تجمعات الذهب اللامعة البرَّاقة
على مدار التاريخ، وحتى اليوم، يمكن تعزيز الجاذبية الجنسية ببعض من بريق المال. الأشياء اللامعة مثل الذهب والماس غالبًا ما تُعتبَر عظامًا خاملة عندما يتعلَّق الأمر بالكيمياء، ولكن ربما تتطلَّب هذه المسألة نظرةً عن كثب. فعلى الرغم من كل شيء، يمكن أن يكون عنصرَا الفضة والبلاتين مفيدين للغاية في التصوير والمحوِّلات التحفيزية، على الترتيب؛ لذا، دعونا نرَ إن كان الذهب يستطيع أن يضيف قيمةً إلى الكيمياء.
على الرغم من أنه معروف عن الذهب أنه أنبل الفلزات كلِّها، فإنه يستطيع في الواقع تكوينَ مركبات كيميائية. على سبيل المثال، إذا قام علماء الكيمياء بتسخين مسحوق الذهب جيدًا بغاز الكلور، فسيحصلون على ملح (كلوريد الذهب)، وهو الذي يستطيعون إذابته في الماء وبلْورته وتحويله إلى العديد من مركبات الذهب الأخرى بمستويات أكسدة مختلفة. وبالتالي، كان من الممكن النظر إليه بمفهوم خاطئ باعتباره عنصرًا كيميائيًّا عاديًّا، لولا ارتباطه التاريخي بالثروة والنفوذ؛ مما أدَّى إلى هوس الخيميائيين القدماء بمحاولات «تصنيع» الذهب، وهو هوس كان من ناحيةٍ دافِعًا للتطوُّر الذي أدَّى في نهاية المطاف إلى علم الكيمياء، ولكنه من ناحية أخرى أرهَقَه بميراث مشبوه.
في الوقت الحاضر، حيث لم يَعُدِ الذهبُ يبني إمبراطوريات أو يهدمها، وتضاءَلَ نفوذه مقارَنةً بأهمية موارد أخرى مثل النفط واليورانيوم، يستطيع علماء الكيمياء أن يعودوا إلى كيمياء هذا المعدن المشوقة دون اتهامهم بممارسة الخيمياء القديمة. ومع ذلك، لا يوجد باحثون كُثُر يدرسون مركبات الذهب، إلا أن ما يكتشفونه عادةً ما يكون مذهلًا ومشوقًا.
بعض هذه المركبات، بما في ذلك مركبات فوسفين الذهب، يمكن أن تلمع عند تحفيزها بالضوء فوق البنفسجي. (بمعنى أنها تُرسِل ضوءًا ذا طول موجي أكبر من الضوء الذي تستقبله؛ مما يمكِّنها من «تحويل» الضوء فوق البنفسجي غير المرئي إلى ضوء مرئي. تعمل مبيِّضات الأقمشة بنفس الطريقة.) وقد أثبتَتِ الدراساتُ المكثَّفة لهذه الظواهر خلال ثمانينيات القرن العشرين أن معظم مركبات الذهب لا تلمع إلا في الحالة البلورية. وفي حالاتٍ نادرة، لم تُكتشَف إلا في تسعينيات القرن العشرين، يمكن أن تلمع محاليل هذا المركب أيضًا. كما توجد طريقة ثالثة لم يُعلَن عنها إلا في عام ١٩٩٧، عندما حاولت إيلَّا فانج، بالتعاون مع ألين بالك بجامعة كاليفورنيا في مدينة ديفيز، استخدام الكلوروفورم لغسل بلورات مركب الذهب الذي كانت قد أعَدَّتْه، فبدأت تلمع، مع أن البلورات الجافة ومحلول المادة لم يلمعَا.
