تجربة الكيمياء العضوية: من أسبرين إلى حامض

لقد حدث هذا في غضون يومٍ من أيام الدراسة، حدث في خضمِّ انغماسهم في غموض الكيمياء العضوية وأسرارها أن دوريس فان بنشوتن اقتحمت حياتهم.

جاك لندن، «وجه القمر وروايات أخرى»، ١٩٠٥

عندما تمكنتُ من إذابة الهيدروكربونات التي كنت أعمل بها، تقابلت مرة أخرى مع مشكلة الشُّلتوس، وتفكرت مليًّا في الأمر برمته مرة أخرى.

آرثر كونان دويل في روايته «علامة الأربع»، ١٨٩٠

لأن الكربون يتمتع بخصائصَ فريدةٍ عديدة، مثل قدرته على تكوين سلاسل طويلة، تظهر المركَّبات العضوية — أو مركبات الكربون — في أنواع غير منتهيةِ العدد تقريبًا. ويقضي اختصاصيُّو الكيمياء العضوية وقتَهم في دراسة الطرق التي يتفاعل بها الكربون مع نفسه ومع المركبات الأخرى، ثم يَستخدمون هذه المعلومات لكي يُصمموا التراكيب، وهي إجراءات تدريجية يُمكن عن طريقها تخليقُ مركَّب معينٍ من المادة المعطاة في البداية. وقد صمم اختصاصيو الكيمياء العضوية، باستخدام معلوماتهم عن نشاط الكربون، تركيبًا لكل الموادِّ العضوية الرائعة التي لدينا، ابتداءً من اللدائن وحتى الأدوية. غير أن هذه الليونةَ التي تتمتَّع بها جزيئاتُ المواد العضوية تُمثل أيضًا التحديَ الذي تُكابده الكيمياء العضوية؛ إذ يجب مُراعاةُ الأنظمة التخليقية بشدة وهي قد تتضمَّن خطواتٍ عدةً تتطلب كلٌّ منها ضبطًا مُحكَمًا، وتُقدِّم التجرِبةُ الآتية لمحةً عن الخطوات التي قد تُتضمَّن في مثل هذا التخليق.

وفي هذه التجرِبة، سنعزل أولًا المكوِّن النشط الذي يُوجَد في الشكل الحديث للأسبرين، حامض الإستيل ساليسيليك، باستخدام إجراء يتمتع بقداسة تقادمه، خاص بالكيمياء العضوية يُسمَّى «الاستخلاص». ويُعَد تحضيرُ دليل الكرنب القرمزي نوعًا من الاستخلاص العضوي، فالصِّبغة القرمزية العضوية تُستخرَج من الكرنب مع الماء، وهنا سنستخدم الكحول لاستخراج حامض الإسيتيل ساليسيليك من الأسبرين.

ثم بعد ذلك، سوف نحول حامض الإسيتيل ساليسيليك إلى حامض الخليك عن طريق اتباع تخليق عضوي خطوة خطوة. ومعادلة التفاعل موضَّحة أدناه، ويُبين شكل ١ تركيب الجزيئات في التفاعل. وتُمثل الخطوط الموجودة بين رموز العناصر الروابط. لاحظ أن بعضها يُمثل روابطَ ثُنائية، فالكربون عنصر متنوع جدًّا.
fig40
شكل ١: يُمكن تحويل حامض الإسيتيل ساليسيليك، المكون النشط للأسبرين، إلى حامض ساليسيليك وحامض أسيتيك الذي هو مكون أساسي للخل.

والكيمياء العضوية هي نظام صارم، ولكن يُمكن تقليل الألم بقليل من الأسبرين.

