طليحة وغزوة البزاخة
باءت عبس وذبيان وبنو بكر ومن آزرهم في مهاجمة المدينة بعار الهزيمة، فانحازت إلى طليحة بن خويلد الأسدي، وانضم إلى هؤلاء قبائل طيء وغطفان وسليم وما جاورها من أهل البادية الواقعة شرق المدينة وإلى شمالها الشرقي، وكانوا جميعًا يقولون ما يقوله عيينة بن حصن ومن معه من بني فزارة: «نبي من الحليفين — يعنون أسدًا وغطفان — أحب إلينا من نبي من قريش، وقد مات محمد وطليحة حي.»
ولم يكن هؤلاء في ريب من أن أبا بكر سيتجهز لهم ويحاربهم، لكنهم أصروا على مناهضته، وعلى متابعة طليحة، تمردًا على سلطان المدينة، وحرصًا على استقلالهم، واستكبارًا أن يؤتوا الزكاة؛ إذ هم يرونها إتاوة يؤديها التابع للمتبوع، وكان طليحة يقيم بسميراء، ثم انتقل منها إلى بزاخة يحسبها أمنع موقعًا وخيرًا في الحرب مكانًا.
وطليحة لم يتنبأ بعد موت رسول الله، بل تنبأ في العهد الأخير من حياته، شأنه في ذلك شأن الأسود العنسي ومسيلمة، وهو لم يدعُ العرب إلى العودة لعبادة الأصنام، كما لم يدعهم غيره من المتنبئين إلى العودة لعبادتها، لقد قضى محمد على هذه الوثنية في بلاد العرب قضاءً مبرمًا، فامتدت دعوة التوحيد إلى أنحاء شبه الجزيرة جميعًا، واستقرت في النفوس استقرارًا جعل التفكير في الأصنام ضربًا من الهذيان يستحيي منه كل إنسان، وإنما زعم أولئك المتنبئون أنهم يُوحى إليهم كما يُوحى إلى محمد، وأن الملك يأتيهم من السماء كما يأتي محمدًا، وقد حاول بعضهم محاكاة القرآن فيما أوهم أنه يوحى إليه، وحفظت الروايات لنا صورًا لما زعموا من ذلك يصعب القطع بصحة نسبتها، فهو من السخف بحيث يتعذر على أي إنسان أن يتصور كيف يرضى متنبئ إذاعتها باسمه في الناس، وكيف يقبل الناس عليه أو يتبعونه حين يرونه ينسب هذا الهذر إلى الوحي ويدعي أنه من كلام رب العالمين، وحسبك أن تتلو ما قيل إن طليحة زعم أنه أوحي إليه لترتاب في أن يدعيه رجل تجتمع العرب حوله، ثم يكون له من بعد في الإسلام مواقف لا يزال يحفظها التاريخ عن وقائع الفتح في إبان عهد عمر بن الخطاب، ومما تذكر الروايات عما زعم طليحة أنه أوحي إليه قوله: «والحمام واليمام، والصرد الصوّام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام.»
لقد طالما قرأنا عن سجع الكهان في الجاهلية، وكلنا نذكر أن قريشًا حاربت محمدًا بأنه كاهن، وبأن ما يوحى إليه هو بعض هذا السجع، ولقد استبان لمن عاصروا النبي أن هذه الدعاية هراء حين توجه إلى القرآن، ثم استبان للعرب وللناس جميعًا أن القرآن معجزة محمد، لن يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، ولقد كان طليحة كاهنًا، كما كان الأسود العنسي كاهنًا، أفهذا السجع الذي ادعوه وحيًا كان من سجع الكهان؟! لئن صح ذلك لقد كان الكهان طرازًا من المشعبذين أعجب طراز، ولقد كان ما ينسب إليهم من الحكمة مما يزري بالحكمة.
وسواء أصحت نسبة هذه الأقوال إلى طليحة أم لم تصح فإنه قام يدعو إلى آراء لم يحفظ لنا التاريخ منها شيئًا يُذكر، وكل ما يحدثنا به أنه أنكر الركوع والسجود في الصلاة، وقال: إن الله لم يأمر أن تمرغوا وجوهكم في التراب، أو أن تقوسوا ظهوركم في الصلاة، فإن يكن ما نسب إليه من ذلك صحيحًا فلعله نقله عن الصلاة عند المسيحيين، وإنما ترجع قلة ما بقي لنا من آثار طليحة ومسيلمة وأضرابهما إلى مثل السبب الذي ترجع إليه قلة ما لدينا عن الأصنام؛ فقد عفى المسلمون الأولون على ذلك كله، ولم يفكر أحد منهم في تدوينه أو روايته، ولم يدون من بعد إلا ما عد تدوينه تأييدًا للدين القيم، وأنت تعرف أن المسلمين لم يدونوا في الصدر الأول شيئًا إلا ما كان من جمع أبي بكر كتاب الله، فأما جمع السنة والحديث فقد حدث بعد القرن الأول، وقد اقتضى العاملين عليه من المشقة ما لم يهونه إلا عظيم الرجاء في مثوبة الله عنه، فلا عجب وذلك هو الشأن أن تخامرنا الريبة في كثير من الروايات عن طليحة وغيره من المتنبئين، وبخاصة إذا لم تتفق هذه الروايات والمعروف من حياة العرب في حضرهم وبدوهم، ولم تتسق مع ما يتصل بها من الأحداث والشئون.
