فلسفة الابتسامة
الامرأة كالغرفة، لا أقصد كل الغرف، بل تلك الغرفة الدافئة التي تستميل الإنسان حينما
يدخل فيشعر برفاهيتها وموافقتها له، حتى ينسى كونه غريبًا، وأنه ضيف يسمع كلمات التأهيل
فيظن نفسه في بيته، هكذا الامرأة، إنها تبث ما حولها سحرًا وبشاشة، فيسرع القوم في سكب
عواطفهم أمامها.
لم يكتب أحد حتى الآن تاريخ الابتسامة، والسبب في ذلك أن النساء اللواتي يقدرن على
كتابته
لا يردن أن يكتبنه، بل يحافظن على كتمانه دفعًا لإفشاء أسرار
١ جنسهم، أما الرجال فمن أين يستطيعون إدراك أسرار عميقة كهذه، فهم يجهلون تمامًا
أسباب الابتسامة وأهميتها، كما يجهلون الأشياء المتعلقة بالنساء وحياتهن الجنسية
الداخلية.
قد حادثت بنفسي كثيرًا من مشاهير الأطباء الاختصاصيين في أمراض النساء والدارسين
طبائع
الجنس اللطيف، فكنت أظهر لهم تعجبي مما يعرفونه عن أسرار النساء، ولكني كنت أضحك في سري
على
جهلهم وقلة ما يعلمونه، إنهم يحسنون شق الجسوم للجراحة، كما يصنع الأطفال إذ يبترون
٢ بطون لعيباتهم لينظروا ماذا في داخلها، ثم يخيطون تلك الجسوم بالإبرة
والخيط.
مهما يكن الطبيب النسائي ضليعًا
٣ وحاذقًا، فلا يستطيع أن يكشف ما كتمته النساء فيما بينهن، قد يفهم هذا الأمر كل
من يعلم أن بين الجنسين اللطيف والنشيط عداوة داخلية، وقوة هائلة لا تغير؛ لأن الجنسين
لم
يتفاهما حتى الآن.
لو أخذنا كل الكلمات من معاجم اللغات، واجتهدنا أن نعبر بها، لما استطعنا أن نجسم
بها
ابتسامة واحدة، الابتسامة عند الامرأة كالعلامة السرية عند أبناء الماسونية
٤ كل النساء تستطيع استعمالها بجرأة؛ لأنه ليس أحد سواهن يستطيع فهمها.
الابتسامة لغة لا يعرفها سوانا، الابتسامة كالمرآة، تعكس فضائل كثيرة وفراغًا عظيمًا،
واللبيبات منا يستترن وراء الابتسامة المصطنعة.
الرجال عمومًا لا يتقنون فن الابتسام، بل لا يستطيعون أن يبتسموا، فهم ينظرون إما
بانعطاف
قليل أو كثير، أو بوداعة قليلة أو كثيرة، أو بانشغاف قليل أو كثير، فليس عندهم من الدهاء
ما
يمكنهم من أن يبتسموا ابتسامة حقيقية.
أما النساء اللاتي يتنكرن ببرقع
٥ الابتسامة لا لرصانة وحسن تعقل، فأولئك يخن أنفسهن، ويبحن بأسرارهن، وقد رأيت
نساء كثيرات من هذا النوع، يكشفن كل ما في أنفسهن بابتسامة واحدة.
لا أحد منا يفكر بصوت عال، ولكن كثيرات يبتسمن بدون ارتباك، والبرهان الذي يشهد لنا
بقوة تعاضد
٦ وتكافل جنسنا، هو أننا نلقي ابتسامتنا يمنة ويسرة بدون أن نخشى انفضاح أمرنا أو
نفاذ دهائنا.
هل حدث أن امرأة فضحت سر جنسها؟ كلا، أما سبب هذه الأمانة فهو ليس في شرف العواطف،
بل في
الخوف من أن تفضح الامرأة سرها بنفسها؛ لأن سر جنسها هو سرها.
ولنفرض أن امرأة أرادت أن تكشف كل نفسها، فماذا يصير حينئذ … قد فكرت كثيرًا قبل الآن
في
هذا الأمر، ولم أزل جاهلًا ماذا أقول، ولكنني أظن أن تلك الامرأة تضرب جنسها الضربة القاضية
وتسبب له ضررًا لا يُمحى.
قد اختلط فينا الخير والشر، والإخلاص والتدليس
٧ حتى صعب جدًّا أن يفك أحد خيوطها المتعقدة، ويمسك بأطرافها، ولا يستطيع أحد صنع
ذلك إلا إذا كان ذا شعور أدق من الدقيق، وبديهي أن الرجل لا يصلح لأمر كهذا.
أذكر رجلًا ذا نفس شريفة وميل إلى الخير، يعتقد بمقدرته كل الاعتقاد، خطر له أن يرد
إلى
الطريق القويمة غاوية
٨ قد توغلت في شرور السقوط، فأخذها إلى بيته وعاملها كأخت له، كان يحترمها ويكرس
لها كل أوقات فراغه، ويثق بها كل الوثوق، فتغيرت الفتاة في بادئ الأمر، وافتخر الرجل
بذلك
التغيير الذي طرأ عليها، وصارت تلك التي كانت بالأمس غاوية، من أعف الفتيات، ملأ قلبها
شكر
من أحسن إليها، أمينة خجولة، فعزم منقذها على أن يتزوجها، ولكنه عاد إلى منزله في أحد
الأيام فوجد الفتاة قد هربت وتركت له ورقة مكتوبًا عليها: أشكرك جدًّا، ولكني ضجرت
منك!
وكان ذلك مسببًا من أنه لم يدرك نفسها في كل تلك المدة التي كان عائشًا فيها معها،
ولم
يفهم أنه من الواجب عليه أن يعوض عليها ما انتزعه من حياتها بأشياء تقوم مقامها سوى اللطف
والمؤانسة.