فكر عامة: منشأ الأسرة الرومانية

إن الأسرة في روما لم تبق على حال واحد، ولم تتصف بصفات واحدة في مختلف العهود. بل هي كغيرها من الهيئات الاجتماعية، والمؤسسات الحقوقية، قد تطورت تطورًا محسوسًا. فإذا جاز أن نعرِّف الأسرة بأنها: «مجموع أشخاص تربط بعضهم ببعض رابطة القرابة»،١ وجب علينا أن ننتبه إلى أن هذه القرابة نفسها لم تكن قائمة على أساس واحد في مختلف الأزمان، ومفترق الأماكن.

فمما لا شك فيه أن الأسرة الرومانية منذ عهد بعيد؛ أي منذ بدء تاريخ الحقوق الرومانية وتأسس المدينة، كان قوامها نظام الأبوة القائم على القدرة الأبوية، والذي يلخص بانتساب الولد فيه إلى أبيه واتصاله من حيث القرابة بأقرباء أبيه فقط، لا بأقرباء أمه. ولكن أكثر المؤلفين في الحقوق الرومانية والمؤرخين والعلماء الاجتماعيين يجنحون إلى الاعتقاد بأن الرومان قديمًا، كأكثر الشعوب في عهد الإنسانية الغابر، قد عرفوا نظام الأمومة في الأسرة، القائم على انتساب الولد إلى أمه، تلك الصلة المادية (الوضع) التي لا تجحد، والتي لا يستطاع الاستناد إلى غيرها في هيئة اجتماعية كان مفقودًا فيها نظام الزواج، على الأقل كما نعرفه الآن إلا من حيث عدم تعدد الأزواج (الرجال). ومن الراجح أيضًا أن نظام الأمومة إنما أعقب نظامًا أقدم عرفته الشعوب في عهودها الأولى، لم يكن الولد فيه ينتسب لا لأبٍ ولا لأمٍّ — لأن ذلك كان متعذرًا؛ إذ الصلات بين الرجال والنساء كانت حرة — بل كان منتسبًا فيه لقبيلة أو عشيرة من العشائر الرحل.

ذكرنا أن قوام الأسرة الرومانية هو القدرة الأبوية؛ أي قدرة زعيم الأسرة الذي كان يسميه الرومان ﺑ «رب العائلة paterfamilias»، فلنبدأ بشرح هذه القدرة الأبوية.
١  جيرار (ذ. س) ص١٣٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