الاتزان الكيميائي: الكيمياء الثنائية الاتجاهات
جلسَت ليلي محدقة وهي غارقة في التفكير في الدخان الخارج من سيجارتها الذي يأخذ شكل حلقات زرقاء اللون.
ثم نطقت أخيرًا قائلة: «إنه يبدو لي أنك قضيت قدرًا لا بأس به من الوقت مع العنصر الذي تستنكره.»
استقبل سيلدن هذه اللطمة دون أن يرتبك، وردَّ قائلًا: «أجل، لكن الخيمياء الحقيقية تكمن في القدرة على إرجاع الذهب مرة أخرى إلى شيء آخر، وهذا هو السر الذي خفي على معظم أصدقائك.»
كان الغرض من التجربة السابقة، «عندما تتكافأ كل الأشياء»، هو إيضاح ثلاثة أمور غاية في الأهمية والحساسية فيما يتعلق بالتفاعلات الكيميائية ألا وهي: أولًا: مع أننا غالبًا ما نرمز للتفاعلات الكيميائية بأسهُم صغيرة، تشير إلى اتجاه التفاعل من المتفاعلات إلى النواتج؛ كالآتي:
فإنه في حقيقة الأمر، كما رُجِّح مرات عديدة في المناقشات السابقة، فإن التفاعلات الكيميائية هي تفاعلات ثنائية الاتجاهات، بمعنى أنها تفاعلات قابلةٌ للارتداد مرة أخرى. إذا كان من الممكن أن تُصبح أحدُ المواد المتفاعلة مادةً ناتجة؛ فمن ثَم يكون من الممكن للمادة الناتجة أن تُصبح مادةً متفاعلة أيضًا. ولذلك، مع أننا لم نُؤكد على هذا الجانب في التفاعلات الكيميائية حتى الآن، فإنه كلما حدث تفاعل كيميائي كان من الطبيعي أن يُوجَد خليطٌ من المتفاعلات والنواتج التي يُطلق عليها «خليط الاتزان».
في بعض الأحيان يكون من المؤكد أن التفاعل يسير باتجاه النواتج في المقام الأول، فعلى سبيل المثال، عندما ينفجر البارود، فغالبًا ما يتحوَّل بأكمله إلى نواتج، واللفظة «غالبًا» هي ظرف في غاية الأهمية هنا؛ إذ إن بقايا البارود ستزيد من شر الكثير من المجرمين وفي أوقات أخرى ربما يظلُّ مزيج التفاعل كما هو؛ إذ تبقى موادُّ المتفاعلات كما هي دون أن تدخل في تفاعل، وهو ما قد نُواجهه في طريقة هابر التي تُستخدَم لتحضير النشادر، وهو ما يُمكن أن نسترجعه من مناقشتنا لتفاعلات الحالة الغازية؛ إذ كان كلٌّ من غازَي الهيدروجين والنيتروجين حوله، لكن تعيَّن عليه أن يبذل قصارى جهده كي يخلطهما معًا لعمل النشادر. غير أن تفاعلاتٍ عديدةً أخرى تُشبه تفاعلات اللبن المُخثَّر، اللبن المُخثر هو اللبن الذي تتكون فيه الخثارة التي يُمكن صنعها عن طريق إضافة الخلِّ إلى اللبن، فما إن يُضاف الخل حتى تتكون الخثارة في التو، لكن يتبقى بعض اللبن والخل دون أن يتفاعلا معًا، ويحدث هذا التفاعل بسرعة شديدة لكنه بمجرد أن ينتهي، تظل نِسَب خثارة اللبن واللبن غير المتخثر والخل كما هي على مر الوقت؛ إذ يصل التفاعل إلى حالة من الاتزان.
