سِرُّ المذاق الحلو لبعض البروتينات
يمكن أن يجعل الجنسُ الحياةَ ألذ، واللذة يمكن أن تجعله أفضل، وبالتالي من الواضح أن ثمة رابطًا مهمًّا هنا يمكن اعتباره حجةً لي كي أورد هذا المقال القصير الممتع عن البروتينات الحلوة المذاق. وفوق هذا، توجد أيضًا بروتينات تغيِّر إدراكَنا وتجعل طعمَ أشياء أخرى حلوًا، وهو ما يوحي مجددًا بأن الحب أعمى. وهكذا دون مزيدٍ من الحديث المعسول، أقدِّم بعضَ التجارب الحسية المعتمِدة على التذوُّق.
استخدم سكَّان غرب أفريقيا التوتَ الأفريقي («ديوسكوريوفيليوم كومينسي») كمُسكِّر منذ قرون؛ فمذاق اللب الدبق ليس فقط قويًّا، ولكنه يدوم أيضًا لفترة طويلة.
لم يكتشف علماء العالم الغربي أمرَ هذا التوت إلا في ستينيات القرن العشرين، عندما أدت المخاوف من التأثيرات المحتملة المُحفِّزة لانتشار السرطان والناتجة عن مادة السيكلامات المُحلِّية إلى بحثٍ محموم عن بدائل. (بُرِّئت حاليًّا ساحةُ السيكلامات من هذه التهمة، ولكنها فقدت معظم حصتها السوقية السابقة لصالح مادة أسبارتام.)
في عام ١٩٧١، عزل باحثون من مركز مونيل كيميكال سينسيز في فيلادلفيا المكوِّن النَّشِط من التوت الاستوائي، والمثير للدهشة أنه اتضح أنه بروتين صغير، وزنه الجزيئي ١٠٧٠٠. وتكريمًا للمعهد الذي اكتُشِف فيه، سمَّاه الباحثون مونيلين. إذا قارنَّا المونيلين بقدر مماثل من السكر المنزلي، فسنجد أن مذاقه أكثر حلاوةً منه بثلاثة آلاف مرة، أما بالنسبة إلى أكثر المُحلِّيات المُصنَّعة فاعليةً، وهما الأسبارتام والسكرين، يصل هذا الرقم إلى ٢٠٠ و٤٥٠ على التوالي.
من المعروف الآن أن ثمة عائلة من البروتينات الصغيرة والرائعة في نفس الوقت لها مذاق حلو قوي للغاية. لمدة طويلة، كان أمر هذه البروتينات مثيرًا للفضول فحسب، ولكن في تسعينيات القرن العشرين أدرك الناس إمكاناتها. كان الثوماتين أولَّ بروتين من هذه البروتينات يحصل على الموافقة ليكون مادة مضافة للأغذية في أمريكا الشمالية وأوروبا.
ولكن كيف تحقِّق هذه البروتينات هذا التأثيرَ الحلو القوي على نحوٍ عجيب؟ في منتصف التسعينيات، كان الباحثون يأملون في الإجابة عن هذا السؤال عن طريق حلِّ البِنى الجزيئية لثلاثة من هذه البروتينات بالتفصيل، وهي الثوماتين والبرازين والمونيلين. لكن تحطَّمَت آمالهم عندما اكتشفوا أنه ليس ثمة تشابُه على الإطلاق في بنية البروتينات الثلاثة، والمحيِّر في الأمر أن كلًّا منها أكثر شبهًا ببروتين مختلف عن البروتينين الآخرين غير فعَّال المذاق. فالبرازين على سبيل المثال يبدو أنه مرتبط بعائلة من البروتينات تتمتَّع بنطاق واسع من الوظائف في النباتات، بدءًا من الدفاع وصولًا إلى الإنزيمات الأيضية.
توصَّلت دراسات الطفرات التي أُجرِيت على البرازين إلى موقعين يرتبطان بنشاط التذوُّق، لكن المحبِط أن الموقعين موجودان على طرفين متقابِلين من الجزيء، وبالتالي لا يمكنهما بأية حال من الأحوال التفاعُلُ في نفس الوقت مع إحدى الخلايا المستقبِلة للمذاق على اللسان.
