الكمبيوتر الكمِّيُّ الأحادي الذرة
لقد كتب الفيزيائيون النظريُّون العديدَ من المقالات والكتب الكاملة عن الأمور الرائعة التي يمكن للمرء أن يحقِّقَها بواسطة الكمبيوتر الكمي. يوجد العديد من المسائل الحسابية المهمة التي تُصنَّف حاليًّا باعتبارها «مستعصيةَ الحل» لأن الوقت المستغرَق في إجراء العملية الحسابية يتضاعف أسيًّا مع زيادة عدد المتغيرات، وبالتالي يصبح التوقيت فلكيًّا بسرعة شديدة. سيكون الكمبيوتر الكمي الضخم قادرًا على حلِّ مثل هذه المسائل، بفضل الخواص المميزة التي تتيح للبِت الميكانيكي الكمي الواحد (الكيوبِت) أن يكوِّن الحالتين ٠ و١ في وقت واحد. ثمة عيب بسيط يتمثَّل في أن جميع طرق التشفير المستخدَمة اليوم في العديد من المجالات، بدايةً من المعاملات البنكية عبر الإنترنت ووصولًا إلى الاتصالات العسكرية، لن تكون آمنةً بعد الآن. ولكن، في مقابل ذلك، سيتيح لنا التشفير الكمي نوعًا جديدًا من التشفير تضمن سريَّتَه قوانينُ الفيزياء؛ وبالتالي ستكون كل الأمور في نصابها، وهذا ما تؤكِّده الناحيةُ النظرية على الأقل.
أما هنا، على أرض الواقع، فقد بلغت أجهزة الكمبيوتر الكمية عام ٢٠٠٣ مرحلة حيوية في مستهلِّ مراحل تطوُّرها، وهو ما يضاهي في تاريخ الكمبيوتر مرحلةَ اختراع الترانزستور. أُنتِج البِت الكمي الفعلي بالعديد من الطرق المختلفة، ويكمن التحدِّي الآن في تطويعه لإجراء العمليات الحسابية المستعصية. منذ خمس سنوات، كانت هناك تجربة رائدة باستخدام المِنظار الطيفي بالرنين النووي المغناطيسي المتاح تجاريًّا لملاحظة اللفات النووية لذراتٍ معيَّنةٍ في جزيئات صغيرة والتلاعُب بها، وقد نجحت هذه التجربة في نقل الخوارزميات الكمية من حيِّز النظرية إلى حيِّز التطبيق.
لكن سرعان ما اتضح أن هذه التقنية غير مناسبة عند مستوى آلاف الوحدات من البِت الكمي، في حين يمكن أن يصبح الكمبيوتر الكمي مفيدًا ويُثبِت تفوُّقَه على أجهزة الكمبيوتر التقليدية. لهذا السبب، تحمَّسَ الخبراء الذين التقوا في اجتماعٍ نقاشيٍّ بالجمعية الملكية في نوفمبر ٢٠٠٢ عندما سمعوا من رينر بلات أن فريقه من جامعة إنزبروك في النمسا قد تمكَّنَ من تنفيذ خوارزمية كميَّة بواسطة وحدتين من البِت الكمي، مستعينين بأيون كالسيوم واحد محتجز باعتباره جهازَ الكمبيوتر. وبينما تعتمد طرق الرنين النووي المغناطيسي على ملاحظة التجمعات الجزيئية التي تنتشر في أنبوب الرنين النووي المغناطيسي العادي، تمثِّل تجربة إنزبروك أولَ عملية حسابية كمية تُنفَّذ على نظامٍ يخضع بالكامل لسيطرة القائمين بالتجربة.
من الصعب للغاية التفكيرُ في مسألة حسابية يمكن حلها باستخدام وحدتَيْ بِت فقط من المعلومات، والأصعب من ذلك هو التفكير في مسألةٍ بهذا الحجم يمكن حلُّها بخطوات أقل على كمبيوتر كمي بدلًا من الكمبيوتر العادي. ثمة بعض من هذه المسائل، وقلة قليلة من الخوارزميات الكمية البسيطة التي يحاول الباحثون تنفيذها على أجهزة الكمبيوتر الكمية، وربما تكون المسألة الألمانية هي الأكثر دراسةً من بين هذه المسائل، وقد استُخدِمت في الأبحاث الرائدة لكلٍّ من الرنين النووي المغناطيسي والحوسبة الكمية باستخدام الأيونات المحتجزة. والمهمة هي تحديد إن كان الأمران متشابهين أم مختلفين، بافتراض أن كلًّا منهما يمكن أن يكون في إحدى حالتين فقط.
تخيَّلْ أنك تريد التأكُّد مما إن كانت الأنوار في غرفة نومك وفي الحمام على نفس الحالة (كلا المكانين مضاء، على سبيل المثال). سيتعيَّن عليك الذهاب إلى كلتا الغرفتين وملاحظة حالة الإضاءة في كلٍّ منهما، ثم مقارنة النتائج، ويمكنك حينئذٍ أن تعترض بأن في الأمر عناءً كبيرًا، لأنك تسعى إلى وحدة بِت واحدة فقط من المعلومات. وبما أن الأنوار يمكن أن تكون في نفس الحالة أو في حالة مختلفة، فثمة احتمالان فقط، وبالتالي فإن إجابة السؤال تتضمن المحتوى المعلوماتي لوحدة بِت واحدة. ولكن في الفيزياء التقليدية، لا مهربَ من حقيقة أنك مضطر إلى جمع وحدتَيْ بِت من المعلومات (حالة الإضاءة في كلِّ غرفة من الغرفتين، الأمر الذي لا يعنيك حقًّا)، ومقارنة الحالتين، واستنتاج نتيجة بت واحدة من هذه المقارنة.
الموثوقية والقوة النسبية التي لاحظهما فريق بلات في ذلك النظام الأحادي الأيون تشيران إلى أنه في المستقبل القريب يمكن تعديل حجمه ليضم عدة ذرات، ربما أيضًا من أنواع مختلفة. وقد يكون الطريق طويلًا للانتقال من التحكُّم في ذرة واحدة إلى التحكُّم في أكثر من ذرة، إلا أنه إذا أُتِيحت أجهزةُ كمبيوتر كمية بأعدادٍ هائلة من وحدات البِت الكمية، فستكون النتائج مُبهِرةً حقًّا، ليس من الناحية النظرية فحسب.
أحدث التطورات
شهد مجال الحوسبة الكمية تقدُّمًا بطيئًا بصفة عامة، ولكن في سبتمبر ٢٠٠٧ تقدَّمت أجهزة الكمبيوتر الكمية الفعلية خطوة للأمام؛ فقد أعلن فريقان بحثيان أن فوتونات معينة يمكن إنتاجُها في شريحة مجهرية، بحيث تتبادل المعلومات الكمية عبر دوائر فائقة التوصيل. وتتوافق هذه النتائج مع ما يشير إليه غلاف مجلة «نيتشر» (عدد ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٧) باعتباره «الحافلة الكمية». وبما أن هذا الإنجازَ معتمِدٌ على وسائل تصنيع نانوي قائمة بالفعل، فيجب أن يكون هدفه نسبيًّا أن يزيد إلى وحدات بِت متعددة، وربما إلى أجهزة متعددة تُنتَج على نطاق واسع.
قراءات إضافية
-
C. H. Bennett and D. P. DiVincenzo, Nature, 2000, 404, 247.
-
S. Gulde et al., Nature, 2003, 421, 48.
-
M. A. Sillanpää et al., Nature, 2007, 449, 438.
-
J. Majer et al., Nature, 2007, 449, 443.