جمع القرآن
يقتضينا الحديث عن جمع القرآن أن نعود بالذاكرة إلى غزوة اليمامة، فعلى أثرها بدأت فكرة هذا الجمع، ثم نفِّذت، واستغرق التنفيذ ما بقي بعد اليمامة من خلافة الصديق، وفي رواية أنه استغرق زمنًا من عهد عمر، وإنما أرجأنا الحديث في هذا الموضوع لئلا نقطع حديث الحرب والفتح، وليكون حديثنا عن جمع القرآن متصلًا حتى وفاة أبي بكر.
كانت غزوة اليمامة أعظم الغزوات في حروب الردة، كما كانت أجلَّها خطرًا وأبعدها أثرًا، قضى مقتل مسيلمة بن حبيب قضاء حاسمًا على المتنبئين في بلاد العرب، وآذن عود بني حنيفة إلى الإسلام بالقضاء على الردة بالبحرين، والقضاء على ردة البحرين هو الذي طوَّع للمثنى بن حارثة الشيباني أن يسير إلى مصب دجلة والفرات، وأن يكون الطليعة الميمونة لفتح العراق ولإقامة بناء الإمبراطورية الإسلامية. غزاة ذلك شأنها لم يخطئ خالد بن الوليد حين دفع إليها جيوش المسلمين يَقتلون ويُقتلون ويقضون على مسيلمة وأصحابه عند احتمائهم بحديقة الموت، ولم يبالغ المهاجرون والأنصار حين اندفعوا إلى وطيسها مستميتين يبتغون الشهادة. استشهد من المسلمين يومئذ مئتان وألف، بينهم تسعة وثلاثون من كبار الصحابة ومن حفاظ القرآن.
وقد جزع أهل المدينة لمن استشهد من المسلمين باليمامة، واشتد حزنهم، وإن اختلفت البواعث لهذا الحزن والجزع؛ فأواصر القربى وروابط الود والصداقة وتقدير ما كان لكبار الصحابة وحفاظ القرآن الذين استشهدوا من مكانة سامية عند الرسول (عليه السلام)، كل هذه دوافع تحز في النفوس. لقي عمر بن الخطاب ابنه عبد الله بعد أن أبلى في اليمامة أحسن البلاء، وكان عمر شديد الجزع لمقتل أخيه زيد بها، فكان أول ما واجه به ابنه ما أسلفنا ذكره من قوله: «ما جاء بك وقد هلك زيد! ألا واريت وجهك عني!» وكان جواب عبد الله: «سأل الله الشهادة فأعطيها، وجهدتُ أن تساق إليَّ فلم أعطها.»
هذا حديث زيد بن ثابت فيما رواه البخاري، وقد أجمعت الروايات على صحته، وذكر القرطبي أن زيدًا جمع القرآن غير مرتب السور بعد تعب شديد، وأن الصحف حفظت بعد جمعها عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند حفصة أم المؤمنين.
والذين قالوا إن عمر أول من جمع القرآن يذكرون أنه حين أراد أن يجمعه قام في الناس فقال: «من كان تلقَّى من رسول الله ﷺ شيئًا فيأتينا به.» وكانوا كتبوا ما تلقوه من ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان عمر لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد عليه شاهدان، وقُتل وهو يجمع ذلك إليه؛ فقام عثمان بن عفان فقال ما قال عمر وصنع صنيعه، وعهد إلى زيد بن ثابت بجمع القرآن، وضم إليه نفرًا من الحفاظ وقال لهم: «إذا اختلفتم فاكتبوا لغة مضر؛ فإن القرآن نزل على رجل من مضر.»