تنبأ طليحة في بني أسد، كما تنبأ الأسود في اليمن ومسيلمة في اليمامة، في حياة النبي، هنالك وجه محمدٌ ضرار بن الأزور إلى عماله على بني أسد يأمرهم بالقيام على كل من ارتد، ونزل المسلمون واردات، ونزل طليحة ومن معه سميراء، وكان عدد المسلمين يزداد، وعدد المرتدين ينقص، لتواتر الأنباء عن نصر المسلمين في شتى الميادين، حتى هم ضرار بالسير إلى طليحة لمقاتلته، ولقد سبقه أحد المسلمين يريد أن يريح من هذا المتنبئ فضربه بالسلاح فنبا عنه ولم يُصبه، وأسرع المحيطون بطليحة فأذاعوا هذا الأمر في الناس وجعلوا يقولون: إن السلاح لا يجوز في نبيهم، وإن المسلمين ليتجهزن لمواجهة هذا الموقف إذ جاءهم النبأ بوفاة رسول الله، فاضطربوا وتناقص عددهم، وهرع الكثيرون منهم إلى طليحة يتابعونه ويؤيدونه، فلما انحازت إليه عبس وذبيان بعد أن هزمهم أبو بكر بذي القصة استغلظ أمره وظن أن لن يُغلب.
اجتمع إلى عبس وذبيان من القبائل ما زاد طليحة قوة، ذلك أن أسدًا وغطفان وطيئًا كان بينهما حلف في الجاهلية من قبل أن يبعث رسول الله، ثم إن أسدًا وغطفان اجتمعتا على طيء فأجلوها عن ديارها، وانقطع بذلك ما بينها وبينهما، فلما مات رسول الله قام عيينة بن حصن الفزاري في غطفان فقال: «ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد، وإني لمجدد الحلف الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة، والله لأن نتبع نبيًّا من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبيًّا من قريش، وقد مات محمد وبقي طليحة.» وتابع عيينة قومه على رأيه، فاشتدت بهم شوكة المرتدين حتى فر من كان بينهم من المسلمين إلى المدينة.
اجتمعت هذه القبائل في بزاخة معلنة ردتها وخروجها على سلطان المدينة، وتهيأ أبو بكر فعقد الألوية لقتالهم، وبعث إليهم، كما بعث إلى غيرهم من أهل شبه الجزيرة، بكتابه يهددهم فيه بالقتال والقتل إن لم يعودوا إلى حظيرة الإسلام، وكان خالد بن الوليد هو الموكل بطليحة وبمالك بن نويرة من بعد، فهل أسرع بالسير إليه ليناجزه ويناجز معه كل هذه القبائل؟ كلا! بل أذاع أبو بكر أنه خارج بنفسه على رأس جيش إلى خيبر حتى يلاقي خالدًا فيعينه على جموع المرتدين ثم إنه طلب إلى عدي بن حاتم، وكان قد جاء بالزكاة إلى المدينة كما أسلفنا، أن يذهب إلى قومه طيء يخوفهم عاقبة أمرهم إذا أصروا على ردتهم، ولم يقصد خالد إلى البزاخة من فوره، بل جنح إلى أجأ وأظهر أنه خارج إلى خيبر لينضم إلى جيش الخليفة ثم ينصب الجيشان على البزاخة، وبلغ عدي قومه وقد ذاعت هذه الأنباء في الناس.
