من الحبر الإلكتروني إلى الورق الإلكتروني
لم تكن الشاشات التليفزيونية وشاشات الكمبيوتر الضخمة القديمة رائعةً بالمرة، وهي الآن تتراجع سريعًا أمام الشاشات المسطحة. ولكن هل يمكن أن تصبح الشاشات الإلكترونية مسطحةً ومَرِنةً مثل قطعة الورق؟ سيكون هذا رائعًا …
يُرجَى التفكير لبضع ثوانٍ في الورقة التي طُبِعت عليها هذه الكلمات. يا لها من نوعِ عرضٍ مفيد ومتعدِّد الاستعمالات! إنها رفيعة، وخفيفة، ومَرِنة، وقوية بصورة معقولة، يمكنك أن تقرأها في أي مكان، ويمكنك أن تحدِّد كلماتٍ معينةً أو تشطب عليها وتكتب تعليقاتك الخاصة بدلًا منها، ويمكنك أن تقطع الورقةَ لتحتفِظَ بالنص، أو أن تكوِّرها وتحاوِل أن تصوِّبها في سلة المهملات في الجانب الآخَر من الغرفة.
لكنَّ ثمة شيئًا واحدًا يعيبها؛ فبمجرد أن تَفرَغ من جميع الاستعمالات السابقة، تبقى الورقة في المكان الذي ألقيَتْها فيه، وتظل هدرًا للمكان وللموارد في المقام الأول، وحتى لو وضعتها في نهاية الأمر في حاويةِ إعادة التدوير، فإن إعادة إحيائها في صورة ورقة جديدة ستتطلَّب طاقةً. فَكِّرْ كَمْ سيكون الأمر أكثرَ سهولةً وحفاظًا على البيئة لو استطعْتَ أن تضغط بقلمك على أيقونة صغيرة في أسفل الصفحة، لتعرِض لك نفسُ الصفحةِ الملموسة الصفحةَ التالية من الكتاب، أو نصًّا آخَر. أو تخيَّلْ أنك انتهيْتَ توًّا من قراءة المجلد الأول من رواية هاري بوتر، فتنطق بالكلمات السحرية، وتفتح الكتاب من البداية مجدَّدًا، فتستطيع قراءة المجلد الثاني على نفس الصفحات.
وحاليًّا خطَا فريق جون رودجرز من معامل بيل، بالتعاون مع شركة إي إينك، الخطوةَ التالية؛ فبدمج أحدث التقنيات في التصنيع المجهري، وأشباه الموصلات الغريبة، والحبر الإلكتروني، بنوا ما يمكن تسميته أول ورقة إلكترونية؛ شاشة سمكها ميلِّمتر واحد فقط، قابلة للانثناء، وتتسم بمظهر الورق.
يتمثَّل المبدأ الذي يتيح للقارئ أن يقلب الورقة إلكترونيًّا في ترتيبٍ بسيطٍ من الترانزستورات المرتَّبَة على شبكة من الإحداثيَّيْن السيني والصادي. ويشترط وجود ترانزستور واحد لكلِّ بكسل، والنموذجُ الأوليُّ من الورق الإلكتروني يحتوي على ٢٥٦ منها: ١٦ صفًّا ﺑ ١٦ بكسل. ويُحدَّد كلُّ بكسل بقطب كهربائي من الذهب يرتبط بمصرف الترانزستور الخاص به، ويمكن التعامل معه على نحوٍ مستقلٍّ بتعريض الترانزستور لجهد كهربائي صغير، بواسطة الروابط المناسبة التي تتلاءم مع الإحداثيَّيْن السيني والصادي المتعلِّقين به. ويستغرق تغييرُ الشاشة بأكملها حوالي ثانية واحدة.
إن التكنولوجيا الرئيسية المستخدَمة لإنتاج ترانزستوراتٍ قويةٍ على ركيزةٍ مَرِنة هي استخدام طباعة التلامس الميكروي، وهي تكنولوجيا «الطباعة الرقيقة» التي ابتكرها فريق جورج وايتسايدز من جامعة هارفرد. تنطوي هذه التكنولوجيا على «ختم مطاطيٍّ» مجهري الصُّنْع عادةً ما يكون مصنوعًا من مادة متعدد السيلوكسين ثنائي الميثيل التي تستطيع نقل الجزيئات العضوية ذات الطبقة الأحادية النموذجية إلى الركيزة. وفي هذه الحالة، تكون الركيزة عبارة عن طبقة من الذهب (٢٠ نانومترًا) تقوم مقامَ طرفَي المنبع/المصرف في الترانزستور. وطباعة النمط المطلوب على الذهب تُؤمِّن له الحمايةَ في خطوة الحفر التالية، التي تنتج بواسطتها السمات المناسبة (نقاط تلامس المنبع والمصرف والأقطاب الكهربائية للبكسل).
لذا عندما تنظر إلى ورقة إلكترونية، فإنك تتعامَل مع قدر من الكيمياء أكثر مما ستجده في لباب الخشب العادي. بشكل إجمالي، توجد أولًا طبقةٌ شفافة من أكسيد قصدير الإنديوم الذي يعمل كقطب كهربائي تشترك فيه جميعُ البكسلات، ويعمل تعريض هذا القطب لشحنة موجبة على تحويل الشاشة بأكملها إلى اللون الأبيض، باستثناء البكسلات التي تتمتَّع بشاحنٍ أكبر على أقطابها الكهربائية المصنوعة من معدن الذهب. ثم يأتي دور الطبقة التي تتمتَّع بالكبسولات المجهرية للحبر الإلكتروني المشهور، تتبعها بنية الترانزستور: الأقطاب الكهربائية للذهب، والزجاج شبه الجُسيمي المصنوع من مركب «أورجانوسيلسكويكسان» العضوي الذي يقوم مقام العازل الكهربائي، والأقطاب الكهربائية للبوابة المصنوعة من أكسيد قصدير الإنديوم. وأخيرًا، في نهاية الصفحة بأكملها، توجد مادة زجاجية عادية؛ تريفثالات الأثيلين المتعدِّد التي تعمل كدعامة مَرِنة.
مع أن السُّمك الحالي أشبه بالورق المقوَّى أكثر منه بالورق العادي، فإن الانعكاسَ المنخفض للشاشة ودرجةَ وضوحها الشديدة يهدفان إلى إعطاء القارئ تأثيرًا شبيهًا بالورق تمامًا. تذكَّرْ فقط ألَّا ترميها في سلة إعادة التدوير.
أحدث التطورات
الورق الإلكتروني، مثله مثل الكتب الإلكترونية، من الأمور التي تبدو دائمًا وشيكةَ الحدوث. وفيما يبدو، فإن العديد من الشركات تتنافَسُ للتغلُّب على المعضلات المتبقية وطرح منتج صالح للبيع تجاريًّا. لكن حتى نوفمبر ٢٠٠٧، فجميع الكتب والمجلات الموجودة في بيتي لم تزل بالورق القديم المصنوع من لباب الشجر (أو الورق القابل لإعادة التدوير).
قراءات إضافية
-
B. Comiskey et al., Nature, 1998, 394, 253.
-
Y. Xia and G. M. Whitesides, Angew. Chem. Int. Ed., 1998, 37, 551.
-
J. A. Rogers et al., Proc. Natl Acad. Sci. USA, 2001, 98, 4835.