عن انتحار الكُتَّاب والكاتبات١
انتحار كاتب واحد أو كاتبة واحدة في أي بلد من العالم يُصبح حدثًا كبيرًا يَهزُّ المجتمع والدولة والتاريخ، إنه حديث يرجُّ ضمير الكتاب والنقاد وكبار رجال الحكم؛ فهو إشارة ولمبة حمراء تشتعل وتُنذِر بالخطر، تسطِّر بلغة الموت رسالة أخيرة بليغة هي: اكتبوا الحقيقة أو موتوا!
وقد قرأت عن انتحار الكاتبة الشابة «أروى صالح»، ثُمَّ قرأت عن محاولة انتحار الكاتب «علاء حامد» (التي لم تنجح)، وسوف نقرأ عن المزيد من هذه الانتحارات أو محاولات الانتحار التي لا تصل إلى ذوي النفوذ في الأجهزة الحكومية أو غير الحكومية؛ فقد أصبح الأدباء والأديبات مثل الأطباء والطبيبات، مثل المدرسين والمدرسات، وغيرهم من الكادحين والكادحات بعقولهم وليس بأموالهم، أصبح هؤلاء أشبه ما يكون بقاع المجتمع، بعد أن ارتفع إلى السطح التجار رجال الأموال، رجال الأعمال «البزنس» الذين يكسبون في الدقيقة الواحدة — وبالتليفون فقط — ما يكسبه الأديب أو الأديبة في ستين عامًا. وأنا أرى أمامي اليوم أدباء وأديبات بلا مورد رزق على الإطلاق، بلا احترام من أحد في الدولة، وبلا أمان أيضًا؛ لأنهم كتبوا في يوم من الأيام كلمة صدق، كلمة من القلب اخترقت حواجز النفاق، والرياء السياسي الديني الثقافي، الذي أصبح كالجدار العالي من الأسمنت، لا يمكن اختراقه إلا بالقفز من فوقه والانتحار.
قولوا ما تشاءون عن «أروى صالح»، لكنها كاتبة امتلكت شجاعة الاحتجاج، ودفعت حياتها كلها ثمنًا لهذه الكلمة الصادقة. قولوا ما تشاءون عن «علاء حامد»، لكنه كاتب شجاع، تعرض للسجن والمحاكمة السنة وراء السنة، دون أن يسانده أحد، بل تسابق الكثيرون لقذفه بالحجارة إرضاءً لتيارات دينية وسياسية معينة.
أنا ضد الانتحار، فهو قمة اليأس، لكني أيضًا ضد النفاق الديني والرياء السياسي الذي يدفع الكتاب والكاتبات إلى الانتحار دون أن يهتز المجتمع، دون أن يُنشر الخبر في الصفحات الأولى من الجرائد الكبرى والمجلات بدلًا من تلك الأخبار عن أحوال البورصة وسفر رجال الأعمال إلى مارينا لقضاء عطلة الصيف!