التزلق والانزلاق من منظور القوى البينجزيئية
في بادئ الأمر وجد نفسه يُحدِّق في اللوحة حين اجتاحه شعور بالاهتمام العلمي. مثل هذا التغير الذي كان ينبغي أن يحدث كان أمرًا لا يُصدَّق من وجهة نظره. على أن هذا التغيير كان حقيقة لا خيالًا. ترى هل هناك ألفة وثيقة بين الذرات الكيميائية التي شكلت نفسها على هيئة صورة ولون على هذه اللوحة وبين الروح الساكنة داخله؟
تلعب القوى البينجزيئية دورًا هامًّا في الكيمياء؛ فالقوى البينجزيئية هي قوة الانجذاب والتنافر التي تحدث بين الذرات والجزيئات وتختلف عن الروابط الكيميائية. ويُسبِّب كسر الرابطة الكيميائية نشوء مادة جديدة تتفاعل على نحوٍ مختلف مع المواد الكيميائية الأخرى، في حين لا يُغير كسر قوى الجذب البينجزيئية الصيغة الكيميائية أو النشاط الكيميائي، إلا أن القوى البينجزيئية تُحدد مدى سرعة حدوث التفاعل، أو إذا كان من الممكن حدوثه في أي وقت، وتُحدد القوى البينجزيئية أيضًا طبيعة المادة؛ سواءٌ كانت مادة سائلة أو صُلبة أو غازية في درجة حرارة معينة – وهو ما يُعَد أمرًا هامًّا للراغبين منا في الشرب أو الأكل أو التنفس!
وكان العلماء في أواخر القرن التاسعَ عشر وأوائل القرن العشرين لا يزالون يُجاهدون للوصول إلى فهم القوى البينجزيئية؛ لذا فمما لا شك فيه أن أوسكار وايلد لم تكن لديه صورة واضحة عن القوى البينجزيئية في عقله عندما كتب عن «الألفة الوثيقة» بين الذرات الكيميائية في روايته «صورة دوريان جراي»، إلا أن وصفه للذرات الكيميائية بأنها «وثيقة الألفة» كان مناسبًا. وتتسم القوى البينجزيئية بالتعقيد وتتكون من انجذابات وتنافرات. وتتمثل قوى الجذب في تلك القوى التي بين جزيئات الماء والتي تسمح للماء بأن يتكثَّف عندما يصل إلى درجة كافية من البرودة، وقوى التنافر البينجزيئية لجزيئات الماء هي ما تجعل الماء يبدو مثل الكتل الصلبة عندما يتصادم بعضها مع بعض بقوة (هل سبق لك أن صُدِمت بعنف بموجة عارمة في البحر؟) إذا لم يكن هناك انجذابات بينجزيئية، لتبخَّرت أجسادنا إلى غازات، وإذا لم يكن هناك تنافرات بينجزيئية، لهوينا في الوحل.
سوف نبدأ بقوى التنافر بين الجزيئات؛ فقد شاهدنا في تجربة «الساحرة والماء» التي قدمناها من قبل، سيلًا رفيعًا من الماء ينجذب إلى الملعقة البلاستيكية ذات الشحنة الإلكتروستاتيكية المكتسبة. بالمثل، إذا نُزعت قطعة من شريط لاصق بسرعة من بكرة الشريط، فإنها ستجذب إليها أيضًا سيلًا رفيعًا من الماء. لكن إذا نُزعت قطعتان من البكرة وتدلَّيَتا من بين الأصابع، فإن هاتَين القطعتَين ستُحاولان التنافر بعيدًا إحداهما عن الأخرى، حيث إنهما اكتسبتا الشحنة نفسَها عند إزالتهما من بكرة الشريط، وتنافرتا لأن الشحنات المتشابهة تتنافر. وعندما تنجذب ذرتان أو جزيئان بعضهما لبعض، فإنهما يقتربان بعضهما من بعض جدًّا، لكن ليس أكثرَ من حدٍّ معين. فالإلكترونات لديها بعضُ الاضطرابات فيما يخص الاقتراب، فعندما تقترب ذرتان أو جزيئان مختلفان أحدهما من الآخر بشدة، فإن التنافر بين سحب الإلكترونات سيَفصلهما.