أمَا والثابت المقطوع به أن أبا بكر هو الذي أمر بجمع القرآن بعد حواره مع ابن الخطاب، فيجمل بي قبل أن أفصِّل كيف كان هذا الجمع أن أقف عند قول الصديق: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ!» فقد نزل الوحي بالقرآن على رسول الله خلال ثلاث وعشرين سنة، منذ بعثه الله نبيًّا وهو بمكة إلى أن قبضه إليه وهو بالمدينة. وكان الوحي ينزل ببعض الآيات أحيانًا، وبالسورة كاملة أحيانًا أخرى، ولقد كان أول ما نزل من الوحي قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، أما بقية هذه السورة على ما نتلوها اليوم في المصاحف فنزلت بعد ذلك، وبعد أن نزل غيرها من الوحي قبل نزولها. أفيعني قول أبي بكر وقول زيد بن ثابت من بعده: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله!» أن القرآن بقي إلى وفاة الرسول لم يجمع سورًا، ولم ينتظم كتابًا، فبقيت الآيات التي نزلت فرادى لم تضم إلى غيرها على الصورة التي نراها اليوم بها، فلما كان الجمع رتبت السور ونظمت في كتاب؟
هذا ما يقول به بعض المؤرخين، وترجحه طائفة من المستشرقين، بل لقد نسب إلى زيد بن ثابت أنه قال: «قُبض النبي ولم يكن القرآن جمع في شيء.» والمستشرق الإنجليزي سير وليم ميور يسوق هذا القول في مقدمة كتابه عن سيرة الرسول حجة من الحجج على الدقة والصدق في جمع القرآن، فيقول: «إن القرآن بمحتوياته ونظامه ينطق في قوة بدقة جمعه؛ فقد ضُمت الأجزاء المختلفة بعضها إلى بعض ببساطة تامة، لا تعمُّل ولا تكلُّف فيها، وهذا الجمع لا أثر فيه ليد تحاول المهارة أو التنسيق، وهو يشهد بإيمان الجامع وإخلاصه لما يجمع؛ فهو لم يجرؤ على أكثر مِن تناول هذه الآيات المقدسة ووضع بعضها إلى جانب بعض.» والمستشرقون المؤيدون لهذا الرأي يؤاخذون زيد بن ثابت والذين عاونوه في جمع القرآن بأنهم لم يراعوا في ترتيب القرآن أوقات نزوله، ولم يقدِّموا ما نزل منه بمكة على ما نزل منه بالمدينة، بل وضعوا آيات مدنية خلال السور المكية دون أن يقتضيهم المقام هذا الصنيع، ولو أنهم راعوا الدقة التاريخية في الترتيب لكان ذلك أدنى في نظر هؤلاء المستشرقين إلى التحقيق العلمي، وأجدى في كتابة السيرة وفي تتبع أحوال النبي العربي من يوم بعثه إلى يوم وفاته.
ويزيد المستشرقون أن جامعي القرآن لم يعنوا كذلك بتأليف آياته حسب موضوعاتها، فأنت ترى في السورة الواحدة شئونًا مختلفة من القصص والتاريخ، ومن الإيمان والعبادات، ومن الأحكام التشريعية، ومن قواعد الخلق، وأنت ترى الموضوع الواحد من هذه الشئون جميعًا مذكورًا في سورة مختلفة على صور تتقارب أو تتفاوت في اللفظ وفي قوة العبارة، أما وقد كان الجامعون أحرارًا في ترتيب الآيات في السور فهم جديرون، في رأي هؤلاء المستشرقون، بالتثريب عليهم من الناحية العلمية؛ لأنهم لم يراعوا الموضوعات، وكان حقًّا عليهم أن يراعوها، وبخاصة؛ لأنهم لم يتقيدوا بمواقيت الوحي ونزوله.
هذه ملاحظات يبديها المستشرقون على جمع القرآن مستندين فيها إلى قول أبي بكر: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ!» وهم مخطئون في تحميل عبارة أبي بكر هذا المعنى، وفي ظنهم أن الآيات ظلت مبعثرة منذ نزولها إلى أن جمعت في عهد الخليفة الأول، ثم في عهد عثمان، فالأمر الذي لا ريبة فيه أن الآيات قد جمعت سورًا في عهد رسول الله وبتوقيفه، ولقد كان مالك يقول: «إنما أُلِّف القرآن على ما كانوا يسمعونه من رسول الله ﷺ»، وكان عبد الله بن مسعود يقول: «قرأت من في رسول الله ﷺ بضعًا وسبعين سورة، وقرأت عليه من البقرة إلى قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. ولقد قرأ زيد بن ثابت القرآن كله على رسول الله.