وتحدث عدي إلى بني طيء يدعوهم ليرجعوا إلى الإسلام، وليكونوا مع أبي بكر صفًّا، قالوا: «لا نتابع أبا الفصيل أبدًا.» وأبو الفصيل كنية أراد خصوم الصديق أن يسخروا بها من كنيته أبي بكر، هنالك قال عدي: «لقد أتاكم قوم ليبيحن حريمكم، ولتكننه بالفحل الأكبر، فشأنكم به.» وذكر لهم من عدة المسلمين وعددهم ما روعهم وأفزعهم وأراهم الفصيل فحلًا حقًّا، وأنى لهم أن يرتابوا في حديث عدي وقد هزم أبو بكر عبسًا وذبيان ومن ناصرهما حين كانت جيوشه بعيدة عنه على تخوم الروم؟! وفيم يقاتلون أبا بكر وعدي لا يطلب إليهم إلا أن يقيموا على ما كانوا عليه في عهد الرسول؟! وهل تراهم يعرضون أنفسهم وأبناءهم ونساءهم لما عرف عن خالد بن الوليد من شدة وقسوة لغير شيء إلا أن يستبدلوا طليحة بأبي بكر؟!
تحدث بعضهم إلى بعض في هذا، فرأوا أن عديًّا على الحق، وأنه يخلص لهم الرأي ويصدقهم النصيحة، عند ذلك توجهوا إليه بالقول: «إذن فاستقبل الجيش فنهنهه عنا حتى نستخرج من لحق بالبزاخة منا؛ فإنا إن خالفنا طليحة وهم في يديه قتلهم وارتهنهم.» وفرح عدي بما بلغ من إقناعهم، وكر راجعًا إلى السنح فاستقبل خالدًا وقال له: «يا خالد! أمسك عني ثلاثًا يجتمع لك خمسمائة مقاتل لتضرب بهم عدوك، وذلك خير لك من أن تعجلهم إلى النار وتشاغل بهم.» ولم يكن خالد ليخفى عليه، وهو الخبير النابغة في الحرب، أن انسلاخ طيء عن طليحة يضعفه ويفت في عضده، لذلك أمسك ثلاثة أيام عن السير، في حين عاد عدي إلى قومه فألفاهم أرسلوا إلى إخوانهم بالبزاخة أن يأتوهم مددًا يعاونهم على جند المسلمين قبل أن يهاجموا طليحة، وراقت هذه الحجة طليحة، فتركهم ينصرفون إلى طيء، فلما تحدثوا إلى قومهم وتحدث إليهم قومهم برأي عدي اقتنعوا وعاد عدي بإسلامهم إلى خالد.
وارتحل خالد نحو الأنسر يريد جديلة، وتعرض له عدي كرة أخرى فقال له: «إن طيئًا كالطائر، وإن جديلة أحد جناحي طيء، فأجلني أيامًا لعل الله أن ينتقذ جديلة كما انتقذ الغوث.» ولم يتردد خالد في إجابته إلى ما طلب، فذهب إلى جديلة، فلم يزل بهم حتى بايعوه، فجاء خالدًا بإسلامهم، ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب، يقول المؤرخون: فكان عدي خير مولود ولد في أرض طيء وأعظمه عليهم بركة.
بلغت أنباء طيء وجديلة طليحة وهو فيمن بقي معه بالبزاخة، ولست في حاجة إلى أن أذكر ما وهنت هذه الأنباء من عزمه وأضعفت من قوته، لكنه أصر مع ذلك على موقف المقاومة إذا هوجم، وما كان له أن يفعل غير ذلك وإلى جانبه عيينة بن حصن على رأس سبعمائة من فزارة، وهو أشد الناس حنقًا على أبي بكر وحرصًا على توهين سلطان المسلمين، فعيينة هو الذي كان على رأس فزارة في غزوة الأحزاب: وكان صاحب كتيبة من الكتائب الثلاث التي حاولت مهاجمة المدينة بعد اتفاق الأحزاب مع بني قريظة، ثم إنه هو الذي أراد الإغارة على المدينة بعد قليل من هزيمة الأحزاب فصده رسول الله، وحمله على الفرار في غزاة ذي قرد، فإن يكن قد أسلم بعد مواقفه تلك، فإنما أسلم مذعنًا للقوة التي لا تُغلب، أما وقد قبض الله رسوله إليه فلن يرضى عن سلطان أبي بكر. لن يستطيع طليحة إذن أن يرجع عن نبوته بعد أن غادرته طيء وجديلة وهو يعلم أن رجوعه يقلب عليه عيينة ويثير عليه كل من حوله، ويعرض حياته للخطر، فليقم حيث هو، ولينتظر خالد بن الوليد ومن معه، ثم ليكن الأمر بعد ذلك ما يكون.
وأقبل خالد بن الوليد بالناس، فلما رأوا صاحبيهم قتيلين جزعوا وقالوا: سيدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم! ورأى خالد ما بأصحابه من الجزع فآثر ألا يواجه بهم عدوهم حتى تطمئن نفوسهم، لذلك انحرف إلى طيء، واستنفر بمعونة عدي كل من استطاع أن يستنفره من رجالها، ورأى المسلمون عددهم يزداد وقوتهم تتضاعف بهذا العدد، فطابت بالحرب نفوسهم، فسار بهم خالد إلى بزاخة ليقضي على طليحة غير وانٍ ولا متردد.
