أزمة الخليج والاستعمار١
كشفت أزمة الخليج العربي عن وجه الاستعمار القبيح، خلعت الولايات المتحدة الأمريكية كل الأقنعة الأيديولوجية التي كانت ترتديها في غزوها العسكري هنا وهناك، وأرسلت جيوشها وطائراتها إلى الخليج العربي لتحارب من أجل بترولها، نعم بترولها، هكذا تعتبر أمريكا بترول العرب هو بترولها.
وكشفت البلاد الاستعمارية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا النقاب عن وجهها أيضًا.
مسمار جحا في الوطن العربي هو بترول السعودية والكويت! مَنْ يكسب من بترول العرب؟ إنها أمريكا وأوروبا واليابان، يعاني الملايين في الوطن العربي من الفقر والجوع، على حين تتدفق عائدات البترول في بنوك الغرب، وتثرى ثراءً فاحشًا قلة قليلة يعيشون في باريس ونيويورك ولندن والرياض والكويت.
وانتظرنا من اجتماع القمة العربية بالقاهرة يوم الجمعة ١٠ / ٨ / ١٩٩٠م أن يشجب التدخل الأمريكي العسكري في الخليج بمثل ما يشجب التدخل العسكري العراقي في الكويت، لكن قرار القمة العربية لم يشجب إلا حاكم العراق، أمَّا حاكم أمريكا فقد صمت عنه الجميع.
كان المنطقي أن يطلب الرؤساء والملوك العرب خروج القوات الأجنبية الاستعمارية من الخليج، وأن يتولى العرب حل مشكلة العراق والكويت بطريقتهم، ومن أجل مصالح البلدين، وليس من أجل مصالح أمريكا.
لكن هذا لم يحدث!
ويا لها من إهانة لنا جميعًا، أن يصمت الرؤساء والملوك العرب عن إدانة التدخل الأمريكي في شئوننا المحلية والإقليمية.
الرأي السائد في الصحف هو رأي الرؤساء والملوك العرب وليس الآراء الأخرى، ليس من حق أحد أن يدين أمريكا، الصحف ترحب بإدانة العراق فَحسب، وتتسابق الأقلام لإدانة صدام حسين وحده.
وبالرغم من أن بعض المفكرين الأمريكيين ينقدون التدخل الأمريكي في الخليج العربي، وتصل آراؤهم إلى الصحف ووسائل الإعلام، لكن المفكرين العرب الذين ينقدون التدخل الأمريكي لا يجدون وسيلة للتعبير عن رأيهم المخالف.
إن القرار الصادر عن القمة العربية في رأيي قرار غير صائب؛ لأنه لم يطالب بإخلاء القوات الأمريكية من الخليج العربي قبل التفاوض لحل مشكلة العراق والكويت، وهو غير صائب أيضًا لأنه وافق على إرسال قوات مسلحة عربية إلى السعودية دون أن يصرَّ على أن تخرج القوات الأمريكية منه أولًا، وإلا فسوف تعمل القوات الأمريكية مع القوات العربية لضرب العراق، وهذه حرب كلها في صالح أمريكا، وإلا فلماذا تحارب أمريكا برجالها وعتادها في الخليج العربي؟!
ومَنْ هم هؤلاء الجنود العرب الذين سيُحاربون مع أمريكا ضد إخوانهم العراقيين؟!
إن العاملين الأتراك في القواعد الأمريكية بالأراضي التركية أضربوا عن العمل، ورفضوا أن يحاربوا مع أمريكا ضد إخوانهم في العراق، فهل يُضرب الجنود العرب عن العمل إذا فُرض عليهم السفر إلى الخليج العربي للحرب مع الجنود الأمريكيين ضد العراق؟!
إن أمريكا تدَّعي أنها تحارب لأنها ترفض استيلاء دولة على دولة أخرى بالقوة المسلحة، فلماذا لا تحارب أمريكا بعتادها ورجالها ضد إسرائيل لتحرر فلسطين والأرض المحتلة بمثل ما تريد تحرير الكويت؟!
كانت فرصة أن تخرج القمة العربية يوم ١٠ / ٨ / ١٩٩٠م بقرار قوي مُوحَّد يكشف النقاب عن وجه الاستعمار الأجنبي في عالمنا العربي، يرفع رءوسنا من المهانة والإذلال؛ بالتالي يصبح قادرًا على حل مشكلة العراق والكويت بما فيه صالح البلدان.
لكن هذا الوضع وهذا القرار الذي جاء عن القمة لم يؤدِّ إلا إلى ضعف الأمة العربية وخوفها من بطش أمريكا، وخضوعها لتهديداتها، وكشف أيضًا عن أن أزمة الوطن العربي هي هذه الدويلات النفطية التي هي محميات أمريكية في الواقع والحقيقة.
أنا لم أسافر إلى العراق منذ عشرين عامًا، ولم أمدح أبدًا حاكم العراق في أي يوم ولا أي حاكم عربي آخر، ولست مع القوة المسلحة لحل أي مشكلة.
لكن أرى أن قرار القمة العربية جاء مُخيِّبًا للآمال والشعور الوطني العربي العام، وكشف عن أن الشعوب العربية رغم صمتها وهوانها وعدم قدرتها على الإضراب مثل عمال تركيا، لكنهم أكثر عروبةً وأكثر شجاعةً من ملوكهم وحكامهم وكُتَّابهم، على الأقل بسبب إحساسهم بالغضب والاستياء رغم تهليل الصحف والأبواق!