لعمري لقد أردى نوار وساقها
إلى الغور أحلامٌ قليلٌ عقولها
معارضة الركبان في شهر ناجر
على قتبٍ يعلو الفلاة دليلها
وما خفتها إذ أنكحتني وأشهدت
على نفسها بالغدر زال زويلها
أبعد نوار آمَننَّ ظعينة
على الغدر ما نادى الحمام هديلها
ألا ليت شعري عن نوار إذا خلت
بحاجتها هل تُبصرنَّ سبيلها
أطاعت بني أم النسير فأصبحت
على شارفٍ ورقاءَ صعبٍ ذلولها
إذا ارتحلتْ شقت عليها وإن تنُخْ
يكن من غرام الله عنها نزولها
وقد سخطت مني نوار الذي ارتضت
به قبلها الأزواج خاب رحيلها
ومنسوبة الأجداد غير لئيمة
شفَتْ لي فؤادي واشتفى بي غليلها
فلا زال يُسْقَى يا مُفدَّاة نحوه
أهاضيب مستنِّ الصبا ومسيلها
فما فارقتنا رغبة عن جماعنا
ولكنما غالت مُفدَّاة غولها
تُذكِّرني أرواحها نفحة الصَّبا
وريح الخزامى طلها وبليلها
فإن امرأ أمسى يُخبِّب زوجتي
كساعٍ إلى أُسْد الشرى يستبيلها
ترى مثل أنضاء السيوف من السرى
جراشعة الأجواز ينحو رعيلها
ومن دون إيواء الأسود بسالة
وأيدٍ طوال يمنع الضيمَ طولها
فإني كما قالت نوار إن اجتلت
على رجل ما سدَّ كفي خليلها
وإن لم تكن لي في الذي قلت مرة
فدليت في غبراء ينهال جولها
فما أنا بالنائي فتنفي قرابتي
ولا باطل حقي الذي لا أقيلها
ولكنني المولى الذي ليس دونه
وليٌّ ومولى عقدة من يجيلها
فدونكها يا ابن الزبير فإنها
مولَّعة يوهي الحجارة قيلها
إذا قعدت عند الإمام كأنها
ترى رفقة من ساعة تستحيلها
وما خاصم الأقوام من ذي خصومة
كورهاء مشنوء إليها حليلها
فإن أبا بكر أمامك عالم
بتأويل ما وصَّى العبادَ رسولها
وظلماء من جرَّا نوار سريتها
وهاجرة دَوِّيَّة ما أُقيلها
جعلنا علينا دونها من ثيابنا
تظاليل حتى زال عنها أصيلها
ترى من تلظِّيها الظباء كأنها
موقَّفة تغشى القرون وعولها
نصبت لها وجهي وحرفًا كأنها
أتان فلاة خفَّ عنها ثميلها
إذا عسفت أنفاسها في تنوفة
تقطَّع دون المحسنات سحيلها
أرى إبلي حنَّت طروقًا وهاجها
على الشوق جار لا يزال يسوقها
سروقٌ إذا الظلماء كانت كأنها
عباية مستورين سدَّت خروقها
فسيري فأُمِّي أرضَ قومك إنني
أرى عقبة خرقاء جمًّا فنوقها
وأثني على سعد بما هي أهله
وخير أحاديث الغريب صدوقها
عظام المقاري يأمن الجار فجعها
إذا ما الثريا أخلفتها بروقها
خلا أن أعراف الكوادن منقرا
قبيلة سوء بار في الناس سوقها
تحمل باني منقر عن مقاعس
من اللؤم أعباءً ثقالًا وسوقها
إوزَّى بها لا يأطر الحمل متنه
ويعجز عن حمل العلى لا يطيقها
ألم تعلموا يا آل طوعة أنما
يهيج حليلات الأمور دقيقها
وملتفَّة الحاذين مرتجَّة الصلا
سنانية قد بات تحتي فليقها
خلوت بها في الحرمل السهل تنتجي
وأعيب ساعات النجيِّ طروقها
فما زال تحتي نصفها قد قسمتها
فريقَين حتى جاء جون يسوقها
وكلَّفتها ليلًا طويلًا فأصبحت
قريبًا وقد باتت شديدًا وسيقها
وأهون عير المنقرية أنها
شديد ببطن الحنظلي لصوقها
رأت منقرًا سودًا قصارًا وأبصرت
فتًى دارميًّا كالهلال يروقها
فما أنا هجت المنقرية للصبا
ولكنها استعصت عليها عروقها
تنابلة سود الوجوه كأنهم
حمير بني غيلان إذ ثار صيقها
وقال يمدح سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج بن يوسف الثقفي:
وكيف بنفس كلما قُلتُ أشرفت
على البرء من حوصاء هيض اندمالها
تهاض بدار قد تقادم عهدها
وإما بأموات ألمَّ خيالها
وما كنت ما دامت لأهلي حمولة
وما حملتهم يوم ظعن جمالها
وما سكنت عني نوار فلم تقل
علام ابن ليلى وهي غير عيالها
تقيم بدار قد تغيَّر جلدها
وطال ونيران العذاب اشتعالها
لأقرب أرض الشام والناس لم يقم
لهم خيرهم ما بلَّ عينًا بلالها
ألست ترى من حول بيتك عائذًا
بقدرك قد أعيا عليه احتيالها
فكيف تريد الخفض بعد الذي ترى
نساء بنجد عيل ورجالها؟
وبالمسجد الأقصى الإمام الذي اهتدى
به من قلوب الممترين ضلالها
به كشف الله البلاء وأشرقت
له الأرض والآفاق نحس هلالها