استخلاص حامض الإسيتيل ساليسيليك وعزله

ضع من عشرة إلى خمسة عشر قرص أسبرين، سواء أكان أسبرينًا خالصًا أم في محلول منظَّم، في وعاء زجاجي. ارتدِ نظارة الأمان الواقية ثم صبَّ نصف كوب (١٢٠ مليلترًا) من كحول الأيزوبروبيل، ويُمكن أن يفيَ ٧٠٪ من الأيزوبروبيل بالغرض، لكن ينبغي أن تكون هذه الكمية كافية لتغطية الأقراص مع ترك بعض الفراغ. ولن يتطلب الأمر الكثير من المذيب لاستخراج حامض إسيتيل ساليسيليك من الأقراص. سخِّن الوعاء تسخينًا هينًا في ميكروويف على نصف الطاقة لمدة ثلاثين ثانية، ثم أخرجه. ينبغي أن يكون المذيب دافئًا وليس مغليًّا. يستخرج المذيب الدافئ مركب الأسبرين من الأقراص تاركًا الغلاف النشوي ومكونات أخرى غير مذابة. تذكر مناقشتنا التي تدور حول أن «الأشباه تُذيب الأشباه»، لا تُذِب النشا غير القطبية في مذيب الكحول والماء القطبي. إذا كان لديك ملعقة أو شوكة قديمة، يُمكنك أن تُفتت برفق المادةَ المتبقية لكي تحصل على المزيد من حامض إسيتيل ساليسيليك المستخلص. تستغرق هذه العملية ما يقرب من خمسَ عشرة إلى عشرين دقيقة، لكنك ينبغي أن تتحلى بالصبر.

خذ منشفة ورقية وابسطها فوق سطح كوب كبير. اضغط عليها من المنتصف بخفة حتى تشبه القمع. صب بحذر محلول الأسبرين والكحول عبر المنشفة الورقية، وسيعمل هذا على تجميع المتبقِّي من الأقراص في المنشفة الورقية، وسيسمح بنفاذ السائل الصافي، الذي يُدعى «السائل الأم»، إلى قاع الكوب. وبمجرد ترشيح كل المحلول، ارتدِ قفَّازك المصنوع من المطاط وأزِل المنشفة والمتبقيَ من الأقراص. حاول ألا تلمس الجزء الرَّطْب من المنشفة الورقية؛ إذ يكون المذيبُ مُحمَّلًا بحامض الإسيتيل ساليسيليك الذي قد يَعلَق ببشَرتِك بعدما يتبخَّر المذيب. قد ترغب في غسل يدَيك إذا حدث ذلك، مع أن الأسبرين لا يُعَد مركبًا خطيرًا عندما يعلق بنسب ضئيلة بيدَيك. والآن نجد أن حامض الإسيتيل ساليسيليك ذاب في الكحول الموجود في الكوب.

افتح الصنبور واملأ الكوب المحتويَ على السائل الأم بماء الصنبور الفاتر حتى يمتلئ نحو ثلاثة أرباع الكوب، وإذا كان استخلاصك للكحول ناجحًا، ينبغي أن يكون هناك بلَّورات بيضاء صغيرة مسطحة من حامض الإسيتيل ساليسيليك تملأ الخليط. ويُعتبَر حامض الإسيتيل ساليسيليك عديمَ القطبية إلى حد ما ويذوب بسهولة في مذيب عديم القطبية إلى حد ما مثل كحول الأيزوبروبيل، لكن ما إن يُضاف الماء ذو القطبية الشديدة حتى يُجبر حامض الإسيتيل ساليسيليك على الخروج من المحلول بسبب انخفاض قابليته للذوبان ويكون بلورات، ولكنها لا تظهر في شكل بلورات كبيرة مستقلة لكنها تميل إلى أن تُشبِه رقائقَ صابون بيضاء، وقد تبدو لزجة إلى أن تجف.

ومن المثير دائمًا أن تُلاحظ حجم البلورات المتكونة، ولا سيما عندما تُقارنه بحجم الأقراص التي استخدمت من البداية. أعد مرشحًا آخر باستخدام منشفة ورقية في كوب كبير وجمع فيه بلورات حامض الإسيتيل ساليسيليك عن طريق صب خليط الكحول والماء والبلورات في المنشفة. أزِل البلورات من الكوب الأول بغسله بقليل من ماء الصنبور الفاتر، ثم صب هذه الكيمياء الضئيلة عبر المنشفة الورقية. وسيعمل هذا أيضًا على إزالة البلورات من المنشفة. احتفظ بالبلورات في المنشفة وتخلص من المذيب المستعمل المتساقط من المنشفة الورقية.

