الإلكترونات والفوتونات: أنِر الضوء
ما الشيء المشترك بين الألعاب النارية وتغير لون أوراق الشجر في فصل الخريف؟ الشيء المشترك هو الكيمياء الضوئية، وهي الكيمياء التي يكون فيها الضوء إحدى مواد المتفاعلات أو النواتج. ففي الألعاب النارية يكون الضوء هو إحدى النواتج وهو أمر جليٌّ للعيان بالطبع، وفي تغيُّر لون أوراق الشجر في فصل الخريف يكون الضوء هو إحدى موادِّ التفاعل، فعند وضع كيس ورقي فوق كُتلة من أوراق الشجر المتساقط، فإن هذا سوف يمنع تغيُّر لونها؛ ومِن ثَم يُعتبَر الضوء إحدى موادِّ التفاعل في أشهَر تفاعلات التساقط.
ما الشيء المشترك بين البطاريات والمِصدَّات؟ الشيء المشترك هو الكيمياء الكهربائية، وهي الكيمياء التي تكون فيها الكهرباء هي أحدَ المتفاعلات أو النواتج. فالبطاريات تُنتج الكهرباء عبر التفاعلات الكيميائية، وتخلق قدرًا من الإلكترونات كافيًا لإنارة المصباح الكهربي. وعند الطِّلاء بالكهرباء يُستخدَم نبع من الإلكترونات لاختزال المعادن، مثل الكروم، على السطح، كما في المصدَّات في السيارات المعروفة بكراون فيكتوريا، موديل عام ١٩٥٦. ما الشيء المشترك بين الكيمياء الضوئية والكيمياء الكهربائية؟ كلاهما يُمثل بعضًا من أنواع التفاعلات الكيميائية التي تتضمن جسيماتٍ صغيرة، ولكنها ليست ذرَّات، ولكنها تُؤثر كيميائيًّا. وفي الكيمياء الكهربية تكون هذه الجسيمات الدقيقة هي الإلكتروناتِ التي نألَفُها الآن. أما في الكيمياء الضوئية فتكون الجسيمات الصغيرة فوتونات، وهي قد تحتاج إلى بعض الشرح.
ونبدأ الآن بشرح طبيعة الضوء، يُمكِن وصف الضوء على أنه «مجال كهرومغناطيسي متذبذب»، وهو مصطلح يحتاج شرحًا في حد ذاته. وتُعرَّف كلمة «مجال» في العلوم الفيزيائية على أنها الأثر الذي ينتشر عبر منطقة من الفراغ، فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك نارٌ مشتعلة في منتصَف فِناء، فإنها تخلق مجالًا من السخونة، وتكون درجة الحرارة أعلى في المكان المشتعلة فيه النيران، ثم تمتد الحرارة في المنطقة المحيطة وتقلُّ بالتدريج إلى أن تتلاشى مع بُعد المسافة عن النيران. والمجال المتذبذب هو ذلك المجال الذي يتغير بانتظام مع الوقت. فعندما تُسلِّط مِروَحة على كتلة جليدية فإنها تكون مثل المجال الحراري المتذبذب السابق، والمجال الكهرومغناطيسي المتذبذب هو مجال كهربائي متذبذب مصحوبًا بمجال مغناطيسي متذبذب.
ويُمكنك أن تُبين العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية باستخدام مسمار وقطعةٍ من السلك، وبطارية قاعدية الخلية جهدها ١٫٥ فولت، وحامل بطارية (يُمكنك استخدام حامل بطارية أو لا). يُلف السلك حول المسمار في سلسلة من اللفات الضيقة، وعندئذٍ تُوصِّل الأطراف أو تُمسِك بأطراف البطارية. وعليه، يُصبح المسمار مغناطيسًا كهربائيًّا، ويستطيع أن يلتقط مشبكًا معدنيًّا. ويُمكن أن يُشغَّل المِغناطيسُ ويُطفَأ عن طريق توصيل البطارية وفصلِها. وقد يسخن السلك؛ لذا لا تتركه موصلًا لفترة طويلة أكثرَ من الحاجة. ولا تُخزن على الإطلاق بطارية موصلة بأسلاك؛ لأنه قد يحدث تلامس وتسخن لدرجةٍ يُمكنها أن تُشعِل مادة قابلة للاشتعال.
