فريد الدين العطار
(١) بلد العطار
أبو طالب أو أبو حامد محمد بن إبراهيم المعروف بفريد الدين العطار؛ وُلد سنة ٥١٣ﻫ في قرية قرب نيسابور تسمى گدگن، وعاش في نيسابور.
وقد زرت قبره حينما مررت بنيسابور سنة ١٣٥٢ﻫ وهو في بناء مفرد في ظاهر البلد.
نيسابور إحدى مدن خراسان، وخراسان الإقليم الشمالي الشرقي من إيران وكان يقال في العصور القديمة — على اختلاف حدوده باختلاف العصور — لخراسان الحالية وشمالي أفغانستان وقسم من تركستان.
ولا يتسع المجال هنا لبيان مكانة خراسان في العالم؛ شعوبه، وتجارته، وثقافته؛ إذ كانت موصل إيران وآسيا الغربية وأوربا وأفريقية وآسيا الشرقية والشمالية؛ ولكني أكتفي بالإشارة إلى صلة هذا الإقليم بالتصوف، كثير من الصوفية الأولين عاشوا هم أو آباؤهم في هذه البقعة من الأرض؛ فإبراهيم بن أدهم، وشقيق البلخي، وبشر الحافي، وفضيل بن عياض، وأبو يزيد البسطامي، وحاتم بن علوان الأصم، وأبو حفص الحداد، وأبو عثمان الحيري، والقشيري، والغزالي، وأبو سعيد بن أبي الخير، والعطار، وجلال الدين الرومي؛ كل هؤلاء من هذا الإقليم أصلًا أو منشأ.
ومدينة نَسَا في هذا الإقليم كانت تُسمى الشام الثانية؛ لكثرة ما بها من قبور الأولياء، ويقول ياقوت في نيسابور: «معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم أرَ فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها … وقد خرج منها من أئمة العلم ما لا يحصى.»
وكانت خراسان في سلطان السلاجقة حينما وُلد العطار، والقائم بالملك منهم السلطان سنجر (٥١١–٥٢٢) وهو آخر السلاجقة العظام، وكان في حروب مع ملوك خوارزم ومع الغز، وبعد موت سنجر رجحت كفة ملوك خوارزم فاستولوا على خراسان إلى غارات التتار، ولم تكن خراسان موطن العطار في عصره خالية من الحروب والفتن والثورات، وقد أصاب نيسابور حظها من هذه النوائب، وقد ذكر العطار في شعره فتنة الغز التي وقعت سنة ٥٤٨ وخربت فيها نيسابور وأُسر فيها السلطان سنجر، وذكر حوادث أخرى.
(٢) أسرة العطار
لا نعرف من أخبار هذه الأسرة إلا نتفًا قليلة متفرقة، فأبو العطار كان عطارًا، وورث ابنه صناعته، ومن هذا لقبه، ويقول رضا قلي خان في كتاب «رياض العارفين»: إن العطار كان كآبائه ذا ثراء ومكانة، وكان بارعًا في الحكمة الإلهية والطبيعية، وكان له كل حوانيت العطارين في نيسابور.
وفي كتب العطار نفسه كلمات تتضمن بعض أحوال أسرته وأخبارها، ففي كتابه: «أسرار نامه» يقول: إن أباه مات شيخًا هرمًا والعطار صبي. ويقول: «رب ارحم هذا الرجل الطاهر القلب، قد ابيض شعره في الإسلام؛ فلا تتركه في ظلمات اليأس»، ويخبرنا أيضًا أن أباه دعا له وهو محتضر فأمَّنت أمه.
وكانت — كما يقول — رابعة الثانية؛ بل أتقى من رابعة، بقيت تسعةً وعشرين عامًا تلبس حقير الثياب وخشها، وكانت تقطع الليل دعاءً وبكاءً.