عندئذٍ من الممكن أن تنتقل إلى الإجراء التالي، وفي حال إذا كان لديك متسَعٌ من الوقت، ابسط المنشفة التي تحوي البلورات على طاولة لتجفَّ في الهواء، قد يستغرق هذا الليلَ بطوله. تأكد من وضع البلورات بعيدًا عن متناول الأطفال والحيوانات الأليفة. وقد يكون النسيم القوي ضارًّا أيضًا لأن البلورات الجافة تكون هشة ورقيقة. لاحظ أن رائحة البلورات تختفي بمجرد أن تجف، وتختفي حتى أيضًا رائحةُ كحول الأيزوبروبيل. وعندما تجفُّ البلورات، يُمكِنك أن تُلاحظ كيف أصبحَت هشة عن طريق التقاط المنشفة. كان معظمُ الوزن الأصلي للبلَّورات المبللة خاصًّا بالمذيب.

التحلُّل بالماء المُحفَّز بالحمض إلى حامض الساليسيليك وحمض الخليك

إذا كنت قد تركت بلَّوراتك تجف طوال الليل، عندئذٍ ارتدِ نظارة الأمان الواقية مرة أخرى. خذ نحو ربع مقدار من بلورات حامض الإسيتيل ساليسيليك المبللة أو الجافة، وضَعْه في وعاء زجاجي يُمكِن أن يُستخدَم في التسخين. البلورات الجافة هشَّة للغاية وينبغي أن تتعامل معها بحذر حتى لا تتبعثر. خذ زجاجة من المحلول المُخفِّض لقلوية ماء حوض السمك الموصى بشرائه في قائمة المشتريات والمحاليل، ثم صبَّ منه قطرة قطرة حتى تُغطَّى عينة حامض الإسيتيل ساليسيليك تمامًا. والمحلول المُخفض للأس الهيدروجيني هو حامض الكبريتيك الذي يكون غير مركز جدًّا بحيث يتلاءم تمامًا مع هذا التفاعل، فهو يعمل كعامل حفاز؛ إذ يُسرع التفاعل ولا يُستهلَك في أثناء التفاعل. وينبغي أن تتوخَّى الحذر البالغ في هذه المرحلة من التجرِبة، إذ سيتبقَّى حامض الكبريتيك المخفَّف في نهاية التجرِبة، وحتى الحامض المخفَّف ينبغي أن يُعامَل بحذر بالغ.

سخِّن هذا الخليط ببطء لما يقرب من خمسَ عشْرةَ ثانية في فرن ميكروويف عند درجة حرارة منخفضة (بنسبة ٥٠٪). أخرج الوعاء من الميكروويف، وأبعد بيدك أيَّ روائح منبعثة من قمة الوعاء في اتجاه أنفك. نجد في نهاية التفاعل أن جزءًا من حامض الإسيتيل ساليسيليك سوف ينفصل عن هذا الجزيء بسبب البيئة الحامضيَّة. والجزيء الذي ينعزل يُصبح حامض الخليك الذي يُمثل الأساس النشط للخل، وفي آخر الأمر يُمكنك أن تُميز الرائحة بوضوح. وبمجرد تبخر حامض الخليك، تكون بقايا البلورات هي حامض الساليسيليك ذا التأثير المسكِّن للألم. ويُمكن التخلُّص من كافة المواد الصُّلبة بإلقائها في سلة القمامة، والتخلص من السوائل بسكبها بحذرٍ في المرحاض.

والتفاعل الذي أجريته لتوِّك هو تفاعل عضوي يُعرَف باسم التحلل المُحفَّز حامضيًّا. وهنا تتم عملية التحليل بالماء. وقد حدث في هذا التفاعل فصلُ حامض الإسيتيل ساليسيليك باستخدام الماء لتكوين حامض الساليسيليك وحامض الخليك كما هو موضَّح في شكل ١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