فلما استهلَّ الغيث للناس وانجلت
عن الناس أزماتٌ كواسف بالها
شددنا رحال الميس وهي شج بها
كواهلها ما تطمئن رحالها
رحالًا وضعناها ثلاثين حجة
غنًى وانتظارًا أين تُصرَف حالها
فأصبحت الحاجات عندك تنتهي
وكل عفرناةٍ إليك كلالها
حلفت لئن لم أشتعب عن ظهورها
لينتفينْ مخَّ العظام انتقالها
إلى مطلق الأسرى سليمان تلتقي
خذاريف بين الراجعات نعالها
كأن نعامات يُنتِّفن خضرة
بصحراءَ ممراحٍ كثيرٍ محالها
يبادرن جنح الليل بيضًا وغبرةً
ذُعرْن بها والعيس يُخشى كلالها
كأنَّ أخا الهم الذي قد أصابه
به من عقابيل القطيف ملالها
وقلت لأهل المشرقَين: ألم تكن
عليكم غيوم وهي حمر ظلالها؟
فبدَّلتمُ جود الربيع وحوِّلت
رحًى عنكمُ كانت ملحًّا ثفالها
ألا تشكرون الله إذ فكَّ عنكمُ
أداهم بالمهدي صمًّا ثقالها
وشيمت به عنكم سيوف عليكمُ
صباح مساء بالعراق استلالها
وإذ أنتم مَنْ لم يقل أنا كافر
تردَّى نهارًا عثرة لا يُقالها
وفارق أم الرأس منه بضربة
سريع لبين المنكبين ذيالها
وإن كان قد صلَّى ثمانين حجة
وصام وأهدى البدن بيضًا خلالها
لئن نَفَرُ الحجاجِ آل مُعتِّب
لقوا دولة كان العدو يدالها
لقد أصبح الأحياء منهم أذلَّة
وفي النار موتاهم كلوحًا سبالها
وكانوا يرون الدائرات بغيرهم
فصار عليهم بالعذاب انفتالها
وكان إذا قيل: اتقِ الله شمَّرت
به عزة لا يُستطاع جدالها
ألكني إلى مَنْ كان بالصين أورمت
به الهند ألواح عليها جلالها
هلمَّ إلى الإسلام والعدل عندنا
فقد مات عن أرض العراق خبالها
فما أصبحت في الأرض نفسٌ فقيرة
ولا غيرها إلا سليمان مالها
يمينك في الإيمان فاضلة لها
وخير شمال عند خير شمالها
فأصبحتَ خير الناس والمهتدى به
إلى القصد والوثقى الشديد حبالها
يداك يد الأسرى التي أطلَقَتْهمُ
وأخرى هي الغيث المغيث نوالها
وكم أطلقت كفاك من قيد بائس
ومن عقدة ما كان يُرْجَى انحلالها
كثيرًا من الأسرى التي قد تكنَّعت
فككتَ وأعناقًا عليها غلالها
وجدنا بني مروان أوتاد ديننا
كما الأرض أوتاد عليها جبالها
فأنتم لهذا الدين كالقِبْلة التي
بها أن يضلَّ الناس يُهدى ضلالها
وسوداء من أهدام كلين أقبلت
إلينا بهم تمشي وعنا سؤالها
على عانقيها اثنان منهم وإنها
لترعد قد كادت يقصُّ هزالها
ومن خلفها ثنتان كلتاهما لها
تَعلَّق بالأهدام والشر حالها
وفي حجرها محزومة من ورائها
شعيثاء لم يتمم لحول فصالها
فخرَّت وألْقتْهم إلينا كأنها
نعامة محل جانبتها رئالها
إلى حجرة كم من خباء وقبَّة
إليها وهُلَّاك كثير عيالها
هنأناهمُ حتى أعان عليهمُ
من الدلو أو عَوَّا السماك سجالها
إذا ما العذارى بالدخان تلفَّعت
ولم ينتظر نصب القدور امتلالها
نحرنا وأبرزنا القدور وضمنت
عبيط المَتالي الكُوم غرًّا محالها
إذا اعتركت في راحتي كل مجمد
مسوَّمة لا زرق إلا خصالها
مرينا لهم بالقضب من قمع الذرى
إذا الشول لم ترزم لدر فصالها
بقرنا عن الأفلاذ بالسيف بطنها
وبالساق من دون القيام خبالها
عجلنا على الغلي القِرى من سنامها
لأضيافنا والناب ورد عقالها
لهم أو تموت الريح وهي ذميمة
إذا اعتزَّ أرواح الشتاء شمالها
وصارخةٍ يسعى بنوها وراءها
على ظهر عري زلَّ عنها جلالها
تلوِّي بكفيها عناصي ذروة
وقد لحقت خيل تثوب رعالها
مقابلة في الحي في أكرميهمُ
أبوها هو ابن العم لحًّا وخالها
إذا التفتت سدَّ السماء وراءها
عبيط وجمهور تعادى فحالها
أناخت بها وسط البيوت نساؤنا
وقد أُعجِلت شد الرحال اكتفالها
أنخنا فأقبلنا الرماح وراءها
رماحًا تساقي بالمنايا نهالها
بنو دارم قومي ترى حجزاتهم
عتاقًا حواشيها رقاقًا نعالها
يجرُّون هدَّاب اليماني كأنهم
سيوف جلا الأطباع عنها صقالها
وقال يمدح سليمان بن عبد الملك:
ترى كل منشق القميص كأنما
عليه به سلخ تطير رعابله
سقاه الكرى الإدلاج حتى أماله
عن الرحل عينا رأسه ومفاصله
وناديت مغلوبين هل من معاون
على ميت يدنو من الأرض مائله