وكانت قيس وبنو أسد متجهزين حول طليحة للقتال، قال قوم من الطائيين الذين انضموا إلى جنود خالد: سألنا خالدًا أن نكفيه قيسًا فإن بني أسد حلفاؤنا، فقال: والله ما قيس بأوهن الشوكتين، اصمدوا إلى أي القبيلتين أحببتم، فقال عدي: لو ترك هذا الدين أسرتي الأدنى فالأدنى من قومي لجاهدتهم عليه، أفأنا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم! لا لعمر الله لا أفعل! فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جميعًا جهاد، لا تخالف رأي أصحابك، امض إلى أحد الفريقين، وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، وكذلك قاتلت طيء قيسًا، وقاتل سائر المسلمين بني أسد.
وكان عيينة بن حصن هو الذي يقود المعركة في جانب طليحة في حين كان طليحة يقيم في بيت من الشعر ملتفًا في كساء له يتنبأ للناس، فلما حمي وطيس الحرب ورأي عيينة قوة خالد والمسلمين كر على طليحة يسأله: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: لا. فرجع عيينة فقاتل، حتى إذا ازداد وطيس الحرب ضرامًا كر راجعًا إلى طليحة يقول: لا أبا لك! أجاءك جبريل بعد؟ قال: لا والله، قال عيينة: حتى متى! والله لقد بلغ منا، ثم إنه رجع إلى الوطيس فرأى خيل خالد تكاد تحيط به وبأصحابه، فرجع إلى طليحة فزعًا يكرر: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال طليحة: إنه قال لي: «إن لك رحًا كرحاه، وحديثًا لا تنساه.» ولم يتمالك عيينة حين سمع الهذر أن صاح: قد علم الله أن سيكون حديث لا تنساه. ثم نادى في قومه: انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب!
وانصرف الناس يولون الأدبار، ومر قوم بطليحة ينادونه: ماذا تأمرنا؟ وكان طليحة قد أعد فرسه عنده وهيأ بعيرًا لامرأته النوار، فلما بصر بالناس يغشونه وينادونه قام فوثب على فرسه ثم حمل امرأته ونجابها، وهو يقول: «من استطاع أن يفعل منكم مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل.»
كانت هذه خاتمة المقاومة التي حاول هذا المتنبئ أن يثبت بها لأبي يكر، بل كانت هذه خاتمة نبوته؛ فقد لحق بالشام وكذبه من قالوا من قبل بنبوته.
واستقر المقام بطليحة في كلب فنزل بها، وعاد إلى الإسلام حين بلغه أن القبائل التي تابعته قد عادت إلى الدين القيم، وخرج بعد ذلك إلى مكة معتمرًا في خلافة أبي بكر، فمر بجنبات المدينة، فذكر بعضهم لأبي بكر مكانه؛ فقال: «ما أصنع به! خلوا عنه فقد هداه الله للإسلام.»
ولما استخلف عمر بن الخطاب أتى طليحة يبايعه؛ فقال له عمر: أنت قاتل عكاشة وثابت! والله لا أحبك أبدًا! قال: يا أمير المؤمنين، ما يهمك من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يُهني بأيديهما. فرضي عمر بيعته، ثم قال له: يا خدع، ما بقي من كهانتك؟ قال: نفخة أو نفختان، ثم رجع إلى قومه فأقام بينهم، حتى خرج إلى العراق فأبلى بها مع المسلمين أحسن بلاء.
انصرف عيينة بن حصن في قومه من بني فزارة وأعلن على ملأ من الناس أن طليحة كذاب، وفر طليحة على فرسه واصطحب امرأته النوار ونصح للناس أن يفروا، أفكان ذلك آخر النضال بين خالد بن الوليد والقبائل التي وقفت في صف طليحة، وبينه وبين القبائل المرتدة في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة؟! قد يتبادر ذلك إلى الذهن، وبخاصة إذا عرفت أن بني أسد قوم طليحة عادوا إلى الإسلام ولم يكن قد أصيب في القتال منهم أحد، لكن الواقع أن خالدًا بقي في عسكره بالبزاخة شهرًا كاملًا، وأنه قاتل من فلول القبائل من بقي على ردته، ومن اجتمع حول أم زمل يمالئها على عصيان أبي بكر وعلى الردة؛ كما قتل من اعتدى على المسلمين بالقتل، وبعث إلى المدينة بمن خرجوا على خليفة الرسول أمثال قرة بن هبيرة، والفجاءة السلمي، وأبو شجرة بن عبد العزى السلمي، فدخلوها أسرى حتى أنفذ أبو بكر فيهم أمره.
