مي زيادة في ذكراها الرابعة والأربعين١
عاشت تكتب، وكان هذا غريبًا في عصرها؛ فالمرأة كانت للإحساس وليس للتفكير. وكانت جميلة، وهذا أيضًا غريب؛ فالجميلة لا تمسك القلم إلا لتلوِّن شفتيها. وكانت أيضًا ذكية، وهذا هو الأغرب؛ فالعقل يُفسد الأنوثة، وهي كما تبدو لهم أنثى.
وكل ثلاثاء يذهبون إليها، ويحدث الجدل والنقاش. كان غرامها الجدل، وكان غرامهم المرأة بغير جدل، القد الممشوق بغير جدل، عيون المَها وبياض الحور بغير جدل.
لم يستطع واحد منهم أن يراها كما رأت نفسها، وفشل الجميع في حبها.
لم تكن مصرية حسب قانون الجنسية، أمها من فلسطين وأبوها من لبنان، لكنها تجاوزت القانون والأرض والمكان وأحبت مصر، وماتت ودُفِنَت في مصر.
رأت الوطن في عقلها قبل أن تطأه بقدمها. الوطن عندها كان الإنسان، وأي مكان؛ حيث الحب وحيث العدل.
كانت سابقة لزمانها، وكانوا سجناء عصرهم، لا يرَوْن الوطن إلا مسقط رأس، أو قطعة أرض؛ كالمرأة تُمتَلك.
كانت في العشرين من عمرها، وكانوا كهولًا فوق القمة، لكن شبابها كان أنضج وأعقل. أرادت أن تكون كما هي، وأرادوها مثل نساء عصرها.
وظلت تدافع عن كيانها كعقل؛ فاتهموها بفقدان العقل، ووضعوها في مستشفى كالسجن؛ فقاومت وأضربت عن الأكل ولم تُضرِب عن الكتابة.
وماتت في شبابها وحيدة بلا أهل، وملايين النساء ماتت يحوطهن الأهل، لكننا نذكرها ولا نذكرهن، أليس هذا عزاءً لها، ولكل امرأة تفكر مثلها؟!