فما رفع العينين حتى أقامه
وعيد كأني بالسلاح أقاتله
أقمت له الميل الذي في نخاعه
بتفديتي والليل داجٍ غياطله
قد استبطأت مني نوار صريمتي
وقد كاد همي ينفذ القلب داخله
رأت أينقًا عرَّيت عامًا ظهورها
وما كان همي تستريح رواحله
حراجيج لم يترك لهن بقية
غدوَّ نهارٍ دائمٍ وأصائله
يقاتلن عن أصلاب لاصقة الذرى
من الطير غربانًا عليها نوازله
فإن تصحبينا يا نوار تناصفي
صلاتك في فيفٍ تكر حواجله
مواقع أطلاح على ركباتها
أُنيخت ولون الصبح وردٌ شواكله
وتختمري عجلى على ظهر رسلة
لها ثبجٌ عاري المعدين كاهله
وما طمعت بالأرض رائحة بنا
إلى الغد حتى ينقل الظلَّ ناقله
تسوم المطايا الضيم يحفدن خلفها
إذا زاحم الأحقاب بالقرض جائله
ولما رأت ما كان يأوي وراءها
وقدَّامها قد أمعرته هزائله
كباب من الأخطار كان مراحه
عليها فأودى الظلف منه وجامله
بكت خشية الإعطاب بالشام إن رمى
إليه بنا دهر شديد تلاتله
فلا تجزعي إني سأجعل رحلتي
إلى الله والباني له وهو عامله
سليمان غيث الممحلين ومن به
عن البائس المسكين حلَّت سلاسله
وما قام مذ مات النبي محمد
وعثمان فوق الأرض راعٍ يعادله
أرى كل بحر غير بحرك أصبحت
تشقق عن يبس المعين سواحله
كأن الفرات الجون يجري حبابه
مفجرة بين البيوت جداوله
وقد علموا أنَّى يميل بك الهوى
وما قلتَ من شيء فإنك فاعله
وما يبتغي الأقوام شيئًا وإن غلا
من الخير إلا في يديك نوافله
أرى الله في تسعين عامًا مضت له
وست مع التسعين عادت فواضله
علينا ولا بلوى كما قد أصابنا
لدهر علينا قد ألحَّت كلاكله
تخير خير الناس للناس رحمة
وبيتًا إذا العاديُّ عدَّت أوائله
وكان الذي سماه باسم نبيه
سليمان أن الله ذا العرش جاعله
على الناس أمنًا واجتماع جماعة
وغيث حيا للناس ينبت وابله
فأحييت من أدركت منا بسُنَّة
أتت لم يخالطها مع الحق باطله
كشفْتَ عن الأبصار كل عشابها
وكل قضاءٍ جائرٍ أنت عادله
وقد علم الظلم الذي سلَّ سيفه
على الناس بالعدوان أنك قاتله
وليس بمحيي الناس مَنْ ليس قاضيًا
بحق ولم يُبسَط على الناس نائله
فأصبح صلب الدين بعد التوائه
على الناس بالمهديِّ قُوِّم مائله
حملت الذي لم تحمل الأرض والتي
عليها فأدَّيت الذي أنت حامله
إلى الله من حمل الأمانة بعدما
أُضيعت وغال الدين عنا غوائله
جعلت مكان الجَوْر في الأرض مثله
من العدل إذ صارت إليك محاصله
وما قمتَ حتى استسلم الناس والْتقى
عليهم فم الدهر العَضوض بوازله
وحتى رأوا من يعبد النار آمنًا
له جاره والبيت قد خاف داخله
فأضحوا بإذن الله بعد سقامهم
كذي النتف عادت بعد ذاك نواصله
رأيت ابن ذبيانٍ يزيدَ رمى به
إلى الشام يوم العنز والله شاغله
بعذراء لم تَنكح حليلًا ومن تلج
ذراعيه تخذل ساعديه أنامله
وثقْتُ له بالخزي لما رأيته
على البغل معدولًا ثقالًا فرازله
كان الأقعس بن ضمضم أراد أن يثأر بابنه مزاد من عوف؛ فأتاه ليلًا، فهاب عوفًا أن يقدم
عليه؛ فرماه بسهم من بعيد، فسمع عوف حفيف السهم فاتَّقاه بساقه ورجع الأقعس أدراجه، فقال
الفرزدق:
لما وفد الأحنف بن قيس والحتات بن يزيد المجاشعي على معاوية؛ أمر للأحنف بأربعين
ألف
درهم واستكتمه، وأمر للحتات بعشرة آلاف درهم، فلما خرجا من عنده متوجِّهَين للعراق سأل
الحتاتُ الأحنفَ عن صلته، فأخبره؛ فكرَّ راجعًا إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، تعطي
الأحنف، ورأيه رأيه، أربعين ألف درهم، وتعطيني عشرة آلاف درهم! فقال: يا حتات إنما اشتريت
بها دين الأحنف، فقال: اشترِ ديني أيضًا؛ فأمر له بثلاثين ألفًا تمام الأربعين، فلم
يخرج من دمشق حتى مات؛ فرُدَّ المال إلى بيت المال، فبلغ الفرزدق ذلك؛ فأتى معاوية
فقال:
أتأكل ميراث الحتات ظلامة
وميراث حرب جامد لك ذائبة؟
ولو كان إذ كنا رقى الكف بسطة
لصمَّم عضب فيك ماضٍ مساربه
وقد رُمتَ أمرًا يا معاوي دونه
خياطف علوز صعاب مراتبه
وما كنت أعطي النصف عن غير قدرة