وتُعتبَر قوى الجذب بين الجزيئات أيضًا ذات طبيعة كهربائية، لكن الموقف هنا يُمكن أن يكون أكثر صعوبة؛ لأنه من الممكن أن تعتمد قوى الجذب بين الجزيئات أكثر على شكل الجزيء، وهو الشكل الذي يخضع باستمرار إلى تغيُّرات طفيفة، وتكون الجزيئات في وضع حركة مستمرة؛ تهتز وتدور وتتطاير في كل الاتجاهات. علاوة على أن الجزيئات لا تتحرك بنفس السرعة، لكنها تتحرك في مدًى معين من السرعات، فليست جميعها تدور أو تهتز بنفس التردد، بل في مدًى معين من الترددات.
وتجعل هذه المتغيرات حساب مقدار حجم قوى التجاذب بين الجزيئات في أي موقف مستحيلًا ظاهريًّا، لكن بالرغم من فرديتها، فإنها تلتصق بعضها ببعض. ويُعتبَر فَهم هذا الالتصاق أمرًا في غاية الضرورة فيما يتعلق بفهم تصرُّف المواد. وكبداية لحل هذا الالتصاق الصعب سنعرف ثلاث طرق تنجذب بها الجزيئات بعضها إلى بعض: وهي انجذاب أيون موجب إلى أيون سالب، وانجذاب جزيء ثنائيِّ الاستقطاب إلى جزيء ثنائي الاستقطاب، ثم الفكرة الجديدة التي سنُناقشها وهي قوى التشتيت.
يُعتبَر انجذاب أيون موجب إلى أيون سالب تفاعلًا مباشرًا وقويًّا، وهو في حقيقة الأمر تفاعلٌ قوي جدًّا حتى إنه يميل إلى الهيمنة عند وجود الأيونات الموجبة والسالبة. وكما أشرنا في مناقشتنا عن الترسب، عندما تجد الأيونات المتضادة بعضها بعضًا، فإنها تُكوِّن رابطة أيونية وتخرج من المحلول، لكن الانجذابات الأيونية لا تسود دائمًا؛ فجزيئات الماء تعزل الأيونات بتكوين الأقفاص حول الأيونات، وتحدث أقفاص الماء هذه نتيجة لانجذابات الجزيئات ثنائية الاستقطاب بعضها إلى بعض، ولانجذابات الجزيئات ثنائية الاستقطاب إلى الأيون المفرد أيضًا.
وكما رأينا، تتفاعل الجزيئات القطبية بعضُها مع بعض مثلما يتفاعل القضيبُ المغناطيسي، ويُطلَق على التفاعل مصطلَح تفاعل «ثنائي الاستقطاب». وفي التفاعل ثنائي الاستقطاب يصطفُّ الطرَف الموجب لأحد الجزيئات القطبية مع الطرف السالب لجزيء آخر مثلما ينجذب القطب الشمالي لمغناطيس إلى القطب الجنوبي لمغناطيسٍ آخر، لكنَّ هذه القضبان المغناطيسية تدور وتهتزُّ وتتطاير في جميع الاتجاهات.
وقد كنا شَغوفين من قبلُ لمعرفة الكيفية التي يُساعد بها هذا التفاعل على بِناء الأقفاص حول الأيونات لحفظها في المحلول، لكنه يُعتبَر مهمًّا حتى في غياب الأيونات أيضًا. وتَعمل التفاعلات ثنائية الاستقطاب على حفظ جزيئات الماء معًا في الحالة المكثَّفة. ويُعتبَر الماء ماهرًا بصورة خاصة في أدائه كمُذيب وكمُكثف، ويرجع ذلك إلى أن جزيئات الماء صغيرة وقادرة حتى على اجتياز نوع آخر من الانجذاب، وهو انجذاب ثنائي الاستقطاب ويُسمَّى «الرابطة الهيدروجينية».
ويعتبر الماء بارعًا جدًّا في تكوين الأقفاص وفي إذابة الأيونات، ويُعزى ذلك إلى مقدرته على تكوين الروابط الهيدروجينية، وبسبب هذه القدرة الفائقة للماء كمُذيب؛ يُعتبَر الماء هو العاملَ الأساسي للكثير من التفاعلات الكيميائية الرئيسية بما فيها تلك التفاعلات المسئولة عن الحياة، فالكثير من المحاليل التي نتعامل معها بصفة يومية هي إما ماء وإما محاليل مائية.
ومن السوائل الأخرى الشائعة سائلُ الزيت، سواءٌ كان في شكل زيت الطهي أو في شكل البنزين أو غيرهما من المنتجات البترولية، وهذه المواد لا تُعتبَر ماء بشكل جذري فحسب، بل إنها أيضًا لا تمتزج مع الماء جيدًا. وتُعرَف الزيوت والمنتجات البترولية بمصطلح «الهيدروكربونات»؛ لأنها تتألَّف في المقام الأول من هيدروجين منتظم في سلاسل مع الكربون، وتختلف قوى الجذب البينجزيئية الخاصة بهما عن تلك التي للماء.