النقطة الثانية التي أردنا أن نُوضحها من تجربة «عندما تتكافأ كل الأشياء» هي أن قولنا «إن التفاعل قد وصل إلى حالة الاتزان» ليس بنفس معنى قولنا «لا يُوجَد مزيدٌ من التفاعلات». في الواقع، تميل مَخاليط الاتزان إلى أن تكون نشطة للغاية — مع استمرار تحوُّل المتفاعلات إلى نواتج والنواتج إلى متفاعلات مرة أخرى. ويُمكن توضيحُ هذه الخاصية الحركية للنظام الكيميائي بطريقة مباشرة كالآتي: اقطع قطعة من ورق الحمام وضعها على حافة كوب يحوي القليل من الماء بحيث يتدلَّى طرَف قطعة الورق في الماء. يرتفع الماء في قطعة الورق لكن إلى حد معين إذ يصل كلٌّ من الماء وورق الحمام في آخر الأمر إلى حالة من الاتزان بين جذب الورقة للماء والانجذابات التي تحدث بين جزيئات الماء نفسها، والجاذبية التي تشدُّ الماء إلى أسفل. انتظر عشر دقائق حتى تسمح للورقة أن تتشبَّع بأكبر قدر ممكن من الماء، ثم أضف قطرة ألوان الطعام في بُقعة بعيدة تمامًا عن قطعة الورقة المتدلية في الماء، نجد أن لون الطعام ينتشر عن طريق الإنتروبيا (كما برهنَّا في الفصل الذي يدور حول الديناميكا الحرارية)، وفي النهاية يتسلل اللون لأعلى إلى الورقة أيضًا. يُمكن للون أن يتسلق إلى أعلى للورقة لأن جزيئات الورقة في حالة الاتزان تُغيِّر أماكنها دائمًا. وبعض جزيئات الورق تُصبح جزيئاتٍ ملطخةً بالماء وتُصبح جزيئات الماء هي جزيئات الورقة. وعند إضافة الصبغة تجلب جزيئات الماء الجديدة التي تحل محل الجزيئات القديمة الصبغة معها أيضًا إلى الورقة.
لكن مع كل هذا النشاط الحادث، فإن النظام لا يزال يحتفظ بالاتزان؛ لأن المتفاعلات تتحول إلى نواتج والنواتج تتحول إلى متفاعلات بمعدلات تحفظ الكميات النسبية نفسَها من المتفاعلات والنواتج، ونُطلِق على هذا النوع من الاتزان «الاتزان الديناميكي». ومع أن التأثير النهائي قد يبدو بلا تغيير فإنه يُحفَظ ثابتًا هكذا عن طريق معدلات التغيير الثابتة. ويُمكن أن نُشبِّه ذلك بما يحدث في حركة المرور، فعند مشاهدة إحدى إشارات المرور من طائرة هليكوبتر نجد أن كثافة السيارات المزدحمة في إحدى الطرق العامة تبدو ثابتة تمامًا، لكن ذلك في الواقع نتيجة للتغيير الثابت؛ فثمَّة سيارات تدخل وتخرج طوال الوقت.
وتُمثل السيارات في الطرق الجانبية المتفاعلاتِ، والسياراتُ في الطريق العام النواتجَ، ويُشير السهم هنا إلى الطريقَين؛ لأن السيارات تتدفق إلى الطريق العام وتخرج منه، ويكون نوع الاتزان هنا هو اتزانًا حركيًّا وانعكاسيًّا.
وفي الصباح الباكر يُمكن أن يُوجَد عدد قليل من السيارات في الطرق الجانبية وقليلٌ من السيارات في الطريق العام، لكن في السابعة والنصف صباحًا قد يتزايد عدد السيارات في الطرق الجانبية على حين غِرَّة.
وعلى الفور يستجيب النظام ويتزايَد عدد السيارات في الطريق العام حتى يحدثَ الاتزان مرة أخرى.
وبالرجوع إلى تجربتنا الكيميائية السابقة، نجد أن لدينا موقفًا حركيًّا وانعكاسيًّا أيضًا؛ إذ يتكون راسبُ كربونات النحاس لكنه ذاب مرة أخرى أيضًا. فعندما أضفنا الخل، فإننا أزلنا بعض الكربونات من الاتزان. والمادة الصلبة المذابة مرة أخرى ليست إلا محاولةً لاسترجاع تركيزات متزنة لكلٍّ من النواتج والمتفاعلات.
ومن الممكن أن يحدث أيضًا التوتر في الاتزان بسبب التغيير في كمية الطاقة المتاحة، فإذا كان التفاعل يتطلب طاقة، فمن الممكن أن يُنظَر إلى الطاقة على أنها أحد المتفاعلات. عندما أذبنا بيكربونات الصودا في الماء، لاحظنا أن المحلول أصبح باردًا، ورأينا أيضًا أن تدفئة محلول بيكربونات الصودا ساعدت على زيادة قابلية بيكربونات الصودا للذوبان.
وعند أخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار إلى جانب قاعدة لوشاتيليه، يُمكننا التحكم بالتفاعلات بالحرارة، فإذا كان التفاعل يتطلَّب وجود حرارة، فإن إيجاد الحرارة سوف يُغيِّر اتجاه التفاعل ليسير في اتجاه النواتج.
