الفصل الرابع عشر
الطيور والنحل وخُلد الماء
إنني عادةً ما أقترحُ عنوانًا مع كل مقال أكتبه، ولكن يبدو أن للمحرِّرين
رأيًا آخَر، وبالتالي فإن أقل من نصف عناويني المقترَحة يصمد في النُّسَخ
المطبوعة. هذا أحد العناوين التي نجَتْ، وهو عنواني المفضَّل على الإطلاق. ولكن
المقال مثير أيضًا.
ما الاختلاف الجزيئي المسئول عن كوننا ذكورًا أو إناثًا؟ إن الأمر يبدو بسيطًا للوهلة
الأولى؛ فالذكر يملك الكروموسوم «واي» (المتدني نوعًا ما، انظر مقال «الكروموسوم الذكري
مهدَّد بالانقراض») بدلًا من الكروموسوم «إكس» الثاني. وبعبارة أدق: فإن وجود جين واحد
في الكروموسوم «واي»، والمعروف باسم «إس آر واي» SRY،
هو المسئول عن تكوُّن الخصائص الذكورية، وفي حالة غيابه يتجه النمو إلى الخيار
التلقائي، وهو الأنثى. وتزداد الأمور تعقيدًا حين يبدأ علماءُ الأحياء في التحدُّث عن
الطيور والنحل؛ ففي حالة الطيور — كما تعرفون — يحدث العكس؛ بمعنى أن الإناث تحمل زوجًا
من الكروموسومات الجنسية المختلفة، في حين يملك الذكور زوجًا متطابقًا. إلا أن الحيوان
المُحطِّم للأرقام القياسية نظرًا لامتلاكه أكثر أنظمةِ تحديدِ الجنس حيرةً، هو بلا شك
خُلد الماء. بعد سنوات من الشك، أثبَتَ الباحثون الأستراليون أن هذا الحيوان يملك ما
لا
يقل عن خمسة أزواج من الكروموسومات الجنسية، بما في ذلك كروموسوم مشابه لكروموسوماتنا،
وآخَر أكثر شبهًا بكروموسومات الطيور.
•••
إنَّ حيوان خُلد الماء المشهور هو واحد من ثلاث سلالات فقط ناجية من أعمق
فروع التطوُّر البيولوجي للثدييات، أَلَا وهي الثدييات الوحيدة المسلك؛ ولهذا يُعتبَر
تحديد
جنسه مثارَ اهتمام، ليس فقط من باب الفضول، ولكن أيضًا بحثًا عن أيِّ ضوءٍ قد يُلقِيه
على
التطوُّر البيولوجي المبكِّر الذي خضع له أسلافنا من الثدييات. باستخدام تقنية التهجين
«في
موقع» مُفلوَر، صنَّفَ فريق فرانك جروتسنر من الجامعة القومية الأسترالية في كانبرا
الكروموسوماتِ الجنسيةَ العشرة لخلد الماء، المعتادة بصورة محيِّرة على الاندماج في سلسلةٍ
واحدةٍ كبيرة خلال الانقسام الخلوي؛ فاكتشفوا أن هناك خمسة كروموسومات ذكرية (واي) يمكن
أن
تتَّحِد مع خمسة كروموسومات إكس مختلفة، وهي دائمًا ما توجد بنفس الترتيب في السلسلة.
ويوجد
في أحد طرفَي السلسلة زوجٌ يشبه زوج إكس واي الموجود لدينا (مع أنه يفتقر إلى جين «إس
آر
واي» على نحوٍ يثير الحيرة)، إلا أن الزوج الموجود في الطرف الآخَر يعكس تشابُهًا مع
الكروموسومين «زد دبليو» ZW في الطيور، حتى إن الباحثين
يشكُّون في أن الزوجَ الثاني كان أول ما أنتج اختلافًا محدِّدًا للجنس، في حين عيَّنت
الأزواج الأخرى اختلافًا فيما بعدُ، وجاء الزوج الذي يشبه كروموسوماتنا في النهاية.
هذه السمة الموجودة في هذا الحيوان الثديي الذي يضع بيضًا ويتمتَّع بفم يشبه منقارَ
البطة، هذه السمة المماثِلة على نحوٍ مدهش لما في الطيور، قد تهدم المُعتقَد القديم بأن
الكروموسومات الجنسية قد تطوَّرَتْ على نحوٍ منفصل في الطيور والثدييات. وربما نكون قد
ورثنا في الأصل المنظومةَ التي لا تزال موجودةً في الطيور وطوَّرناها بما يناسبنا،
وربما تكون حيوانات خُلد الماء قد حافظَتْ على الحالة الانتقالية لهذا التغيُّر
التطوُّري المهم.
أحدث التطورات
أخجل من أن أعترِف بأنني لم أتابِع الحياةَ الجنسية لخُلد الماء عن كثب مثلما كان
يجب أن أفعل؛ ولهذا لا أعرف حقًّا أحدث التطورات في هذا الشأن بعد ذلك. وأنوي
متابعةَ هذا الأمر في العام الجديد.
قراءات إضافية
-
F. Grutzner et al.,
Natüre, 2004, 432, 913.