التَّهَيُّؤ لحروب الردة
هزم أبو بكر عبسًا وذبيان وبني بكر ومن انضم إليهم وأجلاهم عن مواقعهم بالأبرق، فانحازوا إلى طليحة بن خويلد الأسدي ببزاخة، وقد أعلن أبو بكر أن الله غَنَّمه هذه البلاد فلن يردها إلى أصحابها، وأنه جعل الأبرق لخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة الناس وجعلها صدقات للذين آمنوا، ورجع الصديق إلى المدينة وهو يفكر في الوسيلة التي يقضي بها على الذين ارتدوا عن الإسلام القضاء المبرم، فما كان ليذرهم في شتى الأنحاء من شبه الجزيرة يثورون به وبدين الله، وما كان ليصالحهم أو يوادعهم قبل أن يثوبوا إلى الله وأن يرجعوا مسلمين.
احتفظ أبو بكر للمدينة بقوة تحميها كانت دون كل الألوية عددًا، ذلك أن المدينة كانت يومذاك بمأمن من غارة المغير، وكانت في رخاء زاد أهلها اطمئنانًا للحياة، وكيف لقبيلة أن تغير عليها والغارات توجه منه إلى كل صوب، وقد تداول سمع الناس من أنباء جندها المظفر وما له من الأيد والبسالة ما جعل دفع هذ الجند غاية ما يطمع فيه الثائرون بها!
ومن يومئذ أقام أبو بكر بالمدينة لم يبرحها، ولم يكن ذلك رغبة منه عن مشاركة المسلمين في مواقعهم، بل لأن المدينة أصبحت مكان القيادة العامة للجند كله، والمرجع الذي تصدر منه الأوامر بالتحرك من مكان إلى آخر، فقد كان مما أمر به أبو بكر قواده ألا ينتقل أحدهم من حرب جماعة تغلب عليها إلى مواجهة أخرى لمقاتلتها حتى يستأذنه؛ وذلك إيمانًا منه بأن وحدة القيادة في الحرب بعض ما تقضي به السياسة الحكيمة، وما يكفل الغلب والفوز.
وقد لاحظ جماعة من الأنصار أن أبا بكر جعل الأولوية للمهاجرين ولم يجعل لهم منها نصيبًا، وهو إنما فعل هذا ليبقي أهل المدينة على قوات الدفاع عنها؛ فهم أعلم بأمرها، وأحرص من غيرهم على الزود عن حياضها، أما ما ظنه بعضهم من أنه استبقاهم حذرًا منهم بعد الذي أبدوه في سقيفة بني ساعدة فلا مسوغ له.
فهذه الألوية إنما عقدت لقتال المرتدين، ولم يكن الأنصار دون المهاجرين إيمانًا بالله ورسوله، فالحذر من ناحيتهم في هذا القتال لا مسوغ له، ولو مثل هذا التأويل ساغ في شأن الأنصار لساغ كذلك في شأن كبار المهاجرين أمثال علي، وطلحة، والزبير، ممن أقاموا كما كما أقام عمر بن الخطاب بالمدينة ليشيروا على أبي بكر، فيكون مركز القيادة العامة قويًّا بهم وبما يضعون من خطط ويدبرون من أمور.
ومم كان أبو بكر يحذر أو يخشى؟ إنه لم يتولَّ الخلافة رغبة منه فيها، بل لأن أولي الرأي بالمدينة رأوه أصلحهم لها، ولقد أبدى منذ تولاها من التقدير لأعبائها ما يشهد بأنه قبلها مضحيًا في سبيل الله، كان مما قاله وهو يخطب الناس بعد قليل من تمام بيعته: «أما بعد، فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه!» وخطب مرة فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك.» فرفع الناس رءوسهم دهشًا فقال: «ما لكم أيها الناس! إنكم لطعَّانون عَجلون، إن من الملوك من إذا ملك زهَّده الله فيما بيده، ورغَّبه فيما بيد غيره … فهو كالسراب الخداع، جَذِل الظاهر، حزين الباطن.» وكان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة منزلًا بدويًّا صغيرًا لم يغير منه ولا غير من منزله بالمدينة بعد ما بويع، بل أقام به ستة أشهر يغدو على رجليه من السنح إلى المدينة، وربما ركب فرسًا له، وكان يتجر في الثياب، فلما رأى أعباء الدولة أشق من أن تتفق والتجارة قال: «لا والله ما يصلح أمر الناس والتجارة! وما يصلح لهم إلا التفرغ والنظر في شأنهم، ولا بد لعيالي ما يصلحهم.» وترك التجارة ووظف له من بيت مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله، فلما حضرته الوفاة قال: «ردوا ما عندنا من مال المسلمين فإني لا أصيب من هذا المال شيئًا، وإن أرضي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم.» قال عمر بن الخطاب وهو يستولي على هذه الأرض بعد ما استخلف: «لقد أتعب أبو بكر مَن بعده.»
