جزيئات جاكوبسون
استكمالًا لموضوع الإشارات الجنسية: في عام ٢٠٠٢، استهدَفَ علماء البيولوجيا الجزيئية مُستقبِلات الفيرومون المسئولة عن وظيفة عضو جاكوبسون في الفئران، تلك التي لا تزال غامضة إلى حدٍّ كبير. أعود فأكرِّر أن هذه نسخة من المفترض أنها جادَّة لمقالٍ كنتُ قد صغْتُه بأسلوب ساخِر، وأتطلَّعُ (بجديةٍ) إلى اليوم الذي يُتوصَّل فيه إلى تفسيرٍ لفيرومونات الإنسان ومُستقبِلاتها.
ملحوظة: انتبه إلى العبارة التي استعرتُها من كلمات أغنية ألانيس موريسات.
تقلقني إلى حدٍّ ما فكرةُ أن يقود الاستشعارُ الكيميائي اللاواعي في الفيرومونات سلوكَنا الجنسيَّ؛ مما يعني في نهاية المطاف أن جميع الألعاب الاجتماعية والتواصُل الفكري والإشارات الواضحة أو المستترة والمكائد البارعة والأفكار الرومانسية التي نستثمرها في لعبة المواعدة، قد يتحكَّم فيها نظامُ إشاراتٍ كيميائيٌّ نشترك فيه مع الفئران، بل حتى الحشرات أيضًا، وهو الذي يُعتبَر بدائيًّا للغاية لدرجة أن مخرجاته لا يسجِّلها المخُّ الواعي. إنه لَأمر رهيب!
لا عجبَ أن النظر بعين الاحترام إلى مثل هذه الأفكار قد استغرق وقتًا طويلًا. ومع أن العضو الميكعي الأنفي (المعروف أيضًا باسم عضو جاكوبسون نسبةً إلى أحد الباحثين الذي نشَرَ أوصافًا للأعضاء الميكعية الأنفية في الحيوان عام ١٨١١) قد اكتُشِف في الإنسان منذ حوالي ٣٠٠ سنة، فإن وظيفته في الثدييات وخصوصًا البشر قد أثارَتِ الكثيرَ من الجدل منذ ذلك الحين. في منتصف القرن العشرين، زعمَتْ كتبُ التشريح أن العضو الميكعي الأنفي في الإنسان — لو وُجِد على الإطلاق — هو عضو غير وظيفي نتيجة التطور البيولوجي. ولكن مع بداية تسعينيات القرن العشرين ظهرت أدلة جديدة تدعم وظيفته.
إن الوضع بالنسبة إلى وظيفة العضو الميكعي الأنفي أوضَحُ في حالة الزواحف والثدييات المنتمية لغير الرئيسيات، خصوصًا القوارض. في سبعينيات القرن العشرين، ثبت أن الاستئصال الجراحي لهذا العضو في الفئران يؤدِّي إلى ضعفٍ حادٍّ في السلوك الجنسي والاجتماعي دون أن يؤثِّر ذلك على سلوك التعرُّف على الروائح المنفصلة، الذي يُعتبَر ضروريًّا من أجل التعرُّف على الطعام. وبالتالي، تأكَّدت وظيفةُ عضو جاكوبسون في نهاية المطاف على أساسٍ فسيولوجيٍّ، ولكن الجزيئات المشتركة في أدائه لوظيفته ظلَّتْ محيِّرة.
تعمل الفيرومونات بتركيزات منخفضة للغاية، وغالبًا في خليطٍ متوازِنٍ على نحوٍ معقَّدٍ يصعب تحليله. أضِفْ إلى هذا حقيقةَ أنها لا تتفاعَل مع مخنا الواعي؛ ولهذا يتضح لنا السببُ وراءَ ندرة ما نعرفه عنها. فقط بعد أن أجرى علماءُ البيولوجيا الجزيئية تحليلًا منهجيًّا لجينوم الفأر، استطاعوا أن يفهموا بعض مُستقبِلات الفيرومون في الثدييات، التي يُحتمَل أن يوجد منها أكثر من مائة.
عند هذه المرحلة، تُثبِت التجاربُ بصفة أساسية أن ثمة رابطًا واضحًا بين الجينات التي يتمُّ التعبيرُ عنها في العضو الميكعي الأنفي وبين أنواعٍ معينة من السلوكيات الجنسية والاجتماعية، على الأقل في القوارض. وسيكون من اللازم إجراءُ المزيد من الدراسات التي تتناول الجيناتِ المنفردةَ والنواتجَ البروتينية والفيرومونات، إلى جانب التفاعلات وشبكات الإشارات بطول مُستقبِلات الفيرومون، لتحديد ما يحدث بالضبط في «الأنف الثانية».
ويظلُّ ثمة أمر مهم حول إن كان كلُّ هذا ينطبق أيضًا على البشر أم لا. مع أنه توجد مزيلات عرق في المتاجر تتعامَل ظاهريًّا مع عضو جاكوبسون، فإنه سيمر وقت طويل إلى حين يمكن تفسير هذه الجاذبية المتعذَّر تفسيرُها. ولكن بوجود مُستقبِلاتِ القوارض كعلامةٍ حيويةٍ، والبياناتِ المتاحة عن الجينوم البشري، سيكون من الممكن تعقُّبُ مُستقبِلات العضو الميكعي الأنفي في الإنسان واختبارُ هذه المنتجات عليها. وبناءً عليه، إذا كنتَ تخشى غرائزك الحيوانية، فقد تكون قادرًا على التحكُّم فيها في المستقبل، ولكن قد تصبح الحياةُ عندئذٍ أقلَّ إمتاعًا.
أحدث التطورات
للأسف ليس كثيرًا، وما زلتُ في انتظار خروج مُستقبِلات الفيرومون البشرية من مخابئها!
قراءات إضافية
-
L. Watson, Jacobson’s organ, Allen Lane, 1999.
-
B. G. Leypold et al., Proc. Natl Acad. Sci. USA, 2002, 99, 6376.
-
K. Del Punta et al., Nature, 2002, 419, 70.