المدينة العظمى
السلم والهاوية لا نهاية لهما في الحياة؛ لأن الدرجة الأولى منهما في المهد، والدرجة الأخيرة في القبر، أينما كان المرء إذن يرى كثيرين من الناس فوقه، وكثيرين تحته، وكلما ارتقى درجة في معالم الفوز والفلاح، يسمع أصواتًا بعيدة تدعوه إلى ما فوقها.
المدينة العظمى هي التي لا تتداخل في شئونها سلطة أجنبية، هي التي يكون كل امرئ فيها تمثالًا للحرية والإخاء، وهي التي يتعلم الأولاد الاستقلال وعزة النفس في مدارسها قبل كل العلوم، وهي التي تكون الصداقة فيها أمرًا مقدسًا، والإخلاص محترمًا كسر من الأسرار الإلهية.
قيل لبعض العرب: من سيدكم؟
قالوا: فلان.
قيل: بِمَ سادكم؟
قالوا: احتجنا إلى علمه واستغنى عن دنيانا.
وبين العرب من كان أعظم منه، دخل ابن العباس على علي بن أبي طالب خارج الكوفة وهو يقطب نعله، فقال له: ما قيمة هذا النعل؟
فقال ابن العباس: لا قيمة له.
فقال له علي: لهي أحب إليَّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقًّا أو أدفع باطلًا.
فالمدينة العظمى، هي التي يكثر فيها مثل هؤلاء الرجال العظام الصالحين.