سواك ولو مالت عليَّ كتائبه
أنا ابن الجبال الشمِّ في عدد الحصى
وعرق الندى عرقي فمَنْ ذا يحاسبه
وكم من أب لي يا معاوي لم يزل
أغرَّ يُباري الريح ما ازورَّ جانبه
نمته فروع المالكين ولم يكن
أبوك الذي من عبد شمس يخاطبه
تراه كنصل السيف يهتزُّ للندى
جوادًا يلاقي المجد مذ طرَّ شاربه
أبوك وعمي يا معاوي أورثا
تراثًا فيحتاز التراث أقاربه
فلو كان هذا الدين في جاهلية
عرفت مَن المولى القليل حلائبه
ولو كان هذا الأمر في غير ملككم
لأبديته أو غصَّ بالماء شاربه
وكم من أب لي يا معاوي لم يكن
أبوك الذي من عبد شمس يقاربه
كان عبد الله بن مسلم الباهلي أعطى الفرزدق جعالته وحمله على دابة وأمر له بألف درهم،
فقال له عمرو بن عفراء: ما يصنع الفرزدق بهذا الذي أعطيته إنما يكفيه ثلاثون درهمًا؟
فقال الفرزدق:
ولمَّا حجَّ هشام بن عبد الملك صَحِبه الفرزدق من المدينة حتى حجَّ ورجع فأمر له بخمسمائة
درهم، فقال:
وقال حين هرب من زياد فمرَّ ببني سليم برجل من بني بهز من سليم، فحمله على ناقة له
فقال:
أتاني بها والليل نصفان قد مضى
أمامي ونصف قد تولَّت توائمه
فقال تعلَّم إنها أرحبيَّة
وإن لك الليل الذي أنت جاشمه
نصيحته بعد اللباب التي اشترى
بألفين لم تحجا عليها دراهمه
فإنك إن يقدر عليك يكن له
لسانك أو تغلق عليك أداهمه
كفاني بها البهزيُّ حملان من أبي
من الناس والجاني تُخاف جرائمه
فتي الجود عيسى ذو المكارم والندى
إذا المال لم ترفع بخيلًا كرائمه
تخطَّى رءوس الحارسين مخاطرًا
مخافة سلطان شديد شكائمه
فمرَّت على أهل الحفير كأنها
ظليم تبارى جنح ليل نعائمه
كأن شراعًا فيه مثنى زمامها
من الساج لولا خطمها وبلاعمه
كأن فئوسًا رُكِّبت في محالها
إلى دأي مغبور نبيل محازمه
وأصبحت والمُلقى ورائي وحنبل
وما صدرت حتى تلا الليل عاتمه
رأت بين عينَيها روية وانجلى
لها الصبح عن صعلٍ أسيل مخاطمه
إذا ما أتى دوني الفريَّان فاسلمي
وأعرض من فلج ورائي مخارمه
ألا حبذا البيت الذي أنت هائبه
تزور بيوتًا حوله وتُجانبه
تجانبه من غير هجر لأهله
ولكن حذارًا من عدو تراقبه
أرى الدهر أيام المشيب أمرُّه
علينا وأيام الشباب أطايبه
وفي الشيب لذات وقرة أعين
ومن قبله عيش تعلل جادبه
إذا نازل الشيب الشباب فأصلتا
بسيفيهما فالشيب لا بد غالبه
فيا خير مهزوم ويا شر هازم
إذا الشيب راقت للشباب كتائبه
وليس شباب بعد شيب براجع
يد الدهر حتى يرجع الدَّرَّ حالبه
ومن يتخمط بالمظالم قومه
ولو كرمت فيهم وعزَّت مضاربه
يُخدَّش بأظفار العشيرة خده
وتجرح ركوبًا صفحتاه وغاربه
وإن ابن عم المرء عزَّ ابن عمه
متى ما يَهجْ لا يحلُ للقوم جانبه
ورُبَّ ابن عم حاضر الشر خيره
مع النجم من حيث استقلَّت كواكبه
فلا ما نأى منه من الشر نازح
ولا ما دنا منه من الخير جالبه
فما المرء منفوعًا بتجريب واعظ
إذا لم تعظْهُ نفسه وتجاربه
ولا خير ما لم ينفع الغصنُ أصله
وإن مات لم تحزن عليه أقاربه
وقال يمدح أسد بن عبد الله القسري:
تزوَّد فما نفس بعاملة لها
ولا ما أتاها بالمنايا حديدها
فتوشك نفسك أن تكون حياتها
وإن مسَّها موت طويلًا خلودها
وسوف ترى النفسُ التي اكتدحَتْ لها
إذا النفس لم تنطق ومات وريدها
وكم لأبي الأشبال من فضل نعمة
بكفَّيه عندي أطلقتني سعودها
فأصبحتُ أمشي فوق رِجْليَّ قائمًا
عليها وقد كانت طويلًا قعودها
فكم يا ابن عبد الله من فضل نعمة
بكفَّيك عندي لم تغيب شهودها
وكم لكمُ من قبة قد بنيتمُ
يطول عماد المبتنين عمودها
بنتها بأيديها بجيلة خالد
ونال بها أعلى السماء يزيدها
وجدتكمُ تعلون كل قبيلة
إذا اعتزَّ أقران الأمور شديدها
وكانت إذا لاقت بجيلة غارة
فمنكم محاميها ومنكم عميدها
وكنتم إذا عالى النساء ذيولها
ليسعين في خوف فمنكم أسودها
وما أصبحت يومًا بجبيلة خالد
ألا لكم أو منكمُ من يقودها
إذا هي ماست في الدروع وأقبلت
إلى البأس مشيًا لم تجد من يذودها
