعمائة ألف ساعة وربما أكثر من ذلك في السنة الواحدة.
في أثناء فحص مجموعة ساعات المتحف البريطاني، حرصتُ على الوصول إلى أي دليلٍ يُشير إلى الأصول الزائفة للساعات المُقلَّدة الهولندية. ووجدت المزيد من ساعات جون ويلتر. والغريب أن عددًا صغيرًا منها كان فائق الجودة وإنجليزيَّ الطراز، لكن الغالبية العُظمى كانت منخفضة الجودة مقلَّدة على الطراز الهولندي. كما رأيتُ جميع أنواع الأخطاء الهجائية على آليات الساعات، مثل الأخطاء الإملائية المُريبة التي يراها المرء في رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها. فقد أشير إلى جوزيف وتوماس ويندميلز الأب والابن صانعَي الساعات المَشهورَين ﺑ «وينتميلز-لندن» على ساعةٍ و«جوز وينديميلز-لندن» على أخرى. كما عثرتُ على «فيندميل»، و«وينتميل»، و«وينديميل»، و«فنديميل». وبرز جون ويلتر وجون فيلتر، ولكن على عكس عائلة ويندميلز بقِيَت هوية جون ويلتر، التي كان الصنَّاع يُقلدونها، غامضةً بالنسبة إليَّ. لكن، لأن التجار المُتحدِّثين باللغة الهولندية طلبوا ساعاتٍ موقعة بأسماء إنجليزية من المصانع السويسرية الفرنسية اللغة، حدثت أخطاء واضحة في كتابة هذه الأسماء.
لكن كانت الساعات المقلَّدة الهولندية غاية في الأهمية. هذه الساعات، التي كانت تقلُّ سعرًا عن ساعات لندن الأصلية المنافِسة لها بما يزيد عن النصف في كثير من الأحيان، تُمثِّل أول آلات قياس للوقت تُنتَج بكميات كبيرة. كانت هذه هي اللحظة التي توقفت فيها آلات قياس الوقت المحمولة عن أن تكون حكرًا على الطبقة الفاحشة الثراء. وهذه الساعات المُقلَّدة لم تقدم أي مساهمات فيما يخصُّ الدقة ولا المتانة، ولم تكن مُبتكرة لا من الناحية التقنية ولا الجمالية، ولكنها كانت رخيصة الثمن؛ وهذا ما جعلها مُثيرةً للاهتمام. فلأول مرة منذ اختراع الساعة عُثر على طريقة يمكن من خلالها صناعة ساعات الجيب بتكلفةٍ معقولة. وبحلول نهاية القرن الثامن عشر ازداد استعمال الساعة كأداةٍ من أدوات الزينة على نطاق فئات اجتماعية أوسع.
ساعة ويلتر هي أحد أهم التطورات الاجتماعية الاقتصادية للقرن الثامن عشر: التقليد. تسببت الفترة ما بين ستينيات القرن الثامن عشر وحتى الثورة الصناعية في ظهور طبقة متوسطة لها طموحات تتجاوز إمكانياتها المالية. وخلقت المسارح والحدائق، بالإضافة إلى ظهور المتاحف والمعارض الفنية المجانية، المزيدَ من الفُرَص لاصطدام الأغنياء والطامِحين. ومع تحسُّن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وزيادة المواد المطبوعة، أتاحت الجرائد لهؤلاء الأشخاص نافذةً على حياة ومُمتلكات الطبقات الراقية. وحفزت الرغبة في الحصول على المُمتلكات الفاخرة. ولأن هذه الرفاهيات المادية ظلَّت خارج نطاق الإمكانيات المالية لغالبية السكان، كان الحلُّ هو تقليدها.
شكَّلت الساعات المقلَّدة الهولندية جزءًا واحدًا من هذه العملية الأكبر. في القرن الثامن عشر، كانت ساعات الجيب التي تُعلَّق في الحزام بسلاسل مزخرفة مؤشراتٍ واضحة على ثروة مالِكها وطبقته الاجتماعية الراقية. وأزيدك من الشعر بيتًا، في سنة ١٧٩٧ فرض رئيس الوزراء ومستشار وزارة المالية وليام بِت ضريبةً على ملكية الساعة. وعلَّل ذلك بزعمِه أن امتلاك ساعةٍ علامةٌ على رفاهية مالِكها، ولهذا فهي برهان على قُدرته على دفع الضريبة الإضافية. (ومن نافلة القول التأكيد على أن الضريبة لم تَحْظَ بأي قبولٍ شعبي. فثارت الطبقة المتوسطة، بل بالَغ البعض وتخلَّص من العلبة الذهبية لساعة الجيب واشترى أخرى جديدة مصنوعة من معادن رخيصة ليتفادى تصنيف ساعته في الفئة المُطبَّق عليها الضريبة.)