رجلٌ ذلك شأنه ممَّ يحذر؟! وما كان عسى أن يحذر يوم عقد الألوية الأحد عشر وكانت مكانته قد توطدت بين المسلمين، بل بين العرب جميعًا، بما أبدى من حزم وحسن رأي وصدق إيمان وحرص على التضحية كانت كلها بعض صفاته في جميع أدوار حياته، ثم بلغت أوج قوتها وصفائها في هذه الآونة التي جلل الشيب فيها رأسه بعد أن تخطى الستين وتولى خلافة رسول الله، لذلك لم يخامر أحدًا الريب في مقاصده، ولم يتردد أحد في تنفيذ ما أمر به.
ولقد كان اللواء الذي عقده لخالد بن الوليد أمنع الألوية الأحد عشر وأقواها، وكان به خيرة المقاتلة من المهاجرين والأنصار، ولعل خالدًا هو الذي اختارهم، وسترى من بعد أنهم أبلوا في حروب الردة خير بلاء، ثم كان لهم في حروب العراق والشام بلاء لا تبليه الأيام، ولا يجني عليه النسيان.
ولا عجب أن يكون ذلك شأن لواء على رأسه خالد بن الوليد، فقد كان خالد عبقريًّا في الحرب لا يغلب، آتاه الله موهبتها، كما آتى هذه الموهبة الإسكندر الأكبر، وجنكيز خان، ويوليوس قيصر، وهانيبال، ونابليون، كان بطلًا مقدامًا وفارسًا مغامرًا، ثم كان له من سلامة الحكم وسرعته ما يجنبه كل خطر للمغامرة أو الإقدام، وكان مداورًا في الحرب ألهم سرها وتجلى له ما جل ودق من أمرها، وكان الناس جميعًا يشهدون له بهذا، وقد سماه رسول الله «سيف الله» حين تولى أمر الجيش «بمؤتة» بعد مقتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فداور به في وجه الروم ثم ارتد به سالمًا ينتصر ولم يلحقه عار الهزيمة، وبقي خالد سيف الله في كل وقائعه إلى أن مات.
وكان خالد قبل إسلامه بطل قريش المغوار وفارسها المعلم، لذلك كان في وقائع بدر وأحد والخندق على جيش المشركين، وكان له من صفات الجندي خشونة في الطبع، وميل إلى الشدة والبطش وتسرع لولا سلامة حكمه لأضر به، من ثم كان لا يهاب الأقران ولا يخشى أحدًا، لما ذهب رسول الله إلى مكة في عمرة القضاء بعد عهد الحديبية ثم عاد إلى المدينة، وقف خالد بن الوليد في جمع من قريش يقول: «لقد استبان لكل ذي عقل أن محمدًا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين، فحق على كل ذي لب أن يتبعه.» ودار لذلك بينه وبين عكرمة بن أبي جهل حوار لم يبلغ العنف فيه مبلغًا تخشى مغبته، ولم يكن أبو سفيان حاضرًا هذا الاجتماع، فلما بلغه إسلام خالد بعث في طلبه وسأله أحق ما بلغه عنه، أجابه خالد إنه حق، وإنه أسلم، وشهد برسالة محمد؛ فغضب أبو سفيان وقال: «واللات والعزى لو أعلم أن الذي تقول حق لبدأت بك قبل محمد.» وكان جواب خالد في حدة المعتز بنفسه: «فوالله إنه لحق على رَغمِ مَن رَغِمَ.»
ولحق خالد بالمدينة، فلم يلبث أن سمت مكانته بين المسلمين بوصفه محاربًا، فلما كانت مؤتة كان سيف الله فيها، ثم كان سيف الله من بعد؛ فتح الله به العراق والشام وأذل به فارس والروم الإمبراطوريتين العظيمتين صاحبتي الأمر والنهي في شئون العالم يومئذ، فلا عجب أن يختاره أبو بكر أميرًا على لوائه الأمنع، ولا عجب أن يكون لخالد في حروب الردة وما تلاها ما سنقص عليك نبأه من بعد.