لعمري لئن كانت بجيلة أصبحت
قد اهتضمت أهل الجدود جدودها
لقد تدلق الغارات يوم لقائها
وقد كان ضرابي الجماجم صيدها
معاقل أيديها لمن جاء عائدًا
إذا ما التقت حمر المنايا وسودها
وكانت إذا لاقت بجيلة بالقنا
وبالهندوانيات يفري حديدها
فما خلقت أيدٍ لقوم عطاؤها
يكون إلى أيدي بجيلة جودها
وقال يُعيِّر بني نهشل بن دارم بالأشهب بن رميلة ويهجو يزيد بن مسعود سيد بني نهشل:
لعمري لقد كان ابن ثور لنهشل
غرورًا كما غرَّ السليم تمائمه
فدلاهمُ حتى إذا ما تذبذبوا
بمهواة نيق أسلمته سلالمه
فأصبح من تحمي رميلة وابنها
مباحًا حماه مستحَلًّا محارمه
ومثلك قد أبطرتُه قدر ذرعه
إذا نظر الأقوام كيف أراجمه
فمن يزدجر طير اليمين فإنما
جرت لابن مسعود يزيد أشائمه
تسمَّعْ وأنْصِتْ يا يزيد مقالتي
وهل أنت إن أفهمتك الحق فاهمه؟
أُنبِّيك ما قد يعلم الناس كلهم
وما جاهل شيئًا كمن هو عالمه
ألم تر أنَّا نحن أفضل منكمُ
قديمًا كما خير الجناح قوادمه
وما زال باني العز منا وبيته
وفي الناس باني بيت عز وهادمه
قديمًا ورثناه على عهد تُبَّع
طوالًا سواريه شديدًا دعائمه
وكم من أسير قد فككنا ومن دم
حملنا إذا ما ضجَّ بالثقل غارمه
بني نهشل إن تدركوا بسبابكم
نوافذ قولي حين غبت عوارمه
متى تكُ ضيف النهشلي إذا شتا
تجدْ ناقص المقرى خبيثًا مطاعمه
ألم تعلما يا ابنَي رقاش بأنني
إذا اختار حربي مثلُكم لا أسالمه
غنمنا فقيمًا إذ فقيم غنيمة
ألا كل مَنْ عادى الفقيميَّ غانمه
فجئنا به من أرض بكر بن وائل
نسوق قصير الأنف حردًا قوائمه
أنا الشاعر الحامي حقيقة قومه
ومثلي كفى الشر الذي هو جارمه
وكنتُ إذا عاديت قومًا حملتهم
على الجمر حتى يحسم الداء حاسمه
وجيش ربعناه كأن زهاءه
شماريخ طودٍ مُشمخرٍّ مخارمه
كثير الحصى جم الوغى بالغ العدا
يصم السميع رَزُّه وهماهمه
لهام تظلُّ الطير تؤخذ وسطه
تُقاد إلى أرض العدو سواهمه
مطونا به حتى كأن جيادنا
نوًى خلقته بالضروس عواجمه
قبائله شتى ويجمع بيننا
من الأمر ما تلقى إلينا خزائمه
إذا ما غدا من منزل سهلت له
سنابكه صم الصوى ومناسمه
إذا ورد الماء الرواء تظامأت
أوائله حتى يُماح عيالمه
دهمنا بهم بكرًا فأصبح سبيهم
تقسم بالأنهاب فينا مغانمه
غزونا به أرض العدو ومولت
صعاليكنا أنفاله ومقاسمه
وعند رسول الله إذ شدَّ قبضة
وملِّئ من أسرى تميم أداهمه
فرجنا عن الأسرى الأداهم بعدما
تخمَّط واشتدت عليهم شكائمه
فتلك مساعينا قديمًا وسعينا
كريم وخير السعي قدمًا أكارمه
مساعيَ لم تدرك فقيم خيارها
ولا نهشل أحجازه وتهائمه
وقال يمدح عمر بن عبد العزيز بمكة:
لأسماء إذ أهلي لأهلك جيرة
وإذ كل موعود لها أنت آمله
تسوف خزامى الميث كل عشية
بأزهر كالدينار حوَّ مكاحله
لها نَفَس بعد الكرى من رقادها
كأن فغام المسك بالليل شامله
فإن تسأليني كيف نومي فإنني
أرى الهم أجفاني عن النوم داخله
وقوم أبوه غالب أنا مالهم
وعام تمشَّى بالعراء أرامله
ومجد أذود الناس أن يلحقوا به
وما أحد أو يبلغ الشمس نائله
أنا الخندفي الحنظلي الذي له
إذا جمعت ركبان جمع منازله
على الناس ما لا يدفعون خراجه
وقرم يدق الهام والصخر بازله
أرى كل قوم ودَّ أكرمهم أبًا
إذا ما انتمى لو كان منا أوائله
فخرنا فصُدِّقنا على الناس كلهم
وشر مساعي الناس والفخر باطله
ألمَّا يئنْ للناس أن يتبيَّنوا
فيُزجَر غاوٍ أو يرى الحق عاقله
وكل أناس يغضبون على الذي
لهم غيرنا إذ يجعل الخير جاعله
إليك ابن ليلى يا ابن ليلى تجوَّزت
فلاة وداويًّا دفانًا مناهله
تجيل دلاء القوم فيه غثاءه
إجالة حم المستذيبة جامله
لها صاحبا قفر عليها وصادع
بها البيد عادي ضحول مناقله
تريد مع الحج ابن ليلى كلاهما
لصاحبه خير تُرجَّى فواضله
زيارة بيت الله وابن خليفة
تحلِّب كفَّاه الندى وأنامله
وكان بمصر اثنان ما خاف أهلها
عدوًّا ولا جدبًا تخاف هزائله
لدن جاور النيل ابن ليلى فإنه
يفيض على أيدي المساكين نائله
