الفصل الأول
البناء منخفض متين، رمادي اللون، يتكون من أربعة وثلاثين طابقًا فحسب، وقد كُتبت على مدخله الرئيسي هذه العبارة «مركز لندن للتفريخ والتكييف»، كما كُتب على إحدى اللوحات شعار الحكومة العالمية، وهو «الجماعة، والتشابه، والاستقرار».
وتواجه الحجرة الفسيحة في الطابق السفلي ناحيةَ الشمال. وبرغم الصيف القائظ خلف الألواح الزجاجية، وبرغم الحرارة الاستوائية داخل الحجرة نفسها، كنت ترى شعاعًا من الضوء باردًا، قويًّا دقيقًا، يتألق خلال النوافذ وكأنه يتجه في لهفةٍ صوبَ إنسان، أشبه ما يكون بالتمثال الخشبي المدثَّر باللباس، أو صوْبَ رجل عالم شحب لونه واقشعرَّ بدنه، ولكنه لا يسطع إلا على الزجاج والنيكل وخزف المعادن، الذي لا يكاد يتميز بلونٍ من الألوان، وكل ما بالمكان ينمُّ عن مظاهر الشتاء. أما العمال فيرتدون ثيابًا بيضاء، ويغطون أيديهم بقفازات من المطاط لونها شاحب باهت، والضوء بارد لا حياة فيه، وكأنه شبحٌ من الأشباح، وهو لا يستمد مادة حيوية كثيفة من نوعٍ ما إلا إن نظرت إليه خلال مواسير المناظير المكبِّرة، فتراه يقع على الأنابيب الصقيلة كأنه الزُّبد، طبقة تعلوها طبقة شديدة الحلاوة، ثم يرتد الضوء فوق مناضِد العمل.
وفتح المدير الباب قائلًا: «هذه هي حجرة التَّلقيحِ.»
وعندما دخل الغرفة مدير التفريخ والتكييف كان بها ثلاثمائة ملقح، مُنكبِّين على آلاتهم ومستغرقين في صَمتٍ تكاد تنقطعُ فيه الأنفاس، ومنهمكين في عملهم أشدَّ الانهماك، عقولهم شاردة، يناجون أنفسَهم وهم يغنُّون أو يصفِرون، وسارت في إثر المدير جماعةٌ من الطلبة الذين وصلوا حديثًا، وهم شباب أحداثٌ من ذوي البشرة الحمراء المَلساء، ترتعد فرائصُهم ويحسُّون بالوضاعة، وكل منهم يحمل كراسة يدوِّنُ فيها على عجل — وهو قانط — كلَّ ما يتفوه به الرجل العظيم، يأخذون عنه مباشرة، وتلك ميزة نادرة، وكان مدير التفريخ والتكييف هذا لمنطقة مركز لندن يهتم أشدَّ الاهتمام دائمًا بمرافقة طَلبته الجُدد خلالَ الأقسام المختلفة.
«وذلك لكي يعطيهم فكرة عامة» كما يقول وهو يشرحُ لهم؛ إذ كان لا بدَّ لهم — بطبيعة الحال — من فكرةٍ عامَّة من نوعٍ ما، إن كانوا يريدون أن يؤدُّوا عملَهم بذكاء. ولتكن تلك الفكرة العامة يسيرةً ما أمكنَ ذلك، إن كانوا يريدون أن يكونوا في المجتمع أعضاءً طيبين سعداء؛ لأن التفصيل — كما يعلم كلُّ امرئٍ — يؤدي إلى الفضيلة والسعادة، في حين أن التعميم شر عقلي لا بد منه، فأساس المجتمع يتألف من النشارين وجامعي الطوابع ولا يتألَّفُ من الفلاسفة.
ثم يقول المدير، وهو يبتسم لهم بابتهاجٍ لا يخلو من شيءٍ من التهديد: «غدًا تستقرُّون في العمل الجدي، ولن يتسع لكم الوقت لدراسةِ النظريات، أمَّا الآن …»
وكانت تلك فرصة طيبة لهم، يدوِّنون في مذكراتهم رأسًا من فمِ الرجل، ويُسرعون في الكتابة كأن بهم مسًّا من جُنونٍ.