يجمل بنا قبل أن نقص نبأ أم زمل وسائر المرتدين فلول جيش طليحة، أن نقف هنيهة وأن نسأل: ما بال هؤلاء القوم لم يرجعوا إلى الإسلام كما رجع بنو أسد قوم طليحة وأعرف الناس به؟! أفلا يقتضيهم العقل بعد ما تبينوا كذبه أن يكونوا مع المؤمنين بنبوة محمد ورسالته؟ لقد أسلفنا جوابًا على مثل هذا السؤال، فأكثر هؤلاء العرب إنما أذعنوا لنبوة محمد ولو يؤمنوا بها، وكثير منهم من رأى من عبادة الأصنام هزؤًا فعدل عنها إلى عبادة الواحد الأحد، لكنهم رأوا فيما فرضه عليهم محمد من التكاليف بحكم هذه العبادة ما لا تطمئن إليه طبائعهم، فرأوا أن من الحق لهم أن يتحللوا منه، وقد صارحوا أبا بكر بهذا في أمر الزكاة؛ لأن حب الناس المال أقوى في نفوسهم من كل شيء غيره، لكنهم كانوا يودون لو تحللوا من الصلاة ومن سائر التكاليف التي فرضها الإسلام عليهم، وهم إنما اتبعوا طليحة، واتبعوا مسيلمة، واتبعوا غير هذين، ليحطوا عن عواتقهم ما فرضه الإسلام عليهم، فإذا ثبتوا بعد فرار طليحة وأرادوا مواجهة خالد فذلك لأنهم يأملون في نصر يجعل أبا بكر يصالحهم على النزول عن بعض هذه التكاليف، ويحقق لهم ما كانوا يرجونه من مصانعة طليحة.
وثم سبب آخر يتصل بنفسية البدو والأعراب ومن إليهم جعلهم لا ينفضون بفرار طليحة، فقد كانت بينهم وبين المهاجرين والأنصار ثارات قديمة من عهد الرسول تناسوها حين تغلب عليهم فأذعنوا لسلطانه وأظهروا الرضا بأمره، وإنما كان شأنهم في ذلك شأن المغلوب يرضى كارهًا، فإذا أتيحت له فرصة للثأر اقتنصها ولم يفتها، وهذه فرصة تهيأت تعيد للأذهان يوم الأحزاب وغزوة الخندق، ولقد كانت المدينة موشكة أن تفتح أبوابها للأحزاب لولا الريح الصرصر العاتية التي جعلتهم يولون منها فرارًا ويمتلئون رعبًا، فليهتبلوا هذه الفرصة التي أتاحتها المقادير لمواجهة خالد وليثبتوا له، لعلهم يكونون أحسن حظًّا مما كانوا على عهد محمد، وعلهم يستعيدون لقبائل البادية ذلك الاستقلال العزيز عليها بعد أن تقلص ظله أو كاد.
ولو أن القبائل كلها حركتها هذه العواطف البدوية لدق موقف خالد والذين معه، لكنك قد رأيت طيئًا تنحاز مع من انحاز إلى طليحة، ثم لا تلبث حين يخاطبها عدي بن حاتم أن تعود إلى الإسلام، وأن تنضم إلى خالد وأن تحارب في صفه، وأن تدخل على طليحة من الفزع ما كان بين الأثر في هزيمته، ولقد حدث مثل ذلك بعد أن فر طليحة وانخذل عيينة في بني فزارة. كانت بنو عامر تقدم للردة رجلًا وتؤخر أخرى، تنتظر ما يصير إليه أمر قيس وبني أسد، فلما هزمهم خالد ودارت عليهم دائرة السوء، أقبلت بنو عامر يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، وبايعهم خالد على ما بايع عليه أهل البزاخة من أسد وغطفان وطيء قبلهم؛ فكان لعودهم إلى الإسلام أثره فيمن سواهم من القبائل، كما كان لعود طيء إلى الإسلام أثره في طليحة ومن انحازوا إليه.