وقد يُعتقَد للوهلة الأولى أن الروابط التي بين الهيدروكربونات هي روابطُ قطبية أيضًا. الهيدروجين والكربون ليسا قريبَين للغاية أحدهما من الآخر في الجدول الدوري، وعليه ثَمة فرق كبير جدًّا بينهما في السالبية الكهربية، لكن كما ستتذكَّر، لا يتبع الهيدروجين الاتجاهات العامة — فهو صغير للغاية عن أن يحمل الكثير من الشحنات السالبة — ومن ثَم يُعتبَر الهيدروجين بالفعل قريبًا جدًّا من الكربون في السالبية الكهربية. بالإضافة إلى أنه يمكن أن تتوزَّع ذرات الهيدروجين بالتساوي حول ذرة الكربون في الهيدروكربونات؛ لذا تميل القطبية الضئيلة التي تتمتع بها رابطة الكربون والهيدروجين إلى أن تتعادل، لكن الهيدروكربونات تُكوِّن بشكل بديهي سوائل، وحتى المواد الصلبة منها تُسمَّى موادَّ شمعية؛ ومِن ثَم ينبغي أن يكون هناك شكلٌ من أشكال الانجذابات البينجزيئية.
ويمكن فَهم تكثُّف الهيدروكربونات على نحوٍ أفضل عند إدراك أن الهيدروكربونات الكبرى هي التي تتكثف عادةً بسهولة أكثر. فيكون الميثان المكون من ذرة كربون واحدة وأربع ذرات هيدروجين غازًا (غاز المستنقعات على وجه الدقة) في درجة الحرارة والضغط العاديَّين. أما الأوكتان المكون من ثماني ذرات كربون في سلسلة وثماني عشرة ذرة هيدروجين فيكون سائلًا في الظروف العادية، وتميل الهيدروكربونات الأطول إلى أن تكون سوائلَ في درجة حرارة وضغط الغرفة، حيث تنجدل السلاسل الطويلة بعضها حول بعض. ونتيجة هذا التشابك تكون السلاسل قريبةً بعضُها من بعض، ويؤدي هذا القرب إلى زيادة تأثير قوى التجاذب الضعيفة للروابط القطبية على عملية الالتصاق أيضًا.
ومثلما تسبَّبت الملعقة البلاستيكية المشحونة مؤقتًا في تجرِبة «الساحرة والماء» في جعل الماء ينجذب نحوها، فإن القطبية الثنائية المستحَثة في أحد الأنواع تستحث القطبية الثنائية في نوع آخر، ولا تُعتبَر قوى التشتيت مؤثِّرة عبر رقعة ما بالقدر نفسه من الانجذابات القطبية الثنائية، إلا أنها كافية لتعليل وجود سائل الهليوم، وكذلك سائل النيتروجين وسائل الأوكسجين.
لكن لا يتكثف الهليوم تقريبًا بنفس سهولة تكثف الماء؛ لأن الهليوم لديه نوعٌ واحد من الانجذاب. أما الماء فلديه تراكمات من الانجذابات البينجزيئية. ويوجد في الماء المالح تباديل التفاعلات كافة؛ فثمة انجذابات قطبية، وانجذابات نتيجة قوى التشتيت، وانجذابات أيون مع أيون وانجذابات قطبية مع قوى تشتيت، وأيون مع قوى تشتيت؛ ومن ثَم يتسم الموقف كما لاحظنا بغاية التعقيد، أضف إلى هذا التعقيد حقيقة أن تأثير الانجذابات تقل مع المسافة التي تتغير دائمًا بسبب الأوضاع المتعددة لحركة الجزيء، ويُصبح الموقف ميئوسًا منه جدًّا.
من حسن الحظ أنه ليس علينا أن نُحلِّل بشدة كل تفاعل على حدةٍ كي نفهم الأثر النهائي — الأثر الذي يُوضِّح نفسه في العديد من الظواهر المعروفة مثل الاحتكاك والتماسك والالتصاق والفعل الشعري (متعلق بالخاصية الشعرية) والذوبان وفعل الصابون.