ولبث المدير متَّكئًا على الحاضنات، ثم شرع يعطِي للطلبة وصفًا موجزًا لطريقة التلقيح الحديثة، وأقلامهم تنطلق على الصفحات بخطٍّ غير مقروء، وتحدَّثَ بطبيعة الحال أول الأمر عنها من الناحية الجراحية قائلًا: «إن العمليةَ الجراحيةَ تُجرى طوعًا لمَصلحة الجماعة، ولست بحاجة أن أذكر لكم أنها تأتي بمكافأة تبلغ راتبَ ستة شهور.» ثم واصل الحديث بشيءٍ من التفصيل عن الطريقة الفنية لحفظ المبيضِ المستأصَل حيًّا، بحيث ينمو نموًّا سريعًا، ثم انتقل إلى الكلام عن درجة الحرارة الملائمة، وعن المُلُوحة واللُّزوجة، ثم أشار إلى السائل الذي تُحفَظ فيه البيضات المنفصلة الناضجة، ثم سار بطلَبته إلى مناضد العمل، وأراهم فعلًا كيف يُسحَب هذا السائل من أنابيب الاختبار، وكيف يُسكب قطرةً قطرةً فوق الألواح الزجاجية للمناظير المكبِّرة، تلك الألواح التي أُدفِئت لذلك خصيصًا، وكيف كان البيض الذي يحتويه السائل يُفحَص ويُستبعَد منه ما ليس طبيعيًّا، ثم يُعَد ويُنقَل إلى وعاءٍ ذي مَسام، وكيف يُغمَر هذا الوعاء في حساء دَفِيء يحتوي على حيواناتٍ منوية تسبح بغير قيد وتتجمع — كما يؤكد المدير — بنسبةٍ لا تقل عن مائة ألف في كل سنتيمتر مكعب (وهنا أخذ المدير الطلبة لمشاهدةِ العملية)، وكيف يُرفع الوعاء عن السائل بعد عشر دقائق ويُعاد فحص محتوياته، وكيف تُغمَس في السائل ثانيةً — بل وثالثةً إذا لزم الأمر — كلُّ بيضة بقيتْ بغير تلقيح، وكيف تُعاد البويضات الملقَّحة إلى الحاضنات، حيث يبقى هناك المرقوم منها بالألف أو الباء، حتى تُوضَع نهائيًّا في القوارير. أما المرقوم بالجيم أو الدال أو الهاء فيخرج ثانيةً بعد ستٍّ وثلاثين ساعة فقط؛ لتُجرى عليه عملية بوكانوفسكي.
وكرَّر المدير عبارة «عملية بوكانوفسكي»، ووضع الطلبة خطوطًا تحت هذه الكلمات في دفاترهم الصغيرة.
إذا تطوَّرت البيضة الواحدة إلى جنينٍ واحد، والجنين إلى مراهق كان ذلك أمرًا طبيعيًّا، أما البيضة التي تُجرَى عليها عملية بوكانوفسكي، فإنها تتبرعم وتتكاثر وتنقسم، ويبلغ عدد البراعم التي تخرج من البيضة الواحدة من الثمانية إلى الستة والتسعين، وكل برعم ينمو حتى يصبح جنينًا كامل التكوين، وكل جنين يتطوَّر إلى مراهق ذي حجمٍ تام، وبذلك ينمو ستة وتسعون كائنًا بشريًّا، بدلًا من واحد فحسب كذي قبل، أليس هذا تقدُّمًا؟
واختتم المدير هذا الحديث قائلًا: «إن طريقة بوكانوفسكي هي في أساسها عملية لإيقاف التطور؛ إننا نوقف النمو الطبيعي للبَيْضة، ولكنها — من عجيب المتناقضات — تقابل ذلك بالتبرعم.»
وجرت أقلام الطلبة بهذه العبارة الأخيرة.
ثم أشار المدير إلى فرقةٍ تتحرك ببطء شديد وتحمل رفًّا مليئًا بأنابيب الاختبار، التي تدخل صندوقًا معدنيًّا كبيرًا يخرج منه رف آخر ممتلئ، وقد صدَر عن الآلات صريرٌ خافت. وذكر المدير للطلبة أن الأنابيب تستغرق في هذه العملية ثمانيَ دقائق تتعرض خلالها لأشعة إكس الشديدة، وهي أقصى ما تستطيع البيضة أن تحتمل. وبعض البيض يموت، أما ما تبقى فإن أقلَّه حساسيةً ينقسم قسمين، أما أكثره فينتج أربعة براعم، وبعضه ينتج ثمانية، وكله يُردُّ إلى الحاضنات حيث تبدأ البراعم في النمو، وبعد يومين يُبرَّد فجأةً ويُوقَف نموه، والبراعم بدورها تتبرعم إلى اثنين فأربعة فثمانية، وبعدما تتبرعم تُجرَّع الكحول حتى تكاد تموت، وينجم عن ذلك أنها تتكاثر ثانيةً، وبعدما تتبرعم — برعم من برعم من برعم (لأن إيقاف التبرعم بعد ذلك مميتٌ عادةً) — تُترَك لكي تنمو في هدوء؛ وعندئذٍ تسير البيضة الأولى شوطًا كبيرًا في طريق التكاثر، إلى أي عدد بين الثمانية أجنَّة والستة والتسعين جنينًا. «وأنتم لا شك توافقونني على أن ذلك تحسين هائل في الطبيعة. إننا نحصل على توائم متشابهة، ولكنها ليست توءمين أو ثلاثة فحسب، كما كان يحدث في أيام التوالد السابقة، حينما كانت البيضة تنقسم أحيانًا بطريق الصدفة، إنما هي توائم تُعدُّ بالعشرات في وقتٍ واحد.»