لا تزال غير واضحةٍ الكيفيةُ التي ترتبط من خلالها بالضبط البروتيناتُ الحلوة المذاق بأجهزة الإحساس المقابلة. ويمكن أن نُرجع قدرًا من الذنب إلى حقيقة أن حاسة التذوق غير مفهومة جيدًا من الناحية الجزيئية (انظر الجزء الذي يتحدث عن الخلية المُستقبِلة للمذاق المُر، في مقال «مسألة ذوق»).
لكن يبدو أن ثمة شيئًا مؤكدًا؛ فالمذاق الحلو القوي على نحو يثير الدهشة الذي تتسم به هذه البروتينات يعكس فيما يبدو ارتباطًا قويًّا للغاية بجزيئها المستهدَف، ومما يؤكِّد هذا أيضًا ملاحظتُنا بأن الإحساس بالمذاق الحلو يستمرُّ لدقائق أو حتى لساعات. يُعتبَر السكر العادي بالمقارنة مع هذه البروتينات جزيءَ إشارةٍ ضعيفًا بعض الشيء؛ فأقل كمية نتذوَّقها من السكر هي أكبر بعدة قيم أسية مقارَنةً بالحد الأدنى من كمية الهرمونات اللازمة لبلوغ هذا التأثير.
وبالتالي، فمن المحتمَل أن السكر لا يرتبط في الواقع بأيٍّ من الخلايا المستقبِلة تحديدًا، وبدلًا من ذلك، قد يكون له تأثير أعم على عنصر الإشارة في مواقع الإدراك الحسي للمذاق، مثل القناة الأيونية.
يوجد أيضًا الارتباطُ القوي المميَّز والتأثيرُ الطويل الأمد في مجموعة ثانية من البروتينات «اللذيذة»، وتحديدًا البروتينات المُحسِّنة للمذاق؛ فبروتينات مثل الكركلين والميراكلين ليس لهما مذاق في حدِّ ذاتهما، ولكنَّ ابتلاعَ قدرٍ صغير من هذه البروتينات سيجعل الأطعمةَ المُرَّة حلوةَ المذاق لساعات.
من المُحتمَل أن تثير جميع هذه العناصر «العجيبة» اهتمام الصناعات الغذائية. ومع أن عملية استخلاصها من الفاكهة الاستوائية تتَّسِم بالتعقيد؛ مما يجعلها باهظةَ الثمن إلى حدٍّ ما، فإن هذا تعوِّضه الفاعليةُ العالية التي تتميَّز بها الجرعات المنخفضة للغاية. ولهذا السبب نفسه، يمكن أن تكون المُحلِّيات جذَّابةً كعوامل مساعدة في الحِمْيَة الغذائية؛ فقدرٌ من البروتين مساوٍ لملء ملعقة من السكر يُعتبَر صغيرًا للغاية لدرجة أن قيمةَ سعراته الحرارية أقلُّ من أن تُذكَر.
أحدث التطورات
من المثير للدهشة أنه لم تظهر أيُّ اكتشافات جديدة مهمة في هذا المجال منذ أن كتبتُ عنه في عام ١٩٩٨. وحتى الآن، المعروف فقط هو خمسة بروتينات حلوة المذاق وبروتينان مُحسِّنان للمذاق، وأسلوب عملها لا يزال محيِّرًا.
الخبر الأخير: في سبتمبر ٢٠٠٧، أعلن باحثون من جامعة ناجويا سيتي باليابان عن دراسات في الطفرات لبروتين الكركلين، مصحوبة بتحليل تذوُّقٍ. تشير النتائج فيما يبدو إلى أن الأجزاء المختلفة من الجزيء تتفاعَلُ بطرق مختلفة مع الخلية المُستقبِلة للمذاق الحلو، وبالتالي تُنتِج تأثيرَي التحلية وتحسين المذاق المنفصلين.