ثم إن خالدًا أخذ الذين قتلوا المسلمين من مختلف القبائل بشدة أورثت القلوب الرعب، فهو لم يقبل من غطفان وهوازن وسليم وطيء حين وادعهم إلا أن يجيئوه بالذين قتلوا وحرقوا ومثلوا وعدوا على المسلمين الذين كانوا بينهم حين ردتهم، فلما جيء بهم صفح عن الأذناب، وأخذ الزعماء منهم، وبينهم قرة بن هبيرة، فأوثقهم؛ ومثل بالذين عدوا على المسلمين، فأحرقهم بالنيران، ورمى بهم من الجبال، ونكسهم في الآبار، ورضخهم بالحجارة، وجعلهم عبرة لمن يعتبر، أما قرة بن هبيرة وعيينة بن حصن فبعث بهما مع طائفة من الأسرى إلى أبي بكر، وكتب إليه يقول: «إن بني عامر أقبلت بعد إعراض، ودخلت في الإسلام بعد تربص، وإني لم أقبل من أحد قاتلني أو سالمني شيئًا حتى يجيئوني بمن عدا على المسلمين، وقد قتلت المعتدين كل قتلة، وبعثت إليك بقرَّة وأصحابه.»
ولم تأخذ أبا بكر في الذين قتلهم خالد شفقة أو رحمة، بل رأى فيهم أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء دينه الحق، فكتب إلى خالد يقول: «ليزدك ما أنعم الله به عليك خيرًا، واتق الله في أمرك؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، جد في أمر الله ولا تنثنين، ولا تظفرن بأحد قتل المسلمين إلا قتلته ونكلت به جهرة، ومن أصبت ممن حاد الله أو صاده ممن ترى في قتله صلاحًا فاقتله.» ذلك ما كتبه أبو بكر رقيق القلب لين الطبع إلا فيما يغضب الله ورسوله، فلما بلغ كتابه خالدًا أمعن في سياسة الإرهاب التي بدأها، وطال مقامه على البزاخة شهرًا يصعد عنها ويصوب إليها في طلب المعتدين على الإسلام والمسلمين، فمنهم من أحرق، ومنهم من رمي به من رءوس الجبال، ومنهم من رجم بالحجارة.
على أن أبا بكر اتخذ في معاملة الأسرى الذين جاءوا إلى المدينة سياسة ليست كسياسة خالد بأسًا وشدة، فقد رأيت ما كان من عيينة بن حصن ومحالفته طليحة وقتاله المسلمين، وقد جاء مع قرة إلى المدينة في الأسرى ويداه مجموعتان بحبل إلى عنقه، وكان غلمان المدينة ينخسونه بالجريد ويقولون له: أي عدو الله، أكفرت بعد إيمانك! فيقول: والله ما كنت آمنت بالله قط، ومع ذلك تجاوز عنه أبو بكر وحقن له دمه، فاتقى بذلك شر بني فزارة معه.
أما قرة بن هبيرة فكان في بني عامر، وقد مر به عمرو بن العاص عائدًا من عمان إلى المدينة فنزل عليه، وقومه يقدمون للردة رجلًا ويؤخرون أخرى، فلما أراد عمرو الرحلة خلا به قرة فقال: «يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة، فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم.» وأجابه عمرو: «أكفرت يا قرة؟ أتواعدنا بالعرب وتخوفنا بها!» فلما أرسل خالد قرة أسيرًا إلى المدينة وجيء به إلى أبي بكر، وقال: «يا خليفة رسول الله، إني قد كنت امرأً مسلمًا، ولي من ذلك على إسلامي عند عمرو بن العاص شهادة، قد مر بي فأكرمته وقربته ومنعته.» فدعا أبو بكر عمرًا وسأله عن قرة وأمره، فقص عليه الخبر، حتى إذا انتهى إلى أمر الصدقة وما قال عنها اعترضه قرة قائلًا: حسبك يرحمك الله! قال عمرو: لا والله، حتى أبلغ له كل ما قلت، فلما أتم عمرو كلامه ابتسم أبو بكر وتجاوز عن قرة وحقن دمه.
لم تكن سياسة الصفح سياسة هوادة أو تردد من أبي بكر، بل كان المقصود منها تسكين الثارات ما كان في تسكينها للإسلام والمسلمين خير، أما فيما خلا ذلك فلم يكن اللين يعرف إلى قلب أبي بكر سبيلًا ما اتصل الأمر برسالة محمد. كان علقمة بن علاثة من بني كلب قد أسلم ثم ارتد في زمن الرسول ولحق بالشام، فلما توفي محمد أقبل مسرعًا حتى عسكر في بني كلب، وبلغ ذلك أبا بكر، فبعث إليه القعقاع بن عمرو وأمره أن يسير حتى يغير عليه لعله أن يأخذه أو يقتله، وقال له: «واعلم أن شفاء النفس الخوض فاصنع ما عندك.» وخرج القعقاع في رجاله، فلم يثبت له علقمة وفر راكضًا، وأسلمت امرأته وبناته ومن أقام من الرجال، وجحدوا أن يكونوا مالئوه، ورجع علقمة إلى أبي بكر تائبًا، فقبل منه وحقن دمه؛ لأنه لم يقاتل المسلمين ولم يقتل منهم.