قد تكون قوى الاحتكاك أكثرَ القوى، التي يجب أن نتعامل معها بصفة يومية، تعقيدًا وسحرًا، تنشأ قوى الاحتكاك من مصدرَين — هما العوائق المادية للحركة والقوى البينجزيئية — لهذا السبب لا يُمكن إبطالُها تمامًا، وتتمثل العوائق المادية للحركة في الحواف البالِغةِ الصغر والمناطق الخشنة التي يُمكنك أن تجدها دائمًا إذا أمعنت النظر جيدًا. عند القيام بمحاولةٍ لجر إحدى المواد على مادة أخرى، فإن المناطق الخشنة لأحد الجوانب تُمسِك بالجوانب الخشنة لأحد جوانب المادة الأخرى، وتُسبب الاحتكاك أو مقاومة الحركة. بإزالة المناطق الخشنة يُمكن التغلبُ على هذا الأمر لكن إلى حدٍّ معين فقط، وعندما تُصبح المادة ملساءَ جدًّا تزداد إمكانية حدوث انجذابات بينجزيئية.
يُساعد الشحم أحيانًا على تقليل الاحتكاك؛ لأن الشحم يُكوِّن طبقة تعمل على عزل المواد المتحركة، ويُسبِّب الاحتكاك داخل الشحم، عندما يشد في اتجاهٍ واحد أو في الاتجاه المعاكس، في نهاية الأمر، تحلل الشحم، ولهذا السبب يجب تغيير الشحم الذي يُوجَد في الماكينات بصفة دورية، وكذلك الزيوت ومواد التشحيم في السيارات.
ويُمثِّل التماسك ميل الجزيئات المتشابهة لأن يلتصق بعضها ببعض، فعلى سبيل المثال، يُفضل الزيت أن يظل مع الزيت، والماء مع الماء، لهذا السبب يُمكِنهما الانعزال عند السماح لهما بالوجود بدون تأثير عليهما، وينتج التوتر السطحي، الذي يتَّضح في ارتفاع الماء الذي يأخذ الشكل المنحنيَ على قمة الكوب أو الملعقة، عن قوى التماسك. ويُظهر الماء قدرًا لا بأس به من التماسك بسبب نزوعه الشديد إلى تكوين روابط هيدروجينية؛ ومن ثَم قدر لا بأس به من التوتر السطحي. ويُعَد التوتر السطحي للبرك قويًّا بقدرٍ كافٍ يسمح بإيواء عالم من المخلوقات تمشي على الماء.
أما الالتصاق، كما نرى في الشريط اللاصق، فهو ميل الموادِّ المختلفة إلى الالتصاق معًا، ويُعَد الالتصاق أحدَ العوامل الرئيسة المضطَلِعة بمسئولية موجات السطح في المسطَّحات المائية. ومع أن الفيزياء تنمُّ عن عملية مُقايَضة غاية في التعقيد، تتضمن العديد من القوى؛ فإن الموجات تبدأ عن طريق التصاق الماء بالرياح التي تهب فوق المياه. وفكرة صب الزيت على المياه المضطربة، التي تُستخدَم غالبًا كمجاز عن التأثير المهدِّئ، تُبنَى على أسس فيزيائية، وكانت تُستخدَم بالفعل عن طريق مركبات صيد الحيتان في الماضي، وقد نجحت نجاحًا محدودًا. يعوق الزيت التصاق الماء بالرياح؛ ومن ثَم يُمكنه أن يُسكِّن بعض الأمواج التي تُسببها الرياح، وبالطبع لا تتأثر بذلك الموجاتُ الكبيرة التي قد تكوَّنَت بالفعل وتحركَت بقوتها الدافعة؛ لذا لا تستغرق الكثير من الوقت في البحث عن زجاجة زيت السلطة عندما يأتي الإعصار، كل ما عليك فعله هو أن تلوذ بالفرار.
والقابلية المتبادلة للذوبان هي ما تجعل الماء والكحول لا ينفصلان عادةً في طبقات في كأس الكوكتيل. وقد يأخذ بعض الشراب مثل عصير الرُّمان وقتًا أطولَ حتى يمتزج بسبب قوى الانجذاب البينجزيئية داخل الشراب ذاتِه، لكن إذا ترَكناه وقتًا كافيًا، فإنه يتوزع في نهاية الأمر في طبقات رائعة في كل المشروب، لكن كل ما يُهِمنا عادةً هو الشرب وليس الانتظار؛ لذا لا نلحظ ذلك الأثر.