وفي مسلم والبخاري عن أنس بن مالك أنه قال: «جَمع القرآن على عهد النبي ﷺ أربعةٌ كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.» وقول أنس لا يراد به أن هؤلاء الأربعة هم الذين حفظوا القرآن في عهد النبي دون سواهم، يقول القرطبي: «فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فقول أنس: لم يجمع القرآن غير أربعة، يحتمل أنه لم يجمع القرآن وأخذه تلقينًا من رسول الله ﷺ غير تلك الجماعة؛ فإن أكثرهم أخذ بعضه عنه وبعضه عن غيره، وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي ﷺ لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول ﷺ لهم.»
وروايات السلف متواترة على أن رسول الله كان يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين، ومن هذا العرض في عام الوفاة عرف عبد الله بن عباس ما نُسخ من القرآن وما بُدل.
وما ورد في سيرة النبي يؤيد الروايات التي قدمنا، من ذلك ما روي عن إسلام عمر بن الخطاب بعد عشر سنين أو نحوها من بعث محمد، فقد هال عمر ما أحدثه الدين الجديد من فرقة بين أهل مكة اضطرت كثيرين منهم أن يهاجروا إلى الحبشة، فرأى أن يقتل محمدًا لتعود إلى قريش وحدتها، فلما ذكر له نعيم بن عبد الله أن فاطمة أخت عمر وزوجها سعيد بن زيد أسلما ذهب إليهما ودخل البيت عليهما، فسمع عندهما من يقرأ القرآن، فبطش بهما حتى شجَّ أخته، وندم لما صنع، وطلب إليها أن تعطيه الصحيفة التي كانوا يقرءون، فإذا بها سورة طه، فلما قرأها أخذه إعجازها وجلالها وسمو الدعوة التي تدعو إليها، فذهب إلى محمد فأسلم بين يديه.
لم تكن الصحيفة التي سجلت سورة إلا واحدة من صحف كثيرة كانت متداولة بين أيدي الذين أسلموا من أهل مكة سجلت سورًا أخرى من القرآن، ولقد ظل رسول الله بين المسلمين بمكة وبالمدينة ثلاث عشرة سنة بعد إسلام عمر، كان يقول خلالها لأصحابه: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمحه.» وكان طبيعيًّا أن يكتب الصحابة كل ما يستطيعون كتابته من القرآن لتلاوته في الصلاة، ولمعرفة أحكام الدين الذين يؤمنون به، وكان يكتبه الذين يوفدهم النبي إلى القبائل لتعليم أهلها القرآن وتفقيههم في الدين، وهم لم يكونوا يكتبونه آيات متقطعة، بل سورًا متصلة يمليها رسول الله.
ونصوص القرآن تؤيد ما سبق؛ من ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، وآيات المزمل هذه نزلت في الفترة الأولى من بعث الرسول، فمطالبة النبي فيها أن يقوم الليل يرتل القرآن ترجح أن الآيات لم تكن مبعثرة من غير ترتيب، وتؤكد ما قدمنا من أن ما كان يوحى إلى النبي متصلًا بوحي سبق إليه كان الوحي يلحقه به، وذلك قولهم إن جبريل قال للنبي حين أوحى إليه قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ: «يا محمد، ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة.»
ولقد تكرر في القرآن نعته بأنه الكتاب، وسورة البقرة أولى سور القرآن بعد الفاتحة تبدأ بقوله تعالى: الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، وهذا المعنى وارد في مواضع كثيرة من سور مختلفة، والكتاب هو ما كتب منسقًا، وقد كتب القرآن في عهد النبي كما أسلفنا من قول أنس بن مالك وقول غيره من أصحاب رسول الله، بل إن زيد بن ثابت نفسه، وهو الذي قال كما قدمنا: «قبض النبي ﷺ ولم يكن القرآن جمع في شيء» قد قال: «كنا عند رسول الله ﷺ نؤلف القرآن من الرقاع.» يريد بذلك تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة رسول الله، وكثيرًا ما كان رسول الله يتلو في الصلاة وفي غير الصلاة سورًا كاملة؛ منها البقرة وآل عمران والنساء والأعراف والجن والنجم والرحمن والقمر وغيرها، وهذا كله صريح في الدلالة على أن ترتيب الآيات في السور قد تم بتوقيف النبي، وأنه قبض وهذا الجمع معروف للمسلمين، ثابت في صدور القراء والحفاظ.