لكنه لم يقبل من الفجاءة إياس بن عبد ياليل ولم يحقن دمه، فقد قدم الفجاءة هذا على أبي بكر فقال له: أعني بسلاح ومرني بمن شئت من أهل الردة، فأعطاه سلاحًا وأمره بما شاء أن يأمره به، لكن الفجاءة شنها غارة في سليم وعامر وهوازن على المسلمين والمرتدين على سواء، وقتل من المسلمين من قتل، عند ذلك أرسل أبو بكر طريفة بن حاجز في رجال قاتلوا الفجاءة ومن معه وجاءوا به أسيرًا، فأمر أبو بكر فأوقدت له نار في مصلى البقيع على حطب كثير، ثم رمي به فيها فمات حرقًا، ولو لم يقتل الفجاءة من المسلمين من قتل لما أصابته هذه الميتة القاسية التي أسف أبو بكر لقسوتها من بعدُ وتمنى لو لم تكن كذلك.
قبل أن نختم هذا الفصل بحديث أم زمل نورد قصة أبي شجرة بن عبد العزى؛ فهو بحديث عيينة وقرة وعلقمة أشبه، كان أبو شجرة هذا ابن الخنساء الشاعرة صاحبة المراثي الفياضة في أخيها صخر، وكان شاعرًا مثلها، وقد لحق بأهل الردة وجعل يقول الشعر في تحريضهم على المسلمين وقتالهم، وكان مما قاله في ذلك قصيدة جاء فيها:
فلما رأى تحريضه على خالد لم يُثمر ورأى الناس يرجعون إلى الإسلام رجع إليه، وقد قبل منه أبو بكر وعفا عنه فيمن عفا عنهم، فلما كانت خلافة عمر جاءه أبو شجرة وهو يعطي المساكين من الصدقة يقسمها بين الفقراء، فقال: يا أمير المؤمنين أعطني فإني ذو حاجة، قال عمر: مَن أنت؟ فلما عرفه قال: أي عدو الله! ألست الذي يقول:
ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى طار عدوًا إلى ناقته فارتحلها عائدًا إلى قومه من بني سليم.
تداول الناس أنباء أبي بكر وعفوه عمن رجع إلى الإسلام بعد ردته، فسكنت حدة القبائل التي ناصرت طليحة ثم عادت إلى الإسلام حين هزمه خالد بن الوليد، لكن فلولًا من غطفان وطيء وسليم وهوازن وغيرها تجمعت واجتمعت إلى أم زمل سلمى بنت مالك وعاهدتها أن تقف وإياها في وجهه حتى الموت، ولا شك أن قد كان لهذه الفلول ثارات عند المسلمين، لم تسكن منها الهزيمة ولا سكن منها عفو أبي بكر، هي التي حفزتها إلى التجمع والتعاهد على قتال المستيئس، وما بقاؤها بعد فرار طليحة وانكشاف كذبه لولا هذه الثارات وتحركها في نفسها! وكان لأم زمل عند المسلمين ثأر لم يندمل جرحه رغم مر السنين، فكان من الطبيعي أن تجتمع هذه الفلول حولها وأن تتخذ من ثأرها علمًا ولواء لثاراتهم جميعًا.
وأم زمل هذه هي بنت أم قرفة التي قتلت أيام النبي أشنع قتلة، فقد خرج زيد بن حارثة يوم ذاك إلى بني فزارة فلقيهم بوادي القرى فأصابوا رجاله، وأُصيب هو بجرح مميت حمل على أثره إلى المدينة، فلما برئ رده رسول الله إلى بني فزارة في جيش فقتلهم وأصاب فيهم وأسر منهم، وكانت أم قرفة فاطمة بنت بدر بين الأسرى، وكانت هي التي تحرض قومها في الموقعة الأولى التي أصيب فيها زيد؛ فلما ظفر بها أمر بقتلها فقتلت قتلًا عنيفًا، قيل: إن كل ساق من ساقيها شد إلى بعير ثم دفع كل بعير إلى ناحية فتمزقت، وسبيت ابنتها أم زمل، فوقعت لعائشة أم المؤمنين فأعتقتها، فأقامت عندها زمنًا ثم رجعت إلى قومها، وقد بقي مقتل أمها ماثلًا أمام عينيها يقض مضجعها ألا تجد إلى الثأر له الوسيلة، فلما كانت الردة ارتدت ووجدت من فلول هذه القبائل عونها على أن تأخذ بثأرها لتهدأ ثائرتها وتسكن حفيظتها.
