المرأة والنقد الأدبي١
تعاني المرأة الكاتبة أو الأديبة من تجاهل بعض النقاد لأعمالها، هذه ظاهرة ليست خاصة بالمرأة العربية في بلادنا، ولكنها ظاهرة عالمية، تبدو واضحةً في بعض المجتمعات أكثر من غيرها حسب وضع المرأة في المجتمع والأسرة، والقيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة.
لا يمكن أن ننكر أن نظرة المجتمع لدور المرأة في الحياة تختلف عن نظرته لدور الرجل؛ ففي أكثر المجتمعات الصناعية تطورًا لا زال دور المرأة الأساسي في الحياة هو دور الزوجة والأم، أي الدور داخل البيت لرعاية الأطفال والحفاظ على الأسرة، هو دور الخدمة وتلبية حاجات أفراد الأسرة من مأكل وملبس ونظافة إلى غير ذلك. وقد يشجع المجتمعُ المرأةَ على العمل خارج البيت إذا احتاج إليها، في الحقل أو المصنع أو المستشفى أو المدرسة أو الحرب، ثُمَّ يعيدها إلى البيت حين يستغني عن عملها في الخارج.
وعلى هذا فإن النظرة العامة إلى المرأة أنها أداة للخدمة داخل أو خارج البيت أكثر منها إنسانة لها عقل خلاق يُفكِّر ويبدع فكرًا أو أدبًا أو فلسفةً.
وإذا حدث أنْ مارست المرأة هذا الإبداع وفرضته على المجتمع على شكل قصة أو رواية أو مسرح أو شعر، فإن أعمالها قد تُهمَل من ناحية النقاد، أو يُنظَر إليها باستخفاف، أو تُنقَد بشدة وقسوة إذا ما تجرأت ومسَّت في إبداعها الأدبي أحد أو بعض المحظورات الأساسية التي تتعلق بالسياسة أو الدين أو الجنس.
وهل يمكن لأي إنسان خلاق أن يكتب شيئًا ذا قيمة دون أن يمس تلك النواحي الهامة في حياتنا العامة والخاصة؟ يتمتع الرجل بصفة عامة بحقوقٍ وحريات فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية أكثر من المرأة؛ وبالتالي يمكن للكاتب الأديب أن يحظى بإعجاب النقاد على عمل أدبي جديد، ويوصف هذا الأديب بأنه شجاع أو لديه شجاعة أدبية، أمَّا الكاتبة الأديبة فيمكن أن تُوصَف بالجرأة بدل الشجاعة، وأحيانًا بالبجاحة أو عدم الحياء؛ فالمفروض أن حياء المرأة لا بد أن يكون أكثر من حياء الرجل، ومن الصفات السلبية للرجل أن يكون مُغمَض العينين، أمَّا صفة القطة المغمضة فهي صفة إيجابية في المرأة.
كيف إذن تغمض الأديبة الخلاقة عينيها عن التناقضات في الحياة والصراعات العامة والخاصة داخل بيتها وخارجه؟ وما هو الأدب؟ أو ما هي القدرة على الإبداع الأدبي؟ أليست هي تلك القدرة على رؤية التناقضات وكشف المحظورات والصراعات وتغيير القديم إلى جديد أفضل.
ألا تحتاج هذه القدرة إلى عين مفتوحة وعقل متفتح يعمل بنشاط ولا يخشى التفكير حتى في المقدسات؟
مشكلة المرأة أن دورها المفروض عليها يجعلها تهتم بجسمها أكثر من عقلها؛ فالنظرة السائدة عنها أنها جسد يمتلكه الرجل، جسد يُغطَّى حسب بعض القيم الدينية السائدة في بلادنا العربية، أو جسد يُعرَّى ليلبيَ احتياجات الاستهلاك وتغير موضة الأزياء وإنتاج المصانع الرأسمالية من مساحيق زينة وتجميل. وسواء تغطَّت أو تعرَّت فالمعنى واحد، هو أنها جسم فقط.
وقد تُنتج المرأة عملًا أدبيًّا بارزًا بالفعل، يؤثر في قلوب وعقول الناس العاديين من القراء، لكن النقاد لا يحكمون على الإنتاج الأدبي بدرجة تأثيره في الناس، بل يُطبِّقون عليه مقاييس شبه أكاديمية أو مهنية عقيمة، إنهم لا ينظرون إلى العمل الأدبي الخلاق ككائن حي يُنظَر إليه ككل وينال الإعجاب والتقييم ككائن مستقل له صفاته الخاصة وميزاته وجماله، لكنهم ينشغلون بتطبيق نظرياتهم في النقد عليه ويحاولون تصنيفه حسب المدارس التي درسوها، ويصبحون بذلك كمن يقتل الطفل الحي من أجل تشريح جسده، وبالطبع يفقد جماله الخاص به وحياته وحيويته.
إن قليلًا من النقاد من يتعامل مع النقد على أنه عملية خلاقة مُبدعة وليس مجرد تطبيق مقاييس معينة على العمل الأدبي. وإن معظم النقاد رجال لم يتفقوا بعدُ ولم يتعرفوا بعدُ على القدرة الخلاقة عند المرأة الأديبة، ليس لأنها امرأة، وإنما لأن تجرِبتها تختلف عن تجرِبة الرجل، وتاريخها أيضًا يختلف؛ وبالتالي فإن تعبيرها الأدبي يختلف، هذا الاختلاف لا يرجع إلى الفكرة التقليدية السائدة بأن المرأة تحس والرجل يُفكِّر أو أن إنتاج المرأة الأدبي يعتمد أساسًا على عواطفها وأحاسيسها أكثر من عقلها، وأن المرأة ذاتية والرجل موضوعي.
لكن الاختلاف يرجع إلى اختلاف الأدوار في الحياة واختلاف بنية النساء عن الرجال، واختلاف الاهتمامات. وكلها ترجع إلى ظروف اجتماعية وسياسية وتاريخية وليس لأسباب بيولوجية أو طبيعية.
والحل الأساسي لمشكلة إهمال النقاد لإنتاج الأديبات من النساء هو أن تبدأ المرأة الخلَّاقة في خوض مجال النقد الأدبي؛ ليصبح لدينا الناقدات القادرات على فهم الإنتاج الأدبي للنساء وإعطائه حقه من التقييم والنقد.