ويُمكننا أن نُغير اتجاه الاتزان إلى الطرف الآخر عن طريق تبريد المحلول، الذي هو في جوهره عملية إزالة للحرارة. عندما تركنا محلول بيكربونات الصودا الدافئ ليبرد، نتج المزيد من بيكربونات الصودا من المحلول.
والآن، بعد أن برهنَّا على أن التفاعلات الكيميائية هي تفاعلات حركية وانعكاسية؛ ومِن ثَم يكون التفاعل الكيميائي خليطًا متزنًا للمتفاعلات والنواتج. وقد شاهدنا أيضًا أن التفاعل يميل بقوةٍ في بعض الأحيان إلى أن يسير في اتجاه النواتج (كما في تفاعل البارود)، وأحيانًا في اتجاه المتفاعلات (كما في طريقة هابر لتخليق النشادر من النيتروجين والهيدروجين). غير أننا لم نُجِب عن هذا السؤال: لماذا يميل التفاعل في بعض الأحيان إلى السير في اتجاه المتفاعلات وفي أحيان أخرى في اتجاه النواتج؟ وما هو الشيء الذي يُحدِّد الاتجاه الذي سيَركَن إليه التوازن؟
الطاقة هي أحد العوامل المحددة، فالميل الطبيعي للأنظمة الكيميائية، وكذلك الحال في الأنظمة الفيزيائية الأخرى، هو الاتجاه إلى حالة أدنى من الطاقة. فعلى سبيل المثال تعادل الأحماض القواعد. وتضعف البطاريات. فعندما تتساوى العوامل الأخرى كافةً، فإن التفاعل سيُعدِّل تلقائيًّا من وضعه كي يُقلل من طاقته ويُفرغ الطاقة الزائدة في العملية، لكننا رأينا حامض الستريك يتوغَّل في المحلول بمنتهى التلقائية، فبرد الخليط الذي امتص الطاقة؛ ومن ثم لا تكون الطاقة الأدنى هي الأمرَ الوحيد الذي يُعتَدُّ به. ولكي نفهم العامل الثاني الذي يلعب دورًا هنا، ضع نُصب عينَيك الأمثلة التي طرحناها في بداية هذه المناقشة، لقد سار أحد التفاعلات في اتجاه النواتج على نحوٍ يكاد يكون تامًّا وهو تفاعل البارود، في حين ظل الآخر على نحوٍ شبهِ تام كمتفاعلات، كما الحال في عملية تخليق النشادر من النيتروجين والهيدروجين. فالتفاعل الذي سار في اتجاه النواتج، كوَّن نواتجَ في الحالة الغازية. والتفاعل الذي ظل في حالة المتفاعلات اشتمل على متفاعلات أكثرَ في الحالة الغازية. ما المثير في الحالة الغازية إذن؟ وما الذي تتمتَّع به الحالة الغازية دون الحالات الأخرى؟ المثير الذي تتمتع به الحالة الغازية هو الأنتروبيا؛ إذ تتمتع بالأنتروبيا الفياضة. وما يُحدد وضع الاتزان في آخر الأمر، ما إذا كان يميل إلى اتجاه المتفاعلات أم النواتج أم فيما بينهما هو المقايضة التي تحدث بين الطاقة والأنتروبيا، وهو الموقف الذي يُمكن أن يُشبَّه بمعرِض تجاري.
لقد انتشرت جدًّا المعارِض التِّجارية في عالمنا المعاصر لدرجة أنه يُوجَد الآن مَعارضُ تِجارية لأي شيء ولأي أحد، بداية من مُحبي الحاسبات الآلية إلى عُشاق المخيمات، ومن الكيميائيين إلى موظَّفي الإصلاحيات. وفي المعارض التجارية، وكذلك في المعارض التي تُقام في المراكز الكبرى المتخصصة في هذا الأمر، يُقيم الناس الذين يتخصصون في تجارة سلعة معينة أو يخدمون فئة معينة من الناس أكشاكًا لعرض بضائعهم. ولأن الغرض من المعرض التجاري هو فعليًّا الإعلانُ عن السلعة أكثرَ من بيعها، فإن العاملين يقيسون نجاحهم بعدد الناس الذين زاروا أكشاكهم، وقد يُقدم البائعون هدايا لجذب الزوار إلى أكشاكهم، مثل أقلام وقصافات أظافر وحافظات أوراق وما إلى ذلك. وفي معرضنا التجاري للاتزان سوف نتخيل معًا شركةً صغيرة وجريئة للغاية قرَّرت أن تُقدم رحلات مجانية كهدايا لأي أحد يزور كشكها، والآن لنرَ ما يُمكن أن يترتب على هذا الفعل.
