الْفَصْلُ الرَّابِعُ
(١) سَمَاءُ «تُوتَ»
– لِمَاذَا قُلْتَ يَا أَبَتِ، إِنَّ مَا قَصَصْتَهُ عَلَيْنَا أَمْسِ أُسْطُورَتَانِ (قِصَّتَانِ خَيَالِيَّتَانِ)، وَلَمْ تَسْلُكْهُمَا فِي عِدَادِ الْقَصَصِ التَّارِيخِيِّ، كَأَنَّمَا تَسْتَكْثِرُ عَلَى الْمُصَادَفَاتِ أَنْ تَنْتَهِيَ بِاكْتِشَافِ الزُّجَاجِ؟
– لَسْتُ أَسْتَكْثِرُ عَلَى الْمُصَادَفَاتِ شَيْئًا يَا «ثَرْوَةُ»، وَلَكِنَّ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي أُسْطُورَتَانِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَسْتُ أَشُكُّ فِي أَنَّ خَيَالَهُمَا قَدْ أَبْدَعَهُ قَصَصِيٌّ بَارِعٌ.
وَلَا أَدَلَّ عَلَى تَلْفِيقِهِمَا، وَاسْتِحَالَةِ تَصْدِيقِهِمَا، مِنْ أَنَّ الرَّمْلَ وَالنَّطْرُونَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَذُوبَا وَيَتَحَوَّلَا سَائِلًا بِمِثْلِ هَذِهِ السُّهُولَةِ الَّتِي سَمِعْتُمَاهَا.
فَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ أَنْ تَرْتَفِعَ دَرَجَةُ الْحَرَارَةِ إِلَى حَدٍّ عَظِيمٍ، وَهَيْهَاتَ لِلنَّارِ الْعَادِيَّةِ أَنْ تَصْهَرْهُمَا وَتُذِيبَهُمَا، كَمَا تُحَاوِلُ الْأُسْطُورَتَانِ أَنْ تُوهِمَانَا.
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ، فَلَنْ تَخْلُوَ الْقِصَّتَانِ مِنْ فَائِدَةٍ.
– أَيَّ فَائِدَةٍ تَعْنِي أَكْثَرَ مِمَّا تَحْوِيَانِ مِنْ مُتْعَةِ الْخَيَالِ؟
– كُنْتُ أَتَوَقَّعُ مِنْكَ هَذَا السُّؤَالَ يَا «مَحْمُودُ».
فَاعْلَمْ — يَا عَزِيزِي — أَنَّ الْأُسْطُورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَصَصْتُهُمَا عَلَيْكُمْ أَمْسِ، إِذَا عَجَزَتَا عَنْ إِرْشَادِنَا إِلَى مُخْتَرِعِ الزُّجَاجِ، فَلَنْ تَعْجِزَا عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ قَدِيمَةٌ، نَشَأَتْ فِي غَابِرِ الزَّمَانِ.
وَلَا أَدَلَّ عَلَى إِمْعَانِهَا فِي الْقِدَمِ مِنْ وُرُودِهَا فِي التَّوْرَاةِ؛ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ صِنَاعَةَ الزُّجَاجِ فِي عَهْدِ «مُوسَى» عَلَيْهِ السَّلَامُ.
– وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَكُونَ الْمِصْرِيُّونَ قَدِ اهْتَدَوا إِلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْعَهْدِ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ.
– ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ؛ فَقَدْ كَانَتْ «مِصْرُ» مُزْدَهِرَةً بِالْحَضَارَةِ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَقَدْ وَجَدَ الْبَاحِثُونَ فِي قُبُورِ «طِيبَةَ» وَ«مَنْفِيسَ» زُجَاجَاتٍ وَقَلَائِدَ، صِيغَتْ مِنَ الزُّجَاجِ مُلَوَّنًا وَمُذَهَّبًا وَمُزْدَانًا بِرَوَائِعِ النَّقْشِ وَبَدَائِعِ التَّصْوِيرِ.
– الْآنَ فَهِمْتُ لِمَاذَا سَاوَرَكَ الشَّكُّ فِي صِدْقِ الْأُسْطُورَةِ الَّتِي أَبْدَعَهَا الرُّوَاةُ، لِيُدَلِّلُوا بِهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي انْتَهَتْ إِلَى كَشْفِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ فِي مَدِينَةِ «طِيبَةَ».
– وَالْآنَ عَرَفْنَا السَّبَبَ الَّذِي حَبَّبَ إِلَيْكَ أَنْ تَسْلُكَهُمَا فِي عِدَادِ الْأَسَاطِيرِ.