ويُعتبَر الالتصاقُ هو أساسَ الفعل الشعري أو ميل السوائل إلى أن تسلك الاتجاه المعاكس للجاذبية. يكون لجزيئات المادة المتجهة لأعلى جاذبية أكبر نحو السطح فتتحرك إليه لأعلى، ويظل باقي السائل منجذبًا لأسفل بفعل الجاذبية. تعمل أوراق الحمام بِناء على فكرة الفعل الشعري؛ لهذا تصلح أوراق الحمام في امتصاص بعض السوائل عن غيرها. حاول أن تصبَّ كمية من الماء وأخرى من الجلسرين أو زيت الطهي على سطح ما ثم اغمس في كلٍّ منهما طرفَ ورقة من ورق الحمام. تتشرب قطعة الورق الماء أسرع من الزيت. ينجذب الماء بشكل أكبر إلى جزيئات ورق الحمام. تنجذب جزيئات الزيت بشكل أكبر بعضها إلى بعض.
ويُعتبَر الالتصاق أيضًا هو أساس القول المأثور «الأشباه تُذيب الأشباه» بمعنى السوائل شبه الزيتية تُذيب السوائل شبه الزيتية والسوائل شبه المائية تُذيب السوائل شبه المائية. ويُوضح القولُ «الأشباه تُذيب الأشباه» السببَ في أن إضافة فرخ تجفيف مانع لتكوُّن الشحنات الساكنة إلى الماء عندما يُنقَع إناء متسخ بمخلَّفات زيوت الطعام تُساعد على إزالة المادة الزيتية. هذه الأفراخ تُضيف طبقة رفيعة جدًّا من الزيت إلى الملابس التي يجري تجفيفها مما يمنع الاحتكاك من انتزاع إلكترونات؛ ومن ثَم توليد شحنة كهربية. ويمتزج هذا الزيتُ غير القطبي نفسُه مع الشحم المجفف غير القطبي ويعمل على إزالته عن الوعاء. وعلى المنوال نفسِه، يُساعد زيت الطعام على إزالة الضمادة من على الجلد دون الحاجة إلى تقشير الجلد. ويختلط الزيت مع المواد شبه الزيتية التي توجد في الغراء. ويشرح القولُ المأثور «الأشباه تُذيب الأشباه» فعلَ الصابون أيضًا.
يتكون الصابون من سلسلة طويلة من الهيدروكربون مُلحِقًا أحدَ طرَفَيها بمجموعة تحوي الأوكسجين، والطرف الملحق به المجموعة التي تحوي الأوكسجين قابل للذوبان في الماء؛ وذلك لأن هذا الطرف قطبي وقادر على تكوين الروابط الهيدروجينية. أما الهيدروكربونات الأخرى مثل الشحم على سبيل المثال فهي قابلة للذوبان في الأطراف الهيدروكربونية للصابون، وتُحمَل إلى محلول الماء من الطرف القابل للذوبان في الماء. ويُعتبَر هذا النوع نفسُه من الجزيئات، الذي يكون أحد طرفَيه قابلًا للذوبان في الماء والطرف الآخر قابلًا للذوبان في الشحم، حيويًّا لتركيب الخلايا والأنواع الأخرى من الكيمياء المانحة للحياة. فعلى سبيل المثال يحتاج الجسم إلى موادَّ عديدة غير قطبية حتى تُنقَل عن طريق الدم المعتمِد على الماء، وتُساعد الجزيئات التي تُؤيِّد كلا العالمَيْن — العالم القطبي والعالم غير القطبي — في عملية النقل هذه. هل لا تزال غير مُتأثر بأهمية القوى البينجزيئية؟ إذن، ضع في اعتبارك الأمر الآتي: لولا القوى البينجزيئية، لما كان هناك سيفون!
على سبيل المثال: فيزياء السيفون
ويدفع الفرق في الضغط بين الوعاء الممتلئ والأنبوبة الفارغة الماء من على القمة، لكن الجذب بين جزيئات الماء هو الذي يحفظ التدفق متحركًا باستمرار عبر الفعل الطردي لتفريغ الوعاء. ويمكن تأكيد تلك الانجذابات البينجزيئية المتضمَّنة في صندوق الطرد بتجرِبة صغيرة: هل يُمكنك أن تتخيل سيفونًا يعمل بالرمل بدلًا من الماء؟ قد تكون هذه الرمال المستخدمة هي حلمَ القطة الصغيرة لتنام عليها، لكنها لن تُفلح مع السيفون! فعمله يعتمد على جزيء يسحب وراءه جزيئًا آخر، عندما تأتي على قمة شيء منحدر.
يعمل الماء جيدًا على إزالة الفضلات أيضًا؛ نظرًا إلى أن العديد من المواد تذوب في الماء، لكن كما نعلم جميعًا أن ثَمة فرقًا بين ماء الحمام وماء الكولونيا. تعتمد خصائصُ المحلول على المذيب والمذاب وكمِّ المذاب الذي تحويه، وسنتَّجه الآن لمناقشة هذه المعالم المهمة.