تحدَّث إلى بروتيناتك
في عام ١٩٩٦، نشرتُ بحثًا نظريًّا بعنوان «تحليل لغوي لطيِّ البروتين». عندما كتبته، لم أستطع أن أعثرَ على أيِّ بحثٍ آخَر يجمع بين الكلمتين الرئيسيتين: لغوي وبروتين، ولكني اكتشفتُ لاحقًا أن شخصًا آخَر قد نشَرَ بحثًا عن الموضوع نفسه قبل ظهور بحثي بشهر تقريبًا. بعد ذلك، ظلَّ هذا المجال متداخِل الاختصاصات على نحوٍ مدهِشٍ غير مُستكشَف لعدة سنوات، إلى أن عاد باحثون آخَرون إليه مؤخرًا؛ مما منحني فرصةَ التفاخُر والاستشهاد ببحثي.
حروفٌ، حروف في كل مكان. فمع استمرار تدفُّق التسلسلات الجينومية، واشتقاق العلماء لآلاف التسلسلات البروتينية الجديدة منها، صارَتِ الحاجةُ إلى طرق جديدة لفهم كل هذا التكدُّس المعلوماتي أكثرَ إلحاحًا من ذي قبلُ. يقترح الباحث الإيطالي المتخصِّص في دراسة البروتينات ماريو جيمونا أن المناهجَ المستعارة من علم اللغة قد تُحدِث ثورةً في تحليل البيانات المتعلِّقة بالبروتيوم وشرحها، ويُقصَد به مجموع البروتينات المُشفَّرة بجينوم سلالة معينة.
مع أن التحليل اللغوي للجينات يتم إجراؤه منذ عقود، فإنه لم تظهر اعتباراتٌ مماثِلةٌ بخصوص البروتينات إلا في عام ١٩٩٦. يبدأ التشابه بسيطًا؛ إذ إن كلًّا من التسلسلات البروتينية والجُمَل الإنجليزية تتكوَّن من «حروف» تمثِّل العشرين حمضًا أمينيًّا في الحالة الأولى، وعدة أصوات في الحالة الثانية. ويكمن التحدِّي في تحديد كيفية الانتقال إلى مستويات التعقيد التالية، والتمكُّن من قراءة «كلمات» و«عبارات» و«جمل» اللغة البروتينية. يقول خبيرُ طيِّ البروتينات كيفين بلاكسو من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: «ترتبط هذه المشكلة ارتباطًا وثيقًا ﺑ «مشكلة التكهُّن» المتعلِّقة بطيِّ البروتينات، وهي مشكلة لم يُطرَح لها حلٌّ حتى الآن. ومن الناحية النظرية، فإننا نريد أن نكون قادرين على قراءة أية سلسلة من الأحماض الأمينية وفهم «معناها» بنفس سهولة قراءتنا للجملة الإنجليزية.»
لكي يتحقَّق هذا، يجب أن يفهم المرء «قواعدَ لغةِ» البنية البروتينية وعملية الطيِّ. ومع أنه لم تُقترَح حتى الآن قواعدُ مترابطة لِلُّغة البروتينية تغطي جميع المستويات، بدءًا من تسلسل الحمض الأميني وصولًا إلى التفاعلات الوظيفية، فإن جيمونا يقترح أن وحدات البروتين (أي: النطاقات المستقلة الطي التي يمكن أن تعمل بمنزلة عناصر تصميمية على نطاقٍ متوسط في البروتينات الأكبر، وعادةً ما يتمُّ نسْخُها وإعادة استخدامها بفعل التطوُّر) تلعب دورًا محوريًّا في فهم قواعد لغة البروتين. وهو يقترح قائلًا: «إن النطاقات والوحدات تمثِّل الوحدات النحوية والدلالية في البروتين.» وهو متفائِلٌ بخصوص تطبيق الأساليب اللغوية في علم البروتين، فيقول: «عندما ينقشع الضبابُ المحيط بهذه المسألة، ربما نصبح جميعًا علماءَ لغةٍ جزيئيةٍ!»
أحدث التطورات
ما زلتُ آمل أن يحقِّق استخدامُ الوسائل اللغوية في بيولوجيا البنية البروتينية إنجازًا كبيرًا، ولو لكي يتمكَّن مزيد من الناس من الاستشهاد بذلك البحث المبدئي الذي كتبتُه …
قراءات إضافية
-
M. Gross, FEBS Lett. 1996, 390, 249.
-
M. Gimona, Nature Rev. Mol. Cell Biol. 2006, 7, 68.