مسألة ذوق
جزءٌ من مشكلة فهم البروتينات الحلوة المذاق التي سبقت مناقشتها، يكمن في حقيقة أن الإدراكَ الحسي للمذاق والرائحة هو موضوعٌ لا يعلم عنه العلمُ الحديث للأسف إلا نَزْرًا يسيرًا. ومنذ نهاية تسعينيات القرن العشرين فقط بدأ الباحثون فهْمَ هذا المجال والتعامُل معه، مبتدعين بعضَ المقالات المذهلة عن اكتشافاتهم طوال الوقت، والتي استعرضتُها في مناسباتٍ عدة.
هل سألتَ نفسك يومًا، في أثناء استمتاعك بوجبة لذيذة: «تُرى، كيف تعمل حاسة التذوق؟» حسنًا، ربما لم تفعل؛ إذ يميل الناس إلى أن يكونوا مهووسين إما بالعلم وإما بالطعام، ولكن نادرًا ما يهتمون بالأمرين معًا. وربما من الأفضل ألَّا تهتم بهما؛ لأن الإجابة ستكون أنه حتى العلماء الذين يدرسون هذه الحاسة لا يعلمون الكثيرَ عنها حقًّا. والتذوق، من بين حواسنا الخمس كلها، هو الحاسة التي نفهمها أقلَّ من غيرها، بَيْدَ أن كمَّ المعلومات الوراثية التي تتدفَّق إلينا بفضل مشروع الجينوم البشري، قد ساعَدَ العلماء الآن في أن يبدءوا على الأقل في سدِّ هذه الفجوة المعرفية المُزعجة.
توجد خمسة مذاقات أساسية تستطيع براعمُ التذوُّق الموجودة في اللسان وحلق الفم تمييزَها، وهي: المالح، والحامض، والحلو، والمُر، واللذيذ (طعم الجلوتامات الموجود في اللحوم وصلصة الصويا). من المنطقي بالنظر إلى حالة معرفتنا ألا يُكتشَف المذاق الأخير إلا في عام ١٩٩٩؛ فمفهوما المالح والحامض يسهل شرحهما نسبيًّا، بما أن كلًّا منهما ينطوي على نمط واحد من الجسيمات الذرية المشحونة (المسمَّاة بالأيونات)، التي تستطيع معظم الخلايا التعرُّفَ عليها. أما اللذيذ فمتعلِّق بنوع واحد فقط من الجزيئات، وهو جلوتامات الصوديوم. لكنْ ظلَّ الحلو والمُر محيِّرين؛ لأنه يوجد العديد من العناصر المختلفة التي تحفِّز هذين المذاقين دون أن تتشابه بالضرورة بعضها مع بعض، وهذا مدهش بصفة خاصة بالنسبة إلى العناصر المُرَّة؛ إذ يمكن أن يكون لها العديدُ من البنى المختلفة، التي — بالنسبة إلى عالِم الكيمياء — لا تتشابه على الإطلاق، ولكن يظل مذاقُها كلها واحدًا.
إن الاكتشافات البحثية الرائدة في مجال معين أشبه بحافلات لندن، بل إنها أسوأ؛ فأنت تنتظر لسنوات أو حتى لعقود من الزمان، ثم تأتيك خمسة اكتشافات على التوالي. وهكذا، أعلَنَ أيضًا فريقٌ من جامعة هارفرد منفصل عن فريق زوكر أنه اكتشفَ عائلةً من مُستقبِلات المذاق المُر نتيجةً لفرز التسلسلات الجينومية المتاحة للحمض النووي لدى الفأر والإنسان. وقد اكتشف فريق جون كارلسون من جامعة ييل جزيئاتٍ ربما تكون مُستقبِلات الطعم في ذبابة الفاكهة «دروسوفيلا مالنوجاستر»، كما أفاد بحث آخَر بوجود مُستقبِل آخر للمذاق اللذيذ.
من الواضح أن الوقت قد حان من أجل التوصُّل إلى فهم عميق للإدراك الحسي عن طريق المذاق، وقد آنَ أوانه بالفعل. بغضِّ النظر عن الغياب الشديد المحرج للتفسير العلمي فيما يخص هذا الجانب الجوهري من حياتنا اليومية، فقد يؤدِّي الفهم المتعمِّق إلى تطبيقات مفيدة؛ فالدواء المعروف بمرارته يمكن تخفيف مذاقه بإضافة عامِلٍ مضاد للمرارة (بدلًا من محاولة تغطيته بالكثير من السكر)، ويمكن تغيير مذاق الطعام الصحي ليصبح أفضلَ من الطعام غير الصحي، وإذا كنت لا تحب ما تأكله، فربما يمكنك تغييرَ المذاق إلى شيء أفضل. والأهم من ذلك، يمكنك أن تُقِيم حوارًا مشوِّقًا في حفل عشاء بشأن آلية عمل حاسة التذوُّق.
أحدث التطورات
قراءات إضافية
-
J. Chandrashekar et al., Nature, 2006, 444, 288.
-
G. Nelson et al., Nature, 2002, 416, 199.
-
X. Li et al., Proc. Natl Acad. Sci. USA, 2002, 99, 4692.