ولقد رأيت كثيرين من الصحابة جمعوا القرآن على عهد النبي، منهم أربعة جمعوه بإملائه، واتفاق المؤرخين منعقد على أن ترتيب الآيات في السور كان واحدًا في كل المصاحف التي جمعت قبل وفاة الرسول، وفي المصاحف التي جمعت عقب وفاته وقبل أن يأمر أبو بكر بجمع القرآن، أما ترتيب السور والابتداء بالفاتحة فالبقرة فآل عمران فالنساء فالمائدة والانتهاء بالمعوذتين، فذلك ما اختلف فيه، وما قيل إن رسول الله تركه كله أو بعضه لأمته.
ماذا أراد أبو بكر إذن بقوله ردًّا على عمر حين أشار عليه أن يجمع القرآن: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله!» وما هي الحجج التي شرحت صدر أبي بكر ثم صدر زيد بن ثابت لجمع القرآن والأخذ برأي ابن الخطاب؟
ولم يكن عليٌّ وحده هو الذي دأب على جمع القرآن بعد وفاة الرسول، بل دأب على ذلك كثيرون جعلوا يتلقونه عمن يطمئنون إليهم من أصحاب رسول الله، وكما حمد أبو بكر لعلي بن أبي طالب حديثه عن جمع القرآن حمد لغيره من المسلمين سعيهم في جمعه، ورأى في عملهم تأسيًا بالسابقين الأولين الذين جمعوه في عهد رسول الله، ولم يدُرْ بخاطره أن يصد أحدًا دون هذا العمل الجليل، مطمئنًّا إلى أن الله نزَّل الذكر وهو حافظه، وإلى أن المسلمين لن تحدِّث أحدًا منهم نفسُه بأن يُدخل عليه ما ليس منه، فإذا أقدم أحد على ما قاله علي بن أبي طالب من زيادة على القرآن رد الله كيده في نحره، ورد الصالحون من المسلمين كلام الله إلى مواضعه، وذلك كان سبب تردده حين عرض عليه عمر أن يجمع القرآن، فقد كانت سنته ألا يصنع إلا ما كان يصنع رسول الله، وألا يدع شيئًا كان رسول الله يصنعه، أما وقد ترك رسول الله كتابة القرآن للمسلمين، وقد كتب بعضهم القرآن بإملائه (عليه السلام)، ونقل آخرون عن هؤلاء الكاتبين وعمن وعت ذاكرتهم القرآن، فليجرِ الأمر في خلافته كما جرى في عهد الرسول، وليمسك خليفته فلا يقدم على ما لم يقم هو به.
كانت هذه حجة أبي بكر وحجة زيد بن ثابت، فلما راجع عمر الخليفة عدل عن رأيه، ولئن لم يورد المؤرخون تفصيل ما دار بين الرجلين من حوار، فإن فيما أورده الرواة عن تاريخ القرآن لما يفصح لنا عن حجة عمر وما يؤيدها ويجلو لنا اقتناع أبي بكر وزيد بن ثابت بها.