ثم كرَّر المدير كلمة «العشرات» ملوِّحًا بذراعيه، كأنه يوزِّع الهبات.
غير أن أحد الطلبة بلَغَ به الحمقُ أن يسأل عن الفائدة من ذلك.
فرد عليه المدير بحدَّةٍ قائلًا: «أي بني العزيز! ألستَ ترى؟ أفلا ترى؟» ورفع إحدى يديه، وكان رزينًا في تعبيره، ثم قال: «إن طريقة بوكانوفسكي إحدى الوسائل العظمى للاستقرار الاجتماعي!»
وسجَّل الطلبة هذه العبارةَ «الوسائل العظمى للاستقرار الاجتماعي».
بذلك يصبح الرجال والنساء على غرارٍ واحد، ويكونون مجموعات متشابهة، فيمكن للمصنع الصغير أن يقوم بأسره على رجالٍ من إنتاج بيضة واحدةٍ أُجرِيت عليها عملية بوكانوفسكي.
وارتجف صوت الرجل من شدة الحماسة، وهو يقول: «ستة وتسعون توءمًا متشابهًا يديرون ستًّا وتسعين آلةً متشابهة!» ثم أردف قائلًا: «إنكم لا شكَّ تعلمون أين أنتم، وذلك لأول مرة في التاريخ.» وردَّد شعار الكوكب الذي يقطنُه وهو: «الجماعة والتشابه والاستقرار.» ما أعظم هذه الكلمات! ثم قال: «لو استطعنا أن نتوسع في طريقة بوكانوفسكي إلى ما لا نهاية، لَانحلَّتِ المشكلة بأسرها.
فيكون عندنا بيض متشابه من النوع «ﺟ» وبيض لا يختلف من النوع «د»، وبيض موحَّد من النوع «ﻫ»، ويتوفر لنا الملايين من التوائم المتشابهة، وهكذا ينطبق مبدأ الإنتاج الكبير في النهاية على الأحياء.»
ثم هزَّ المديرُ رأسَه قائلًا: «ولكنا للأسف لا نستطيع أن نسير في طريقة بوكانوفسكي إلى ما لا نهاية.
والظاهر أن ستة وتسعين هي الحد الأقصى، وأن اثنين وسبعين متوسط لا بأس به. إنهم يصنعون من المبيض الواحد ومن جاميط الذكر الواحد أكبر عدد ممكن من مجموعات التوائم المتشابهة — وهذا خير ما يستطيعون — وإن يكن لسوء الحظ أقلَّ مما نبغي، ولكنه مع ذلك شاقٌّ عسيرٌ.
لأن المائتي بيضة تستغرق بطبيعتها ثلاثين عامًا كي تبلغ حدَّ النضوج، ولكن من واجبنا أن نقرَّ السكان توًّا وبغير توانٍ، وماذا يعود علينا لو أخذنا نُخرج التوائم خلالَ ربعِ قرن؟
لا فائدة البتة من ذلك ولا شك، ولكن طريقة بدسناب الفنية ساعدتْ إلى حدٍّ كبير على الإسراع في عملية النضوج؛ فهم واثقون من نضوج مائة وخمسين بيضة على الأقل في خلال عامين. إنك إذا لقحت البيض ثم أجريت عليه طريقة بوكانوفسكي — أو بعبارةٍ أخرى: إذا ضاعفته اثنين وسبعين مثلًا — حصلت في المتوسط على ما يقرب من أحد عشر ألفًا من الإخوة والأخوات في مائة وخمسين مجموعة من التوائم المتشابهة، وذلك في خلال عامين من العمر الواحد.
ونستطيع في الحالات الشاذة أن نجعل المبيض الواحد ينتج ما يزيد عن خمسة عشر ألفًا من الأفراد البالغين.»
ثم أشار إلى شابٍّ أشقر الشعر متورد اللون، كان يسير إلى جوارهم مصادفةً في تلك اللحظة، وناداه: «يا مستر فستر.» فاقترب منه الشاب المتورد، وسأله المدير: «هل تستطيع أن تخبرنا عن أكبر عدد ينتجه مبيض واحد يا مستر فستر؟»
فأجاب مستر فستر بغير تردُّد: «ستة عشر ألفًا واثنا عشر في هذا المركز.» وكان يتحدث على عجلٍ شديد، وهو رجلٌ له عَينان زرقاوان يَفيضان بالحيَوية، ويبتهج ابتهاجًا ملحوظًا وهو يدلي بالأرقام، قال: «ستة عشرة ألفًا واثنا عشر في مائة وتسع وثمانين مجموعة من المتشابهات.» ثم جلجل بصوته قائلًا: «ولكنهم بالطبع بذُّونا في بعض المراكز الاستوائية، فسنغافورة كثيرًا ما أنتجت ما ينيف على الستة عشر ألفًا والخمسمائة، وقد بلغت ممباسا فعلًا سبعة عشر ألفًا، ولكنهم في أمثال هذه المراكز يتمتعون بمزايا لا تقوم على أساسٍ من العدل. انظر إلى الطريقة التي يستجيب بها المبيض الزنجي للمخاط! إنها لتدهشك أشدَّ الدَّهَش إذا كنت ممن يألفون العمل بالمواد الأوروبية.» ثم ضحك ولمعت عيناه ببريق المعارضة، ورفع ذقنه متحديًا، وقال: «ومع ذلك فقد اعتزمنا أن نتفوق عليهم إن استطعنا. إنني في هذه اللحظة أعمل بمبيضٍ عجيب من نوع «−د» أتم ثمانية عشر شهرًا من العمر من عهدٍ قريب جدًّا، عندنا الآن أكثر من اثني عشر ألفًا وسبعمائة طفلًا، بعضهم ما يزال جنينًا وبعضهم خرج إلى الحياة، وهم جميعًا أصحَّاء، إننا لا بد متغلبون في النهاية.»