فأصبح أهل النيل قد ساء ظنهم
به واطمأنت بعدُ فيض سواحله
أرى الناس إذ خلَّى ابن ليلى مكانه
يطوفون للغيث الذي مات وابله
كما طاف أيتام بأمٍّ حفيَّةٍ
بهم وأبٍ قد فارقتهم شمائله
فقل لليتامى والأرامل والذي
يريد به أرض ابن ليلى رواحله
يؤمُّ ابنَ ليلى خائفًا من ورائه
ويأمل من تُرْجَى لديه نوافله
فإن لهم منه وفاء رهينة
بأخلاقه الجلَّى تفيض جداوله
أغرُّ نمى الفاروق كفَّيه للعُلى
وآل أبي العاصي طوال محامله
أراد ابن عشر أن ينال التي علت
على الشِّيب من مجد تسامى أطاوله
فودَّع توديع الجياد عنانه
فما جاء حتى ساور الشمس قائله
ألم تر أن النيل نُضِّب ماؤه
ومات الندى بعد ابن ليلى وفاعله
ومرتهن بالموت غالٍ فداؤه
تُبيَّن عنه يا ابن ليلى سلاسله
وما ضُمِّنت مثل ابن ليلى ضريحة
وما كان حيٌّ وهو حي يعادله
ألا مَنْ لشوق أنت بالليل ذاكره
وإنسان عين ما يُغمَّض عائره
وربع كجثمان الحمامة أدرجت
عليه الصبا حتى تنكَّر دائره
به كل ذيال العشي كأنه
هجانٌ دعته للجفور فوادره
خلا بعد حي صالحين وحله
نعام الحمى بعد الجميع وباقره
بما قد نرى ليلى وليلى مقيمة
به في خليط لا تنافي حرائره
فغيَّر ليلى الكاشحون فأصبحت
لها نظر دوني مريبٌ تشازره
أراني إذا ما زُرت ليلى وبعلها
تلوَّى من البغضاء دوني مشافره
وإن زرتها يومًا فليس بمخلفي
رقيب يراني أو عدو أحاذره
كأن على ذي الظن عينًا بصيرة
بمقعده أو منظر هو ناظره
يُحاذِر حتى يحسب الناس كلهم
من الخوف لا تخفى عليهم سرائره
غدا الحي من بين الأعيلام بعدما
جرى جدب البهمى وهاجت أعاصره
دعاهم لسيف البحر أو بطن حائل
هوى من نوى حي أُمرَّت مرائره
غدون برهن من فؤادي وقد غدت
به قبل أتراب الجنوب تماضره
تذكرتُ أتراب الجنوب ودونها
مقاطع أنهار دنت وقناطره
حوارية بين الفراتين دارها
لها مقعدٌ عالٍ برود هواجره
تساقط نفسي إثرهنَّ وقد بدا
من الوجد ما أخفي وصدري مخامره
إذا عبرة ورَّعتها فتكفكفت
قليلًا جرت أخرى بدمع تبادره
فلو أن عينًا من بكاءٍ تحدَّرت
دمًا كان دمعي إذ ردائي ساتره
متى ما يمت عانيك يا ليل تعلمي
مصابة ما يُسدي لعانيك نائره
ترى خطأً مما ائتمرت وتضمني
جريرة مولى لا يُغمِّض ثائره
فلم يبقَ من عانيك إلا بقية
شفا كجناح النسر مُرِّط سائره
ألا هل لليلى في الفداء فإنني
أرى رهن ليلى لا تبالي أواصره
لعمري لئن أصبحت في السير قاصدًا
لقد كان يَحْلَوْلَى لعيني حائره
وجونٍ عليه الجصُّ فيه مريضة
تطلَّع منه النفس والموت حاضره
حليلة ذي إلفين شيخ يرى لها
كثير الذي يعطي قليلًا يحاقره
نهى أهله عنها الذي يعلمونه
إليها وزالت عن رجاها ضرائره
أتيت لها من نحتلٍ كنت أدَّري
به الوحش ما تخشى عليَّ عوافره
فما زلتُ حتى أصعدتني حبالها
إليها وليلي قد تخامص آخره
فلما اجتمعنا في العلاليِّ بيننا
ذكيٌّ أتى من أهل دارين تاجره
نقعت غليل النفس إلا لبانة
أبتْ من فؤادي لم ترمْها ضمائره
فلم أرَ منزولًا به بعد هجعة
ألذَّ قرًى لولا الذي أنا حاذره
أحاذر بوَّابَين قد وُكِّلَا بها
وأسمر من ساج تئط مسامره
فقلت لها كيف النزول فإنني
أرى الليل قد ولَّى وصوَّت طائره؟
فقالت أقاليد الرتاجين عنده
وطهمانُ بالأبواب كيف تساوره؟
أبالسيف أم كيف التسني لموثَق
عليك رقيبٌ دائب الليل ساهره
فقلت ابتغي من غير ذاك محالة
وللأمر هيئات تُصاب مصادره
لعل الذي أصعدتِني أن يردني
إلى الأرض إن لم يَقدِر الحَيْن قادره
فجاءت بأسبابٍ طوال وأشرفت
قسيمة ذي زَوْر مخوف تراتره
أخذت بأطراف الحبال وإنما
على الله من عوص الأمور مياسره
فقلت اقعدا إن القيام مزلة
وشُدَّا معًا بالحبل إني مخاصره
إذا قلتُ قد نلت البلاط تذبذبت
حِباليَ في نيقٍ مخوفٍ مخاصره
منيفٍ ترى العقبان تقصر دونه
ودون كبيدات السماء مناظره
فلما استوت رجلاي في الأرض نادتا
أحيٌّ يرجَّى أم قتيل نحاذره؟
فقلت: ارفعا الأسباب لا يشعروا بنا