– كَانَ «أُوزُورِيسُ» — فِيمَا يَتَخَيَّلُهُ الْمُتَخَيِّلُونَ — يَجْمَعُ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَكَانَ بَارًّا بِشَعْبِهِ، مُتَفَانِيًا فِي إِسْعَادِهِ، وَقَدْ حَكَمَ «مِصْرَ» أَعْدَلَ حُكْمٍ، وَأَعَانَتْهُ زَوْجَتُهُ «إِيزِيسُ» عَلَى ذَلِكَ.
وَبَذَلَ الزَّوْجَانِ كُلَّ مَا يَمْلِكَانِ مِنْ جَهْدٍ فِي تَشْجِيعِ الْمَوْهُوبِينَ، وَرِعَايَةِ الْعَامِلِينَ، حَتَّى بَلَغَتْ «مِصْرُ» — فِي عَهْدِهِمَا — مَكَانَةً عَالِيَةً. وَكَانَ ﻟِ «أُوزُورِيسَ» أَخٌ حَسُودٌ!
– لَعَلَّكَ تَعْنِي أَخَاهُ «سِتْ» الَّذِي دَفَعَهُ الْحَسَدُ إِلَى قَتْلِ «أُوزُورِيسَ».
– فَهَلْ تَعْلَمُ مَاذَا صَنَعَتْ «إِيزِيسُ»؟
– اشْتَدَّ حُزْنُهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَظَلَّتْ تُصَلِّي عَلَى جُثَّتِهِ، مُسْتَعِينَةً بِكُلِّ مَا عَرَفَتْهُ مِنْ فُنُونِ سِحْرِهَا، حَتَّى أَعَادَتْ إِلَيْهِ رُوحَهُ.
– وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ، بَعْدَ أَنْ خَتَمَ حَيَاتَهُ فِيهِ.
– فَعَاشَ فِي السَّمَاءِ.
– ثُمَّ وَلَدَتْ «إِيزِيسُ» طِفْلَهَا «حُورَ». فَلَمَّا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ، انْتَقَمَ لِأَبِيهِ مِنْ قَاتِلِهِ، وَجَلَسَ عَلَى عَرْشِهِ.
– مَا أَكْثَرَ مَا نَسَجَهُ الْقَصَّاصُونَ فِي تَمْجِيدِ «أُوزُورِيسَ»!
– فَلَا عَجَبَ إِذَا نَسَبُوا إِلَيْهِ قِصَّةَ «مَدِينَةِ الزُّجَاجِ».
– كَمَا نَسَبُوا إِلَى غَيْرِهِ أَمْثَالَهَا مِنَ الْأَسَاطِيرِ.
– أَتَعْنِي أَنَّ هُنَاكَ أَسَاطِيرَ أُخْرَى عَرَضَتْ لِلْحَدِيثِ عَنِ الزُّجَاجِ؟
– لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ غَلَا بَعْضُهُمْ فِي الْخَيَالِ وَأَسْرَفَ، فَتَمَثَّلَ مَدَائِنَ مِنَ الزُّجَاجِ، وَسَمَوَاتٍ مِنَ الزُّجَاجِ!
– أَتَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ يَا أَبِي؟
– أَذْكُرُ الْكَثِيرَ، وَلَا أَنْسَاهُ.
أَلَمْ تَسْمَعُوا بِأَسْمَاءِ السَّاحِرَيْنِ؛ «تُوتَ»، وَأُخْتِهِ «فُسْتُقَةَ»، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَعْلَامِ الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ، الَّذِينَ حَفَلَتْ بِأَعَاجِيبِهِمُ الْأَسَاطِيرُ؟
أَلَمْ تَسْمَعُوا بِالسَّاحِرِ «رُومَانَ»؛ صَاحِبِ مَدَائِنِ الزُّجَاجِ وَالنُّحَاسِ وَالصَّخْرِ؟
أَلَمْ تَسْمَعُوا بِالسَّاحِرِ «يَاقُوتٍ»؛ صَاحِبِ «مَدِينَةِ الْيَاقُوتِ»؟
– مَا سَمِعْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا يَا أَبِي.
– أَمَّا أَنَا، فَقَرَأْتُ الْكَثِيرَ مِنْ عَجَائِبِ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةِ يَا أَبِي.
– لَعَلَّكَ قَرَأْتَهَا يَا «ثَرْوَةُ»، فِي قِصَّةِ «سَيْفِ الْيَمَنِ».
– مُنْذُ عَامَيْنِ. وَلَا أَزَالُ أَذْكُرُ وَقَائِعَهَا وَأَحْدَاثَهَا، كَأَنَّمَا انْتَهَيْتُ مِنْ قِرَاءَتِهَا الْيَوْمَ.