فصاح المدير قائلًا: «هذه هي الروح التي أعجب بها.» وضرب المستر فستر ضربةً خفيفة على كَتِفه، ثم قال: «تعالَ معنا، واشرح لهؤلاء الشبان خلاصة خبرتك.»
وابتسم المستر فستر متواضعًا وقال: «بكل سرور.» ثم انطلقوا.
وكنت تسمع في حجرة القوارير أصواتًا مؤتلفة وترى نشاطًا منظَّمًا، وكانت ترتفع إلى الأرض في مصاعد صغيرة قطعٌ طازجةٌ من بريتون الخنازير، قُطِّعت على الأحجام الملائمة، وأُخرِجت من مخزن الأعضاء في الطابق السفلي. وكنت تسمع صفيرًا ثم طقطقة، وذلك عندما تتفتح أبواب المصاعد. وليس على مبطن القوارير إلا أن يمد يده، ويتناول قطعة من البريتون، ثم يُدخِلها في القارورة في يسرٍ شديد، وقبل أن يتم ضم القارورة إلى ذلك الصف من القوارير الذي لا تجد نهايته، تسمع الصفير والطقطقة عندما تندفع قطعة أخرى من البريتون من الأعماق، وقد أُعِدَّت للانزلاق في قارورةٍ أخرى، كي تنضم إلى تلك المجموعة التي تتزايد شيئًا فشيئًا، حتى لا يكاد يُحصَى عددها.
ويقف الفاحصون إلى جانب المبطنين، وتتقدم مجموعة القوارير، ويُنقَل البيض واحدةً بعد الأخرى من أنابيب الاختبار إلى الأوعية الكبيرة، ثم تُفصَل البطانة البريتونية بمهارةٍ فائقة، وتُوضَع العَلَقة في مكانها، ويُصبُّ محلول الملح … وهكذا تمر القارورة، ويأتي دور واضعي البطاقات، الذين ينقلون من أنبوبة الاختبار إلى القارورةِ نوعَ الوراثة وتاريخ التلقيح وعضوية مجموعة بوكانوفسكي وأمثال هذه التفاصيل، ويسير موكب القوارير بعد ذلك سيرًا بطيئًا، ولم تَعُدْ مجهولةَ الاسم، بل لقد بات كلٌّ منهما مسمًّى معروفًا، ثم تدخل في نافذة في الحائط، حتى تصل بسيرها البطيء إلى حجرة «القضاء والقدر الاجتماعي».
وبينما كان الطلبة يَلِجُون الغرفة، قال لهم المستر فستر، وهو في غِبْطةٍ شديدة: «هنا ثمانية وثمانون مترًا مكعبًا من الفَهارس.»
وعقَّبَ على ذلك المدير قائلًا: «وهي تحوي كلَّ المعارفِ المتصلة بالموضوع.
ويُضمُّ إليها المعارف الجديدة كلَّ صباح.
ويضم بعضها إلى بعضٍ؛ لتنسيق المعرفة كل مساء.
وعلى أساسها تُقدَّر الأعداد.»
وقال المستر فستر: «فنعرف كم فرد من هذا النوع أو ذاك.
وتُوزَّع على أقدارٍ مُختلفة.
ونعرف أحسن نسبة للتحول من وعاءٍ إلى وعاء، في كلِّ لحظةٍ من اللحظات.
ونستفيد في الحال من الكَمِّيَّات الفاسدة، التي لم نكن نتوقعها.»
وكرَّر هذه العبارة المستر فستر، قائلًا: «تستفيد في الحال إذا عرفت كم من الوقت الزائد أدخلت في حسابي بعد زلزال اليابان الأخير!» ثم ضَحِكَ متفكِّهًا وهزَّ رأسه.
«ثم يرسل «رجال القضاء والقدَر» أرقامَهم للملقِّحين.
وهؤلاء يقدمون لهم الأجنةَ التي يطلبون.
