مقدمة
إنها تبدأ بفرقعة … وضجيج
إنها الكيمياء يا أخي، الكيمياء! ما من شيء يُمكن أن نفعله حيالها، عليك أن تُفسح الطريق للكيمياء.
عليَّ أن أذهب إلى المختبر وأُمعِن النظر في بعض المواد من أحماض وأملاح وقلويات. لقد أحدث حامض الهيدروكلوريك ثقبًا كبيرًا بحجم الطبق في معطف المختبر من الأمام. إذا نجحت هذه النظرية فسأكون قادرًا على معالجة هذا الثقب بالنشادر القوي، أليس كذلك؟
بدأنا بهذَين الاقتباسَين لأنهما يعرضان مُلاحظتَين في غاية الأهمية؛ أولهما أنه إذا حكمنا على الأمور بعدد مراجع الكيمياء في الأدب الغربي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يتضح أن الثقافة الكيميائية كانت شائعة؛ فقد أظهر الكثيرون من المؤلفين الأوائل في الفترة من آرثر كونان دويل، وحتى إميلي ديكنسون؛ معرفةً وثيقة بمبادئ الكيمياء، وافترضوا وجود هذه المعرفة لدى قرائهم أيضًا. وللأسف، يتضاءل تَكرار مثل هذه التلميحات للكيمياء في الأدب المعاصر، الذي ربما يُعزَى إلى نقص الثقافة الكيميائية؛ سواءٌ من جانب المؤلفين أو من جانب القراء، ونحن نرى أن هذا الوضع يمكن تحسينه عن طريق إتاحة المزيد من الكيمياء حتى يتسنَّى للجميع الوصولُ إلى المعلومات الكيميائية، وهو الهدف من وراء هذا الكتاب.
ويوضح هذان الاقتباسان أيضًا انجذاب بعض الناس — في الماضي والحاضر — دون غيرهم إلى الكيمياء. لماذا هذا الاختلاف؟ أثَمة تنوُّع في خلايا المخ؟ أثمة جين كيميائي غير مكتشَفٍ بعد؟ ربما، لكن في الغالب لا وجود لمثل هذه الأمور، ولعلنا نجد تعليلًا أوضح في السِّيَر الذاتية المختصرة الآتية للفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء التي شُغِفوا بها أشدَّ الشغف:
وليس هناك جينات مشتركة بين هؤلاء، لكن ربما يكون هناك بعض الخصال الأخرى المشتركة بينهم. وقد يبدو للمرء أن هؤلاء الكيميائيين (كالكثيرين غيرهم) قد اتخذوا الكيمياء وسيلة للتسلية في المقام الأول. أيعني هذا أنه لكي تقدِّر الكيمياء حقَّ قدرها وأنت بالغ، كان يجب عليك أن تختار والِدَين يُهدِيانك مجموعة كيمياء وأنت صغير؟ لا. لم يَفُت الأوان بعد لتتمتع بروعة الكيمياء. لقد اتسم كل من ذكَرناهم من الحاصلين على جائزة نوبل في الكيمياء وهم صغار بفضول عظيم، وإذا التقطت هذا الكتاب ستتمتع أنت أيضًا بهذا الفضول، وأملنا هو أن تُشبِع هذا الفضول. ونحن نفخر أن نُقدِّم لك في هذا الكتاب مجموعة كيميائية متكاملة واقعية للكبار مع التجارِب، لكن الفارق الكبير بين منهجنا ومنهج معظم الكتابات الكيميائية الأخرى هو أن النتائج مشروحة والتجارِب متكاملة من أجل توضيح وتفسير علم الكيمياء. وسنُقدِّم وصفًا للنتائج المتوقعة مع كل تجرِبة، بالإضافة إلى شرح المبادئ الموضحة؛ ومن ثَم يتسنَّى للقارئ أن يختار أن يتمتع بالكتاب دون أن يُجري كلَّ الإجراءات المعطاة أو أيها في التجارب، لكنه قد يصعب مقاومة إغراء المشاركة في المرح حيث تُسمع أصوات الفرقعة والأصوات المدوية الأخرى.