– مَنْ «سَيْفُ الْيَمَنِ» يَا «ثَرْوَةُ»؟
– هُوَ ابْنُ «ذِي يَزَنَ» مَلِكِ الْيَمَنِ الْعَظِيمِ.
– كُلُّنَا نَعْرِفُ مَنْ هُوَ «سَيْفُ الْيَمَنِ»، وَقَدْ حَفَلَ التَّارِيخُ بِطَائِفَةٍ مِنْ أَخْبَارِهِ، وَلَكِنَّنِي لَمْ أَقْرَأْ هَذِهِ الْقِصَّةَ الَّتِي قَرَأَهَا «ثَرْوَةُ».
– خَبِّرْ إِخْوَتَكَ يَا «ثَرْوَةُ» بِمَا تَذْكُرُ مِنْ قِصَّةِ السَّاحِرِ «تُوتَ» وَأُخْتِهِ السَّاحِرَةِ «فُسْتُقَةَ».
– كَانَ «تُوتُ» وَأُخْتُهُ «فُسْتُقَةُ» — فِيمَا يَقُولُ مُبْدِعُ الْقِصَّةِ — أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ، وَكَانَ «تُوتُ» مَاهِرًا فِي فُنُونِ الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ، وَقَدْ وَقَفَ حَيَاتَهُ الطَّوِيلَةَ عَلَى الدَّرْسِ وَالِاطِّلَاعِ، حَتَّى أَصْبَحَ فِي شَيْخُوخَتِهِ كَبِيرَ السَّحَرَةِ فِي عَصْرِهِ.
ثُمَّ زَيَّنَ لَهُ شَيْطَانُ الْغُرُورِ — حِينَئِذٍ — أَنْ يَدَّعِيَ الْأُلُوهِيَّةَ، فَأَنْشَأَ سَمَاءً مِنْ زُجَاجٍ، وَزَيَّنَهَا بِالْكَوَاكِبِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَتِهِ، فَفُتِنَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَغْبِيَاءِ. وَمَا زَالَ سَادِرًا فِي غَفْلَتِهِ، خَابِطًا فِي ضَلَالَتِهِ، حَتَّى سَمِعَ بِهِ «سَيْفُ الْيَمَنِ»، فَأَسْرَعَ إِلَى قَتْلِهِ، وَتَقْوِيضِ بِنَائِهِ، وَهَدْمِ سَمَائِهِ، وَتَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ وَبَلَائِهِ.
(٢) مَدِينَةُ «تُوتَ»
وَمَدِينَةُ الزُّجَاجِ — فِيمَا تَقُولُ الْأُسْطُورَةُ التُّوتِيَّةُ — مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ، لَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْمَدَائِنِ، يَسْكُنُهَا كَاهِنٌ عَنِيدٌ، لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ.
وَقَدْ بَلَغَ بِهِ الطُّغْيَانُ وَالْعُتُوُّ أَنْ تَمَرَّدَ عَلَى خَالِقِهِ، وَاسْتَجَابَ إِلَى شَيْطَانِهِ، فَادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ.
وَقَدْ صَنَعَ فِي مَدِينَتِهِ الْعَجَائِبَ، وَأَجْرَى فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ عُيُونٍ وَأَنْهَارٍ، وَجَنَّاتٍ حَافِلَةٍ بَأَطْيَبِ الثِّمَارِ، وَأَعْجَبِ الْأَزْهَارِ، وَجَعَلَ فَاكِهَتَهَا — بِسِحْرِهِ — تُثْمِرُ فِي كُلِّ آنٍ، وَأَزْهَارَهَا نَفَّاحَةَ الْعِطْرِ، زَاهِيَةَ الْأَلْوَانِ؛ وَأَقَامَ عَلَى مَدِينَتِهِ سَقْفًا عَالِيًا مِنَ الْبَلُّورِ، عَلَى هَيْئَةِ السَّمَاءِ، يُحِيطُ بِأَرْجَاءِ الْمَدِينَةِ إِحَاطَةَ السِّوارِ بِالْمِعْصَمِ. وَأَدَارَ فِي أَفْلَاكِهَا كَوَاكِبَ وَنُجُومًا، وَأَطْلَعَ فِيهَا شَمْسًا وَقَمَرًا.
وَمِنْ عَجَائِبِ مَا يَرى النَّاظِرُ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ تَنُّورٌ (فُرْنٌ) كَبِيرٌ مِنَ النُّحَاسِ، يَرْتَفِعُ لَهِيبُهُ، فَتَنْدَلِعُ مِنْهُ أَلْسِنَةٌ مِنَ النَّارِ، مُخْتَلِفَةٌ أَلْوَانُهَا.
– مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ التَّنُّورَ يَا أَبِي، بِالتَّنَانِيرِ الَّتِي يُصْهَرُ فِيهَا الزُّجَاجُ!
– مَا أَبْرَعَهَا مُلَاحَظَةً!
– وَأَقَامَ الْكَاهِنُ عَلَى أَسْوَارِ مَدِينَتِهِ ثَلَاثَمِائَةِ تِمْثَالٍ مِنَ النُّحَاسِ، عَلَى هَيْئَةِ الشُّخُوصِ الْآدَمِيَّةِ، وَنَقَشَ عَلَيْهَا طَلَاسِمَ سِحْرِهِ، وَثَبَّتَ فِي أَفْوَاهِهَا أَبْوَاقًا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا رَئِيسًا، صَنَعَ تِمْثَالَهُ مِنَ الْحَدِيدِ، يَحْكُمُهَا وَيُصَرِّفُهَا عَلَى حَسَبِ إِرَادَةِ «تُوتَ»؛ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْفِيلِ الْعَظِيمِ، وَفِي فَمِهِ بُوقٌ كَبِيرٌ، فَإِذَا حَلَّ بِالْمَدِينَةِ غَرِيبٌ، دَبَّتْ فِيهِ الرُّوحُ، وَعَادَتْ إِلَيْهِ الْحَرَكَةُ، فَنَفَخَ فِي بُوقِهِ، فَنَبَّهَ بِذَلِكَ التَّمَاثِيلَ الْأُخْرَى، فَنَفَخَتْ فِي أَبْوَاقِهَا مُجَلْجِلَةً، مُنْذِرَةً أَهْلَ الْمَدِينَةِ، قَائِلَةً: «حَذَارِ يَا أَهْلَ مَدِينَةِ «تُوتَ»؛ فَقَدْ جَاءَكُمْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَهُوَ يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا!»
وَقَدْ أَقَامَ السَّاحِرُ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ تِمْثَالَيْنِ كَبِيرَيْنِ مِنَ الْحِجَارَةِ الصَّلْدَةِ، مَنْحُوتَيْنِ عَلَى هَيْئَةِ أَسَدَيْنِ، تَدِبُّ فِيهِمَا الرُّوحُ كُلَّمَا رَأَيَا عَدُوًّا يُحَاوِلُ الْإِغَارَةَ عَلَى «مَدِينَةِ الزُّجَاجِ»، فَيُسْرِعَانِ إِلَى افْتِرَاسِهِ، بَعْدَ أَنْ يَسُدَّا دُونَهُ مَنَافِذَ الْفِرَارِ، وَيَأْخُذَا عَلَيْهِ مَسَالِكَ الْهَرَبِ.
(٣) سَمَاءُ «فُسْتُقَةَ»
– فَمَاذَا صَنَعَتْ أُخْتُهُ «فُسْتُقَةُ»، بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ «سَيْفُ الْيَمَنِ»؟
– كَانَتْ صَغِيرَةً فِي ذَلِكَ الْحِينِ، فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مُعَاوَنَةِ أَخِيهَا فِي حَرْبِهِ، وَخَشِيَتْ أَنْ يَبْطِشَ بِهَا «سَيْفُ الْيَمَنِ»، فَهَرَبَتْ إِلَى مَكَانٍ قَصِيٍّ (بَعِيدٍ)، وَلَقِيَتْ — فِي أَثْنَاءِ هَرَبِهَا — سَاحِرًا مِنْ أَصْدِقَاءِ أَخِيهَا «تَوتَ».
فَلَمَّا سَأَلَهَا عَنْهُ، أَخْبَرَتْهُ بِمَا صَنَعَهُ «سَيْفُ الْيَمَنِ» مِنْ قَتْلِ أَخِيهَا، وَتَقْوِيضِ عَرْشِهِ، وَهَدْمِ سَمَائِهِ.
فَاشْتَدَّ غَيْظُ السَّاحِرِ مِمَّا سَمِعَ، وَوَعَدَ «فُسْتُقَةَ» بِالِانْتِقَامِ مِنْ قَاتِلِ أَخِيهَا.
وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ قَلِيلٌ، حَتَّى تَزَوَّجَ السَّاحِرُ ﺑِ «فُسْتُقَةَ»، وَظَلَّ يَتَعَهَّدُهَا بِالتَّعْلِيمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، بَاذِلًا جُهْدَهُ فِي تَدْرِيبِهَا عَلَى السِّحْرِ، وَتَمْكِينِهَا مِنْ دَقَائِقِهِ، حَتَّى بَرَعَتْ فِي فُنُونِهِ.
وَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ فَاقَتْ أُسْتَاذَهَا، بِمَا أَضَافَتْهُ مِنْ فُنُونِ سِحْرِهَا، وَلَمْ تَتَوَانَ فِي إِعْدَادِ الْوَسَائِلِ لِلِانْتِقَامِ مِنْ قَاتِلِ أَخِيهَا.
فَلَمَّا تَمَّ لَهَا مَا أَرَادَتْ، تَحَيَّنَتْ فُرْصَةَ غِيَابِ «سَيْفِ الْيَمَنِ» عَنْ مُلْكِهِ — فِي إِحْدَى حُرُوبِهِ الطَّاحِنَةِ — فَذَهَبَتْ إِلَى بَلَدِ أَخِيهَا «تُوتَ»، فَجَلَسَتْ عَلَى عَرْشِهِ، وَأَنْشَأَتْ سَمَاءً مِنَ الزُّجَاجِ أَعْظَمَ مِنْ سَمَائِهِ وَأَطْلَقَتْ عَلَيْهَا اسْمَهُ، وَهِيَ تَحْسَبُ أَنَّ كَيْدَهَا نَاجِحٌ، وَسَعْيَهَا رَابِحٌ.
وَمَا اسْتَقَرَّ بِهَا الْمُقَامُ، حَتَّى نَقَلَتْ سَمَاءَهَا — بِكُلِّ مَا تَحْوِيهِ مِنْ كَوَاكِبَ — إِلَى حَاضِرَةِ عَدُوِّهَا، وَرَاحَتْ تُمْطِرُهَا بِمَا تَحْوِيهِ سَمَاؤُهَا مِنْ صَوَاعِقَ وَرُجُومٍ، وَكَوَاكِبَ وَنُجُومٍ.
– فَهَلْ وُفِّقَتْ «فُسْتُقَةُ» فِي كَيْدِهَا؟
– هَيْهَاتَ أَنْ يُفْلِحَ كَيْدُ الْغَادِرِينَ.
لَقَدْ حَالَفَهَا النَّجَاحُ أَوَّلَ الْأَمْرِ، ثُمَّ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ حَاقَ بِهَا الْغَضَبُ الْإِلَهِيُّ، وَانْتَهَتْ حَيَاتُهَا كَمَا تَنْتَهِي حَيَاةُ كُلِّ بَاغٍ ذَمِيمٍ.
– لَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَغْيَ مَرْتَعُهُ وَخِيمٌ!
– وَكَيْفَ انْتَهَتْ مُؤَامَرَتُهَا؟
– تَصَدَّى لَهَا سَاحِرٌ مِنْ أَعْوَانِ «سَيْفِ الْيَمَنِ»، قَوِيُّ الْجَنَانِ، ثَابِتُ الْإِيمَانِ، فَهَزَمَ بِسِحْرِهِ سِحْرَهَا، وَزَلْزَلَ بِفُنُونِهِ سَمَاءَهَا، وَرَدَّ إِلَيْهَا صَوَاعِقَهَا وَرُجُومَهَا، فَأَهْلَكَهَا بِمَا صَنَعَتْ يَدَاهَا، وَأَهْلَكَ مَعَهَا زَوْجَهَا.
– وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ!
– خَبِّرْنِي يَا أَبِي، مَا بَالُ مُبْدِعِ الْأُسْطُورَةِ يَخْتَارُ لَهَا اسْمَ «تُوتَ»؟
– لَسْتُ أَفْهَمُ مَا تَعْنِيهِ يَا «مَحْمُودُ» بِهَذَا السُّؤَالِ.
– أَلَا تَظُنُّهُ يَعْنِي بِأُسْطُورَتِهِ «تُوتَ عَنْخَ آمُونَ» «فِرْعَوْنَ مِصْرَ» الْمَعْرُوفَ؟
– مَا أَعْجَبَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ خَيَالُكَ يَا «مَحْمُودُ»!