فإذا قلنا إن هذه المنظومة — خسرو وكل — نظمت بعد كتاب منطق الطير — إذ ذكر هذا الكتاب فيها — والعطار نظم منطق الطير سنة ٥٧٣ وسنه ٦٠ سنة؛ فقد نظم هذه المنظومة بعد الستين، وقد عاشت أمه إذًا إلى أن بلغ الرجل هذه السن أو جاوزها.
وفي ذكر العطار والديه، وبكائهما والتحسر عليهما ووصفهما بالتقى والزهد ما يبين عن البيت الطاهر الذي نشأ فيه هذا الرجل الصالح.
ولم أجد في كتب التراجم ذكرًا لأولاد العطار ولكني وجدت في كتاب «لسان الغيب» قوله: يا بني استمع لأبيك، وفي كتاب «مختار نامه» رثاء طويل بليغ يتضمن الحسرة البالغة على فقد حبيب مات في سن الثانية والثلاثين، وهو يسميه الحبيب العزيز (يار عزيز) فلعله ابنه.
(٣) سيرة العطار
وكل من ترجموا للعطار أرخوا مولده بسنة ٥١٢ أو ٥١٣ﻫ، إلا أمير علي في كتابه «روح الإسلام» فيذكر سنة ٥٤٥، وهذا غلط لا شك فيه، ومن الأدلة عليه أن الشاعر يتكلم عن السلطان سنجر كلامه عن الأحياء، وسنجر مات سنة ٥٥٢ فلو وُلد الشاعر سنة ٥٤٥ لكان كلامه هذا عن سنجر وهو دون العاشرة من عمره.
ندع هذه الروايات المتناقضة حينًا، ونعمد إلى كتب العطار لعلنا نجد ما يهدينا إلى الحق في هذه المسألة:
ويقول العطار في كتاب «مظهر العجائب» عن نجم الدين كبرى أحد الصوفية العظام في عصره: إنه كان من الأولياء.
ويأخذ الأستاذ محمد القزويني من هذه الجملة أن العطار عاش بعد نجم الدين، وهذا قُتل بأيدي المغول سنة ٦١٨، فينبغي أن يكون الشاعر قد عاش بعد هذه السنة.
ويذكر الأستاذ القزويني أيضًا أن مؤلف كتاب «لباب الألباب» محمد العوفي ذكر فريد الدين العطار كما يذكر الأحياء، وهذا كتاب أُلف سنة ٦١٧؛ فالشاعر عاش إلى هذه السنة.
ويرجح الأستاذ القزويني بهذين الدليلين أن العطار مات سنة ٦٢٧ كما ذكر في إحدى الروايات المذكورة آنفًا.
ويمكن أن يزاد لتأييد هذا الرأي أن شاعرًا كبيرًا وصوفيًّا عظيمًا كالعطار لا يقال عنه: إنه قُتل بأيدي المغول إلا أن يكون قد قُتل بأيديهم حقًّا أو مات في الاضطراب الذي عم البلاد الإسلامية الشرقية إبان غاراتهم، وكانت غارتهم على نيسابور بلد العطار سنة ٦٢٧ كما قدمت.
- (١)
لو عاش العطار إلي سنة ٦٢٧ لكان عمره مائة وخمس عشرة سنة؛ وهذا بعيد.
- (٢)
ذكر العطار سنه في مواضع من كتبه: فذكر الخمسين والستين والسبعين ولم يزد، وهو حين ذكر الستين شكا الضعف ووصف بياض شعره وانحناء قامته؛ فلو عُمِّر هذا العمر الطويل لذكر أسنانًا أعلى من السبعين، ولوصف ضعفه، وهرمه فيها.
فإذا قدَّرنا أن الرجل مات بعد السبعين بقليل فهذا يوافق التاريخ الأول من تواريخ وفاته؛ أعني سنة ٥٨٦، فعمره في السنة ثلاث وسبعون.