هل سير أبو بكر هذه الألوية الأحد عشر للقتال أول ما تم تجهيزها؟ وهل سيرها كلها دفعة واحدة؟ ذلك ما يذكره بعض الرواة وإن دلت الوقائع على خلافه، لكنه على كل حال لم يسيِّر أولها حتى بدأ بهجوم سلمي مهد به لها خير تمهيد، فقد أذاع في الناس من أهل شبه الجزيرة جميعًا كتابًا تحدث فيه إلى من بلغه هذا الكتاب من عامة أو خاصة، أقام على الإسلام أو رجع عنه، وقد بدأ هذا الكتاب بحمد الله والثناء عليه، وذكر بعثه محمدًا بالحق من عنده بشيرًا ونذيرًا، ثم أشار إلى وفاة رسول الله بعد أن بلغ ما أمره الله أن يبلغه للناس، وأن الله قد بين ذلك لأهل الإسلام فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ وقال: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ وقال للمؤمنين: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران: ١٤٤) وإنما أراد الصديق بذكر هذه الآيات أن يدفع بها ما ثار من الفتنة بقول الذين قالوا: لو أن محمدًا كان رسولًا حقًّا ما مات، وبعد أن فرغ من ذلك ومن الإيصاء بتقوى الله والاعتصام بدينه قال: «وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به، اغترارًا بالله (عز وجل)، وجهالة لأمره، وإجابة للشيطان … وإني قد أنفذت إليكم فلانًا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب وأقر وكف وعمل صالحًا قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أن يقاتله على ذلك، ولا يُبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنيران ويقتلهم كل قتلة، ويسبي النساء، والذراري، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن آمن فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان.» لذلك كان المسلمون إذا أذنوا فأذن الناس كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا سألوهم ما هم عليه، فإن أبوا عاجلوهم.
أذاع أبو بكر هذه الرسالة في مختلف الأنحاء من شبه الجزيرة، وإنما ابتغى بها أن يدع للمترددين فرصة للتفكير؛ فإنه قد انساق كثيرون وراء الدعاء مخافة ما يصيبهم إذا أقاموا على إسلامهم، أو أمسكوا على الأقل عن نصرة زعماء الردة، بذلك تحقن دماء، وبه يتضعضع عزم كثيرين فلا يقاومون، وسترى أن هذا الأثر الذي قصد إليه أبو بكر من هجومه السلمي قد تحقق منه حظ عظيم.
على أن أبا بكر لم يقصد من هجومه ذاك مداورة يقف عندها، فإن أنتجت أثرها فذاك، وإن لم تنتجه التمس وسيلة غيرها لهجوم سلمي آخر، كلا! بل لقد كان جادًّا كل الجد في كل كلمة من كلمات كتابه، وفي كل صورة من صور التهديد التي ذكرها فيه، فهو لم يلبث حين أتم هذا الكتاب يُعذر فيه للمرتدين وينذرهم أن كتب إلى أمراء الألوية عهدًا لقتال من رجع عن الإسلام أن يجاهدوهم بعد أن يُعذروا إليهم فيدعوهم بدعاية الإسلام، فإن أجابوا الأمير على جند المسلمين أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم، ويعطيهم ما لهم، لا ينظرهم، ومن يُجِبْ الدعوة لم يكن لأحد عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به، أما من لم يُجِبْ داعي الله فليُقْتَل وليُقاتَل حيث كان، ولا يقبل منه إلا الإسلام، وليقتل بالسلاح والنيران.
بهذين الكتابين وبالألوية التي عقدها أبو بكر تم التجهيز لحروب الردة، وأنت ترى في هذا كله صورة صحيحة للسياسة الحازمة التي اتبعها أبو بكر في خلافته، وقد يحسبها البعض عجبًا من أبي بكر مع ما عرف عنه من لين الطبع ودماثة الخلق والحرص على تألف القلوب بالحسنى، لكنها ليست عجيبة البتة وإيمان الصديق بالله ورسوله لم يعرف التردد إليه سبيلًا، والطبائع الرقيقة تأبى العنف ولا تميل إلى الشدة في مألوف ما بين الناس من تجارة الحياة، فأما إن اتصل الأمر بشيء يؤمن أصحاب هذه الطبائع به، فلن تقاس بشدتهم شدة ولا بقوتهم قوة، وكأنما ركب في الفطرة الإنسانية مقدارٌ من الشدة واللين يتقارب قدره في كل فرد من الناس جميعًا، ثم يتفاوتون في تقدير الأوقات والمناسبات التي تجب فيها الشدة أو يجب فيها اللين، فمنهم من تغلب الشدة طبعه أكثر الوقت، فإذا رأيته حسبته لا يلين أبدًا، ومنهم من تغلب الرقة طبعه أكثر الوقت، فإذا رأيته حسبته لا يشتد أبدًا، والواقع أنك ترى من تغلب الشدة طبعه يلين أحيانًا، فإذا به يبلغ في رقته وفي لينه حدًّا لا يجده الإنسان فيمن ألف منهم لين الجانب ورقة الطبع، والذين تغلبهم الرقة معظم الوقت وتبلغ منهم حد التألم للغير والبكاء لشقائه، يصلون من البأس والبطش أحيانًا إلى حد لا يجده الإنسان فيمن كانت الشدة بعض طبعهم.