والسؤال الذي نود أن نطرحه: لماذا يخلق التيار المتحرك مجالًا مغناطيسيًّا؟ لكي نكون أمناء تمامًا في الردِّ على هذا السؤال، أود أن أذكر أنه ما من أحد قطُّ أجاب عن هذا السؤال إجابة شافية بعد؛ لذا لن نُحاول نحن ذلك، لكن يكفي أن نذكر أن التأثير قوي للغاية، ويُقدم كيمياء مثيرة أيضًا.
لماذا يرتبط المجال الكهرومِغناطيسي المتذبذبُ بالكيمياء؟ كما يُمكن أن نتذكر من مناقشتنا للتركيب الذرِّي أن الذرةَ نفسها تتمتع بمجالٍ إلكتروني، كما أوضحنا بتجرِبة «الساحرة والماء». وتكون شحنة الإلكترون سالبةً وشحنة البروتون موجبة، وكلاهما منفصلان أحدُهما عن الآخر؛ ومِن ثَم يُوجَد بين الإلكترونات والبروتونات مجال، وهو مجال الجذب. وقد يمتصُّ الجزيء الطاقة من المجال الكهرومغناطيسي المتذبذب للضوء؛ لأن الإلكترونات تُدفَع وتُجذَب من أماكنها الطبيعية، كما لو كانت طفلًا يتأرجح على أُرْجوحة إذ يمتصُّ الطاقة من والِدَيه اللذَين يدفعانه من موضعِ الاتزان على الأرجوحة. تتلخَّص كلُّ الكيمياء في إعادة تنظيم الإلكترونات؛ ومِن ثَم قد تجد الإلكترونات المدفوعة في كلِّ مكانٍ نفسَها في موضع جديد، مما قد ينتج عنه موادُّ جديدة.
لكن لماذا قلنا إن الضوء قد يتفاعل مع الذرات؟ إذا كان الضوء هو مجالًا كهرومغناطيسيًّا متذبذبًا والذرات تحوي مجالًا كهربائيًّا، ألَا ينبغي إذن أن يتفاعل الضوء دائمًا مع الذرات؟ قد نجد الإجابة في سؤال آخر قد تكون سألته في غضون التجرِبة التي أجريناها في هذا الفصل، وهو: هل يجب عليَّ أن أشتري مِصباحَ ضوءٍ أسود؟ فهو مكلف للغاية! ألا يُمكن أن أستخدم المصباح العادي أو حتى أُعرِّض المحلول للشمس؟
والإجابة على ذلك هي أن الضوء الأسود يُقدم وفرة من الأشعة فوق البنفسَجية، وهي نوع الضوء الذي نحتاجه لإتمام التفاعل. ويُفسر عمل الأشعة فوق البنفسجية أيضًا لماذا يجب رصد نِسَب الكلور في حمامات السباحة، فلا يُمكن التسليم بوضع نفس الكمية من الكلور كل يوم؛ لأنه لا يُوجَد كمٌّ ثابت من أشعة الشمس كل يوم، لكن إذا كانت الشمس تُرسل أشعَّة فوق بنفسَجية، لماذا لا نكتفي بتعريض التفاعل لأشعة الشمس ونُوفِّر نفقات مصباح الضوء الأسود؟ والإجابة هي أن الأشعة فوق البنفسجية ليست الأشعة الوحيدة التي تُرسلها الشمس، وأن وجود أنواع أخرى من الأشعة قد يُؤثر على نتائج التجربة، فالشمس تُرسل أيضًا أشعَّة مرئية والأشعة تحت الحمراء، والأشعة تحت الحمراء يُمكنها أن تُسخن المحلول. وكما ذكرنا في مناقشتنا حول «الحركية الكيميائية»، تستطيع الحرارة أن تُسرع من التفاعل الكيميائي؛ ومِن ثَم إذا عرَّضنا المحلول للشمس، فإننا لن نكون متيقِّنين أيهما السبب في تفتيت مادة التبييض؛ الأشعة فوق البنفسجية أم الحرارة. ويكون نوع الضوء المطلوب لإتمام التفاعل محددًا للغاية؛ لأن نوع المجال الكهربائي المحيط بالجزيء محدَّد للغاية. ويعتمد المجال على طبيعة العناصر التي تكون الجزيء وموقعها في الجزيء.