- (٣)
ويؤيد هذا التاريخ أنَّا نجد في كتاب «هفت إقليم» لمحمد أمين الرازي هذين البيتين:
شيخ عطار آن فريد روز گارمرشد شاهان وشا هنشاه فقرشد شهيد راه فقر آن رهنماسال تاريخش أزان شد راه فقروترجمتهما:الشيخ العطار فريد الزمان مرشد الملوك وملك الفقر. استشهد في طريق الفقر هذا المرشد. فصار تاريخ وفاته طريق الفقر (راه فقر). وهذا بحساب الجمل = ٥٨٦، وهذه الكلمة أبعد عن التحريف من الأرقام.
وأما قول فريد الدين عن نجم الدين كبرى: إنه كان في الدنيا من الأولياء. فهذا جاء في كتاب «مظهر العجائب» وهو كتاب ينبغي أن يقابل بالشك، ثم الجملة لا تدل دلالة صريحة على أن نجم الدين مات، وقد وصف نجم الدين بعدها بهذه الكلمات: «ولي العصر، سلطان العالم، منبع العرفان، نور الأرواح»، وربما تشعر هذه الأوصاف بأنه يصف رجلًا معاصرًا لم يمت.
وأما «لباب» فكذلك لا يدل كلامه صراحة على أن العطار كان حيًّا حين كتب.
(٤) تركه الطب والصيدلة واعتزاله الناس
وخلاصة القصة أن العطار كان جالسًا يومًا في حانوته في أبهته، وخدمه حوله فجاء مجنون فنظر في الحانوت وتنهد ودمعت عيناه، فأمره العطار أن ينصرف، فأجاب الدرويش: أيها السيد إن حملي خفيف وليس عندي إلا هذه الخرقة ويسير عليَّ أن أفارق هذه السوق عاجلًا (يعني الدنيا)، وخير لك أنت أن تفكر في أحمالك وتتدبر في أمورك. قال العطار: كيف تذهب من هذه السوق؟ فأجاب الرجل: هكذا. وخلع أسماله ووضعها تحت رأسه وأسلم روحه لبارئها.
ليس بعيدًا أن تكون هذه القصة التي تخيلها العطار في مقدمة كتابه ميلاج نامه أوحت القصة التي يرويها دولتشاه وغيره.
وسواء أصحت الرواية أم لم تصح فقد كان العطار صوفيًّا ناسكًا وهو في دكانه قبل أن ينقطع للطريق، وقد نظم وهو عطار منظومتين على الأقل هما «أسرار نامه» و«مصيبت نامه».
(٥) رحلاته
ويقول مترجمو العطار: إنه حينما ترك حانوته صحب الشيخ ركن الدين الأكاف وأمضى في صحبته أربع سنين ثم ذهب إلى مكة وسافر إلى بلدان أخرى، وفي عودته إلى نيسابور لقي في بغداد الشيخ مجد الدين البغدادي فألبسه خرقة الصوفية، هذا كل ما يؤخذ من تراجمه، ولكن في كتبه حوادث متفرقة تعرف ببعض شأنه.
وإن يكن العطار أمضى في رحلاته ثلاثين سنة فأغلب الظن أن هذه الرحلات لم تكن متصلة بل فصلت بينها فترات من الإقامة والاستجمام.
وفي مختار نامه نجد شكواه من السن والنصب والمشقة، ويذكر أسفار ثلاثين سنة ولا يذكر من عمره أكثر من ستين سنة، ويقول أيضًا: إنه طوَّف ثلاثين سنة في سبيل الله، وأقام ثلاثين أخرى على بابه، كأنه يريد أن يقول: إنه حينما بلغ الستين كان قد أمضى في رحلاته ثلاثين عامًا، وأحسب أسفاره الاختيارية وقفت عند هذه المرحلة من عمره.
ولا أستطيع أن أحدد السنة التي بدأ فيها العطار رحلاته ولا أعين الوقت الذي هجر فيه حانوته، ولكني أحزر أنه انقطع للتصوف، وشرع في أسفاره بين الثلاثين والأربعين من عمره؛ ذلكم أنه يقول في كتابه «خسرو وكل»: إنه نظم كتابيه «إلهي نامه» و«مصيبت نامه» في حانوت عطارته.