ثم تأتي القوارير إلى هذا المكان؛ كي يُكتب لها قَضاؤُها وقدرُها بالتفصيل.
ثم تُرسل بعد ذلك إلى مخزن الأجنة.
إلى حيث نحن الآن ذاهبون.»
وفتح المستر فستر بابًا، وقادهم إلى سُلَّم هبَطوا منه إلى الطابقِ السفلي.
وما زالت الحرارة هناك استوائية، وهبطوا جميعًا إلى مكانٍ؛ جَوُّه أشبهُ ما يكون بالشفَقِ الكثيف، وكان هناك بابان وممرٌّ يلتوي مرتين، كي يكفلوا للمخزن بُعدَه عن إمكان تسرب ضوء النهار.
ودفع المستر فستر البابَ الثاني، وقال في فكاهةٍ ومُجون: «الأجنَّةُ كالأفلام الفوتوغرافية، لا تحتملُ غير الضوء الأحمر.»
والواقع أنَّ الظلام والحرارة والرطوبة التي ولجَها الطلبةُ في إثرِه كانت ملحوظة، وكان الجو قرمزيَّ اللون، وما أشبه هذا الظلام بما ترى العين المغمضة في يومٍ قائظٍ بعدَ الظهيرة، والأجنحةُ البارزة من صفوف القوارير المتعاقبة، والطبقات المتراصَّة من هذه القوارير، كانت كلها تتألَّقُ بالياقوت الذي لا يُعدُّ، وبين الياقوتة والياقوتة تتحرك أطياف مُعتِمة حمراء، من الرجال والنساء من ذوي العيون الأرجوانية اللون، وعليهم جميعًا أعراض مرض السُّلِّ الجلدي.
وكان طنين الآلات ودويُّها يهزُّ الهواءَ هزًّا خفيفًا.
وقال المدير وقد أنهكَتْه كثرة الكلام: «أَعْطِهم بعضَ الأرقام، يا مستر فستر.»
واغتبط المستر فستر بعضَ الاغتباط، وهو يُدْلِي لهم بقليلٍ من الأرقام.
قال: «إن المكان يبلغ مائتين وعشرين مترًا طولًا، ومائتين عرضًا، وعشرة ارتفاعًا.» وأشارَ إلى أعلى، ورفعَ الطلبة أعيُنَهم صوبَ السقف النائي، كما تفعل الفراخُ وهي تحتسي الماء.
وكان بالمكان ثلاث طبقات من الرفوف: إحداها في مستوى الأرض، يعلوها رواقٌ ثانٍ فثالث.
وهذه الأروقة المتراصة مصنوعة من الصُّلب، وشبيهة بنسج العنكبوت، وهي تتلاشى خلال الظلام من جميع النواحي، وبالقرب منهم ثلاثة أشباح حمراء، منهَمِكون في إنزال القوارير من دَرَج متنقل.
وذلك هو السلم المتنقل الذي يخرج من حجرة القضاء والقدر.
وتُوضَع كل قارورة على واحدٍ من الرفوف الخمسة عشر، وكلُّ رف حامل ينتقل بسرعةِ ثلاثة وثلاثين وثلث سنتيمتر في الساعة — ولكن المُشاهِد لا يلحظ هذه الحركة — ويسير مائتين وسبعة وستين يومًا، بسرعة ثمانية أمتار كل يوم، فيكون المجموع ألفين ومائة وستة وثلاثين مترًا، وتلك دورة واحدة حول المخزن في مستوى الأرض، ودورة في الرواق الأول، ونصف دورة في الرواق الثاني. وفي صباح اليوم السابع والستين بعد المائتين يتسرَّب ضوء النهار إلى حجرة التفريغ، وذلك ما يسمونه الوجود المستقل.
واختتم المستر فستر حديثَه قائلًا: «وقد استطَعْنا خلال هذه الفترة أن نفرغ من الكثير منها.» وضحك ضحكة العارف الظافر.
وقال المدير ثانية: «هذه هي الروح التي أعجب بها، دعنا الآن نتابع سيرنا، خبِّرْهم بكل شيء يا مستر فستر.»
وقد خبرهم مستر فستر في التوِّ عن الجنين الذي ينمو على بريتونه المفروش، وأذاقهم المادة الدسمة التي يتغذَّى بها عوضًا عن الدم، وشرح لهم لماذا كان من الضروري أن ننبِّهَه بنبات المشيمة وبإفراز الغدَّة الدرقية. ثم حدَّثهم عن عصارة بعض خلايا المبيض، ثم أطلعهم على المنافذ التي يُحقَن منها بطريقةٍ آلية عند كل جزء من اثني عشر من المتر، وذلك من الصفر إلى ٢٠٤٠، وتكلم بعدئذٍ عن الجرعات المخاطية التي تُزاد باطراد، والتي تُعطَى في الستة والتسعين مترًا الأخيرة من سيرها، ووصف الدورة الدموية الصناعية التي تتسم بها كل قارورة بعد ١١٢ مترًا، وأطلعهم على خزان المادة التي يُستعاض بها عن الدم، وعلى المضخة الطاردة التي تحرِّكُ السائل دائمًا فوق المشيمة ثم تطرُده خلال الرِّئَة الصناعية ومرشِّح الفضلات. وأشار إلى استعداد الجنين للأنيميا، وما يترتب عليه من مشقَّة، وإلى الجرعات الضخمة من خلاصة مَعِدَات الخنازير، وكبد جنين الفرس الذي يتحتم أن نمده به تبعًا لذلك.