غير أنه لن يكون بإمكان كل الناس الذهابُ إلى كشك الهدايا المجانية؛ لأنه لا يُوجَد مساحة حول الكشك كافية لتسع كل الناس، بعض الناس سوف يُدفَعون إلى الخارج وسوف يجدون أنفسهم مدفوعين نحو أكشاك أخرى. سوف ينتشر الناس عبر كل أنحاء صالة العرض؛ لأن الناس لا تُحبذ أن تكون متكدسة معًا، وسوف نُطلِق على هذه الرغبة في الانتشار بعشوائية «الأنتروبيا».
إذا كنا نُمسك بأيدينا حَفْنة من السكر فمن المؤكد أن ثمة جزيئًا من السكر في قبضة يدِنا، لكن إذا ألقينا هذه الحَفنة في المحيط، فإن جزيئات السكر سوف تنتشر إلى أربعة أطرافِ الكرة الأرضية. وهذا الدفع الذي تُثيره الأنتروبيا يُمكن أن يدفع بعض المتفاعلات على الأقل كي تمتصَّ مقدارًا ضئيلًا من الحرارة وتصعد في صورة طاقة. ولأن الناس لديهم رغبةٌ في الانتشار فإن بعضهم سوف يذهب إلى كشك الطاقة المرتفعة، ولعل واحدًا أو اثنَين سيدفع الدولاراتِ الخمسةَ رسم الدخول. وتتحكم رغبة الحضور في تقليل طاقتهم والانتشار في معدل الاتزان النهائي الذي حدث بين الناس في كشك النواتج، والناس في كشك المتفاعلات، لكن الميل سيكون إلى اتجاه النواتج.
وتتصرف التفاعلات الكيميائية بهذه الطريقة نفسها أيضًا. في حال حدوث الاتزان تُوزِّع الجزيئات نفسها بين النواتج والمتفاعلات بطريقةٍ تسمح لها بتقليل الطاقة إلى أدنى حدٍّ وتعظيم الوصول إلى أقصى حد من الأنتروبيا، لكن ثمة مقايضة دائمًا، ومع ذلك إذا لم تكسب الأنتروبيا الكثير في كِلا الموقفَين، فإن الطاقة الأدنى هي التي ستكسب الجولة. أما إذا كان هناك الكثير من الأنتروبيا لتُكتسَب، فحتى التفاعلات التي تتطلب لحدوثها طاقة يُمكن أن تحدث تلقائيًّا.
وبالطبع تتضمن بعض التفاعلات كل هذه المقومات؛ ففي الاحتراق الذي يحدث في محركات السيارات، يُقلل الجازولين الطاقة عن طريق طرد الحرارة ويَزيد الأنتروبيا عن طريق التحول إلى غازات، وتتسبَّب الطاقة المتولدة في تمدد الغازات، بل وزيادة الأنتروبيا أيضًا.
من ثَم تكون النواتج الأساسية الخارجة من الأنبوب الخلفي (شكمان السيارة) هي ثاني أكسيد الكربون والماء — مع القليل من السخام وأكسيد النيتروجين كما ذكرنا من قبل.
من ثم نكون قد بلَغنا مرادنا، وعليه يُحدَّد الوضع النهائي للاتزان عن طريق الرغبة في تقليل الطاقة وتعظيم الأنتروبيا وهو أقصى حالة من استقرار النظام، وتحدث المقايضة بين الطاقة والأنتروبيا. وقد نتذكر من مناقشتنا للديناميكا الحرارية أننا أطلقنا على هذه المقايضة مصطلح «الطاقة الحرة». وعندما لا يتوفر المزيد من الطاقة الحرة لكي تُطلَق أو لكي تعمل، فإننا نكون قد وصلنا إلى حالة مُرضية من الاتزان الساكن.