وهو في «إلهي نامه» يذكر السلطان سنجر ذكر الأحياء، وسنجر مات سنة ٥٥٢، والعطار في هذه السنة يبلغ الأربعين من عمره أو يقاربها، فيمكن أن يحرز إذًا أنه نظم هذه المنظومة وهو عطار قبل الأربعين، فإن استبعدنا أن ينظمها قبل الثلاثين؛ جاز أن نقول: إن الرجل كان لا يزال مقيمًا عاملًا في حانوته حول الثلاثين من عمره، وإن أسفاره بدأت بعد هذه السن، وهذا جهد الباحث في سيرة العطار بهذه الأخبار القليلة، والكلمات المتفرقة التي تشير إلى سيرته.
وكذلك تروى في سيرته واقعة اضطرته إلى مفارقة بلده نيسابور والتطويف في الأرض، والظاهر أنها وقعت لعطار في شيخوخته:
لما كتب مظهر العجائب وبالغ في مدح عليٍّ وتعظيمه، وأسقط أسماء الخلفاء الثلاثة على غير عادته في كتبه، وصرح بتَشَيُّعِه ثار عليه الناس في نيسابور، واتهمه فقيه اسمه السمرقندي بالزندقة، وهاج عليه العامة، واستعدى عليه الوالي برَّاقًا التركماني وأفتى بوجوب قتله، وهجمت العامة على دار العطار وخربوها واستطاع هو أن يهرب وعاد إلى الضرب في الأرض على كبر سنه؛ ذهب إلى مكة حيث كتب كتابه «لسان الغيب» ووصف فيه ما أصابه في هذه المحنة، ولعن الرجل الذي أثار عليه الناس فأخرجه من وطنه على الكبر.
أخذ المغول الشيخ فيمن أخذوا من أهل نيسابور وقد هم مغولي بقتله فسارع إليه أحد مريدي الشيخ وتضرع إليه أن يعفو عن الشيخ الهرم ويقبل فداءه بألف درهم، فقَبِل المغولي؛ ولكن الشيخ نصحه ألَّا يقبل هذه الفدية فإن مريديه يفتدونه بأكثر منها، وجاء مغولي آخر فقال: أنا أفتدي هذا الرجل بمخلاة من تبن، فقال الشيخ: أقبل هذا الفداء فلست جديرًا بأكثر منه. فغضب المغولي الذي أسره وقتله.
(٦) عيشته
كان صوفيًّا ناسكًا قطع من الدنيا علائقه، وعاش زمنًا طويلًا معتزلًا متعبِّدًا متأملًا ناظمًا عقائده وآراءه وتجاربه، والظاهر أن هجرة العطار، وانقطاعه للتصوف أدى به إلى الفاقة، وكان أعفَّ وأزهدَ من أن يسأل الناس المعونة أو يقبل من أحدهم هبة، وحسبنا دليلًا على هذه الدعوى أن نثبت هنا ترجمة أبيات من المنظومة الرائعة «منطق الطير»:
أنا عطار ومانح أدوية؛ ولكن قلبي يحترق والجاحدون لا يشعرون. هأنذا أعاني آلامي وحيدًا، وحينما أضع خبزي اليابس على مائدتي لا أجد إلا دمعي بلالًا، ولا أجد غير قلبي شواء، ولكني أضيف على هذه المائدة جبريل أحيانًا، فكيف أقبل، وجبريل رفيقي، لقمةً من لئيم؟! حسبي بلاغًا خبزي، وحسبي شرفًا قناعتي.
إن الحق كنزي الذي لا يفنى؛ فكيف تأسرني منه؟ كيف أعبِّد قلبي لإنسان أو أتخذ أحدًا سيِّدًا؟ … ما طعمت طعام ظالم، ولا أهديت كتابًا من كتبي إلى غاشم. إنما أمدح نور روحي. ولا غذاء لبدني إلا قوة هذا البدن، لشد ما حررت نفسي من الناس جميعًا.
