مقدمة
عزف النغمات
قال إم والدمان: «إنني سعيد لأن يكون لي تلميذ، وإذا كان عملك على نفس قدر قدراتك، فأنا متيقن تمامًا من نجاحك. والكيمياء هي ذلك الفرع من الفلسفة الطبيعية التي حدث فيها أعظم التطورات، ولا تزال هناك إمكانية حدوث المزيد، إنها في غاية الأهمية حتى إنني جعلتها دراستي الخاصة.»
لقد قطعنا قدرًا لا بأس به، فقد ناقشنا طبيعة الكيمياء، وتركيب الذرات والمركبات الكيميائية، وخصائص العناصر كما هي موضحة في الجدول الدوري. واكتشفنا أيضًا الفئاتِ الأساسيةَ للتفاعلات الكيميائية مثل تفاعلات الأكسدة والاختزال، وتفاعلات الأحماض والقواعد، وكذلك تفاعلات الإزاحة. وشرحنا النظرية التي تشرح طبيعة الروابط الكيميائية ومبادئ التفاعلات الكيميائية. وناقشنا الاعتبارات العملية للقوى البينجزيئية والتركيز، كما درسنا الخصائص التي تقتصر على الغازات وتفاعلاتها. وكشفنا عن الفروق الصارخة بين الخصائص المراوغة للمحاليل والخصائص الملموسة للمواد الصلبة. ونقَّبنا في الديناميكا الحرارية واكتشفنا مرحلة الاتزان، وتفحصنا أهمية مفهوم الاتزان الكيميائي، ورأينا كيف أنه يُمكن لمبادئ الديناميكا الحرارية أن تتنبأ بخصائص المحاليل الترابطية المُلاحظة. واطَّلعنا على قواعد علم الحركية الكيميائية، وختمنا دراستنا لمبادئ الكيمياء بنظرة للكيمياء المستحَثَّة بالكهرباء والضوء.
يا له من عمل جيد!
وبعد أن قضينا الكثير من الوقت والجهد في البحث والتمعن والاستقصاء، نحن الآن مستعدون لجنيِ الثمار؛ إذ سنرى كيف تجتمع معًا هذه المبادئ الأساسية في بعض من مجالات الكيمياء المميزة والمتخصصة — مثل الكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية والكيمياء الحيوية والكيمياء التحليلية — وسنُلقي نظرة للأمام على مستقبل مثير.
وقبل أن نبدأ لنلقِ نظرة عامة قصيرة.
وأود أن أذكر أن الكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية ليستا تطبيقاتٍ للكيمياء بقدر ما هما استكشافاتٌ للكيمياء لها أهدافٌ محدَّدة. ويهتم أخصِّائيُّو الكيمياء العضوية بكيمياء الهيدروكربونات، وهي المواد المكوَّنة من كربون وهيدروجين مرتبطَين برابطة تساهمية. والهدف من الكيمياء العضوية هو تركيب خصائص السلاسل المترابطة وتفاعلاتها، والمعقودة في شكل حلقات للهيدروكربونات في كل تنويعاتها المطلَقة وفهمها، وتُوجَد هذه المواد في كافة أنحاء عالمنا الزيتي الشمعي، وفي المواد التي تُصنَع منها أجسادنا.
أما أخصائيو الكيمياء غير العضوية فهم يبحثون في المواد المصنوعة من العناصر المائة أو ما يزيد، الموجودةِ في الجدول الدوري، الذي يُعَد مشروعًا ضخمًا. ولكن، مع أن هذه المركبات غنية ومعقدة في سلوكها، فهي لا تكوِّن سلاسل طويلة ومترابطة مثلما تفعل الهيدروكربونات؛ ومِن ثَم يُمكن تنوعها في تركيبها العنصري. وتُكوِّن المواد غيرُ العضوية المحاليلَ الصخرية والمِلحية التي تُكوِّن الأرض والكواكب وموادَّ النجوم كافة. ويعمل أخصائيُّو الكيمياء غيرِ العضوية على استنباط تركيبات لأشباه الموصلات والموصلات الفائقةِ التوصيل، والسبائك والكثير غيرها من المواد الجديدة.
ويدرس علماءُ الكيمياء الحيوية هُويةَ المواد التي تُعَد أساسَ الحياة وخواصَّها وتفاعلاتها. وتُستمَد هذه المحاولة المهمة التي تتعقد باطِّرادٍ من جميع أنظمةِ الكيمياء، وتُوظَّف مبادئُ الكيمياء كلُّها لفهم تفاعلات الكيمياء التي تقود إيقاعات الحياة.
ويأخذ علماء الكيمياء التحليلية عن الأنظمة السابق ذِكرُها كافَّة. والهدف الذي يسعى نحوه علماءُ الكيمياء التحليلية هو تحديد هوية المواد ومقاديرها — سواءٌ أكانت موادَّ عضوية أم غير عضوية أم موادَّ كيميائية حيوية — عن طريق فصلها في بعض الأحيان من المزيج، وفي أحيان أخرى عن طريق عزلها في قالب معتم. وعلى كل كيميائي أن يتمتع ببعض الإجادة لفن تحليل المواد الكيميائية من حيث تركيبُها وتركيزُها. ويجد اختصاصيُّو الكيمياء التحليلية العملَ كجزء لا يتجزَّأ من المختبرات الأكاديمية والصناعية والحكومية. وسوف نكتسب بعض التقدير للبراعة الفنية التي يتمتع بها اختصاصيو الكيمياء التحليلية عن طريق متابعة بعضٍ من المغامرات الخاصة التي يتمتع بها اختصاصيُّو الكيمياء التحليلية — كيميائيو الطبِّ الشرعي — في أحداث يوم مشوِّق.
والآن، هيا بنا إلى المختبر …