وولَّيت في أعجاز ليل أبادره
هما دلتاني من ثمانين قامة
كما انقضَّ باز أقتم الريش كاسره
فأصبحتُ في القوم الجلوس وأصبحت
مغلَّقة دوني عليها دساكره
وباتت كدوداة الجواري وبعلها
كثير دواعي بطنه وقراقره
ويحسبها باتت حصانًا وقد جرت
لنا برتاها بالذي أنا شاكره
وقال الفرزدق لزيد بن مسروق أخي مسلمة بن مسروق وهم من بني ثعلبة بن يربوع وكانوا
يتَّجرون في الطعام؛ وذلك أن زيدًا أحضر كردم الفزاري جد حمران بن مكروه، وقد أمر للفرزدق
بصلةٍ كثيرة فأخبره أنه يرضى بالقليل، وكان كردم عاملًا لعمر بن هبيرة على كور دجلة
فانكسر عليه الخراج فقال: ادعوا لي السؤَّال لنقسم فيهم شيئًا أمر به الأمير عمر،
فجمعوهم فاجتمعوا في دار قبيصة — وهي موضع المجذومين بالبصرة — فأمر بحبسهم حتى صالحوه
على مال فأدَّوه في الخراج؛ فخرجوا وهم يقولون: هركس بارك فيه وكردم لا تبارك فيه، فقال
الفرزدق:
أفاطم ما أنسى نعاس ولا سرى
عقابيل يلقانا مرارًا غرامها
لعينيك والثغر الذي خِلْتُ أنه
تحدَّر من غرَّاءَ بيض غمامها
وذكَّرنيها أن سمعتُ حمامة
تَبكَّى لها فوق الغصون حمامها
نئوم عن الفحشاء لا تنطق الخنا
قليل سوى تخبيلها القوم ذامها
أفاطم ما يدريك ما في جوانحي
من الوجد والعين الكثير سجامها
فلو بعتني نفسي التي قد تركتها
تَساقطُ تترى لافتداها سوامها
لأعطيتُ منها ما احتكمتِ ومثله
ولو كان ملء الأرض يُحدى احتكامها
فهل لك في نفسي فتقتحمي بها
عقابًا تدلَّى للحياة اقتحامها
لقد ضربت لو أنه كان مُبقيًا
حياة على أشلاء قلبي سهامها
قد اقتسمت عيناكِ يوم لقيتنا
حشاشة نفس لا يحلُّ اقتسامها
فكيف بمن عيناه في مقلتيهما
شفاء لنفس فيهما وسقامها
إذا هِي نأت عني جننتُ وإن دَنَتْ
فأبعد من بيض الأنوق كلامها
وتمنع عيني وهي يقظى شفاءها
ويبذل لي عند المنام حرامها
وكائن منعت القوم من نوم ليلة
وقد ميَّلتْ أعناقَها لا أنامها
لأدنوَ من أرض لأرضك إن دَنَت
بها بيدها موصولة وإكامها
ألا ليتنا نمنا ثمانين حجة
تنام معي عريانة وأنامها
ضجيعين مستورين والأرض تحتنا
يكون طعامي شمها والتزامها
وعنوان مختوم عليها صحيفة
إليكِ على عينيكِ مني سلامها
أفاطم ما من عاشق هو ميت
من الناس إن لم يُردِ نفسي هيامها
لقد دلهتني عن صلاتي وإنه
ليدعو إلى الخير الكثير إقامها
أيحيا مريض بعد ما ميَّثت له
سواد التي تحت الفؤاد قيامها
أيقتل مخضوب البنان مبرقع
بميتٍ خِفاتًا لم تصبه كِلامها
فهل أنت إلا نخلة غير أنني
أراها لغيري ظلها وصرامها؟
وما زادني نأيي سُلوًّا ولا قرًى
من الشام قد كادت ينور أنامها
إذ أحرقت منهم قلوب ونفذت
من القوم أكباد أصيب انتظامها
كما نحرة يوم الأضاحي ببلدة
من الهدي خرت للجنوب قيامها
ألا ليت شعري هل تغير بعدنا
أديعاص أنقاء الحمى وسنامها
كأن لم ترفع بالأكيمة خيمة
عليها نهارًا بالقنيِّ ثمامها
أقامت بها شهرين حتى إذا جرى
عليهنَّ من سافي الرياح هيامها
أتاهنَّ طرادون كل طوالة
عليها من النَّيِّ المُذاب لحامها
عليهنَّ راحولات كل قطيفة
من الخز أو من قيصران علامها
إليك أقمنا الحاملات رحالنا
ومضمر حاجات إليك انصرامها
فرعن وفرَّعن الهموم التي صمت
إليك بنا لما أتاك سمامها
وكائنْ أنخنا من ذراعَي شملَّة
إليك وقد كلَّت وكَلَّ بغامها
وقد دأبت عشرين يومًا وليلة
يشدُّ برسغيها إليك خدامها
ولا يدرك الحاجات بعد ذهابها
من العيس بالركبان إلا نعامها
لعمري لئن لاقت هشامًا لطالما
تمنَّت هشامًا أن يكون استقامها
إليه ولو كان المنهَّتُ دونه
ومن عرض أجبال عليها قتامها
وقوم يعضُّون الأكفَّ صدورهم
عليَّ وغارى غير مُرضًى رغامها
نمتك مناف ذروتاها إلى العلى
ومن آل مخزوم نماك عظامها
أليس امرؤ مروان أدنى جدوده
له من بطاحيي لؤي كرامها
أحق بني حواء أن يدرك التي
عليهم له لا يستطاع مرامها
أبت لهشام عادة يستعيدها
وكفُّ جواد لا يُسَدُّ انثلامها
كما انثملت من غمرِ أكدر مفعم