صحيح أن بعض الأقوال في تأويل نزول القرآن على سبعة أحرف تخالف هذا القول، فيذهب بعضها إلى أن في القرآن سبع لغات العرب كلها، وأن هذه اللغات متفرقة فيه، أو أن هذه اللغات السبع في مضر، ويذهب بعض آخر إلى أن سبعة الأحرف تتصل بوجوه الاختلاف في القراءة، أو تتصل بمعاني كتاب الله، لكن هذه الأقوال لا تنفي القول الأول على الأقل أول ما بدأ الإسلام ينتشر في القبائل، ويذكر بعضهم أن الأمر ظل كذلك سنين متعاقبة، أو إلى أن قبض النبي؛ لكنهم يقيدونه بأن ذلك كان بالوحي لا بالاختيار، يقول القرطبي: «إنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي ﷺ ليوسع بها على أمته، فأقرأ مرة لأُبي بما عارضه به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضًا … وعلى هذا يحمل قول أنس حين قرأ: «إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأصوب قيلًا»، فقيل له إنما نقرأ «وأقوم قيلًا»، فقال أنس: «وأصوب قيلًا وأقوم قيلًا وأهيأ واحدٌ.» فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي ﷺ، وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: ٩)، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: «سمعت هشام بن حكيم يقرأ الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله ﷺ أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله ﷺ: أرسله، اقرأ. فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ؛ فقال رسول الله ﷺ: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ. فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.»
وأضاف القرطبي قصة أبي بن كعب إذ سمع رجلين بالمسجد يقرآن آيات بعينها في الصلاة، كلٌّ يقرأ غير قراءة صاحبه وغير قراءة أُبي، فذهب بهما إلى رسول الله فحسَّن النبي قراءتهم جميعًا. قال أبي: «فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي ﷺ ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقًا، وكأنما أنظر إلى الله تعالى فرِقًا، فقال: يا أبي، أُرسل إليَّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فرد إليَّ الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إليَّ الثالثة اقرأه على سبعة أحرف.»
أنت لا ريب قد رأيت أن الاختلاف في القراءات وفي مصاحف الصحابة لم يتعد الألفاظ، وأنه لم يجعل من نهي أمرًا، ولا مِن أمرٍ نهيًا، ولا من آية رحمة آية عذاب، ولا من آية عذاب آية رحمة، والشأن كذلك في كل ما روي عن قراءات الصحابة وعن مصاحفهم ومصاحف التابعين، ولقد قدم المستشرق «أرثر جفري» لكتاب المصاحف لابن أبي داود، وأورد كل ما روي عن هذا الاختلاف في القراءات والمصاحف، فلم يزد الأمر على ما قدمت من الأمثلة، وعلة ذلك راجعة إلى ما ذكرنا عن الحديث: «أنزل القرآن على سبعة أحرف.»
وما كان الخلاف ليزيد على هذا في حياة الذين تلقوا القرآن عن رسول الله فكتبوه أو وعته صدورهم في تقديس لكلام الله وإيمان به يحولان دون الزيادة فيه أو النقص منه أو تحريفه، لكن هؤلاء القراء رجال كتب عليهم الموت كما كتب على الذين من قبلهم، ولقد استحر القتل في طائفة منهم في حياة النبي ببئر معونة، ثم استحر القتل فيهم في اليمامة، فإذا ذهب أكثرهم أو ذهبوا جميعًا لم يكن عجبًا أن يقوم من يزيد في القرآن أو ينقص منه، ومن يحرف كلام الله عن مواضعه، ثم لا عجب أن يختلف الناس على هذا، وأن ينتهي اختلافهم إلى الثورة يصلى المسلمون نارها ويصيب الإسلام منها ضر كبير.
كان لعمر ولأبي بكر ولزيد بن ثابت مما حدث في بلاد العرب نذير يعظهم أن يتقوا هذا اليوم، فقد ارتد في حياة الرسول بعض الذين أسلموا وكانوا يكتبون الوحي، ثم زعموا أنهم كانوا يزيفون ما يكتبون ويلقونه على المسلمين زائفًا، وروايات المنافقين وما كانوا يصنعون من ذلك ومن مثله واردة في كتب السيرة، وفي قصة مسيلمة بعض هذا النذير، فهو إنما استغلظ أمره بعد أن ذهب نهار الرحال بن عنفوة من قبل رسول الله ﷺ إلى اليمامة يقرئ أهلها القرآن ويفقههم في الدين، فلم يلبث حين رأى السواد من أهل اليمامة يتبع مسيلمة أن أقر بنبوته، وشهد بأن محمدًا يقول: إن مسيلمة قد أشرك في الرسالة معه، وكان نهار فقيهًا يتلو على الملأ القرآن الذي أوحي إلى محمد ويقص عليهم تعاليمه ويفقههم في دينه، هذا وما حدث من مثله إثر وفاة الرسول إذ نجم النفاق واشرأبت الأعناق يشهد بما لحجة عمر في جمع القرآن بعد اليمامة من قوة تذهب بكل تردد.
