تحذير صحي: قد يكون جسدك غير مستقر
تقول الكتب الأكاديمية إن التطور البيولوجي عبثَ باستقرار بروتيننا البنيوي الأكثر وفرةً، حتى إن درجةَ ذوبانه تزيد عن درجة حرارة الجسم ببضع درجات فقط. وبنظرة أكثر قُرْبًا إلى هذا الموضوع الذي يبدو بسيطًا، سنكتشف أن الكولاجين يذوب في الواقع عند درجة حرارة تقل عن درجة الحرارة الفسيولوجية؛ فهل يجب أن نقلق؟
ثمة مُعتقَد راسخ منذ بداية ظهور البيولوجيا الجزيئية ينصُّ على أن الحالة النَّشِطة بيولوجيًّا لجزيء البروتين تطابِق بنيةً فريدةً مطويَّة على نحوٍ معقَّد في الفراغ، وهي التي تُعرف بالحالة الطبيعية. وإذا دُمِّرت هذه البنية، فإنك تحصل على شيء غير منتظم ومشوَّه ولا فائدة منه، وهو الشريط اللولبي العشوائي (الوشيعة العشوائية)، أو هذا ما ظنَنَّاه. ولكن في نهاية تسعينيات القرن العشرين، اكتشف الباحثون أن الحالةَ غير المطويَّة لا تتسم بهذه العشوائية أو البشاعة على الرغم من هذا، بل يمكن أن تكون لها أيضًا وظيفة بيولوجية. ثمة أعداد متزايدة من البروتينات التي يُعرَف عنها أنها تتحدَّى هذا المُعتقَد الراسخ بسبب وجودها في حالة غير مطويَّة واضحة في الظروف الفسيولوجية. وفي العديد من هذه الحالات، يمكن أن تتخذ هذه الحالة المَرِنة بنيةً ثانية أكثر طيًّا، وذلك بعد مصادَفة لَجين أو جزيء مستقبِل. ويمكن أن تكون التفاعلات بين البروتين واللَّجين أشدَّ صرامةً لو قام البروتين بطيِّ نفسه «حول» اللَّجين مقارَنةً بما لو تقابَلَا بتكامل مفتاحي/قفلي محدَّد مسبقًا.
قد يضطر الباحثون إلى أن يضيفوا إلى هذه القائمة من البروتينات البالغ عددها ١٠٠ بروتين تقريبًا، التي من المرجَّح أن تكون غير مطوية تحت ظروف تتوافَق مع بيئتها الفسيولوجية؛ بروتينًا ربما يكون مرشَّحًا غير صالح؛ نظرًا لأنه جزء مهم من الجسم البشري نفسه الذي نودُّ بالطبع أن نفكِّر فيه بصفته مُنظَّمًا وسليمًا وظيفيًّا ومستقرًّا. يمثِّل هذا البروتين، وهو الكولاجين، الذي يشكِّل الأوتارَ والجلدَ وأظفارَ اليد والعديدَ من الروابط البنيوية الأقل ظهورًا في الجسم؛ أكثرَ من ثلث البروتين الموجود لدى الإنسان وبقية الفقاريات الأخرى. ومع هذا، أظهرَتْ دراسة مقيسة حراريًّا ومصمَّمة بحرص شديد، أجراها فريق إس ليكين من مجمع معاهد الصحة الوطنية (بيت حِسْدَا، ماريلاند) أن الحالة المستقرة من الناحية الديناميكية الحرارية التي تتسم بها صورة الكولاجين المأخوذة من رئة الإنسان عند درجة حرارة الجسم الفسيولوجية (٣٧ درجة مئوية)؛ هي الحالة غير المطويَّة.
بصفة أساسية، أدرَكَ الباحثون أن الدراسات السابقة بشأن عملية عدم الطيِّ المُحفَّزة حراريًّا التي يتعرَّض لها الكولاجين قد أُجرِيَتْ بتسخينٍ أسرع من اللازم. وقبل تعديل توازُن عدم الطيِّ البطيء إلى خطوة درجة الحرارة الواحدة، كان الباحثون بالفعل يطبِّقون الخطوة التالية، وبالتالي يحصلون على درجة حرارة متغيِّرة على نحوٍ واضح تفوق القيمةَ الفعليةَ بعدة درجات. اكتشف فريق ليكين أن التغيُّر كان شديدَ البطء لدرجة أنه لم يحقِّق حتى التوازن في الوقت المناسِب عند استخدام أبطأ معدل تسخين ممكن (٠٫٠٠٤ درجة مئوية في الدقيقة)، وقد لجئوا إلى التقدير الاستقرائي لمعرفة درجة الذوبان «الفعلية» للكولاجين في رئة الإنسان، وحدَّدوها بأنها ٣٦ درجة مئوية. إذن، هل نحن جميعًا على شفا انصهار جسدي؟ هل حياتنا مستعارة من شذوذٍ حركي؟
على الرغم من أن بعض الكولاجين الموجود في أجسامنا يُهدَر بالفعل خلال عملية عدم الطيِّ، فإنه لا داعي للقلق كثيرًا بشأن هذا الاكتشاف؛ فبالنسبة إلى هذه البروتينات الرابطة المذكورة سابقًا، التي تكون «غير مطويَّة طبيعيًّا» في المحلول، والتي من الأفضل ربط لجيناتها عند العثور عليها، تَقوى قبضة الكولاجين عندما يجد جزيئاتٍ من نفس نوعه ويشكِّل أليافَ الكولاجين التي تكون من نفس بنية العديد من أنسجة الجسم. وبالتالي، لا يؤثِّر عدم الاستقرار على جزيئات الكولاجين إلا لفترة محدودة تمتد ما بين إفرازها من الخلية وتكوين الألياف الناضجة.
المُطَمْئِن في الأمر أن الوضعَ الديناميكي الحراري يتحسَّن كثيرًا بمجرد استقرار جزيئات البروتين بأمان في ألياف الكولاجين. ومع أن عملية فكِّ الطيِّ المجهري قد تظل تحدث بقدرٍ معيَّن وتساهِم في مرونة التركيب، فإن المساحة المحدودة المتاحة لكل جزيء توحي بأن المكسب الإنتروبي الحراري من عملية فك الطيِّ ضعيفٌ، وبالتالي ترتفع نقطة الذوبان. وبشكل إجمالي، فقد عدَّلَ التطوُّرُ البيولوجي توازُنَ المرونة والاستقرار على نحوٍ صحيح تمامًا، مع أن تحقيق هذا التوازن ليس بالبساطة التي اعتدنا أن نتخيَّلَها.
أحدث التطورات
ظهرت شائعات مُبالَغ فيها للغاية بأن انهيارًا بنيويًّا وشيكًا سيصيب جميعَ البشر على كوكب الأرض، وبالطبع لم تثبت صحتها. إلا أن مفهومَ البروتينات غير المطوية في حدِّ ذاتها التي لا تتَّخِذ بنيةً مطويَّةً إلا عند ارتباطها أو في ظل ظروف بيئية معينة؛ قد أثبَتَ فائدته الكبيرة في فهم العديد من الظواهر البيولوجية المتنوعة، التي وُجد لبعضها صلة بالطب.
قراءات إضافية
-
K. W. Plaxco and M. Gross, Nature, 1997, 386, 657.
-
V. N. Uversky et al., Prot. Struct. Funct. Genet., 2000, 41, 415.
-
K. W. Plaxco and M. Gross, Nature Struct. Biol., 2001, 8, 659.
-
E. Leikina et al., Proc. Natl. Acad. Sci. USA, 2002, 99, 1314.