ثم أطْلَعَهم على الآلات البسيطة التي تُستخدَم في المترين الأخيرين من كل ثمانية أمتار؛ لهَزِّ الأجنة كلها في وقتٍ واحد حتى تألف الحركة، وأشار إلى خطورة ما يُعرَف ﺑ «دوخة التفريغ»، وعدد الاحتياطات التي تُتَّخَذ لتخفيف أثَر هذه الصدمة الخطرة إلى الحد الأدنى، وذلك بتدريبِ الجنين المحفوظ في القارورة تدريبًا ملائمًا. وحدَّثَهم عن الاختبارات الجنسية التي يقومون بها بعد مائتَيْ متر من الدورة، وشرح طريقة وضع البطاقات: وهي حرف «ت» للذكور، ودائرة للإناث، وعلامة استفهام سوداء على صفحةٍ بيضاءَ للخنثى.
وقال المستر فستر: «لأن التلقيح ليس في أكثر الأحوال — بطبيعة الحال — إلا مضايقة. إن مبيضًا واحدًا من كل ١٢٠٠ يكفي تحقيق أغراضِنا تمامًا، ولكن لا بدَّ لنا من حسن الاختيار، وبالطبع لا بد أن نحسب حسابًا كبيرًا لسلامة المبيض؛ ولذا فنحن نسمح لثلاثين في المائة من إناث الأجنة أن تنمو نموًّا عاديًّا، أما البقية فتُعطى جرعةً من هرمونات الذكور كل ٢٤ مترًا من بقية الشوط، والنتيجة أنها تفرخ خناثًا، وتركيبها طبيعي جدًّا (واعترف أنها تشذُّ فقط في أن لديها ميلًا طفيفًا جدًّا لإرسال اللِّحى) ولكنها عاقر، وعقمها مضمون.» وواصل المستر فستر حديثه قائلًا: «وهذا يؤدِّي بنا في النهاية إلى الخروج من دائرة تقليد الطبيعة تقليدًا أعمى إلى عالم الاختراع الإنساني، وهو أشد تشويقًا للنفوس.»
وفرك يديه؛ لأنهم بالطبع لم يقتنعوا بمجرد تفريخ الأجنة، فأية بقرة تستطيعُ ذلك.
ثم قال: «ونحن كذلك نكتب القدر ونتحكم في الظروف، إننا نفرخ صغارنا كائنات بشرية اجتماعية، من نوع «أ» أو «ﻫ»، ونقدِّر لهم أن يكونوا في المستقبل من العمال الذين يزيلون أقذار المصارف أو …» وأوشك أن يقول: «منظمي العالم.» ولكنه صحَّح نفسه، وقال بدلًا من ذلك: «مديري مراكز التفريخ.»
وقابل المدير هذا الثناءَ بابتسامةٍ.
وكانوا يمرون عند نقطة ٣٢٠ مترًا في الرف الحادي عشر، حينما شاهدوا عاملًا ميكانيكيًّا شابًّا، من نوع «−ب»، يعمل بمفك ومقياس في مضخَّةِ المادة التي تحلُّ محلَّ الدم والخاصة بقارورة كانت تمر به. وكان دوي المحرك الكهربائي يشتد نغمه بدرجاتٍ طفيفة وهو يدير الأزرار، ثم هبطت القارورة إلى أسفل، وأدار العاملُ المفكَّ دورةً نهائية، ورمق بعينه المنضدة الدائرة، وانتهى بعد ذلك من عمله، وتحرك بعدئذٍ خطوتين إلى أسفل، وبدأ العملية نفسها في المضخة التالية.
وأخذ المستر فستر يشرح لهم، قائلًا: «إذا أنقصنا عدد الدورات في الدقيقة الواحدة تقلُّ سرعةُ دوران المادة التي تشبه الدم، فتمر خلال الرئة في فترات أكثر تباعدًا، ويقل مقدار ما يأخذه الجنين من الأكسجين، وليس هناك ما يجعل الجنين أقل من المُستوى المطلوب أكثر من نقص الأكسجين.» ثم فرك يديه.
فتصدى للسؤال طالبٌ نابغ قائلًا: «ولكن لماذا تريدون أن تبقوا الجنين أحطَّ من المستوى المطلوب؟»
وبعد صمتٍ طويل قال المدير: «ألم يطرأ لك، يا حمار، أنَّ الجنين من النوع «ﻫ»، لا بد أن يعيش في وسط «ﻫ»، وأن ينسل أجنة من نفس النوع؟»
ومن الجلي أن هذه الفكرة لم تَرِدْ على خاطرِ الطالب، فارتبك واضطرب.