وماذا بعد في جمع القرآن مما لم يصنعه رسول الله حتى يتردد أبو بكر أو يتردد زيد بن ثابت بسببه؟! لقد أمر (عليه السلام) أن يكتب الوحي وأن تكتب الآيات مرتبة في السور، وما منعه أن يأمر بجمع القرآن قبل أن يختاره الله إليه إلا أن الوحي كان يتتابع، وأن بعض الآيات كانت تنسخ، أما وقد قبض فانتهى نزول الوحي وتم كتاب الله وكمل دينه، فالخير في أن يجمع القرآن حتى لا يتعرض لما خشي علي بن أبي طالب أن يتعرض له من زيادة فيه أو نقص منه، وبخاصة بعد أن قتل من القراء باليمامة من قتل؛ ويخشى أن يقتل منهم آخرون في مواطن غير اليمامة.
«أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع بين اللوحين.»
شرح الله صدر أبي بكر لجمع القرآن بعد حواره مع عمر، فعهد إلى زيد بن ثابت أن يتتبعه فيجمعه، روي أن عبد الله بن مسعود غضب لذلك وقال: يا معشر المسلمين! أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل؟ والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر! يريد زيد بن ثابت. وقد نسب هذا القول إلى ابن مسعود حين أمر عثمان زيدًا بجمع القرآن وأردفه بمن أردفه بهم من الصحابة، ولعل عبد الله غضب في المرتين لما ذكره القرطبي حين قال: «قال أبو بكر الأنباري: ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن، وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق وأعظم فضائل، إلا لأن زيدًا كان أحفظ للقرآن من عبد الله.» وهذه العبارة ترجح غضب ابن مسعود في المرتين.
وقد بلغ غضب ابن مسعود لهذا الأمر أمدًا بعيدًا، حتى كان يقول: «لقد قرأت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة، وإن لزيد بن ثابت ذؤابتين يلعب مع الصبيان.» بل لقد حرض أهل العراق في عهد عثمان على ألا يعاونوا في هذا العمل، وكان يقول لهم: «إني غالٌّ مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغلَّ مصحفًا فليفعل؛ فإن الله يقول: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (آل عمران: ١٦١)»، وخطب الناس يومًا فقال: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله ﷺ بضعًا وسبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤبتان، والله ما نزل القرآن إلا وأنا أعلم متى وفي أي شيء نزل، ما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته.» كره رجال أفاضل من أصحاب النبي مقالة ابن مسعود، ورأوا فيها تحريضًا على الفتنة لا مسوغ له. روي عن أبي الدرداء أنه قال: «كنا نعد عبد الله حنانًا فما باله يُواثب الأمراء!» صحيح أن عبد الله بن مسعود بدري وزيد بن ثابت ليس بدريًّا، ولعبد الله سابقة في الإسلام على زيد وعلى أبيه ثابت بن زيد، وهو قد تلقى عن رسول الله نيفًا وسبعين سورة من القرآن، لكن زيدًا كان كاتب رسول الله، وقد تلقى عنه القرآن كله إلى وفاته، يقول القرطبي: «الشائع الذائع المتعالم عند أهل الرواية والنقل أن عبد الله بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول الله ﷺ، وقد قال بعض الأئمة: مات عبد الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن.» وقد جاء مصحف ابن مسعود خلوًا من المعوذتين.
سقنا حديث عبد الله بن مسعود وغضبه حجةً على حسن اختيار أبي بكر زيد بن ثابت لجمع القرآن، وذلك قول الصديق لزيد بعد أن أقنعه برأي عمر: «إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ، فتتبعِ القرآن فاجمعه.» ويضيف القرطبي على العبارة التي نقلناها في تفضيل زيد على عبد الله قول أبي بكر الأنباري: «إن زيدًا كان أحفظ للقرآن من عبد الله؛ إذ وعاه كله ورسول الله حي، والذي حفظ منه عبد الله في حياة رسول الله ﷺ نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة رسول الله ﷺ، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله ﷺ حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار.»