ودائمًا يُحقق الاتزانُ النجاح، ومع أنه قد يُحرَم من أن يكون له تأثيرٌ لوقتٍ ما، بل وقد يدخل النظام في حالة شبه استقرار، فإن التوازن يسود في نهاية الأمر. وتحظى التفاعلات الكيميائية بالمقدرة على الاستجابة لحالة الطاقة المنخفضة والأنتروبيا المرتفعة والتأقلم معهما؛ وذلك لأن التفاعلات الكيميائية تتسم بالقدرة على التحرك والانعكاس. وتعني القدرة على التحرك والانعكاس أن التفاعلات الكيميائية يُمكن أن تكون غاية في المرونة، ويُمكن التأثير فيها للحصول على المزيد من النواتج أو الرجوع إلى متفاعلات مرة أخرى. وتُعَد مثل هذه الممارسات أمرًا حتميًّا في الصناعة والمختبرات الكيميائية. غير أنها تحظى بأهمية تفوق كل ذلك، فالاتزان يخصنا جميعًا في حياتنا اليومية ما دمنا نحيا ونتنفس.
على سبيل المثال: الشهيق والزفير
يلعب الاتزان أدوارًا كثيرة في الأنظمة الحيوية، وأحد هذه الأدوار الذي قد يكون أكثر اعتيادًا لنا هو ذلك الدور الذي نختبره من ألف إلى ثلاثة آلاف مرة في الساعة الواحدة، على مدار أربع وعشرين ساعة يوميًّا — سواءٌ كانت السماء تُمطر أو الثلوج تتساقط، سواءٌ كنت نائمًا أو مستيقظًا — وسنتناول الآن الاتزان الذي يُحدِثه التنفُّس. وهنا سوف نعتبر الهيموجلوبين الخاليَ من الأوكسجين، والأوكسجين هما المتفاعلات، ومركب الهيموجلوبين المحمَّل بالأوكسجين هو الناتج. ويُمكن أن نوضح هذا التفاعل بالمعادلة الآتية:
وعندما يحوي الغلاف الجوي كميةً أقلَّ من الأوكسجين، كما هي الحال في الارتفاعات الشاهقة، فإنه قد لا يتدفَّق القدر الكافي من الأوكسجين إلى الرئتَين. وعندما لا تحصل الرئتان على حاجتهما من الأوكسجين يُصاب الفرد بالهيبوكسيا أو نقص الأوكسجين الذي قد يُسبِّب وجعًا في الرأس وإعياءً ودُوارًا وتعثرًا وغثيانًا. ويفقد الجسم توازنه، وهو أمر سيِّئ بالنسبة إلى الجسم. عندئذٍ يعمل الجسم على أساس مبادئ الاتزان؛ لذا إذا حدث عجزٌ في مكان ما، فإن الجسم يتدبر أمر نفسِه؛ كي يُعوض هذا العجز. وبالتأكيد لا يستطيع الجسم أن يُنتج الأوكسجين؛ لذا فهو يقوم بالخيار التالي الذي أمامه فيصنع المزيد من مادة المكونات الأخرى وهي الهيموجلوبين؛ ومن ثم يمتلك قاطنو الجبال هيموجلوبينًا أكثرَ من أولئك الذين يعيشون في مستوى سطح البحر مرةً ونصفَ المرة. وحتمًا يُسبب صنع المزيد من الهيموجلوبين نقصًا في البروتينات المستخدمة لصنع الهيموجلوبين مما يضغط على الخلايا لصنع المزيد من هذه البروتينات مما يخلق سلسلة كاملة منتظمة من تفاعلات إعادة التوازن التي تحدث جميعها بدافع تقليل الطاقة وتعظيم الأنتروبيا.
والسؤال هنا: أيُوجَد تفاعلٌ كيميائي لا ينطوي على تغيير في الطاقة والأنتروبيا؟ بالطبع لا. فتعريف التفاعل الكيميائي نفسه يقول إنه إذا كانت هناك مادةٌ جديدة تتكون، فثمة روابطُ كيميائية تتكوَّن وروابط تتكسَّر، مما يعني أنه سيكون هناك تغييرٌ في الطاقة والروابط. في حقيقة الأمر، من الصعب أن نتخيل حدوث أية عملية، فيزيائيةً كانت أم كيميائية، تتضمَّن وجود طاقة دون أن يُصاحبها وجود أنتروبيا. ومع ذلك، فثمة بعضُ العمليات الفيزيائية التي تدفعها الأنتروبيا ولا يُصاحبها أي تغيير فعلي في الطاقة. ويُعَد الخلط الطبيعي لألوان الطعام والماء مثالًا على العمليات المدفوعة بالأنتروبيا. ففعليًّا، ثمة فئةٌ كاملة من التفاعلات التي تدفعها الأنتروبيا وهو ما سنتعرَّض له الآن.