إذا كان أغلب الناس قد عاشوا حياتهم في القرن السابق بساعة حائط عامة، فإن ساعات الجيب أصبحت في كل مكان. ولذا نراها في الفن المرئي. تظهر ساعات الحائط وساعات الجيب كثيرًا في أعمال ويليام هوجارث الذي استخدمها لتتبع تطور الشخصيات عَبر قصصه. تُصوِّر سلسلة لوحاته الشهيرة «سيرة عاهرة» مراحل فساد فتاة قروية بريئة، مول هاكابوت. وكلما تقترب مول من نهايتها الحتمية (الحبس والموت بمرض تناسُلي في نهاية المطاف)، يقترب الوقت المُوضح من خلال ساعات الحائط من الساعة الحادية عشرة. ومن المُثير للاهتمام أن مول «العاهرة» تمتلك ساعة جيب «رنَّانة» فاخرة حسبما يبدو.
صاحَبَ انتشار ساعات الجيب زيادة هائلة في أعداد النشَّالين ولصوص الشوارع. نجِدها غنيمة النشال المُفضلة في «أوبرا المُتسوِّل» (١٧٢٨) لجون جاي. حظِيَت آلات قياس الوقت بتقديرٍ كبير عند اللصوص، وجرى مُقايضتها عادةً في مقابل خدماتٍ أخرى مثل الدعارة أو دفع ديون المقامرة، كما يحدث في اللوحة السادسة من سلسلة لوحات «سيرة فاجر» لهوجارث (التي نُشرت في سنة ١٧٣٥). كما تثبت سجلات محكمة أولد بيلي أن الفنادق والحانات كانت وجهة النشالين المُفضلة، مع بلوغ السرقات حد الذروة في الفترة ما بين الثامنة والحادية عشرة مساءً (وقت تقديم نصف عدد البلاغات تقريبًا)، ثم انخفاضها بعد منتصف الليل، لتُعاود الارتفاع من جديد في الصباح، في الساعة السابعة صباحًا تقريبًا، عندما يستيقظ الأشخاص وهم يُعانون من صداعٍ شديد ليكتشفوا سرقة ساعاتهم. وانتشرت ساعات الجيب المسروقة بسرعة وسهولة في العالم السُّفلي الإجرامي من خلال محلَّات الرهونات ومحلات بيع المُستعمل. وكان يأخذها تجار المجوهرات عديمو الضمير عن طيب خاطر؛ بل كان هناك صانعو ساعات مُستعدُّون لتعديلها بتغيير الأسماء أو الدمغات حتى لا يتعرف عليها مُلَّاكها الحقيقيون. كانت مول فلاندرز الجامحة، بطلة رواية دانيال ديفو الصادرة سنة ١٧٢٢، أحد أشهر النشالين في التاريخ الأدبي كله، تَستخدِم عادةً ساعةَ جيب، لا شك في أنها سلبتها من ضحية غافلة.
لم تكشِف سجلات محكمة أولد بيلي ارتفاع عدد مُلاك ساعات الجيب واللصوص فحسب، بل كشفت أيضًا ارتفاع مستوى الوعي بالوقت. وأصبح تحديد وقت وقوع حدثٍ مُعين، على مدار القرن الثامن عشر، جزءًا من شهادات الشهود في تقارير الجريمة أكثر فأكثر. نرى توماس هيلير، الذي ظهر في قاعة المحكمة سنة ١٧٧٥ بعدما سُرقت ساعته الفِضية ذات العلبة المزدوجة بواسطة قاطع طريق في المنطقة ما بين لندن وهامبستاد، يزعم أن حَدَث السرقة قد وقع في «التاسعة والربع مساءً تقريبًا» واستمرَّ حوالَي «دقيقة أو دقيقة ونصف» فحسب. ومع أن شهادة هيلير كانت مفصلةً على نحوٍ غير مألوف، لكنها واحدة من آلاف الشهادات التي أدَّاها سكان لندن في هذه الفترة والتي أدلوا فيها بوقتِ وتاريخ وقوع الحدث والمدة التي استغرقها. كان الوعي بالوقت يزداد ببطء ولكنه يزداد قطعًا.
