مظاهرات النساء في أوروبا
في ليلة يوم ١٠ ديسمبر ١٩٩٢م، وجدتُني أسير في مدينة زيوريخ وسط تسعة آلاف امرأة سويسرية يرتدين السواد، يحملن الشموع، درجة الحرارة صفر والصقيع يهبط، يسرن بخطوة واحدة ثابتة في مظاهرة صامتة، يحملن لافتات تقول: «نعلن احتجاجنا على اغتصاب ثلاثين ألفًا من نساء البوسنة بواسطة قوات الصرب»، لا بد من اعتبار «الاغتصاب» جريمة حرب مثل القتل تمامًا، «تسقط العنصرية الجديدة»، «تسقط النازية الجديدة».
«لماذا إرسال القوات المسلحة الأمريكية إلى الخليج العربي وإلى الصومال وليس إلى البوسنة؟!»
«يسقط النظام العالمي الجديد ذو الوجهين!»
«يسقط النظام الطبقي الأبوي …» إلخ … إلخ.
وفي كل مدينة في سويسرا نظمت الحركة النسائية المظاهرات احتجاجًا على اغتصاب نساء البوسنة … آلاف النساء خرجن في الليل المظلم والصقيع يهتفن ضد النظام العالمي الجديد، وضد اضطهاد النساء والفقراء … سِرت بينهن لا أشعر بالبرد ولا أشعر بالظلام، وأقول لنفسي: ترى هل خرجتْ في بلادنا مظاهرات مثل هذه المظاهرات؟! هؤلاء النساء في أوروبا اللائي يُصوَّرن على أنهن إباحيات ومنحلَّات، هؤلاء النساء كنَّ أقدر من الرجال عندنا على تنظيم المظاهرات بالآلاف ضد اغتصاب النساء المسلمات في البوسنة! هؤلاء النساء كنَّ أكثر وعيًا بالترابط بين السياسة الدولية والدين والاقتصاد والجنس … ألا يمكن أن نعيد النظر إلى أنفسنا وإلى الآخرين؟ ألا يمكن أن نفكر بعقولنا فيما يحدث في العالم من حولنا؟! ألا نكف عن اعتبار المرأة المسلمة مجرد عورة يجب أن تُغطَّى، أو أن الرجل المسلم ليس إلا ذئبًا شاغله الأوحد في الحياة هو النظر إلى ما قد يظهر من وجه المرأة أو ذراعها أو ساقها؟!
ألا يمكن أن نعيد النظر إلى سياستنا الاقتصادية بحيث نستقل عن الآخرين ونطعم أنفسنا بأيدينا وإنتاجنا وليس عن طريق المعونات والقروض، أن تكون السياحة جزءًا من النشاط الثقافي والاقتصادي وليس المصدر الأساسي لبقائنا على قيد الحياة.
الصمت نوع من العدوان
في اجتماع للكاتبات من مختلف أنحاء العالم في مدينة سان سباستيان بإسبانيا في الفترة من ٢٧–٢٩ نوفمبر ١٩٩٢م، تساءلتْ كاتبة إسبانية من مدريد اسمها «لوزيرا أتكزفيك»: لماذا يصمت النقاد عن إبداع الكاتبات النساء اللائي يكسرن القيود؟!
وردَّت كاتبة شابة لم تَذكر اسمها ولا اسم بلدها، ولكنها استشهدت بقول كاتبة أفريقية معروفة اسمها «أما أتا إيدو» قالت: «إذا رفض أحدُ النقاد الحديثَ عن أعمالك، فهذا نوع من العنف؛ لأنه يسعى إلى قتلك كإنسانة مبدعة.»
هكذا يصبح الصمت نوعًا من العدوان. وفي ختام الندوة اتفقت الكاتبات — رغم اختلاف الجنسية واللون والعقيدة — أن شعارنا يجب أن يكون «كسر الصمت».
لأن «الصمت» وليس «الاختلافات» هو الذي يشل الإنسان الخلاق، امرأةً أو رجلًا.