تجربة ٨: طبقة فوق طبقة
واليوم إذا ما التقت برجل، هب أنه بطَلنا، ستتصارع معه كيمياؤها لكنها ستمتزج معه، كأنها بورجيا وكأنه نيرون، كأن الأمر خدعة شيطانية صغيرة.
بعد ارتداء نظارتك الواقية، خذ كوبًا شفافًا صغيرًا وصُبَّ فيه نحو بوصة كاملة (٢٫٥سم) جلسرين (المقترح في «قائمة المشتريات والمحاليل»). خذ بعض الماء المصبوغ بألوان طعام وصُبَّ على الجلسرين وبنفس ارتفاع الجلسرين. ينبغي أن تلحظ طبقتَين مُتمايِزتَين في الكوب.
أضف عليهما طبقة من زيت الكانولا تلحظ ثلاث طبقات مختلفة. قلِّب الخليط. يختلط الماء الملون بالجلسرين، ويظل زيت الكانولا مستقرًّا في طبقة منفصلة عند التوقف عن التقليب، وقد يأخذ الأمر بضع دقائق حتى تنفصل الطبقات.
أضف طبقة من الصابون السائل إلى المحلول، ثم شاهده وهو يترسَّب بين طبقة خليط الجلسرين والماء وطبقة زيت الكانولا. الآن عندما تختلط الطبقات (قلب برفق كي لا تُحدِث فقاعات) يجعل الصابون زيت الكانولا يمتزج بالجلسرين. وينتج عن ذلك خليطٌ متجانس، وقد ينفصل الخليط مرة أخرى في نهاية الأمر، ولكن هذا قد يستغرق وقتًا أطول مما لو كان المنظف غير موجود.
انفصل المحلول في أول الأمر بسبب التفاوت في قوى الجذب البينجزيئية، وهي نوع من أنواع القوى البينجزيئية، وتحدث هذه الانجذابات بين الجزيئات على عكس القوى البينجزيئية — الروابط الكيميائية — التي تربط الأنوية داخل الجزيء.
وهذا الاختلاف مثل اختلاف كتاب مجلد إزاء الأوراق الملصقة معًا، فالغرض من جلدة الكتاب أن تظل ثابتة، ولا يتيسَّر فصل الغِراء الذي يُمسك الأوراق معًا بسهولة، وعند عزل جلدة الكتاب، يكون لديك رزمة من الورق ولم يعد لديك كتاب. في حين تُشبه الأوراق المُلصقة قوى الجذب البينجزيئية، ويُعنى بالأوراق الملصقة أنها ملصقة بشكل مؤقَّت من فوق السطح، ويُمكن بسهولة فكُّها ونقلها. إذا قمت بلصق مجموعة من الأوراق اللزجة في كتاب ثم أزلتها مرة أخرى، فإنك لا تزال تملك كتابًا سليمًا وأوراقًا لزجة، الأوراق اللزجة تلتصق بسبب قوى الجذب البينجزيئية.
وقد تعرضنا بالفعل لتأثيرات القوى البينجزيئية في مناقشتنا حول الترسيب والذوبان، وهنا يكون لقوى الجذب البينجزيئية بين جزيئات الماء الأثرُ في تكوين قفص الأيونات الذي يسمح لبعض الأملاح بالذوبان في المحاليل المائية. تشترك جزيئات الجلسرين في بعض التشابهات مع الماء، إلا أن جزيئات الجلسرين على حدةٍ لا تزال ينجذب بعضها لبعض بقوة ولا تقبل الماء بين طبقاتها إلا في وجود إثارة قوية، وحدثت الإثارة في هذه التجرِبة في صورة التقليب، لكن ما من قوة للتقليب استطاعت أن تُذيب زيت الكانولا في الجلسرين حتى أُضيف الصابون.
يلعب الصابون دور الدبلوماسي الأعظم في القوى البينجزيئية؛ ينسجم الصابون مع الانجذابات لكلٍّ من الماء والزيت ويختبرها جيدًا، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه كفاءته كعنصر منظف، يتحد الصابون بالشحم والزيت والقاذورات، ثم يتحد بالماء مما يسمح للقاذورات أن تذهب بعيدًا بالماء.
لكن تزيد أهمية الدور الذي تلعبه جزيئات أشباهِ الصابون، وهي الجزيئات التي تنجذب إلى كلٍّ من المواد شبه المائية والمواد شبه الزيتية، عن مجرد تنظيف البشَرة؛ فهي المكون الرئيسي لجدران الخلايا الحية في جلد الإنسان. فقد يبدو أن القوى البينجزيئية ليست ذات أهمية نسبيًّا في بادئ الأمر عند مقارنتها بالروابط الكيميائية، لكن في حين تحدد الروابط الكيميائية تركيب جزيء واحد، فإن قوى التجاذب البينجزيئية هي التي تُحدد كيفية تصرف هذا الجزيء تجاه الجزيئات الأخرى؛ فكل الحياة تدور حول تصرف الجزيئات كما لاحظنا في خصائص المواد الجزيئية والمخاليط.