هناك جانبان مختلفان لقصة الساعات ومفهوم الوقت في القرن الثامن عشر. أحدهما: هو العصر الذهبي الساحر للتطوُّرات في عالم الساعات والكرونومترات البحرية وساعات الجيب التي صنعها عددٌ من أنبغ العلماء في المجتمع. وثانيهما: هو العالم السفلي للساعات المُزيفة والمقلَّدة التي هي، في رأيي، لا تقلُّ روعة ولا أهمية عن الأصلية. في الحقيقة، قَطعت الساعات المُقلَّدة الهولندية العَلاقة بين صانعي الساعات الحرفيِّين والرُّعاة الأثرياء. لقد قامت بقفزةٍ نوعية في مسار صناعة الساعات بتكلفة معقولة، مما مهَّد الطريق للشركات اللاحِقة لتوفيرها للجميع حقًّا. لذا فالساعات المُقلَّدة، في اعتقادي، ذات أهمية في قصة علم قياس الوقت مثلها مثل كرونومترات هاريسون تمامًا. في النهاية، كيف نحكم أن اختراعًا ما قد غيَّر العالم حقًّا إذا كان مُقتصرًا على عددٍ بسيط من الطبقة الراقية؟ من خلال توسيع نِطاق القدرة على معرفة الوقت، ساعدت ساعات الجيب الرخيصة في رأْب الصدع بين الأغنياء والفقراء، وبين الطبقة الأرستقراطية والجماهير. لقد جعلت الوقت ديمقراطيًّا.
كان (هو) مَن أدخل صناعة الساعات بذلك الاسم المُزيف «ويلترز، لندن»؛ وكانت هذه الساعات مُتقنة الصنع، وربما أعلَتْ من شأن صانعها، الذي كان يجدُر به أن يضع اسمه عليها؛ وسرعان ما أقدم آخرون على تقليد المظهر الخارجي لهذه الساعات … (لكن) هذه الساعات كان بها يومٌ وهمي من الشهر، وكان بها ميناء وعقارب دون عجلاتٍ لتحريكها، كما زيَّفت مظهر أحجار الترصيع في ثقوب المحاور … كانت آخر ساعات مُزيفة رأيتها معروضة عليَّ بسعر ٣٤ شلنًا للساعة، لكنها كانت عديمة الفائدة حقًّا؛ في حين أن أول من أنتج هذه الساعات بذلك الاسم المُزيف، كان يبيعها بسعر ثمانية جنيهات لكل واحدة، وقد كان هذا السعر عادلًا.
ويلتر، حسبما اكتشفت، كان شخصًا حقيقيًّا ومُزيفًا في الوقت نفسه. والاسم نفسه ربما كان من اختراع التاجر الهولندي، الذي أراد اسمًا له وقْعٌ إنجليزي، دون أن يتمكن أحد من تتبُّعه. لكن الرجل الذي كلَّفه في الأصل كان صانع ساعات إنجليزي الأصل فائق المهارة. صار «جون ويلتر» ماركة تجارية نوعًا ما. حينها أدرك التاجر أنه يُمكنه زيادة أرباحه عَبر صناعة ساعات ويلتر بسعر رخيصٍ في القارة الأوروبية. هذا التفسير يؤيِّد الدليل الموجود في المتحف البريطاني تمامًا، حيث وَجَدْتُ القليل من ساعات ويلتر عالية الجودة بالإضافة إلى الكثير من الساعات المقلدة الهولندية تحمل نفس الاسم. هذه الفقرة القصيرة أجابت الأسئلة التي أعيتني في السابق. وهذه الساعات مثالٌ مُمتازٌ على ضرورة عدم ازدراء الساعات المُقلَّدة، لأن القيمة التي يُمكن أن تُضيفها إلى فَهمنا للعالم وللصناعات وحتى للأنظمة الاقتصادية، كبيرة جدًّا. ولأنني باحثة درستُ هذه الساعات، بل تمكنتُ من جمع القليل منها، ومن بينها أعزُّها على قلبي، وهي ساعات جون ويلتر.