الرسالة الثالثة

حيلة مرآتها
حسناءُ، خالقُها أتَمَّ جمالَها
سألَتْهُ مُعجِزةَ الهوى فأنالها
لما حَبَاها اللهُ جلَّ جلالُه
بالحسن منفردًا أجلَّ جلالَها
تُضنِي المحبَّ كأنَّما أجفانُها
ألْقَتْ عليه فُتورَها ومَلالَها
هيفاءُ قد حسب النسيمُ قوامَها
غصنًا فإن خطر النَّسيمُ أمالَها
سيَّالةُ الأعطاف أين ترنَّحَت
تُطلِقْ لكَهْربة الهوى سيَّالَها
طلبوا لها شَبَهًا يُضيء ضياءَها
لهوى النواظر أو يُدلُّ دلالَها
أمَّا السما فجَلَتْ عليهم بدرَها
والأرض قد عرضت لذاك غزالَها
لكنَّها نظرت فأخجلت الظِّبا
وتلفَّتَت للبدر فاستحيَى لها
هم يطلبون مثالَها فليرقُبُوا
مِرآتها يجدوا هناك مِثالَها

•••

مرآةُ فاتنةِ النفوس وصفحةٌ
تتلو بها أرواحُنا آمالَها
لما عجزنا أن نفصِّل وصفَها
جمعَت لنا مرآتُها إجمالَها
واهًا لمرآة البخيلة لو رَثَت
يومًا فأهْدَت في الجفاءِ خيالَها
تتلألأ الضحكاتُ في جَنَباتِها
فتخالُ ضوءَ الشمس هزَّ صقالَها١
من ثَغْرها؛ من منبعِ النور الذي
نَبَعَتْ به ضحكاتُها فأسالَها
تتنقَّل اللحظاتُ في أنحائها
قَتَّالُها مُستتبِعٌ قتَّالَها
جرحَت بها وبهُدْبِها وكذا الهوى
أبدًا يَعُدُّ من السيوف ظِلالَها
حوريَّةٌ شهدَت لها جنَّاتُها
وجمالُ عينَيها شهادتُها لَها
وكأنَّما المرآةُ من أفُق السما
وكأنها مَلَكٌ يلوح خِلالَها

•••

وقفَت لها يومًا فألقَتْ نظرةً
حَيْرَى تُشابه وعدها ومِطالَها
نظرَتْ بلحظٍ نافذٍ لو أنَّه
لقيَ الإرادةَ نفسَها لَاغتالَها
نظراتِ حواءَ التي أوهَتْ بها
عَزَماتِ آدمَ يوم ضلَّ ضلالها
فرأَتْ على المرآة وجهًا، ظُنَّه
ملَكَ الجمال يُحاولُ استقبالَها
راع المليحةَ منه فرطُ جمالِه
أم راعها أن لا يكون جمالها؟
فرنَتْ بنظرتها إليه تُطِيلها
ورنا بنظرته لها فأطالَها
لحظان لو رَجفَا عليك تراجَفَتْ
كُرَةُ الفؤادِ فزُلزِلَت زلزالَها

•••

نظرَت لها حسنًا إذا ما احتلَّ في
دُوَل النُّهى سلب النهى استقلالَها
ورأَتْ لسحر جفونها ما راعها
ورأتْ لفتك لحاظها ما هالها
فتذكَّرت شمسُ الجمال متيَّمًا
تركَتْه من فرط النحول «هلالَها»
ما زال يشكو «الصدَّ» حتى بغَّضت
في نفسه «صادَ» الحروفِ «ودالَها»
ورأَتْ صفا المرآة يُشبه قلبَه
مهما تُحمِّلْه يكن حمَّالَها
فتنهَّدَت أسفًا عليه وأنشأَت
عَبَراتُ رحمتها تجولُ مجالَها
جزعَت له يُعنَى العنايةَ كلَّها
وتُريه كلَّ ثوابه إهمالَها
حالان خيرُهما وشرُّهما سُوًى
ومن المنافع ما يجرُّ وَبالَها
جهد المقامر أن يحاول حيلةً
ولَكَم أضرَّت حيلةٌ محتالَها
والعمر آمالٌ وما جَلَبَ الشقا
إلا ابتغاءُ الطامعين مُحالَها
إن الذي أعطى النفوسَ عقولَها
جعل القناعةَ للنفوس عِقالَها

•••

جرَتِ الخواطرُ بالمليحةِ لحظةً
شغلَتْ بأحزان المتيَّم بالَها
فبدا عليها بعضُ ما قد ناله
وبدا على المرآة ما قد نالها
ورأَتْ لها وجهًا تغشَّاه الأسى
والحُسْنُ قد منع الأسى أمثالَها
كادَت تقول «رضيتُ عنه» فأمسكت
ومضَتْ على عجلٍ لتُخفيَ حالَها
أوَّاه لو مرآتُها نجحت … ولو
فمُها تبسَّم عند ذاك «وقالَها»
١  صقال المرآة ماؤها ورونقها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