الضرورة الحيوية١
هذا السؤال يطرحه الكاتب على نفسه أو الكاتبة، منذ اللحظة التي فرضت نفسها عليَّ، إنها عندي مثل التنفس؛ بمعنى أنها شيء طبيعي، إذا لم تحدث يشعر الكاتب أو الكاتبة بنوع من الاختناق النفسي؛ أعني الكتابة التي تكون جزءًا حقيقيًّا من الكاتب ومن حياته، لا تنفصل عنه، فلا يكتب من أجل الثراء أو الشهرة أو الانتماء لمهنة الكتابة أو لأي سبب آخر لا يتصل بالضرورة الحيوية للكاتب نفسه أو الكاتبة نفسها.
هذه هي النقطة الأولى …
النقطة الثانية: حينما تكون الكتابة بهذا الشكل، فهي تعبر بالضرورة عن رغبة الكاتبة أو الكاتب في تغيير المجتمع إلى الأفضل، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وتربويًّا وأخلاقيًّا، وتصبح الكتابة مثل العمل الفدائي، ويصبح القلم كالسيف الذي يحارب به الإنسان، وقد تدفعه الكتابة إلى السجن أو الموت أو أشكال القهر المختلفة.
والكاتب دائمًا — بحكم فنه وصدقه ووعيه، وارتباطه الحميم بآمال وآلام مجتمعه — مرتبط بالجديد والتقدم، ولا مهرب له من التصدي للقضايا الوطنية الكبرى مثل الحرية وعدم المساواة؛ لأن كل هذه الأمور تؤرِّق الكاتب والكاتبة وتُعَدُّ تحدِّيًا للقوى المتخلفة التي تحافظ على القديم.
لهذا أكتب.
وبصفتي كاتبة وامرأة، فإن المشاكل والتحديات التي أواجهها تتضاعف؛ لأن ما يقبله المجتمع ويحتمله من الكاتب يرفضه هو نفسه من الكاتبة؛ لأنه ينظر إليها كامرأة، وعليها أن تلتزم بحدود القيم الأخلاقية المفروضة على المرأة، والتي لا تبيح لها تناول أمور مباحة للرجال؛ مثل الثالوث المحرم: السياسة والدين والجنس.
إذا تكلمت المرأة في الدين فكلامها يثير حساسية أكثر من كلام الرجل في الدين، وكذلك تعرضها لموضوع الجنس يجعل المجتمع أكثر حساسية في تلقي ما تكتب، وما يسري على الدين والجنس يسري أيضًا على السياسة. وحتى تسقط هذه التفرقة من جذورها أمسك القلم وأكتب.