البويضات والحيوانات المنوية والروك آند رول
إلى اليوم، يبدو أن بريطانيا تواجِه العديدَ من الأزمات فيما يتعلَّق بموضوعَي الجنس والمخدرات؛ وهو ما يؤدِّي إلى مشكلاتٍ بالغة مثل ارتفاع معدلات الحَمْل لدى المراهقات، وانتشار الإسراف في الشراب. لكن الأكثر إثارةً للدهشة أن نفسَ هذه الدولة قد لعبتْ دورًا رائدًا في التلقيح الصناعي. مهلًا، ربما يوجد هدف من هذا الجنون؛ لعلهم يقولون: لا نريد الجنس من فضلك، ولكننا نفضِّلُ التلقيحَ الصناعي بدلًا منه. وفي جميع الأحوال، فإن التلقيح الصناعي قد أكسَبَ بريطانيا دورًا رائدًا عندما ظهَرَ الجدالُ حول الاستنساخ والخلايا الجذعية.
تتصدر الصحفَ كلَّ أسبوع تقريبًا المسائلُ الأخلاقية البيولوجية التي تحيط بالتكاثر البشري والأجِنَّة والخلايا الجذعية، ويستتبعها مباشَرةً مشاهدتك لأنباءٍ عن استنساخ أجِنَّة بشرية بغرض إنتاج الخلايا الجذعية (الاستنساخ العلاجي)، ومناقشات حول إخفاء هوية المتبرِّعين بالحيوانات المنوية، والانتقاء الجنسي، وادِّعاءات من علماء مستقلين عن الاستنساخ، والاندماجات بواسطة التلقيح الصناعي، والأجِنَّة «المُهندَسَة وراثيًّا» … إلخ.
تؤثِّر هذه الموضوعات وغيرها على معظم الدول الأوروبية بطريقةٍ ما، مع أن كلًّا منها يتسم بمزيج من العلم والدين والسياسة قد يثير التساؤلات. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، أدَّتْ ذكرياتهم عن علم تحسين النَّسْل (اليوجينيا) في زمن النازية إلى تشريع مانع تمامًا وجدل شعبي قوي.
-
ترخيص عيادات التلقيح الصناعي والإشراف عليها.
-
ترخيص أبحاث الأجِنَّة البشرية والإشراف عليها.
-
تنظيم تخزين الأمشاج والأجِنَّة.
علاوة على هذا، فإنها تمارس أيضًا دورًا استشاريًّا لصالح الحكومة والشعب. ومع أن هذه النبذة قد بَدَتْ حتمًا خاليةً من السوء عام ١٩٩١، فإنها قد اتسعت منذ ذلك الحين لتضمَّ نطاقًا كبيرًا من القضايا الأخلاقية البيولوجية الشديدة الحساسية.
إنَّ هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة، الكائِنة في شرق لندن بالقرب من محطة شارع ليفربول، عبارة عن هيئة مكوَّنة من أعضاءٍ يلتقون مرةً شهريًّا، بالإضافة إلى كونها مصلحةً حكومية يعمل بها موظَّفون مدنيون وتحظى بميزانية قيمتها حوالي مليونَيْ جنيه إسترليني. يمارس مجلس إدارة الهيئة دورًا إشرافيًّا داخل هيكل المصلحة، وقد ترأَّسَتِ الهيئةَ روث ديش — أستاذة القانون ومدير كلية سانت آن في جامعة أكسفورد — منذ إنشائها وحتى ربيع عام ٢٠٠٢، وجاءت بعدها سوزي ليذر التي تتمتَّع بخلفية في العلوم السياسية والشئون الاستهلاكية، وقد كانت نائبَ رئيس مجلس الإدارة في وكالة معايير الغذاء من عام ٢٠٠٠ وحتى ٢٠٠٢.
إنَّ إحدى كبرى المُعضلات الأخلاقية التي تواجه هذه الهيئةَ على مدار السنوات القليلة الماضية هي قصة السماح بانتقاء أجِنَّةٍ للحصول على أعضائها البشرية التي قد تنقذ حياة أشِقَّائها. وبناءً على خلفيةٍ أساءَ الإعلامُ تمثيلَها، حين صاغ مصطلحَ «الأجِنَّة المُهندَسَة وراثيًّا» على الرغم من عدم وجود أية هندسة جينية مُبتكَرَة في هذه العملية من الأساس؛ حكمت الهيئةُ بأن انتقاء جنين بناءً على التشخيص الجيني لما قبل زراعة الأعضاء غير مسموح به، إلا إذا كان يضمن أن الطفلَ الناتج من المعالجة سيكون خاليًا من الأمراض الوراثية. وإذا استطاع أيضًا — إلى جانب تمتُّعه بالصحة — أن يوفِّر خلايا جذعيةً من الحبل السري قد تساعد في شفاء شقيقه، فسيكون ذلك أفضل. وعلى العكس من ذلك، رفضَتِ الهيئةُ أن تسمح للأبوين باستخدام التشخيص الجيني إذا كان الغرضُ منه فقط هو مصلحة الشقيق المريض في الحالات التي لن يكون فيها الطفلُ الجديد معرَّضًا لخطر الإصابة بالأمراض الوراثية.