وقد يُفهَم ضمنيًّا أيضًا من السير الذاتية المختصرة السابقة أن الكيميائي الناجح ينبغي أن يكون لديه، وهو طفل، مرشد أو رفيق يُناقش معه فنون الكيمياء. أيعني هذا أنه ينبغي أن يكون لديك مجموعة حوار لتُقدِّر مبادئ الكيمياء؟ ليست بالضرورة؛ فقد قدَّمنا ضربًا من الصحبة الافتراضية في قسمٍ «على سبيل المثال» يُقدم مقالات لمواضيع وثيقة الصلة للنظرية الكيميائية التي تُناقَش، وقد ألحقنا هذا الجزء لنُساعد القارئ على القيام بعمليات ربط بديهية مع مفاهيم الكيمياء، وأن يمحو الفكرة القائلة بأن الكيمياء غيرُ موجودة بدرجةٍ ما في خبرات الحياة اليومية.
خُذ على سبيل المثال، خبراتنا البسيطة مع قيادة السيارات؛ ما علاقة الكيمياء بالسيارات؟ كما هو جلي، ثَم الكثير بين الكيمياء والسيارات.
مثال تقديمي: الكيمياء والسيارات
سنُقدم طوال هذا الكتاب الكيمياء في مواقف متنوِّعة من أساليب الطهي وحتى طرق الكشف عن الجرائم، وسيصحبنا أول مثال في قسم الأمثلة، على سبيل المثال، في جولة سريعة حول موضوعات عدة سيجري تناولها في هذه الصفحات وتوضيحها باستخدام صورة للتكنولوجيا الحديثة، وهذه الصورة هي السيارة!
يتكون كتاب «روعة الكيمياء» من جزأَين: يعرض أولهما المبادئ الأساسية للكيمياء، في حين يدرس ثانيهما بعض المجالات المتخصصة في الكيمياء التي تُطبَّق فيها هذه المبادئ. ويُقدم الفصل الأول والثاني من الجزء الأول التركيبَ الذري، بصحبة أفضل صديق للكيميائي وهو الجدول الدوري. ويُحدد التركيبُ الذري كما يعكسه الجدول الدوري تركيبَ المركبات الكيميائية، مثل تلك التي تشترك في تكوين هيكل وطاقة مُحرِّك الاحتراق الداخلي الذي يعتمد على البنزين. ويتماثل نوع التفاعل المسئول عن تشغيل هذا المحرك مع نوع التفاعل الذي يوفر المعدن الذي يدخل في تركيبه تفاعلات الأكسدة والاختزال — التي سوف نتناولها في الفصل الثالث. وسنشرح الارتباط بين الكيمياء وعوادم السيارات في الفصل الرابع الذي يُمعِن النظر في كيمياء الأحماض والقواعد. وسنختبر الكيمياء التي تسدُّ مُبرد (رادياتير) السيارة في الفصل الخامس لدى شرح تفاعلات الإزاحة. أما خواصُّ العديد من المواد التي تتكون منها السيارة فما هي إلا نتيجةٌ للروابط الكيميائية التي سوف نُناقشها في الفصل السادس. ويدور الفصل السابع حول التحكم في التفاعلات الكيميائية المختلفة التي تحدث داخل السيارة، والتي تَحكمها مبادئُ التفاعلات الكيميائية، وكذلك التنبؤ بنتائج هذه التفاعلات. وفي الفصل الثامن سنشرح خواصَّ شحوم التزييت المستخدمة في السيارات في ضوء القوى البينَجزيئية. ويدور الفصل التاسع حول تركيز المخاليط التي تُعنى بأنظمة مثل المخنقة والمبرد وحتى البطارية. أما في الفصلَين العاشر والحادي عشر فنتناول التفاعل الاحتراقي الذي يُحول الجازولين إلى غاز، وخواص الغاز التي تدفع المكبس حيث نِصفُ مرحلة الحالة الغازية للمادة والتفاعلات الخاصة بهذه المرحلة.