ولعل أبا بكر قد اختار زيدًا وآثره على غيره من أصحاب رسول الله لأنه شاب، فهو أقدر على العمل منهم، وهو لشبابه أقل تعصبًا لرأيه واعتزازًا بعلمه، وذلك يدعوه إلى الاستماع لكبار الصحابة من القراء والحفاظ، والتدقيق في الجمع دون إيثار لما حفظه هو، وإن كان المتواتر أنه حضر العرضة الأخيرة للقرآن حين عرضه رسول الله على جبريل للمرة الثانية في السنة التي كانت فيها وفاته.
شعر زيد بجسامة التبعة التي ألقاها الخليفة على عاتقه وقدرها قدرها؛ وذلك قوله: «فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن.» وكيف لا يشعر بجسامة التبعة وهو يعلم أن أبا بكر يحفظ القرآن، وعمر يحفظه، وعلي يحفظه، وعثمان يحفظه، وكبار الصحابة يحفظونه أو يحفظون منه أجزاء كثيرة، بل إن أربعة قد تلقوا القرآن عن رسول الله وكتبوه مرتب الآيات في السور، وكتب غيرهم، ومنهم عبد الله بن مسعود، مصاحف بعضها كامل وبعضها غير كامل، وهؤلاء جميعًا رقباء عليه يحاسبونه أدقَّ الحساب.
ولست في حاجة إلى القول بأن زيدًا لم يثبت القرآن في مصحفه على تاريخ نزوله بعد أن رُتبت الآيات في السور بأمر رسول الله، فوضع ما نزل منها بالمدينة في السور المكية، إنما تتبع زيد السور كما رتبها رسول الله، ثم نسخها في الورق أو في الأديم، فلما تم له نسخها كانت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند حفصة.
أية طريقة اتَّبع زيد في الجمع؟ تستطيع أن تقول في غير تردد إنه اتبع طريقة التحقيق العلمي المألوفة في عهدنا الحاضر، وقد اتبع هذه الطريقة بدقة دونها كل دقة، فقد طلب أبو بكر إلى كل من عنده من القرآن شيء مكتوب أن يجيء به إلى زيد، وإلى كل من يحفظ القرآن أن يدلي إليه بما يحفظه، واجتمع لزيد من الرقاع والعظام وجريد النخل ورقيق الحجارة وكل ما كتب أصحاب رسول الله القرآن عليه الشيء الكثير، عند ذلك جعل يرتبه ويوازنه ويستشهد عليه، ولا يثبت آية إلا إذا اطمأن إلى إثباتها كما أوحيت إلى رسول الله، روي أن عمر بن الخطاب قرأ: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان»، برفع كلمة «الأنصار» ومن غير واو العطف بينها وبين «الذين»، فقال له زيد بن ثابت: «والذين اتبعوهم بإحسان»، واختلفا، فدعا عمر أبي بن كعب وسأله عن ذلك، فأقر قراءة زيد، وليزيل كل ريبة من نفس عمر قال: «والله، أقرأنيها رسول الله ﷺ وأنت تبيع الحنطة.» فادكر عمر وقال: نعم! وتابع أبيًّا وأقر قراءة زيد، وكذلك كان يصنع زيد كلما خالفه من الصحابة أحد، وكلما وجد في المكتوب في الرقاع والعظام وغيرها خلافًا، يستشهد ويستقصي، ولا يمنعه من ذلك أنه يحفظ القرآن، وأنه حضر قراءة رسول الله إياه قبيل وفاته، وهذا الخلاف على حرف الواو في الآية السابقة يدلك على مبلغ هذه الدقة، ويشهد بأن زيدًا لم يضن بمجهود في القيام بالعمل العظيم الذي عهد فيه أبو بكر إليه.