– أَلَيْسَ هَذَا الْفَرْضُ مُحْتَمَلًا؟ وَهَلْ تَسْتَبْعِدُ أَنْ تَلْحَقَ هَذِهِ الْأُسْطُورَةُ بِأَمْثَالِهَا مِمَّا نَسَبُوهُ إِلَى «أُوزُورِيسَ» وَغَيْرِهِ مِنْ فَرَاعِنَةِ «مِصْرَ»؟
– مَنْ يَدْرِي؟ إِنَّهَا — عَلَى كُلِّ حَالٍ — أُسْطُورَةٌ، خَلَطَ الْعَامَّةُ مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ بَيْنَ أَسْمَائِهَا وَأَحْدَاثِهَا. وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ، فَطَالَمَا نَسَبَ الْقُصَّاصُ إِلَى كَهَنَةِ «مِصْرَ» وَفَرَاعِينِهَا طَرَائِفَ مِمَّا أَبْدَعُوهُ مِنَ الْأَسَاطِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِيُدَلِّلُوا بِهَا عَلَى مَا تَمَيَّزَ بِهِ قُدَمَاءُ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ بَرَاعَةٍ وَافْتِنَانٍ فِي صُنْعِ الزُّجَاجِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ.
وَلَوْلَا مَا شَهِدَهُ الرُّوَاةُ مِنْ بَرَاعَتِهِمْ، لَمَا تَمَثَّلُوا قُدْرَتَهُمْ عَلَى إِنْشَاءِ سَمَاءٍ مِنْ زُجَاجٍ، مَصَابِيحُهَا مِنَ النُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ، تَدُورُ فَي أَفْلَاكٍ وَأَبْرَاجٍ.
– كَيْفَ سَبَحَ خَيَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْآفَاقِ الْعَجِيبَةِ؟
– مَنْ يَدْرِي؟ فَكَمْ مِنْ حَضَارَاتٍ قَدِيمَةٍ طُوِيَتْ وَانْدَثَرَتْ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ آثَارِهَا إِلَّا أَخْيِلَةٌ وَأَقَاصِيصُ.
– أَتَعْنِي أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَسَاطِيرُ، إِنَّمَا تُعَبِّرُ عَنْ حَقَائِقَ مَطْوِيَّةٍ، ذَهَبَتْ بِذَهَابِ تِلْكَ الْحَضَارَاتِ؟
– إِلَيْكُمْ مَثَلًا يُوضِّحُ لَكُمْ مَا أَعْنِيهِ:
لَقَدْ بَلَغَتْ حَضَارَتُنَا الْآنَ مَبْلَغًا فَاقَ مَا تَخَيَّلَهُ الْأَقْدَمُونَ، وَأَصْبَحَ لَدَيْنَا مِنْ عَجَائِبِ الْمُخْتَرَعَاتِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِخَيَالِ مُتَخَيِّلٍ، فَإِذَا عَصَفَتْ بِعَالَمِنَا الْأَرْضِيِّ الْمُتَحَضِّرِ — لَا قَدَّرَ اللهُ — حَرْبٌ طَاحِنَةٌ، وَأَطَاحَتِ الْقَنَابِلُ الذَّرِّيَّةُ، وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْمُهْلِكَاتِ، بِالْحَضَارَةِ كُلِّهَا، فَمَاذَا يَبْقَى مِنْ مَعَالِمِ الْحَضَارَةِ؟
– لَا يَبْقَى مِنْ حَقَائِقِهَا، لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ، غَيْرُ أَخْيِلَةٍ وَأَسَاطِيرَ، لَا يَسْتَطِيعُ سَامِعُهَا أَنْ يُصَدِّقَهَا، وَرُبَّمَا حَسِبَ رُوَاتَهَا مِنْ غُلَاةِ الْمُتَخَيِّلِينَ.
– الْآنَ فَهِمْتَ مَا أَعْنِيهِ. وَلَنْ يَجُرُؤَ أَحَدٌ — حِينَئِذٍ — عَلَى إِسْنَادِ عَجَائِبِ الْمُخْتَرَعَاتِ لِغَيْرِ السَّحَرَةِ وَحْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ لَنْ تُصَدِّقَهَا، مَهْمَا أَقْسَمَ شَاهِدُوهَا عَلَى صِدْقِهِمْ فِي رِوَايَتِهَا.
– وَلَهُمُ الْعُذْرُ فِي شَكِّهِمْ وَارْتِيَابِهِمْ، وَلَوْلَا أَنَّنَا نُشَاهِدُ عَجَائِبَ الْعِلْمِ وَمُعْجِزَاتِ الصِّنَاعَةِ بأَعْيُنِنَا، لَحَسِبْنَاهَا أَخْيِلَةَ مُتَخَيِّلٍ، وَأَوْهَامَ وَاهِمٍ.
– لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ يَا أَبِي، وَهَيْهَاتَ أَنْ يُغْنِيَ السَّمَاعُ عَنِ الْمُشَاهَدَةِ.
– وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعَيَانِ.