وتعتمد الطاقة التي تحملها الأشعة على نوع الأشعة، فنوع الأشعة التي تُسخن المحلول إذا عرَّضناه للشمس (الأشعة تحت الحمراء)، هي أشعَّة منخفضة الطاقة نسبيًّا، والأشعة المرئية التي تستجيب لها أعينُنا هي أشعة متوسطة الطاقة، أما الأشعة فوق البنفسَجية التي أتمت التفاعل الكيميائي فهي أشعَّة عالية الطاقة نسبيًّا. والأشعة فوق البنفسجية هي ذلك النوع من الأشعة الذي يُمكنه أن يُدمر البشرة إذا تعرَّضت للشمس لفترات طويلة. ويُمكن أن تكون الأشعة التي نحتاجها لإتمام تفاعل كيميائي محددةً للغاية، لدرجة أن الأشعة يُمكن النظر إليها على أنها تيار من حُزَم الطاقة، يُحدِث كل جسيم فيها تغييرًا كيميائيًّا واحدًا. ويُطلَق على حُزَم الطاقة تلك فوتونات ويُمكن أن نعدَّها مثلما نعد الإلكترونات والجزيئات والذرات.
كيف يُمكن أن يكون الضوءُ جسيمًا وموجة؟ لقد أربك هذا السؤال أجيالًا من دارسي الكيمياء والفيزياء، لا سيما وأن الإجابة هي أن الضوء ليس هذا ولا ذاك — وهو هذا وذاك في الوقت ذاته — فالضوء يُمكن تصوره على هيئة جسيم عندما تكون صورة الجسيم مناسبة، ويُمكن تصوره على هيئة موجة عندما تكون صورة الموجة مناسبة، وفي الوقت ذاته لا تُعبر أيٌّ من الصورتَين عن جوهر الضوء، بل يُمثلان أحد جوانبه.
ويُمكِن أن نُشبه ذلك بالقطط المدلَّلة العادية التي تُربَّى في المنازل. هل القطط التي تُربَّى في المنازل هي حيوانات أليفة أم حيوانات متوحِّشة؟ تتصرف القطط كحيوانٍ أليف عندما تأتي أو تُدعَى للطعام أو للهو معها، لكنها تتصرف كحيوان متوحش عندما يعترض طريقَها عنكبوتٌ منحوس. إذن هل القط أليف أم متوحِّش؟ من الممكن أن نُطلِق عليه في وقت ما إحدى هاتَين الصفتَين، وفي وقت آخر الصفة الأخرى، فالقط ليس هذا ولا ذاك، وفي الوقت نفسِه هو كلاهما. وبالمثل، يُوصَف الضوء في بعض الأوقات على أنه جُسيم وفي أوقاتٍ أخرى على أنه موجة.
وقد شاهدنا بالفعل أن الضوء قادر على استثارة التفاعلات الكيميائية، لكن كيف يُمكننا أن نُوضِّح أن التفاعلات الكيميائية قادرة على إنتاج الضوء؟ إن أسهل طريقة على الأرجح هي الذَّهاب إلى أحد المعارض التِّجارية أو السيرك أو متجر بيع الأشياء المبتكرة لشراء أنابيب متوهجة. تعمل هذه الأنابيب الطويلة المكسوَّة بالبلاستيك والطويلة عن طريق ثَنيِها وبرمها حتى ينكسر الغشاء الذي يفصل ما بين سائلَين، ويمتزج هذان السائلان معًا ويتفاعلان، ويحوي هذان السائلان مواد تتفَسْفر عندما تتفاعل، وينتج عن ذلك أضواء متوهجة مبهجة. ويُمكننا أن نجد مثالًا آخر على ذلك في الألعاب النارية؛ إذ يسخن انفجار البارود الأملاح المعدنية الموجودة في الألعاب النارية إلى الدرجة التي تُثار بها الإلكترونات في مداراتها. وفي حين تسترخي الذرات عائدة إلى حالة سكونها الأكثرِ استقرارًا، تبثُّ الطاقة الزائدة في صورة ضوء.