وقال المستر فستر: «كلما انحطَّ النوعُ قَلَّ الأكسجين. وأول ما يتأثر من الأعضاء المخ ويليه الهيكل العظمي، وإذا كان الأكسجين سبعين في المائة من المقدار المعتاد تكوَّنت الأقزام، أما إذا قلَّ الأكسجين عن سبعين، كانت المخلوقات عجيبةً بغير عيون.»
وأتبع المستر فستر ذلك قائلًا: «وهي لا تُجدِي البتة.»
ثم تحدث بصوتٍ ينمُّ عن الثقة والاهتمام، قائلًا: «إنهم لو اكتشفوا طريقة فنية، يقصرون بها الفترة التي يكتمل فيها النمو، كان ذلك انتصارًا كبيرًا، وفائدة عظمى للمجتمع.
فكِّروا في الحصان.»
ففكَّرَ فيه الطلبة.
«إن نموه يكتمل في السادسة، ويكتمل نمو الفيل في العاشرة، في حين أن الإنسان لا ينضج جنسيًّا إلا في الثالثة عشرة، ولا يتم نموه إلا في العشرين؛ ومن ثَمَّ — بطبيعة الحال — يتأخر نضوج ثمرة كمال التطور — وأقصد الذكاء البشري.»
وقال المستر فستر، وهو جد محقٍّ فيما قال: «ولكننا في النوع «ﻫ» لا نحتاج إلى الذكاء البشري.
إنهم لم يحتاجوا الذكاء ولم يحصلوا عليه، ولكن برغم أن العقل «ﻫ» كان تامَّ النضوج في العاشرة، فإن الجسم «ﻫ» لم يكن ملائمًا للعمل حتى الثامنة عشرة؛ وبذا تنقضي سنوات عدة في حالة عدم النضج، وهي سنوات فائضة عن الحاجة مُضاعة، فلو استَطعْنا أن نسرعَ في التطوُّر الجُثماني حتى يصبح في سرعة نمو البقَر، وفَّرنا على المجتمع الشيءَ الكثير.»
فتمتم الطلبة قائلين: «الشيء الكثير!» وذلك لأنَّ حماسة المستر فستر انتقلت إليهم عدواها.
ثم أصبح كلامه بعد ذلك فنيًّا جدًّا، تحدَّث عن توحُّد الإفراز الداخلي الشاذ، الذي يعمل على بُطء نمو الإنسان، وسلَّم بأن ذلك يرجع إلى تغيُّر النطفة، فهل يمكن تحاشي آثار هذا التغيير النطفي؟ هل يمكن أن يُعاد الجنين من النوع «ﻫ»، بطريقةٍ فنِّيَّة خاصة، إلى حالة الكلاب والأبقار العادية؟ تلك هي المشكلة التي تعسر حلها.
«لقد استطاع بلكنجتن في ممباسا أن ينتج أفرادًا، ينضجون جنسيًّا في الرابعة، ويتم نموهم في السادسة والنصف، وهذا انتصار علمي، ولكنه لا يجدي من الناحية الاجتماعية، فالرجال والنساء في سن السادسة، أغبى من أن يؤدوا عَمَلًا حتى من النوع «ﻫ»، والعملية إما أن تتم كلها، أو لا يكون من ورائها نفع، فإما أنك تفشل في إدخالِ أي تعديلٍ، وإما أن تُدخِل التعديل كله، وهم ما يزالون يحاولون إيجاد الحالة المتوسطة المثالية، بين البالغين في سن العشرين والبالغين في سن السادسة، ولم ينجحوا حتى الآن.» ثم تنهَّدَ المستر فستر وهزَّ رأسه.
وواصلوا تجوالهم خلال الشفَق القرمزي، حتى بلغوا قرابةَ ١٧٠ مترًا على الرفِّ التاسعِ، ومن هذه النقطة وما بعدها، كان الرفُّ التاسع مُحاطًا بسور، والقوارير التي تكونت منها بقية الرحلة كانت مصفَّفة في نوعٍ من أنواع النُّفق، تتخلله هنا وهناك فتحات يبلغ اتساعُ الواحدة منها مترين أو ثلاثة.
وقال المستر فستر: «هنا تكييفُ الحرارة.»
وكانت النُّفق الحارة تتعاقب مع النفق الباردة، وكانت البرودة تقترن بشيءٍ من عدم الارتياح، على صورة أشعة إكس القوية، وعندما يحين وقت التفريغ تشعر الأجنة بفزعٍ من البرد شديد، وقد قُرِّر لها أن تهاجر إلى المناطق الحارة؛ كي يكونوا عمَّالًا في المناجم وغزَّالين للحرير الحمضي، وصُنَّاعًا في الحديد والصلب، وتُرغَم عقولهم فيما بعدُ على الاتفاق مع ما قُدِّر لجسومهم. واختتم المستر فستر حديثه قائلًا: «إننا نكيِّفهم على النجاح في الحرارة، وزملاؤنا في الطابق العلوي يدرِّبونهم على حبها.»