– لَقَدْ فَتَحْتَ يَا أَبِي، آفَاقًا جَدِيدَةً مِنَ التَّفْكِيرِ، لَمْ تُتَحْ لَنَا مِنْ قَبْلُ.
(٤) سَمَاءُ «رُومَانَ»
– وَلَوْ تَأَمَّلْتُمْ مَا أَبْدَعَهُ الْقَصَّاصُونَ مِنْ عَجَائِبِ الْخَيَالِ، حِينَ تَحَدَّثُوا عَنْ سَمَاءِ «رُومَانَ»، لَرَأَيْتُمْ عَجَبًا.
– لَقَدْ عَرَفْنَا سَمَاءَ «تُوتَ»، وَسَمَاءَ «فُسْتُقَةَ»، فَمَا سَمَاءُ «رُومَانَ»؟
– كَانَ «رُومَانُ»، فِيمَا تُخْبِرُنَا الْأُسْطُورَةُ، مِنْ أَفْذَاذِ السَّحَرَةِ فِي عَصْرِهِ، وَقَدِ اسْتَطَاعَ — بِمَهَارَتِهِ — أَنْ يُنْشِئَ سَمَاءً زُجَاجِيَّةً فَوْقَ حَاضِرَةِ مُلْكِهِ.
فَلَمَّا تَمَّ لَهُ مَا أَرَادَ، عَلَّقَ فِي سَمَائِهِ مَصَابِيحَ مِنَ الْكَوَاكِبِ، تَتَلَأْلَأُ لَيْلًا وَنَهَارًا، كَمَا يَتَلَأْلَأُ الْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالشَّمْسُ. وَوَكَّلَ بِكُلِّ كَوْكَبٍ مِنْهَا مَارِدًا مِنَ الْجِنِّ، يُحَرِّكُهُ وَيُدِيرُهُ.
– لَعَلَّهُ كَانَ يُضِيئُهَا بِالْكَهْرَبَا يَا أَبِي، فَلَا أَسْتَبْعِدُ أَنْ يَكُونَ الْقُدَمَاءُ قَدِ اهْتَدَوْا إِلَيْهَا، ثُمَّ ضَاعَ سِرُّهَا فِيمَا ضَاعَ، وَانْدَثَرَ فِيمَا بَادَ مِنْ حَضَارَتِهِمْ؟
– هُوَ افْتِرَاضٌ يَحْتَمِلُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ، عَلَى كُلِّ حَالٍ.
– وَكَانَ «رُومَانُ»، فِيمَا تَقُولُ الْأُسْطُورَةُ، يَسْكُنُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَالَمِ تُدْعَى «الْفَجَّ الْأَعْظَمَ».
– مَا مَعْنَى الْفَجِّ؟
– هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ الْوَاضِحُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ.
– مَا أَبْرَعَهُ خَيَالًا! لَقَدْ عَرَفَ مُبْدِعُ الْقِصَّةِ كَيْفَ يَخْتَارُ لِسَاحِرِهِ أَلْيَقَ مَكَانٍ لِمَدِينَتِهِ.
– وَلَمْ يَكْتَفِ «رُومَانُ» بِإِنْشَاءِ «مَدِينَةِ الزُّجَاجِ» لِنَفْسِهِ، فَأَنْشَأَ لِوَلَدِهِ «مَدِينَةَ النُّحَاسِ»!
– مَا اسْمُ وَلَدِهِ؟
– اسْمُهُ «سُقْرَاقُ»، وَكَانَ مِثَالًا لِلدَّمَامَةِ وَقُبْحِ الصُّورَةِ، وَقَدْ تَمَثَّلَ رَاوِي الْقِصَّةِ هَيْئَتَهُ عَلَى صُورَةِ ضَبُعٍ بَشِعَةٍ!
– لَقَدْ قَرَأْتُ قِصَّةَ «مَدِينَةِ النُّحَاسِ»، فِي أَسَاطِيرِ «أَلْفِ لَيْلَةٍ»، فَلَمْ أَعْثُرْ فِيهَا عَلَى أَثَرٍ لِهَذَيْنِ السَّاحِرَيْنِ.
– إِنَّ «مَدِينَةَ النُّحَاسِ»، الَّتِي قَرَأْتَهَا فِي «أَلْفِ لَيْلَةٍ»، غَيْرُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ الَّتِي تَقْرَؤُهَا فِي قِصَّةِ «سَيْفِ الْيَمَنِ».
وَلَيْسَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ اشْتِرَاكٌ فِي غَيْرِ الِاسْمِ.