وكانت أمها أم قرفة في عزة ومكانة من قومها، كانت عمة عيينة بن حصن، وكانت زوج مالك بن حذيفة، وكان لها منه أبناء تعتز بهم في بني فزارة، وكان لها جمل تخرج عليه في طليعة قومها إذا خرجوا ليغنموا من قبيلة أخرى، فلما ماتت بقي هذا الجمل لابنتها أم زمل، وكانت ابنتها في مثل عزها، وكان لها من المكانة في قومها ما كان لأمها، فلما اجتمعت حولها فلول القبائل التي قاتلت أبا بكر وخالدًا ركبت جملها وسارت بينهم وجعلت تدعوهم لحرب خالد وتشجعهم؛ واجتمع مع هذه الفلول كل شريد وكل مضيق عليه، حتى استغلظ أمرها وعظم شأنها.
فلما بلغ ذلك خالدًا وهو فيما هو فيه من تتبع الثائرين وأخذ الزكاة ودعوة الناس وتسكينهم، سار إليها يقاتلها.
والتقى الجمعان وحمي وطيس القتال واشتدت الحرب، وأم زمل على جملها تحرض رجالها وتدفعهم إلى المعركة فيندفعون مستبسلين لا يبالون الموت، حتى لقد أبيدت منهم بيوت بأسرها، ورأى خالد بأس هذه المرأة وشدتها واستماتتها في محاربته فجعل مائة من الإبل لمن ينخس جملها، واندفع فوارس المسلمين نحوها، فإذا من حولها الرجال الأشداء يدافعون عنها ويموتون دونها، ولقد مات حول جملها مائة رجل قبل أن يستطيع فرسان المسلمين الوصول إليه، فلما وصلوا إليه عقروه وقتلوها وقضوا بذلك على فتنتها، فقد فتنت الرجال حقًّا بقوتها وعزها وشجاعتها وشدة تحريضها لهم، ولم تلبث هذه الفلول حين رأوا جملها يعقر ورأوها تقتل أن فترت عزيمتهم وتشتت جمعهم، ففروا مولين الأدبار لا يعقبون، بذلك خبت نار الفتنة وقضي على الردة في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة، وما عسى أن يبقى منها وقد فر رءوسها أو طاحت رءوسهم فلم تبق منهم باقية!
أَوَلم يكن هذا المثل الذي ضربه أبو بكر يكفي العرب كي يرجعوا في سائر الأنحاء من شبه الجزيرة إلى الإسلام؟! لقد رأوا جنوده تسير إليهم من كل صوب، بقصد كل لواء منها إلى حيث أمره خليفة رسول الله، وقد ترامت إليهم أنباء خالد بن الوليد وعرفوا مصير طليحة؛ لكنهم أبوا مع ذلك أن يذعنوا، إنهم رأوا نبي قريش ينشر في العرب لواءه، ويمد عليهم سلطانه، فلم لا يكون لكل قبيلة نبي يرد عنها قريشًا إن لم ينشر في مختلف القبائل لواءها؟! ونسيت القبائل ونسي الذين ادعوا النبوة فيها أن محمدًا قام في قريش يدعوها إلى الله لا يريد فيها سلطانًا ولا يبتغي منها جزاء ولا شكورًا، وأنه قام بأمر ربه فقضى عشر سنوات في جهاد أي جهاد، يؤذيه أهله وتناصبه مكة كلها العداوة، وتتعرض حياته وحياة من اتبعوه للخطر، ويأتمر به خصومه ليقتلوه، ويخرجه من دياره مهاجرًا إلى المدينة، حتى أذن الله لدينه الحق أن ينتشر بين العرب، وجاءت الوفود من كل صوب تعلن إلى النبي إسلامها، نسي الذين ادعوا النبوة هذا كله، وخيل إليهم أن بلوغ الغاية التي بلغها محمد أمر يسير، كما نسوا أن محمدًا إنما بالدعوة إلى الحق، وأنهم يدعون النبوة زورًا وبهتانًا، لذلك لم يكفهم أن أخذت أهل الجنوب العزة بالإثم، وادكروا ما كان بينهم وبين الحجاز من قديم الخصومة، وما كان لآبائهم فيه من غزوات توجتها أكاليل النصر، أما وقد أصروا على العناد في ردتهم، فلم يكن بد من أن يردوا عنها إلى الإسلام أو يبوءوا بخزيها ويؤدوا حياتهم ثمنًا لها.
فلينتقل خالد إذن من البزاخة إلى البطاح، ثم لينتقل بعد البطاح إلى اليمامة، فقد خط القدر في لوحه أن يرد سيفه المرتدين إلى الحق، وما خط في لوح القدر لا محالة نافذ.