وهكذا نجد أن الطاقة المنطلقة من الضوء يُمكنها أن تُحدِث بعض التفاعلات الكيميائية، لكن السؤال هنا هو: لماذا تطلق بعض التفاعلات ضوءًا؟ الإجابة هي أن التفاعلات الكيميائية تتكون من إلكترونات معادة التنظيم، واستنادًا إلى المواد الكاشفة والنواتج، قد تجد هذه الإلكترونات نفسها في مدارات جزيئات النواتج التي لا تكون في حالة الطاقة الدنيا، وكما هو الحال مع الإلكترونات في الألعاب النارية، ففي طريق عودتها إلى حالة السكون، قد تُطلِق بعض الضوء.
وثمة طريقة أخرى يُمكن عن طريقها إعادة ترتيب الإلكترونات في تفاعل كيميائي، وذلك عن طريق الأسلاك. والكيمياء الكهربائية هي كيمياء أكسدة واختزال، وهي تلك التي ينفصل فيها الموضع الذي تُجرى فيه تفاعلاتُ الأكسدة عن الموضع الذي تُجرى فيه تفاعلات الاختزال. وتظهر طبيعة الكيمياء الكهربائية في المقام الأول في شكلَين مميزَين، هما خلايا التحليل الكهربي والخلايا الفولتية (المعروفة بالجلفانية أيضًا). والخلايا الفولتية هي خلايا تنتج الكهرباء؛ من ثم تُصنَّف البطاريات باعتبارها خلايا فولتية. والمبادئ التي تقوم عليها فكرة عمل الخلايا الفولتية هي نفس المبادئ التي تقوم عليها باقي التفاعلات الكيميائية الأخرى، باستثناء أن الإلكترونات تتبادل بعضُها مع بعض عبر أسلاك، وليس عبر اتصال مباشر. والتفاعلات هي تفاعلات أكسدة واختزال (ولذلك هي تُنتج تيارًا من الإلكترونات) بمعنى أن التفاعلات تخضع لقوانين الديناميكا الحرارية وتميل إلى الاتزان (ولهذا تفقد البطاريات طاقتها)، وأن التفاعلات لها معدلات محددة (ولهذا يجب أن تُدفَّأ بعض البطاريات حتى تصل إلى درجة حرارة الغرفة قبل أن تُنتج الحد الأقصى من الطاقة).
لكن تفاعلات الكيمياء الكهربية يجب أن تخضع لقوانين الكهرباء أيضًا مثلما تخضع لقوانين الكيمياء؛ لذلك حتى إن اتصلت المحاليل عن طريق سلك، فإن الدائرة الكهربية يجب أن تكون مكتملة، وإلا فلن تنتقل الإلكترونات إلا بعيدًا ليس إلا. ويحدث الاتصال عامة عن طريق محلول يحتوي على أيونات يُسمَّى «الإلكتروليت». لأن الأيونات هي جسيمات صغيرة مشحونة تتحرك في الإلكتروليت وتكون قادرة على توصيل الشحنة الكهربائية من موضع الأكسدة إلى موضع الاختزال؛ إذ تتحرك الإلكترونات عبر السلك، وفي حال البطاريات التي تشتريها من المتجر، عادةً ما يكون الإلكتروليت في شكل عجينة رطبة وليس سائلًا، لكن في بطاريات السيارات التي تنتج تيارات كهربائية عالية، عادة ما يكون الإلكتروليت هو حامض الكبريتيك.