وإذا تركنا جانبًا الآلام النفسية التي يكثر الشكوى منها نتبين أنه كان يشكو همومًا ومصائبَ حسيةً كما يُفهم من هذه الأبيات:
(٧) طلبه العلم
ليس عندنا أثارة من أخبار العطار في طلب العلم إلا ما رُوي من صحبته بعض المشايخ الصوفية؛ مثل: الشيخ حيدر ومجد الدين البغدادي، ونجم الدين كبرى وألكاف؛ ولكن لا شك أنه — كطلاب العلم من المسلمين في عصره — قرأ القرآن وسمح الحديث، وتعلم الفقه والكلام؛ وما يتصل به من فلسفة، والتاريخ، ولا ريب أن شاعرًا مثله قد درس الأدب وتوسع في درسه، وكتبه شاهدة بسعة اطلاعه في العلوم الإسلامية والأدبية ولست في حاجة إلى أن أقول: إنه تعلم الطب والصيدلة؛ فقد كان صيدلانيًّا وطبيبًا.
ويقول «رضا قلي خان»: إنه أخذ الطب عن الشيخ مجد الدين البغدادي الذي كان طبيب سلطان خوارزم (خوارزم شاه).
ونجده في بعض كتبه ينعي على الفلاسفة والسوفسطائية، والمتكاملين والنطقيين والفلكيين بعد تجربة.
(٨) منزلة العطار بين الشعراء والصوفية
أقدم قبل الكلام عن التصوف — كما أعرب عنه فريد الدين العطار — كلمة تبين للقارئ مكانة الرجل في التصوف الإسلامي والأدبي، فنعرفه بعض التعريف بهذا الرجل الذي لا يعرف عنه قراء العربية شيئًا؛ لئلا يشرع في قراءة فلسفته وهو يجهله كل الجهل؛ وليقبل على القراءة على قدر ما يعرف من مكانة الرجل.
•••
أبين أولًا رأي الرجل في نفسه، والصوفية يكرهون الفخر والمباهاة؛ ولكن العطار — كسائر الشعراء، وكالصوفية في جذباتهم — يعلن أحيانًا اعتداده بنفسه، وفرحه بما أوتي، وإعظامه لما فُتح له من مغاليق الطريق، وتجلى له من أسرارها، وإن كان يعرب أكثر الأحيان عن ذلته وضآلته وعجزه وجهله.
لقد نثرت على العالم يا عطار نوافج الأسرار، مائة ألف كل لحظة، فامتلأت منك آفاق العالم عطرًا، وعشاقه هيامًا وهترًا، لقد كان شعرك مددًا للعشاق، وزينة في الآفاق، وقد ختم عليك كما تجلى على الشمس النور، منطق الطير ومقامات الطيور.
وإن أهل الصور غرقى أقوالي وأهل المعنى أهل لأسراري، وقد زان الدهر هذا الكتاب العجيب، للخاصة والعامة منه نصيب.
•••
والصوفي الكبير عبد الرحمن الجامي صاحب «نفحات الأنس» في تراجم الصوفية يسمي العطار «سيد الطائفة» ويعظمه ويثني عليه ويشيد بكتبه ويقول: إن شعر العطار كان يسمى سوط السالكين، يعني أنه يدفعهم في الطريق، ويحثهم على الجد فيها.
وقصارى القول: إن الصوفية والأدباء يكادون يجمعون على أن العطار وجلال الدين الرومي أكبر الصوفية من شعراء الفرس، وإن يكن جلال الدين أبعد ذكرًا وأوضح طريقة.
وأحسن ما قيل في القياس بينهما ما رواه مؤلف «هفت أقليم» أن صوفيًّا كبيرًا سُئل عنهما فقال: إن الرومي بلغ قمة الكمال — كالنسر — في طرفة عين، والثاني بلغ القمة نفسها، ولكن كالنملة بعد سير طويل ودأب لا يفتر.
(٩) مؤلفات العطار
فهل كان العطار ثرثارًا حقًّا؟ هو مكثر مطيل ولا ريب؛ لكن من يستحسن أن يسمي مثل فريد الدين العطار ثرثارًا؟ نعم، إن المعاني مكرَّرة معادة في مواضيع كثيرة من كتبه، ولكنه فيض التصوف والشعر يخرج من المعنى الواحد مئات الصور، والجذبات تغلبه على لسانه وبيانه.
