حرية التعبير تستيقظ١
ظاهرة طيبة أن يتحمس لحرية التعبير عدد من الصحفيين في بلادنا بمناسبة صدور حكم بالحبس ٨ سنوات على كاتب روائي.
لكن لماذا لم يحدث ذلك الحماس إلا بعد أن أُذيع الخبر في الإذاعة البريطانية، ثُمَّ انتشر عبر موجات الإذاعات الخارجية ووكالات الأنباء.
كيف عمَّ الصمت عامين تقريبًا منذ نشر أحمد بهجت مقاله في جريدة الأهرام ٣ / ٣ / ١٩٩٠ م يتهم مؤلف الرواية بالإلحاد ويطلب تقديمه للنيابة العامة.
كان المفروض أن تحدث الضجة الصحفية في هذا الوقت، ويتصدى لأحمد بهجت كلُّ هؤلاء المتكلمين الآن عن حرية التعبير، لكن أحدًا لم يكتب. أرسلت ردًّا إلى جريدة الأهرام لم يُنشَر، قلت فيه: إن عمل الصحفي ليس استدعاء النيابة للمؤلفين، بل الدفاع عن حرية التعبير.
ولم يُدهِشني مثل هذا الصمت؛ فهو مألوف تمامًا، ومن النادر أن يدخل أحد في معركة ضد صحفي معروف بالأهرام من أجل كاتب غير معروف ليس له مؤسسة ولا رابطة بالسلطة.
وفي عام ١٩٩٠م طلبتني محكمة أمن الدولة بمصر القديمة لأُدليَ بشهادتي في تلك الرواية، وكان المؤلف علاء حامد قد طلب شهادتي بعد أن أرسل إليَّ نسختين دون أن أعرفه شخصيًّا ودون أن نلتقي. وقرأت الرواية، وذهبت إلى المحكمة وأدليت بشهادتي في صف المؤلف وحقه الكامل في حرية التعبير، خاصةً في الأعمال الأدبية الخيالية التي لا يجب الحكم عليها بالمقاييس الدينية، وليس من حق الأزهر الحكم على الأعمال الفنية والأدبية، وأن الرد على مثل هذا الكتاب يكون بكتاب آخر وليس بالنيابة.
لكن بعد عامين من الصمت على هذا الموضوع فوجئت بهذه الضجة الصحفية الآن، بعد أن أُذيع الخبر في الإذاعة البريطانية وغيرها من الموجات الأثيرية، هب الكثيرون وخرجوا من الصمت، وكتبوا دفاعًا عن حرية التعبير. وهكذا أصبح على كل من يتعرض للظلم في بلادنا أو يصدر ضده قرار جائر أن يلجأ إلى الإذاعة البريطانية أو صوت أمريكا حتى تنتبه إليه الصحافة في بلادنا. وقد قرأت لأحد الصحفيين الحكوميين يندد بهذا القرار الذي يحبس مؤلِّفًا ٨ سنوات بسبب رواية بلا قيمة ومؤلف بلا قيمة، وأن مثل هذا القرار يُسيء إلى سمعة الدولة والحكومة في الخارج، ولا بد من إلغائه ليحتفظ النظام المصري بصورته المشرقة عن الديمقراطية في الخارج.
كأنما الذي يهم فقط هو سمعة الحكومة لدى الأجانب، وليس هذا الظلم والحبس ٨ سنوات لمؤلف كاتب، بصرف النظر عن قيمته الأدبية.
هل الكاتب البعيد عن الأضواء والسلطة والشلل الصحفية يصبح كاتبًا بلا قيمة؟ وهل الدفاع عن سمعة الحكومة في الخارج يتطلب إهانة كاتب بهذا الشكل لمجرد أنه بلا سلطة ولا يملك الرد في هذه الأزمة التي يتعرض فيها للحبس؟
لقد أصبحت مأساة هذا المؤلف مضاعفة، وبالرغم من أنني لا أعرفه شخصيًّا، ولم ألتقِ به أبدًا، إلا أنني أحترم قدرته على الصمود أمام كل هذا.