أفكان يظن أحد أن يقف أبو بكر من بعث أسامة ذلك الموقف الحاسم مخالفًا كبار المسلمين، مهاجريهم والأنصار؛ أو أن يشتد في أمر الذين منعوا الزكاة لا يصده عن قتالهم غياب جيش المسلمين عن المدينة؟! وسترى له من بعد مواقف كهذه تثير عجبك وإعجابك لبأس رجل كله الرقة والرفق ولين الجانب.
وقد بَيَّنَّا تأويل ذلك من قبل حين تحدثنا عن إيمان الصديق بالله ورسوله، كان هذا الإيمان عنده هو الحق لا حق غيره، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكان حقًّا كله، فصَّله الله في كتابه الذي أوحاه إلى محمد عبده ورسوله، فإذا جاز أن يساوم الناس بعضهم بعضًا على أمر في الحياة، فلن تتناول المساومة هذا الحق المتصل بالله جل شأنه، والذي لا يملك أحد من أمره إلا التسليم به والإذعان له، فمن حدَّثته نفسه بالخروج عليه فلا شأن لأبي بكر معه إلا أن يقاتله حتى يرده إلى الحق أو يقتله، وهو يقاتله ولو كان الصديق وحده، ولو لم يبقَ في القرى غيره، كذلك كان في أمر من منعوا الزكاة، فأحْرِ به أن يكونه في أمر من تمت ردتهم أو حدثتهم أنفسهم أن يؤمنوا برسول غير محمد رسول الله.
آن لأبي بكر بعد أن تم التهيُّؤ لقتال المرتدين أن يبدأ هذه الحرب الحاسمة في حياة الإسلام، فلقد كانت حربًا حاسمة لا ريب، ولئن لم ينتصر المسلمون فيها ليكونن ذلك النذير بعود العرب إلى جاهليتهم الأولى، لكن الله جل ثناؤه قَدَّرَ أن يظهر دينه على الدين كله، وجعل أبا بكر أول آية له تطالع الناس بما أراد وقدَّر؛ لذلك لم يعرف تاريخ الإسلام ولن يعرف حروب ردة كالتي واجهها أبو بكر فتغلب بإيمانه عليها، ثم كانت طليعة انتشار الإسلام في الخافقين.
وجعل أبو بكر عكرمة بن أبي جهل على اللواء الثاني ووجهه لقتال مسيلمة في بني حذيفة باليمامة. ثم جعل شرحبيل بن حسنة على اللواء الثالث وأمره بمعاونة عكرمة على مسيلمة، فإذا فرغا منه لحق شرحبيل بقضاعة مددًا لعمرو بن العاص. وقد استعصت اليمامة على عكرمة وعلى شرحبيل ثم كان خالد بن الوليد هو الذي قضى على الردة فيها بعد أن قتل مسيلمة في غزوة عقرباء.
وعقد أبو بكر للمهاجر بن أبي أمية المخزومي إمارة اللواء الرابع لقتال جنود العنسي باليمن ولقتال عمرو بن معدي كرب الزبيدي وقيس بن مكشوح المرادي ورجالهما، فإذا فرغ منهم قصد إلى كندة وحضرموت يقاتل الأشعث بن قيس والمرتدين معه. أما اللواء الخامس فوجهه إلى تهامة اليمن وجعل عليه سويد بن مقرن الأوسي.
وعقد إمارة اللواء السادس للعلاء بن الحضرمي لقتال الحطم بن ضبيعة أخي بني قيس بن ثعلبة والمرتدين معه بالبحرين. ووجه حذيفة بن محسن الغلفاني من حمير على رأس اللواء السابع لقتال ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي المتنبئ في عمان. وكانت وجهة اللواء الثامن وعليه عرفجة بن هرثمة إلى مهرة.
كان طبيعيًّا أن توجه هذه الألوية إلى الجنوب لبأس أهله وإلحاحهم في الردة. أما الشمال من شبه الجزيرة فتوجهت إليه ألوية ثلاث، على أحدها عمرو بن العاص لقتال قضاعة، وعلى الثاني معن بن حاجز السلمي لقتال بني سليم ومن معهم من هوازن، وعلى الثالث خالد بن سعيد بن العاص لاستبراء مشارف الشام.