ويقول دولتشاه: إن مثنويات العطار أربعون ألف بيت. ويقول مؤلف «آتش كده»: إنها مائة ألف، وإنه عد منها خمسين ألفًا. ويقول رضا قلى خان في مجمع الفصحاء: إنها أكثر من هذا.
وكل كتب العطار منظومة إلا «تذكرة الأولياء» في تراجم الصوفية، وإلا مقدمة قصيرة لمنظومته «مختار نامه».
وكُتب العطار يلتبس بعضها ببعض أحيانًا؛ مثل كتابيه «وصيت نامه» و«وصلت نامه»، ويسمى كتاب من كتبه باسمين أحيانًا مثل كتابه «ميلاج نامه» فهو يسمى «حلاج نامه» أيضًا، وقد سمي جزء من «منطق» باسم خاص وجعل كتابًا مستقلًّا اسمه «هفت وادي» أي الأودية السبعة، وهو القسم الذي يصف فيه الشاعر الأودية السبعة التي يقطعها المريد.
وقد أدت كثرة كتب العطار إلى أن نُسبت إليه كتب ليست له مثل «كنز نامه» و«مفتاح الفتوح» كما نُسب إلى الغزالي والسيوطي وسواهما من أصحاب المؤلفات الكثيرة.
ويزاد على هذا كله اختلاف النسخ، وهو أمر شائع في كتب الأدب الفارسي حتى الكتب المعروفة المتداولة التي لقيت من عناية الناس حظًّا عظيمًا.
فلا بد لدارس كتب العطار في المقابلة بينها ومن النقد؛ لتمييز صادقها من منحولها، وسابقها من لاحقها، وصحيح رواياتها من سقيمها، ولا يتسع لهذا كتابنا، ولا هو من مقصدنا هنا، فليس اعتمدت في تفهم شعر العطار وتصوفه على الكتب التي لا شك فيها، والروايات الموثوق بها.
وفيما يلي ثبت ببعض كتب العطار مقتصر على الكتب المتواترة، والكتب التي ذكرها المؤلف في ثنايا كتبه، مرتب على الترتيب التاريخي، واعتمدت في تاريخ الكتب على ما ذكره الشاعر في خواتم بعض كتبه، وعلى ذكر بعضها في أثناء بعض:
-
(١)
خسرو نامه.
-
(٢)
أسرار نامه.
-
(٣)
منطق الطير.
-
(٤)
مصيبت نامه.
-
(٥)
الديوان.
-
(٦)
شرح القلب.
ذكرت هذه الكتب في كتاب مختار نامه.
-
(٧)
مختار نامه.
-
(٨)
إلهي نامه.
ذكرًا مع كتب أخرى في خسرو وكل.
-
(٩)
اشتر نامه، ذكرى في جوهر الذات.
-
(١٠)
جوهر الذات، ذكر في ميلاج نامه.
-
(١١)
خسرو وكل «وهو مختصر خسرو نامه».
-
(١٢)
تذكرة الأولياء.
-
(١٣)
بلبل نامه.
ذكرت مع كتب أخرى في مظهر العجائب.
-
(١٤)
مظهر العجائب.
-
(١٥)
بيسر نامه.
-
(١٦)
ميلاج نامه.
-
(١٧)
حيدري نامه.
-
(١٨)
بند عطار.
-
(١٩)
وصلت نامه.
-
(٢٠)
جمجمة نامه.
-
(٢١)
الصراط المستقيم.
-
(٢٢)
لسان الغيب.٢٩
ذكرت مع أكثر كتبه في كتابه لسان الغيب.
وأَسْيَرُ هذه الكتب «منطق الطير» وهو أجل كتبه، و«بند عطار» وهو كتاب صغير في النصائح والمواعظ تُرجم إلى التركية والعربية، وشُرح مرارًا.