وأضاف المدير على ذلك في إيجازٍ قولَه: «وهذا هو سرُّ السعادة والفضيلة؛ أن تحبَّ ما ينبغي لك أن تعمله. إن عملية التكييف كلها ترمي إلى أن تجعل الناس يحبون مصيرهم الاجتماعي الذي لا مفرَّ منه.»
وفي فجوةٍ بين نفقَيْن، كانت إحدى المربِّيات تَسْبِر برفقٍ غوْرَ المحتويات الهُلامية بداخل قارورة، مارَّة بمحقن طويل دقيق، ووقف الطلبة ومرشدوهم يراقبونها بضع لحظات، وهم صامتون.
وبعدما سحبَتِ المحقنَ أخيرًا واستقامت، قال المستر فستر: «أجل يا ليننا!»
فالتفتت الفتاة في فزَعٍ، ويستطيع الرائي أن يلحَظَ عليها جمالًا غير عادي، برغم مرضها بالسل الجلدي، وبرغم عينيها الأرجوانيَّتَيْن.
وصاحت: «هنري!» وأشرقت عليه بابتسامةٍ رقيقة، وأبانت عن صفٍّ من الأسنان المرجانية.
فتمتم المدير قائلًا: «يا للفتنة!» وربَّتَ عليها مرتين أو ثلاث، ظفِر في مقابلها بابتسامةِ تقديرٍ خصَّتْه بها.
وسألها مستر فستر في نغمة الرجل ذي المهنة الرفيعة: «ماذا تُعطينَهم؟»
فقالت: «مرض التيفود، والنوم المألوف.»
وتصدَّى المستر فستر لشرح ذلك للطلبة، فقال: «إن تطعيمَ عمَّالِ المناطق الحارة يبدأ عند المتر ١٥٠، هنا تكون الأجنة بالخياشيم، إننا نُكسِب السمكةَ المناعةَ ضد أمراض الإنسان في المستقبل.» ثم التفت إلى ليننا وقال: «في الخامسة إلا عشر فوق السطح بعد ظهرِ اليوم كالمعتاد.»
وقال المدير ثانيةً: «إنها لَفاتنة!» وضربها للمرة الأخيرة ضربةً خفيفة، ثم انصرف في إثرِ الآخرين.
وفوق الرفِّ العاشر شهِدوا صُفوفًا من العمال الكيميائيين للجيلِ المقبِل، يُدرَّبون على احتمال الرصاص والصودا الكاوية والقار وغاز الكلور، وكان يمر آنئذٍ عند علامة المتر ١١٠٠ على الرفِّ الثالثِ الجنينُ الأول من مجموعةٍ عددُها مائتان وخمسون من مهندسي الطائرات الصاروخية، وقد استُخدِمت آلات خاصة كي تبقى أوعيتُهم دائرةً بغير انقطاع، وشرح المستر فستر ذلك قائلًا: «هذا لتحسينِ إحساسِهم بالتوازن؛ لأنَّ إصلاح الطائرة الصاروخية من الخارج وسط الهواء عمل دقيق. إننا نبطئ الدورة عندما يرتفعون، حتى يكادوا يموتون جُوعًا، ونضاعف تدفُّق الماء وهم مُنقلِبون، إنهم يتعلمون أن يجمعوا بين الانقلاب وطِيب الحياة، بل إنهم لا يكونون حقًّا سعداء، إلا وهم واقفون على رءُوسهم.
وواصل مستر فستر الحديث قائلًا: «والآن أحبُّ أن أُطلِعَكم على تكييف مشوقٍ جدًّا للأذكياء من درجة «+أ». عندنا طائفة كبيرة منهم على الرفِّ الخامس في مستوى الرواق الأول.» ثم نادى ولدَيْن وقد شرعا يهبِطان إلى الطابق الأرضي.
قال: «إنهما عند المتر ٩٠٠ تقريبًا، إنك لا تستطيع أن تقومَ بعملية تكييف مُجدِية لأصحاب الفكر حتى يفقد الجنين ذَيله. اتبعوني.»
ولكن المدير نظر إلى ساعته وقال: «إنها الثالثة إلا عشر، وإني لَأخشى ألا يتوفر لنا الوقت لنشاهد الأجنة المفكرة، يجب أن نصعد إلى غُرَف الأطفال قبل أن ينهضوا من نومهم بعد الظهر.»
فشعر المستر فستر بشيءٍ من الضِّيق، وتوسَّلَ إليهم أن يُلْقوا على الأقل نظرةً واحدة على حجرة التفريغ.
فابتسم المدير متلطفًا، وقال: «ليكنْ ذلك، وَلْتكنْ نظرة واحدة.»