ويتناول الفصل الثاني عشرَ وصف الحالة الصلبة للمادة وكيمياء السطح، ويدخل في نطاقه الصابون والمركبات الخافضة للتوتر السطحي والمستخدمة في عمليات غسيل وتشميع السيارات. ويغوص الفصل الثالث عشر، الذي يدور حول موضوع الديناميكا الحرارية، في المبرِّدات التي تُديرها السيارات. ويتركز موضوع الفصل الرابعَ عشر حول كل المعادن؛ إذ يبحث في التغييرات المرحلية للمواد النقية وللمخاليط. وبعد قراءة الفصل الخامس عشر حيث يُناقَش التوازن الكيميائي، سيكون القارئ أكثرَ قدرةً على استيعاب سبب تحول كل الجازولين إلى غاز. ويُمكن تطبيق الخواص المترابطة للمحاليل الموضحة في الفصل السادس عشر على إذابة الجليد المتراكم على الطرق، واستخدام موانع التجمد في مبردات السيارات. ويرتبط علم الحركة الكيميائي بطقطقة المحرك والمحولات التحفيزية، وهذا ما سنتناوله في الفصل السابع عشر. وتُلقي مناقشة الكيمياء الضوئية والكيمياء الكهربية الضوءَ في الفصل الثامنَ عشر على طلاء السيارات، ثم الطِّلاء بالكروم في المرحلة الأخيرة من الطلاء.
وسوف نُلقي نظرة في الجزء الثاني من الكتاب على المجالات المتخصصة في الكيمياء، وسوف نرى أيضًا أن هذا المجال وثيق الصلة بالحياة اليومية، وبالقيادة اليومية للسيارات. ويتحدث الفصل الأول من الجزء الثاني عن الكيمياء العضويَّة التي عن طريقها يجري تحويل المزيج الغني بالبترول إلى بلاستيك وبوليمرات؛ بحيث يُمكن أن تُستخدَم في التجهيزات الداخلية للسيارات، إلى جانب صناعة العدد والخراطيم والإطارات. وتُواجه الكيمياء العضوية اليوم تحديًا من نوع جديد، يتمثَّل في تطوير المواد المتماثلة من موادَّ خام جديدة؛ سواءٌ كانت هذه المواد كُتلًا حيوية، أو موادَّ أُعيدَ معالجتها؛ مما يُعَد تحديًا مثيرًا وشيقًا لعلماء الكيمياء المبدعين. وكما سنرى في الفصل الثاني من الجزء الثاني فإن علماء الكيمياء غيرِ العضوية لديهم عدد كبير من المواد في الجدول الدوري ليختاروا من بينها، وهم في ذلك يُواجهون تحدياتٍ عظيمةً. وسيُفضي أخذ أعمالهم بعين الاعتبار بنا إلى مناقشةٍ عن الفوائد التي يُمكن أن نجنيَها من خلايا الوقود في المستقبل، وكيفية عمل منظفات مبرد السيارة في الوقت الحالي.
وتتناول اهتمامات علماء الكيمياء الحيوية، كما هو مُسطَّر في الفصل الثالث من الجزء الثاني، أكثر العناصر خطورةً فيما يتصل بالسيارة وهو من يجلس أمام عجلة القيادة مباشرة ونعني به الإنسان، لكن المخاوف تنتابهم أيضًا بشأن مصادر المواد البديلة التي تُجنى من المحيط الحيوي والتحكم فيها. وندرس في الفصل الرابع من الجزء الثاني جهود الكيميائيين التحليليين، ونجد أن هذه النفوس الجسورة قد استمدَّت بعض الملامح من كل الأنظمة السابقِ وصفُها، وهذه هي وظيفة الكيميائيين التحليليين؛ أن تشهد بثبات وجودة الكثير من المواد بما فيها المواد المستخدمة في السيارات، وفي بعض المراحل تشهد بثبات وجودة الحياة البشرية، كما سنرى عندما ندرس إسهامات هذا المجال في كشف الجرائم تمامًا كإسهاماته في مجال السيارات. أما في الفصل الخامس فسنُحدِّق في كرتنا السحرية لنرى مستقبل الكيمياء، لنرى عالمًا مليئًا بالمصادر والمواد الجديدة، وبلا أدنى شك ستقود هذه الموادُّ الجديدة إلى اختراعات جديرة بالاعتبار، وبالطبع إلى سيارات جديدة!
أمستعدون؟ لنُزِح الستار ونرَ …