فراتيَّة يعلو الصراة التطامها
هشام فتى الناس الذي تنتهي المنى
إليه وإن كانت رغابًا جسامها
وإنَّا لنستحييك ممن وراءنا
من الجهد والآرام تبلى سلامها
فدونك دلوي إنها حين تستقي
بفرغ شديد للدلاء اقتحامها
وقد كان متراعًا لها وهي في يدي
أبوك إذا الأوراد طال أوامها
وإن تميمًا منك حيث توجَّهت
على السِّلم أو سلَّ السيوفَ خصامها
هم الإخوة الأدنَون والكاهل الفتى
به مضر عند الكظاظ ازدحامها
هشام خيار الله للناس والذي
به ينجلي عن كل أرض ظلامها
وأنت لهذا الناس بعد نبيهم
سماء يُرَجَّى للمحول غمامها
وأنت الذي تلوي الجنود رءوسها
إليك وللأيتام أنت طعامها
إليك انتهى الحاجات وانقطع المنى
ومعروفها في راحتيك تمامها
وقال يرثي محمد ابن أخيه هميم المعروف بالأخطل، وكان قد مات بالشام:
سقى أريحاءَ الغيث وهي بغيضة
إليَّ ولكن كي ليسقاه هامها
من العين منحلُّ العزالى تسوقه
جنوب بأنضاء يسجُّ ركامها
إذا أفلعت عنها سماء ملحة
تبعَّج من أخرى عليك غمامها
فبتُّ بدَيرَي أريحاء بليلة
خدارية يزداد طولًا تمامها
أكابد فيها نفس أقرب من مشى
أبوه لنفسي مات عني نيامها
وكان إذا أرض رأته تزيَّلت
لرؤيته صحراؤها وأكامها
ترى مزق السربال فوق سميدع
يداه لأيتام الشتاء طعامها
على مثل نصل السيف مزق غمده
مضارب منه لا يُفَلُّ حسامها
وكانت حياة الهالكين يمينه
وللنيب والأبطال فيها سمامها
وكانت يداه المرزمين وقدره
طويلًا بأفناء البيوت صيامها
تفرَّقُ عنها النار والناب ترتمي
بأعضائها أرجاؤها واهتزامها
جماع يؤدي الليل من كل جانب
إليها إذا وارى الجبال ظلامها
يتامى على آثار سود كأنها
رئال دعاها للمبيت نعامها
لمن أخطأته أريحاء لقد رمت
فتًى كان حلَّال الروابي سهامها
لئن خرمت عني المنايا محمدًا
لقد كان أفنى الأولين اخترامها
فتًى كان لا يبلي الإزار وسيفه
به للموالي في التراب انتقامها
فتًى لم يكن يدعى فتًى ليس مثله
إذا الريح ساق الشَّوْل شلًّا جهامها
فتًى كشهاب الليل يرفع ناره
إذا النار أخباها لسارٍ ضرامها
وكنا نرى من غالب في محمد
خلائق يعلو الفاعلين جسامها
ولكن به عما يعيَّر والقِرى
إذا السنة الحمراء جلَّح عامها
وكان حيا للممحلين وعصمة
إذا السنة الشهباء حلَّ حرامها
وقد كان متعاب المطي على الوجا
وبالسيف زاد المرملين اعتيامها
وما من فتًى كنا نبيع محمدًا
به حين تعتز الأمور عظامها
إذا ما شتاء المحل أمسى قد ارتدى
بمثل سحيق الأرجوان قتامها
أقول إذا قالوا وكم من قبيلة
حواليك لم يترك عليها سنامها
أبى ذكر سورات إذا حلت الحبى
وعند القِرى والأرض بال ثمامها
سأبكيك ما كانت بنفسي حشاشة
وما دبَّ فوق الأرض يمشي أنامها
وما لاح نجم في السماء وما دعا
حمامة أيك فوق ساق حمامها
فهل ترجع النفس التي قد تفرَّقت
حياة صدًى تحت القبور عظامها
وليس بمحبوس عن النفس مُرسَل
إليها إذا نفس أتاها حمامها
لعمري لقد سلمت لو أن جثوة
على حدث رد السلام كلامها
فهوَّن وجدي أن كل أب امرئ
سيُثكل أو يلقاه منها لزامها
لعمري لقد راحوا برحل محمد
حلاء ومذعان مطوًّى زمامها
وقد خان ما بيني وبين محمد
ليال وأيام تناءى التيامها
كما خان دلو القوم إذ يُستقى بها
من الماء من متن الرشاء انجذامها
وقد ترك الأيام لي بعد صاحبي
إذا أظلمت عينًا طويلًا سجامها
كأن دلوحًا ترتقي في صعودها
يصيب مسيلَي مقلتَيَّ سلامها
على حرِّ خدي من يدَي ثقفيَّة
تناثر من إنسان عيني نظامها
لعمري لقد عورتُ فوق محمد
قليبًا به عنا طويلًا مقامها
شآمية غبراء لا غول غيرها
إليها من الدنيا الغرور انصرامها
فلله ما استودعتم قعر هوة
ومن دونه أرجاؤها وهيامها
وقد حلَّ دارًا عن بنيه محمد
بطيئًا لمن يرجو اللقاء لمامها
وما من فراق غير حيث ركابنا
على القبر محبوس علينا قيامها
نناديه نرجو أن يجيب وقد أتى
من الأرض أنضاد عليه سلامها
وقد كان مما في خليلي محمد
شمائل لا يُخشى على الجار ذامها