لم يكن القول في ترتيب السور في المصحف مما يدخل في نطاق هذا الفصل، وإنما أدى إليه الاستطراد إيضاحًا لقول القرطبي عن زيد بن ثابت وجمعه القرآن في عهد أبي بكر: «جمعه غير مرتب السور، بعد تعب شديد، رضي الله عنه.» أأتم زيد جمع القرآن في عهد أبي بكر أم استغرق عمله هذا زمنًا من عهد عمر؟ ذلك أمر اختلف فيه، وقد رأينا في رواية البخاري أن الصحف التي جمع زيد فيها القرآن كانت عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين. وهذا القول يؤدي إلى أن الجمع تم في عهد أبي بكر، ويذهب بعض الرواة إلى أن الجمع استغرق زمنًا في عهد عمر، وليس يتيسر القطع بأي الروايتين أصح، وإن أمكن التوفيق بينهما بأن زيدًا أتم جانبًا كبيرًا من الجمع في عهد أبي بكر، وجعل صحف هذا الجانب عند الخليفة؛ وقبض الصديق فأخذ عمر ما كان عنده من هذه الصحف، فلما أتم زيد جمع ما بقي من القرآن وأضيفت صحفه إلى الصحف الأولى ثم كانت كلها عند عمر، وهذه الصحف هي التي كانت المصحف الإمام في عهد عثمان، وهي التي نتلوها اليوم، وسيتلوها من بعدنا من المسلمين وغير المسلمين حتى يوم الدين.
«رحمة الله على أبي بكر! كان أعظم الناس أجرًا في جمع المصاحف.» كذلك قال علي بن أبي طالب، وذلك ما يقوله كل مسلم. ولقد طالما سألت نفسي وأنا أكتب هذا الكتاب: أي أعمال الصديق أعظم: قضاؤه على الردة والمرتدين في بلاد العرب، أم فتحه العراق والشام وتمهيده بذلك للإمبراطورية الإسلامية العظيمة التي حملت عبء الحضارة الإنسانية قرونًا متعاقبة، أم جمعه القرآن كتاب الله إلى رسوله محمد النبي الأمي هدى ورحمة للعالمين؟ طالما سألت نفسي وفكرت أتلمس الجواب، ولم أتردد قط في الإجابة، فجمع القرآن أعظم أعمال أبي بكر لا ريب، وأكثرها بركة على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين، لقد اضمحلت جزيرة العرب وتقلصت منها أسباب القوة والحياة بعد عهد بني أمية، وقد تداعت الإمبراطورية الإسلامية وخضع المسلمون في أرجاء الأرض لغير المسلمين ولسلطان حكمهم، ولقد نسي الناس هذه الإمبراطورية وكادوا ينسون بلاد العرب، ولولا مناسك الحج لضمت شبه الجزيرة إلى مجاهل الأرض فلا يصل إليها إلا المستكشفون، أما كتاب الله الكريم فإنه خالد باقٍ على الدهر، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم.
ولا يحسبن أحد أني بما أذكر من ذلك أهون من أمر حروب الردة أو من أمر الإمبراطورية الإسلامية، فكل من هذين الأمرين عظيم، وكل عمل منها كافٍ وحده ليخلد حياة من يقوم به، ولو أن أبا بكر وقف من خلافته عند القضاء على الردة لشهد الناس جميعًا له بعظمة ما قام به وبجلاله، ولو أنه لم يصنع أكثر من وضع القواعد للإمبراطورية الإسلامية لأقروا كلهم له بالعظمة وخلود الذكر على صفحات الدهر، فإذا حفل عهده بهذين الأمرين البالغين كل هذا الجلال وكل هذه العظمة، ثم كان فيه جمع القرآن، وهو أبقى منهما جميعًا وأعظم، فذلك الخلد الذي لا خلد بعده، والرضا من الله لا يؤتاه إلا الصديقون الذين سما إيمانهم فيسر الله لهم كل عظيم وهيأ لهم من أمرهم رشدًا.
رحم الله أبا بكر، وأجزل له الأجر، إنه كان من عباده المخلصين.