ويكون الليمون حامضيًّا؛ ومِن ثَم يُعَد عصير الليمون فعليًّا إلكتروليت جيدًا أيضًا. والآن ارتدِ نظارة الأمان الواقية، واغرز مسمارًا مطليًّا بالخارصين في طرف ليمونة ودبوسًا في طرفها الآخر في أحد شقوقها الضيقة، ثم قِسْ فرق الجهد الكهربائي بين المسمار والدبوس وباستخدام فولتميتر يُمكن شراؤه من متجر بيع الخردوات، عن طريق توصيل الطرَف السالب بالمسمار المطلي بالخارصين والطرف الموجب بالنُّحاس. يعتمد فرق الجهد المَقيس الفعلي على الليمون والعوامل الأخرى.
والتفاعل الذي يحدث في بطارية الليمون هو اختزال أيونات النحاس (إذ يذوب القليل من النحاس من دبوس النحاس في عصير الليمون الحامضي) وأكسدة الخارصين إلى أيونات الخارصين — وهي الحالة الأكثر ثباتًا وفقًا للديناميكا الحرارية. ولأن التفاعل يتحرك نحو حالة أكثر ثباتًا؛ ومِن ثَم يُمكنه أن ينتج الكهرباء تمامًا مثل الخلية الجلفانية. وخلية الإلكتروليت هي نقيض الخلية الجلفانية، ففي الخلية الجلفانية يُستخدَم التفاعل الكيميائي لكي يُنتج الكهرباء، أما في خلية الإلكتروليت فتُستخدَم الكهرباء لتُنتج التفاعل الكيميائي، ويُمكن عمل خلية إلكتروليتية كالآتي:
ارتدِ أولًا نظارة الأمان الواقية، ثم التقط مسمارك الحديد المطلي بالنحاس من التجربة السابقة، ثم أدخله في كوب يحوي نحو بوصة من المحلول المُخفِّض لقلويةِ ماءِ حوض السمك، المقترَح شراؤه في قائمة المشتريات والمحاليل. ثبِّت المسمار بواسطة سلك في الطرف الموجَب من بطارية جافة في حامل بطارية. أضف مسمارًا حديديًّا آخر إلى المحلول ثم وصِّله بالطرف السالب لنفس البطارية. يترك النحاسُ المسمارَ الحديدي الأول بالتدريج ويتحول ليُغطي المسمار الثاني. وهذه العملية، التي يُطلَق عليها الطلاء الكهربي، تُستخدَم لإضافة الطبقات المعدنية لكل شيء، بدءًا من المفروشات إلى المجوهرات. ويُمكِن أن يكون الغرض من الطلاء الكهربي هو التزيين، لكنه يتمتع بأغراض عملية أكثر، فهو يُستخدَم بنجاح ليحمي المعادن النشطة مثل الحديد أو سبائك الحديد من تأثيرات الصدأ التي تُحدِثها الرطوبة. ولماذا تُتلِف الرطوبة الحديد؟ قد يظن المرء أن الكباري الفولاذية التي يُمكنها أن تتحمل أطنانًا من الشحنات كل يوم ينبغي أن تُقاوم قطرات قليلة من الماء، ولكن تُشكل قطرات الماء على الحديد خليةً كهروكيميائية، تمامًا مثل سلك الحديد الذي يوصل ما بين محلولَين. في التفاعل المكون للصدأ، يتأكسد الحديد إلى أكسيد حديد الذي هو الصدأ، ويُختزَل الأوكسجين الموجود في الهواء إلى ماء. ولكي نُثبت أن هذا التفاعل يحدث في موضعَين مختلفَين — أحدهما للأكسدة والآخر للاختزال — فكِّك مشبكًا معدنيًّا، وضع نصفه داخل كوب يحتوي على خل والنصف الآخر خارج الخل لمدة يومَين. عندئذٍ خذ الدبوس خارج المحلول وتفحَّصْه تحت عدسة مكبرة. ينبغي أن ترى الصدأ متجمعًا على موضع واحد بعينه، ثم ستجد تحت بقعة الصدأ تلك منطقة نظيفة، فالصدأ يتجمع فوق المحلول؛ لأن التفاعل يحتاج إلى أوكسجين.