بناءً على هذا، رفضت الهيئة أن تسمح لعائلة الطفل الصغير تشارلي ويتيكر بإنتاج شقيقٍ له ذي أنسجة مطابقة لأنسجته بواسطة التشخيص الجيني (وهو ما لم يمنع العائلة على الرغم من ذلك من إجراء العملية في الولايات المتحدة). من ناحية أخرى، وافقَتِ الهيئة على هذا الإجراء لعائلة زين هاشمي؛ فبما أن المرض الذي أصابَ زينًا في الدم، وهو أنيميا البحر المتوسط، مرض وراثي، فإن التشخيص الجيني لن يساعد فقط في إنتاج شقيق ذي أنسجة مطابقة لأنسجته، ولكنه سيضمن أيضًا أن المولود الجديد لن يكون حاملًا للمرض.
اهتزَّتْ ثقة الناس في سلطة الهيئة في ديسمبر من عام ٢٠٠٢، عندما حكمت المحكمة العليا بأن هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة لا تملك الحقَّ في منح عائلة هاشمي هذه الموافقة. ولكن في أبريل ٢٠٠٣، أطاحت محكمة الاستئناف بهذا القرار وكفلت لعائلة هاشمي حريةَ إجراء العملية بغضِّ النظر عن نتائج أيِّ إجراءٍ قانوني آخَر. وحاليًّا، تباشِر لجنةٌ من داخل الهيئة اتخاذَ القرار بشأن هذه الحالات جميعًا على أساس فردي، بعد المعيار المتعسِّف المذكور أعلاه.
من خلال دور الهيئة في الإشراف على أبحاث الأجِنَّة، فإنها مسئولة أيضًا عن تحديد مَن يُسمَح له بإنتاج خلايا جذعية جنينية في المملكة المتحدة. وحتى الآن لم تمنح إلا ثلاثة تراخيص لإنتاج خطوط خلايا جذعية جديدة، الأول ذهَبَ إلى كلية الملك في لندن، حيث نجح فريق ستيفن مينجر في إنتاج أول خط خلايا جذعية من الأجِنَّة البشرية في المملكة المتحدة. أما أحدث ترخيص فمُنِح في يونيو ٢٠٠٣ لمعهد روزلين بالقرب من إدنبرة، وهو المشهور باستنساخ النعجة دُولِّي.
صحيحٌ أن ظهور هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة على الساحة الأخلاقية البيولوجية مبكرًا يعني أنها قد كوَّنت لنفسها هيكلًا وسُمعةً بمجرد أن زادَتِ الأوضاعَ تعقيدًا، إلا أنه يعني أيضًا أن التشريع البرلماني عام ١٩٩٠ الذي أُنشِئت على أساسه لم يكن بإمكانه توقُّعُ معظم المشكلات التي تواجهها الهيئة حاليًّا. ففي المؤتمر السنوي للهيئة في يناير ٢٠٠٤، أطلقَتْ سوزي ليذر مبادرةً لمراجعة القانون القديم، معلِّلةً الأمرَ بأن بعض بنود هذا القانون قد أصبحت «باليةً في الوقت الحالي». على سبيل المثال: تناولَتِ الشرطَ القانوني الذي يُلزِم أطباءَ التلقيح الصناعي بالاعتناء ﺑ «حاجة الطفل إلى أب» قبل إجراء العملية. ومن المُزمَع أن تقدِّم الهيئةُ مراجعتها للقانون إلى الحكومة بنهاية هذا العام، ولكن يبدو أنه من المحتمَل أن تُعقَد جلساتُ تشاوُرٍ في ٢٠٠٥؛ مما يعني أنه قد يمر بعضُ الوقت قبل الموافقة على قانون جديد. ومثل سباق أليس أمام الملكة الحمراء، سيكون على المُشرعين زيادة الخُطى على نحو أسرع كي يواكِبوا التغييرات التي تحدث في مجال الخصوبة وأبحاث الأجِنَّة. وفي غياب أيِّ حلٍّ مثالي لهذه المشكلة الجوهرية المتعلقة بالتكنولوجيا السريعة التطور، يبدو أن وجودَ هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة — المعروف عنها اتخاذها لقرارات موزونة — أمرٌ مفيدٌ.
أحدث التطورات
المثير للدهشة أن هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة قد صمدت خلال فترة رئاسة توني بلير لمجلس الوزراء دون أن تتعرَّض للخصخصة أو إعادة الهيكلة. وبدايةً من أكتوبر ٢٠٠٧، ترأَّسَتِ الهيئةَ شيرلي هاريسون، التي ترأس أيضًا هيئةَ الأنسجة البشرية، ويبدو أن هناك نيةً إلى دمج المؤسستين معًا في الهيئة التنظيمية للأنسجة والأجِنَّة. وفي سبتمبر ٢٠٠٧، حكمت هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجِنَّة بأن أبحاث الأجِنَّة المهجَّنة المندمجة من سلالاتٍ مختلفة، بما في ذلك السلالة البشرية، يمكن السماح بها بحسب كل حالة. وفي بيانٍ نُشِر تأييدًا لهذا القرار، قالتِ الهيئةُ إنه «لا يوجد سبب جوهري يمنع أبحاثَ التهجين السيتوبلازمي.» ومع هذا، لم ينطوِ هذا القرارُ على موافقةٍ محدَّدة للتطبيقين الموقوفين للسماح بمثل هذه الأبحاث. وكان من المفترَض أن تحكم الهيئةُ بشأن حالات محدَّدة في نوفمبر ٢٠٠٧.