على الرغم من أن تلك البلورات لم يتمَّ إكسابها صفةَ اللمعان عمدًا بواسطة الضوء فوق البنفسجي، فإنه سرعان ما توصَّلَ الباحثان إلى فرضيةِ أن التعرُّضَ غير المقصود (على سبيل المثال، من ضوء الغرفة) يمكن أن يحفِّز هذا التأثيرَ. وأثبتَتْ دراسات منهجية باستخدام مصباح للإضاءة فوق البنفسجية أن الضوءَ فوق البنفسجي يستطيع أن يجعل البلوراتِ في حالة إثارة، تظلُّ مستقرةً طوال ساعات، ولا تبدأ في تحرير الطاقة في صورة ضوء أصفر إلا عندما تذوب البلورات جزئيًّا على الأقل. ومع أن اللمعان يزول سريعًا، فإنه يمكن إعادة تنشيطه بتكرار تعريضه للضوء فوق البنفسجي. وإذا بخَّرْنا المادةَ المذيبة المستخدَمة في غسل البلورات وعرَّضْنا المادةَ الجافة للضوء، فستلمع بمجرد تعرُّضها للكلوروفورم أيضًا. تستطيع موادُّ مذيبةٌ أخرى تحفيزَ هذا الأثر، ولكن قوتها تتزايد كلما زادَتْ قابلية مركب الذهب للذوبان في المادة المذيبة. أدَّتْ هذه الاكتشافات — بالإضافة إلى المشاهَدة التي تفيد بأنْ ليس بمقدور التفاعلات الكيميائية ولا الضغط الميكانيكي إضفاءُ صفةِ اللمعان على المركب — إلى استنتاج أن عملية إذابة المادة البلورية ضروريةٌ.
ومع هذا، لا يزال من غير المعلوم شكلُ الحالة المثارة وكيفيةُ نشأة ظاهرة اللمعان. لكن كشفت الأبحاثُ البنيوية التي أجراها فريقُ بالك عن وجود تجمُّع من مركبات الذهب الحلقية الشكل، بينما يظل مثلث ذرات الذهب في نفس الاتجاه دائمًا. وبما أن هذه الشبكة البلورية — بمسافاتها القصيرة على نحوٍ غير عاديٍّ بين مراكز المعدن — فريدةٌ مثل اللمعان المحفَّز بالمادة المذيبة، يتساءَل الباحثون إن كانت الأولى هي سبب حدوث الثاني أم لا. ربما تكون الأعمدة الطويلة التي يتكوَّن لُبُّها من مثلثات نانوية الحجم من الذهب الخالص هي مفتاح فهم هذه الظاهرة. طبقًا لإحدى الفرضيات، قد يحفِّز الضوءُ فوق البنفسجي انفصالَ الشحنات؛ مما يؤدِّي إلى هجرة الإلكترونات بطول المثلثات، التي قد تشبه سلك ذهب نانوي الحجم. وقد تَعْلَق الإلكترونات بعد ذلك في انحرافات موجودة بالبلورة، حيث تخزن الطاقة المتوافقة مع انفصال الشحنات حتى تتحرَّرَ بسبب ذوبان البلورة. وتؤدِّي إعادةُ جمع الإلكترونات ومراكز المعدن الموجبة الشحنة إلى حدوث ظاهرة اللمعان.
حتى الآن، يُعتبَر هذا مجرد تخمين، وينطبق الأمر نفسه على التطبيقات المحتمَلة التي نُوقِشت في المطبوعات العلمية، بما في ذلك مستشعرات أبخرة المذيبات وتخزين الطاقة والمحوِّلات الكيميائية الضوئية. لن تصير هذه الأحلام حقيقةً إلا بعد فهْمِ هذه الظاهرة وتوجيهها نحو مساراتٍ تكنولوجيةٍ محدَّدة، وهذا بالطبع إذا لم تظهر موادُّ أخرى تستطيع أداءَ نفس الوظيفة بتكلفة أقل. مع ذلك، أثارَتْ هذه الاكتشافات أسئلةً مشوقة، وأوضحَتْ أن العناصر النبيلة لا يُشترَط فيها أن تكون مملة.
أحدث التطورات
لا أعلم شيئًا جديدًا عن تجمُّعات الذهب اللامعة، ولكن ظهرت تطوُّرات أخرى مثيرة في كيمياء هذا العنصر النفيس. ففي عام ٢٠٠٦، أعلَنَ ستيفن هاشمي من جامعة هايدلبِرج عن اكتشاف محفِّزات الذهب، وفي عام ٢٠٠٧ وصَفَ إف دي توست وزملاؤه طريقةً ذكيةً تستطيع بها محفِّزاتُ الذهب التمييزَ بين النسختين اليمنى واليسرى لركائزها، وهذا النوع من التمييز — المعروف باسم التحفيز العديم التناظر — هو أحد الاهتمامات الرئيسية لأبحاث التحفيز المعاصرة، بما أن عدمَ التناظُر مهمٌّ بالنسبة إلى الخلية مثلما هو مهمٌّ أيضًا بالنسبة إلى تطوير العقاقير.
قراءات إضافية
-
M. Gross, Travels to the Nanoworld, Perseus, 1999.