والآن أثبتنا أنَّ ثمةَ شيئًا مشتركًا بين الألعاب النارية وتغيُّر لون أوراق الشجر في فصل الخريف، وأيضًا هناك شيءٌ مشترك بين البطاريات والمصدَّات، لكن في هذا الفصل، نضع أساسًا مشتركًا لتلك الأشياء الأربعة معًا، إذن ما الشيء المشترك بين الألعاب النارية، وتغيُّر لون أوراق الشجر في فصل الخريف، والبطاريات، والمصدات؟ الشيء المشترك بينها هو الطاقة الشمسية.
على سبيل المثال: الفوتون يُقابل الإلكترون: الطاقة الشمسية
تستفيد كلٌّ من الحرباء وعبَّاد الشمس من الطاقة الشمسية منذ أمدٍ بعيد قبل أن يظهر الإنسان على وجه البسيطة، ويُمكن أن نقول بوجه عام إن كل الحياة مبنية على الطاقة الشمسية. غير أننا قد أضفنا تقنيات ضئيلة عبر السنين، فقد استعنَّا في بادئ الأمر بفكرة الحرباء، وطورنا مجمعات للطاقة الشمسية تمتص الطاقة من الشمس ثم تختزنها. كما طورنا أيضًا الخلايا الفوتوفلطية بنجاح في تشغيل الأجهزة الصغيرة مثل الآلات الحاسبة وحتى في تشغيل المنتجات التي تحتاج لمقدار هائل من الطاقة في المناطق التي تتعرض للشمس بغزارة. ويعمل العلماء أيضًا على استنباط تقنيات إبداعية أخرى للاستفادة من الطاقة الغزيرة المنبثقة من الشمس، وتتمثَّل إحدى هذه التقنيات في استغلال الطاقة الشمسية في التحويل الإلكتروليتي للملوثات.
ومن أكثر الملوثات صعوبة في السيطرة عليها، الملوثات العضوية التي تُشتق من المخصبات والمبيدات الحشرية. والمركبات العضوية هي أنواع من المواد يتركَّب منها الزيوت والشمع والبلاستيك، وهي مُقاوِم جيِّد للماءِ والأملاح البسيطة التركيب أو حتى الأحماض والقلويات، غير أن المواد العضوية يُمكن أن تتفتت عن طريق وضعها في خلايا إلكتروليتية ثم دفع إلكترونات عبرها أو إزالة إلكترونات منها، لكن الإلكترونات يجب أن تأتي من مصدر ما. فإذا دُفِع التيار في نبات يُحرَق بالزيت، فعندئذٍ تُنتج عملية تفتيت الملوثات ملوثاتٍ أخرى، ومن ثَم نعود إلى نقطة البداية. لكن لحسن الحظ، تُوجَد بعض المواد مثل جسيمات أكسيد التيتانيوم.
ويُستخدَم أكسيد التيتانيوم في مواد الدهان بسبب لونه الأبيض النقي، وعندما تظهر الشمس، يُمكن أن تمتصَّ جسيماتُ أكسيد التيتانيوم إشعاعاتِ الشمس، وتَستخدمَ هذه الطاقة في تنشيط إلكتروناته بجعلها في حالة نشطة وذات قدرة أكثرَ على التفاعل، عندئذٍ تعمل هذه الإلكترونات مثل مصادر الإلكترونات الصغيرة الحجم في البطاريات المصغَّرة لتحليل الملوثات العضوية جزيئًا جزيئًا. لذا كما هو الحال في أساطير إيسوب — التي تدور حول الصراع ما بين الشمس والرياح فيما يتعلق بأيِّهما الأقوى — نجد أن الذي يُقاوم القوة يُمكن التغلب عليه في كثير من الأحيان بالإقناع اللطيف. ضوء الشمس الدافئ المرحَّب به.