أَمَّا أَبْطَالُهُمَا وَأَحْدَاثُهُمَا وَعَصْرَاهُمَا فَمُتَبَايِنَةٌ أَشَدَّ التَّبَايُنِ، مُخْتَلِفَةٌ أَشَدَّ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ زَعَمَ رُوَاةُ الْقِصَّةِ الْأُولَى أَنَّهَا حَدَثَتْ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَزَعَمَ رُوَاةُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا حَدَثَتْ فِي عَصْرِ «الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ».
– وَلَكِنْ، أَيُّ خَيَالٍ اسْتَوْلَى عَلَى عَقْلِ «تُوتَ» وَ«رُومَانَ» وَ«فُسْتُقَةَ» وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمَغْرُورِينَ، فَزَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الْأُلُوهِيَّةَ؟
– مَتَى سُلِبَ الْإِنْسَانُ الْعَقْلَ لَمْ يُسْتَغْرَبُ مِنْهُ شَيْءٌ!
– قُلْ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَةِ مَا شِئْتَ!
– مَاذَا؟ إِنَّ الْجُنُونَ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي أَيِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ!
(٥) قَمَرُ «الْقَصَّارِ»
– أَتَعْنِي أَنَّ هُنَاكَ مَنِ ادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ، فِي غَيْرِ زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ؟
– هُنَالِكَ كَثِيرُونَ، وَلَعَلَّ «مَحْمُودًا» يَذْكُرُ لَنَا مَا حَدَّثَهُ بِهِ أُسْتَاذُ التَّارِيخِ عَنِ «الْقَصَّارِ الْأَعْوَرِ»!
– مَا مَعْنَى «الْقَصَّارِ»؟
– هُوَ الَّذِي يَدُقُّ الثَّوْبَ وَيَصْبُغُهُ.
– فِي أَيِّ عَصْرٍ نَشَأَ «الْقَصَّارُ الْأَعْوَرُ»؟
– فِي عَصْرِ الْخَلِيفَةِ «الْمَهْدِيِّ».
– وَفِي أَيِّ بَلَدٍ عَاشَ؟
– خَلْفَ «بُخَارَى» وَرَاءَ النَّهْرِ.
– أَكَانَ يُسَمَّى «الْقَصَّارَ الْأَعْوَرَ»؟
– كَانَ يُسَمَّى «ثَوْرَ بْنَ عُمَيْرَةَ»، أَمَّا «الْقَصَّارُ الْأَعْوَرُ» فَهُوَ لَقَبٌ أُطْلِقَ عَلَيْهِ، كَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَقَبُ «الْمُقَنَّعِ».
– لِمَاذَا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّقَبَ؟
– لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا مِنْ ذَهَبٍ، اتَّخَذَهُ لَهُ قِنَاعًا كُلَّمَا خَرَجَ.
– فَمَا حَاجَتُهُ إِلَيْهِ؟
– كَانَ يَتَرَاءَى لَهُمْ بِهِ، لِيُوهِمَهُمْ أَنَّهُ إِلَهٌ.
– كَيْفَ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِذَلِكَ الصُّعْلُوكِ أَنْ يَرْكَبَ هَذَا الْمَرْكَبَ الصَّعْبَ؟
– شَجَّعَهُ عَلَى التَّمَادِي فِي دَعْوَاهُ، مَا وَجَدَهُ مِنْ تَصْدِيقِ الْحَمْقَى وَالْمَجَانِينِ لِمَا ادَّعَاهُ.
– كَيْفَ انْخَدَعُوا بِهِ؟
– عَمِلَ لَهُمْ قَمَرًا فَوْقَ جَبَلٍ، ارْتِفَاعُهُ فَرَاسِخُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فِي الْجَوِّ، تَشْبِيهًا لِلنَّاسِ وَتَلْبِيسًا.
– مِمَّ صَنَعَ قَمَرَهُ؟ أَمِنْ زُجَاجٍ صَنَعَهُ؟
– خَيَّلَهُ لِلنَّاسِ مِنَ انْعِكَاسِ شُعَاعِ الزِّئْبَقِ.
– فَكَيْفَ خُتِمَتْ حَيَاتُهُ؟
– كَمَا خُتِمَتْ حَيَاةُ كُلِّ دَعِيٍّ أَفَّاكٍ.
– لَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَهْلَكَهُ الْخَلِيفَةُ «الْمَهْدِيُّ»، وَعَجَّلَ بِرُوحِهِ إِلَى النَّارِ.
– لَقَدْ لَقِيَ مَا هُوَ جَدِيرٌ بِهِ مِنْ شَقَاءٍ!
– وَحَلَّ بِهِ أَعْدَلُ جَزَاءٍ.